عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 04:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون (159) إلا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم (160) إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (161) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (162)}
هذا وعيدٌ شديدٌ لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدّلالات البيّنة على المقاصد الصّحيحة والهدى النّافع للقلوب، من بعد ما بيّنه اللّه -تعالى -لعباده في كتبه، التي أنزلها على رسله.
قال أبو العالية: «نزلت في أهل الكتاب، كتموا صفة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ أخبر أنّهم يلعنهم كلّ شيءٍ على صنيعهم ذلك، فكما أنّ العالم يستغفر له كلّ شيءٍ، حتّى الحوت في الماء والطّير في الهواء، فهؤلاء بخلاف العلماء الّذين يكتمون فيلعنهم اللّه ويلعنهم اللّاعنون». وقد ورد في الحديث المسند من طرقٍ يشدّ بعضها بعضًا، عن أبي هريرة، وغيره: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من سئل عن علمٍ فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجامٍ من نارٍ". والذي في الصّحيح عن أبي هريرة أنّه قال: «لولا آيةٌ في كتاب اللّه ما حدثت أحدًا شيئًا: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى}» الآية.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا عمّار بن محمّدٍ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن المنهال بن عمرٍو، عن زاذان أبي عمر عن البراء بن عازبٍ، قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في جنازةٍ، فقال: «إنّ الكافر يضرب ضربةً بين عينيه، فيسمع كلّ دابّةٍ غير الثّقلين، فتلعنه كلّ دابّةٍ سمعت صوته، فذلك قول اللّه تعالى: {أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون} يعني: دوابّ الأرض».
ورواه ابن ماجه عن محمّد بن الصّبّاح عن عمّار بن محمّدٍ به.
وقال عطاء بن أبي رباحٍ: «كلّ دابّةٍ والجنّ والإنس». وقال مجاهدٌ: «إذا أجدبت الأرض قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن اللّه عصاة بني آدم».
وقال أبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة:« {ويلعنهم اللاعنون} يعني تلعنهم ملائكة اللّه، والمؤمنون».
وقد جاء في الحديث، أنّ العالم يستغفر له كلّ شيءٍ حتّى الحيتان، وجاء في هذه الآية: أنّ كاتم العلم يلعنه اللّه والملائكة والنّاس أجمعون، واللّاعنون أيضًا، وهم كلّ فصيحٍ وأعجميٍّ إمّا بلسان المقال، أو الحال، أو لو كان له عقلٌ، أو يوم القيامة، واللّه أعلم ). [تفسير ابن كثير: 1/ 472-473]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ استثنى اللّه تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال: {إلا الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا} أي: رجعوا عمّا كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم وأحوالهم وبيّنوا للنّاس ما كانوا كتموه {فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم} وفي هذا دلالةٌ على أنّ الدّاعية إلى كفرٍ، أو بدعةٍ إذا تاب إلى اللّه تاب اللّه عليه.
وقد ورد أنّ الأمم السّابقة لم تكن التّوبة تقبل من مثل هؤلاء منهم، ولكنّ هذا من شريعة نبيّ التّوبة ونبيّ الرّحمة صلوات اللّه وسلامه عليه). [تفسير ابن كثير: 1/ 473]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى عمّن كفر به واستمرّ به الحال إلى مماته بأنّ {عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين * خالدين فيها}).[تفسير ابن كثير: 1/ 473] (م)

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى عمّن كفر به واستمرّ به الحال إلى مماته بأنّ {عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين * خالدين فيها} أي: في اللّعنة التّابعة لهم إلى يوم القيامة ثمّ المصاحبة لهم في نار جهنّم التي {لا يخفّف عنهم العذاب} فيها، أي: لا ينقص عمّا هم فيه {ولا هم ينظرون} أي: لا يغيّر عنهم ساعةً واحدةً، ولا يفتّر، بل هو متواصلٌ دائمٌ، فنعوذ باللّه من ذلك.
وقال أبو العالية وقتادة: «إنّ الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه اللّه، ثمّ تلعنه الملائكة، ثمّ يلعنه النّاس أجمعون».
فصلٌ: لا خلاف في جواز لعن الكفّار، وقد كان عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، وعمن بعده من الأئمّة، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره؛ فأمّا الكافر المعيّن، فقد ذهب جماعةٌ من العلماء إلى أنّه لا يلعن لأنّا لا ندري بما يختم له، واستدلّ بعضهم بهذه الآية: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين} وقالت طائفةٌ أخرى: بل يجوز لعن الكافر المعيّن. واختار ذلك الفقيه أبو بكر بن العربيّ المالكيّ، ولكنّه احتجّ بحديثٍ فيه ضعفٌ، واستدلّ غيره بقوله، عليه السّلام، في صحيح البخاريّ في قصّة الذي كان يؤتى به سكران فيحدّه، فقال رجلٌ: لعنه اللّه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تلعنه فإنّه يحبّ اللّه ورسوله» قالوا: فعلّة المنع من لعنه؛ بأنّه يحبّ اللّه ورسوله فدلّ على أنّ من لا يحبّ اللّه ورسوله يلعن، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1/ 473-474]


رد مع اقتباس