عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 03:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد جاءكم موسى بالبيّنات ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (92) وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين (93) قل إن كانت لكم الدّار الآخرة عند اللّه خالصةً من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين (94) ولن يتمنّوه أبداً بما قدّمت أيديهم واللّه عليمٌ بالظّالمين (95)}
البينات: التوراة والعصا وفرق البحر، وغير ذلك من آيات موسى عليه السلام.
وقوله تعالى: {ثمّ اتّخذتم}؛ تدل (ثم) على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات، وذلك أعظم في دينهم، وقد تقدمت قصة اتخاذهم العجل،
والضمير في قوله: {من بعده} عائد على موسى عليه السلام، أي: من بعده حين غاب عنكم في المناجاة،
ويحتمل أن يعود الضمير في {بعده} على المجيء. وهذه الآية رد عليهم في أن من آمن بما نزل عليه لا يتخذ العجل، وقد تقدم ذكر أخذ الميثاق ورفع الطور). [المحرر الوجيز: 1/ 285]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} يعني التوراة والشرع، و{بقوّةٍ} أي: بعزم ونشاط وجد.
{واسمعوا} معناه هنا: وأطيعوا، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط.
وقالت طائفة من المفسرين: إنهم قالوا سمعنا وعصينا. ونطقوا بهذه الألفاظ مبالغة في التعنت والمعصية.
وقالت طائفة: ذلك مجاز ولم ينطقوا بـ(سمعنا وعصينا)، ولكن فعلهم اقتضاه، كما قال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني ....... ... ... ... ...
وهذا أيضا احتجاج عليهم في كذب قولهم: {نؤمن بما أنزل علينا} [البقرة: 91]،
وقوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} التقدير: حب العجل، والمعنى: جعلت قلوبهم تشربه، وهذا تشبيه ومجاز، عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم،
وقال قوم: إن معنى قوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل}: شربهم الماء الذي ألقى فيه موسى برادة العجل، وذلك أنه برده بالمبرد ورماه في الماء، وقيل لبني إسرائيل: اشربوا من ذلك الماء فشرب جميعهم، فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول يرده قوله تعالى: {في قلوبهم}،
وروي أن الذين تبين فيهم حب العجل أصابهم من ذلك الماء الجبن،
وقوله تعالى: {بكفرهم} يحتمل أن تكون باء السبب، ويحتمل أن تكون بمعنى مع،
وقوله تعالى: {قل بئسما} الآية، أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم بأنه بئس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكم: {نؤمن بما أنزل علينا} [البقرة: 91]،
- و«ما» في موضع رفع، والتقدير: بئس الشيء قتل واتخاذ عجل وقول سمعنا وعصينا،
- ويجوز أن تكون «ما» في موضع نصب، و(إن كنتم مؤمنين) شرط. وقد يأتي الشرط والشارط يعلم أن الأمر على أحد الجهتين، كما قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام: {إن كنت قلته فقد علمته} [المائدة: 116]، وقد علم عيسى عليه السلام أنه لم يقله، وكذلك: {إن كنتم مؤمنين}، والقائل يعلم أنهم غير مؤمنين، لكنه إقامة حجة بقياس بيّن،
- وقال قوم: (إن) هنا نافية بمنزلة «ما» كالتي تقدمت،
وقرأ الحسن ومسلم بن جندب: «يأمركم بهو إيمانكم» برفع الهاء). [المحرر الوجيز: 1/ 285-287]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدّار الآخرة} الآية، أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم، والمعنى: إن كان لكم نعيمها وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها فتمنّوا الموت،
و(الدّار) اسم (كانت)، و(خالصةً) خبرها، ويجوز أن يكون نصب (خالصةً) على الحال، و(عند اللّه) خبر كان،
و(من دون النّاس): يحتمل أن يراد بـ(النّاس): محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه،
ويحتمل أن يراد العموم التام وهو قول اليهود فيما حفظ عنهم،
وقرأ ابن أبي إسحاق بكسر الواو من «تمنوا» للالتقاء، وحكى الأهوازي عن أبي عمرو أنه قرأ «تمنوا الموت» بفتح الواو، وحكي عن غيره اختلاس الحركة في الرفع، وقراءة الجماعة بضم الواو.
وهذه آية بينة أعطاها الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لأن اليهود قالت: نحن أبناء الله وأحباؤه، وشبه ذلك من القول، فأمر الله نبيه أن يدعوهم إلى تمني الموت، وأن يعلمهم أنه من تمناه منهم مات، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فعلم اليهود صدقه، فأحجموا عن تمنيه، فرقا من الله لقبح أعمالهم ومعرفتهم بكذبهم في قولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه، وحرصا منهم على الحياة.
- وقيل: إن الله تعالى منعهم من التمني وقصرهم على الإمساك عنه، لتظهر الآية لنبيه صلى الله عليه وسلم.
والمراد بقوله: «تمنوا» أريدوه بقلوبكم واسألوه، هذا قول جماعة من المفسرين،
- وقال ابن عباس: «المراد فيه السؤال فقط وإن لم يكن بالقلب»،
- وقال أيضا هو وغيره: «إنما أمروا بالدعاء بالموت على أردأ الحزبين من المؤمنين أو منهم»،
وذكر المهدوي وغيره أن هذه الآية كانت مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وارتفعت بموته.
- والصحيح أن هذه النازلة من موت من تمنى الموت إنما كانت أياما كثيرة عند نزول الآية، وهي بمنزلة دعائه النصارى من أهل نجران إلى المباهلة،
- وقالت فرقة: إن سبب هذا الدعاء إلى تمني الموت أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد به هلاك الفريق المكذب أو قطع حجتهم، لا أن علته قولهم نحن أبناء الله). [المحرر الوجيز: 1/ 287-288]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عنهم بعجزهم وأنهم لا يتمنونه، و(أبداً) ظرف زمان،
وإذا كانت «ما» بمعنى (الذي) فتحتاج إلى عائد تقديره: قدمته، وإذا كانت مع (قدمت) بمثابة المصدر غنيت عن الضمير، هذا قول سيبويه،
والأخفش يرى الضمير في المصدرية،
وأضاف ذنوبهم واجترامهم إلى الأيدي وأسند تقديمها إليها إذ الأكثر من كسب العبد الخير والشر إنما هو بيديه، فحمل جميع الأشياء على ذلك.
وقوله تعالى: {واللّه عليمٌ بالظّالمين} ظاهرها الخبر ومضمنها الوعيد، لأن الله عليم بالظالمين وغيرهم، ففائدة تخصيصهم حصول الوعيد). [المحرر الوجيز: 1/ 289]

تفسير قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولتجدنّهم أحرص النّاس على حياةٍ ومن الّذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنةٍ وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر واللّه بصيرٌ بما يعملون (96) قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه مصدّقاً لما بين يديه وهدىً وبشرى للمؤمنين (97) من كان عدوًّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين (98) ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ وما يكفر بها إلاّ الفاسقون (99)}
«وجد» في هذا المعنى تتعدى إلى مفعولين لأنها من أفعال النفس، ولذلك صح تعديها إلى ضمير المتكلم في قول الشاعر:
تلفّت نحو الحيّ حتّى وجدتني ....... وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الضب: «إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه»، وحرصهم على الحياة لمعرفتهم بذنوبهم وأن لا خير لهم عند الله تعالى.
وقوله تعالى: {ومن الّذين أشركوا}؛
- قيل: المعنى وأحرص من الذين أشركوا، لأن مشركي العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة الدنيا، ألا ترى إلى قول امرئ القيس:
تمتّع من الدنيا فإنك فان
والضمير في (أحدهم) يعود في هذا القول على اليهود،
- وقيل: إن الكلام تم في قوله: {حياةٍ}، ثم استؤنف الإخبار عن طائفة من المشركين أنهم يودّ أحدهم وهي المجوس، لأن تشميتهم للعاطس لفظ بلغتهم معناه «عش ألف سنة» فكأن الكلام: ومن المشركين قوم يودّ أحدهم، وفي هذا القول تشبيه بني إسرائيل بهذه الفرقة من المشركين، وقصد «الألف» بالذكر لأنها نهاية العقد في الحساب.
وقوله تعالى: {وما هو بمزحزحه} اختلف النحاة في (هو)،
- فقيل: هو ضمير الأحد المتقدم الذكر، فالتقدير: وما أحدهم بمزحزحه، وخبر الابتداء في المجرور، و(أن يعمّر) فاعل بمزحزح،
- وقالت فرقة: هو ضمير التعمير، والتقدير: وما التعمير بمزحزحه والخبر في المجرور، و(أن يعمّر) بدل من التعمير في هذا القول،
- وقالت فرقة: هو ضمير الأمر والشأن، وقد رد هذا القول بما حفظ عن النحاة من أن الأمر والشأن إنما يفسر بجملة سالمة من حرف جر، وقد جوز أبو علي ذلك في بعض مسائله الحلبيات،
- وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: هو عماد،
- وقيل: (ما) عاملة حجازية، و(هو) اسمها، والخبر في (بمزحزحه)،
والزحزحة: الإبعاد والتنحية.
وفي قوله: {واللّه بصيرٌ بما يعملون} وعيد، والجمهور على قراءة «يعملون» بالياء من أسفل، وقرأ قتادة والأعرج ويعقوب «تعملون» بالتاء من فوق، وهذا على الرجوع إلى خطاب المتوعدين من بني إسرائيل). [المحرر الوجيز: 1/ 289-291]


رد مع اقتباس