عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 09:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا قد علم كلّ أناسٍ مشربهم كلوا واشربوا من رزق اللّه ولا تعثوا في الأرض مفسدين (60)}
يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيّكم موسى، عليه السّلام، حين استسقاني لكم، وتيسيري لكم الماء، وإخراجه لكم من حجر يحمل معكم، وتفجيري الماء لكم منه من ثنتي عشرة عينًا لكلّ سبطٍ من أسباطكم عينٌ قد عرفوها، فكلوا من المنّ والسّلوى، واشربوا من هذا الماء الّذي أنبعته لكم بلا سعيٍ منكم ولا كدٍّ، واعبدوا الّذي سخّر لكم ذلك. {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} ولا تقابلوا النّعم بالعصيان فتسلبوها. وقد بسطه المفسّرون في كلامهم، كما قال ابن عبّاسٍ: «وجعل بين ظهرانيهم حجرٌ مربّع وأمر موسى، عليه السّلام، فضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، في كلّ ناحيةٍ منه ثلاث عيونٍ، وأعلم كلّ سبطٍ عينهم، يشربون منها لا يرتحلون من منقلة إلّا وجدوا ذلك معهم بالمكان الّذي كان منهم بالمنزل الأوّل».
وهذا قطعةٌ من الحديث الّذي رواه النّسائيّ، وابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ، وهو حديث الفتون الطّويل.
وقال عطيّة العوفيّ: وجعل لهم حجرٌ مثل رأس الثّور يحمل على ثورٍ، فإذا نزلوا منزلًا وضعوه فضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، فإذا ساروا حملوه على ثور، فاستمسك الماء.
وقال عثمان بن عطاءٍ الخراسانيّ، عن أبيه: «كان لبني إسرائيل حجرٌ، فكان يضعه هارون ويضربه موسى بالعصا».
وقال قتادة: «كان حجرًا طوريًّا، من الطّور، يحملونه معهم حتّى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه».
[وقال الزّمخشريّ: وقيل: كان من رخامٍ وكان ذراعًا في ذراعٍ، وقيل: مثل رأس الإنسان، وقيل: كان من أسس الجنّة طوله عشرة أذرعٍ على طول موسى. وله شعبتان تتّقدان في الظّلمة وكان يحمل على حمارٍ، قال: وقيل: أهبطه آدم من الجنّة فتوارثوه، حتّى وقع إلى شعيبٍ فدفعه إليه مع العصا، وقيل: هو الحجر الّذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل، فقال له جبريل: ارفع هذا الحجر فإنّ فيه قدرةً ولك فيه معجزةً، فحمله في مخلاته. قال الزّمخشريّ: ويحتمل أن تكون اللّام للجنس لا للعهد، أي اضرب الشّيء الّذي يقال له الحجر، وعن الحسن لم يأمره أن يضرب حجرًا بعينه، قال: وهذا أظهر في المعجزة وأبين في القدرة فكان يضرب الحجر بعصاه فينفجر ثمّ يضربه فييبس، فقالوا: إن فقد موسى هذا الحجر عطشنا، فأوحى اللّه إليه أن يكلّم الحجارة فتنفجر ولا يمسّها بالعصا لعلّهم يقرّون].
وقال يحيى بن النّضر: قلت لجويبرٍ: كيف علم كلّ أناسٍ مشربهم؟ قال: «كان موسى يضع الحجر، ويقوم من كلّ سبطٍ رجلٌ، ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينًا فينضح من كلّ عينٍ على رجلٍ، فيدعو ذلك الرّجل سبطه إلى تلك العين».
وقال الضّحّاك: قال ابن عبّاسٍ: «لمّا كان بنو إسرائيل في التّيه شقّ لهم من الحجر أنهارًا».
وقال سفيان الثّوريّ، عن أبي سعيدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «ذلك في التّيه، ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه اثنتا عشرة عينًا من ماءٍ، لكلّ سبط منهم عينٌ يشربون منها».
وقال مجاهدٌ نحو قول ابن عبّاسٍ.
وهذه القصّة شبيهةٌ بالقصّة المذكورة في سورة الأعراف، ولكنّ تلك مكّيّةٌ، فلذلك كان الإخبار عنهم بضمير الغائب؛ لأنّ اللّه تعالى يقصّ ذلك على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم عمّا فعل بهم. وأمّا في هذه السّورة، وهي البقرة فهي مدنيّةٌ؛ فلهذا كان الخطاب فيها متوجّهًا إليهم. وأخبر هناك بقوله: {فانبجست منه اثنتا عشرة عينًا} [الأعراف: 160] وهو أوّل الانفجار، وأخبر هاهنا بما آل إليه الأمر آخرًا وهو الانفجار فناسب ذكر الانفجار هاهنا، وذاك هناك، واللّه أعلم.
وبين السّياقين تباينٌ من عشرة أوجهٍ لفظيّةٍ ومعنويّةٍ قد سأل عنها الرّازيّ في تفسيره وأجاب عنها بما عنده، والأمر في ذلك قريبٌ واللّه تبارك وتعالى أعلم بأسرار كتابه). [تفسير ابن كثير: 1 / 278 -280]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعامٍ واحدٍ فادع لنا ربّك يخرج لنا ممّا تنبت الأرض من بقلها وقثّائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الّذي هو أدنى بالّذي هو خيرٌ اهبطوا مصرًا فإنّ لكم ما سألتم}
يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المنّ والسّلوى، طعامًا طيّبًا نافعًا هنيئًا سهلًا واذكروا دبركم وضجركم ممّا رزقتكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدّنيّة من البقول ونحوها ممّا سألتم. وقال الحسن البصريّ رحمه اللّه: «فبطروا ذلك ولم يصبروا عليه، وذكروا عيشهم الّذي كانوا فيه، وكانوا قومًا أهل أعداسٍ وبصلٍ وبقلٍ وفومٍ، فقالوا: {يا موسى لن نصبر على طعامٍ واحدٍ فادع لنا ربّك يخرج لنا ممّا تنبت الأرض من بقلها وقثّائها وفومها وعدسها وبصلها}» [وهم يأكلون المنّ والسّلوى، لأنّه لا يتبدّل ولا يتغيّر كلّ يومٍ فهو كأكلٍ واحدٍ] فالبقول والقثّاء والعدس والبصل كلّها معروفةٌ. وأمّا "الفوم" فقد اختلف السّلف في معناه فوقع في قراءة ابن مسعودٍ "وثومها" بالثّاء، وكذلك فسّره مجاهدٌ في رواية ليث بن أبي سليمٍ، عنه، بالثّوم. وكذا الرّبيع بن أنسٍ، وسعيد بن جبيرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن رافعٍ، حدّثنا أبو عمارة يعقوب بن إسحاق البصريّ، عن يونس، عن الحسن، في قوله: {وفومها} قال: قال ابن عبّاسٍ: «الثّوم».
قالوا: وفي اللّغة القديمة: فوّموا لنا بمعنى: اختبزوا. وقال ابن جريرٍ: فإن كان ذلك صحيحًا، فإنّه من الحروف المبدلة كقولهم: وقعوا في "عاثور شرّ، وعافور شرٍّ، وأثافيّ وأثاثيّ، ومغافير ومغاثير". وأشباه ذلك ممّا تقلب الفاء ثاءً والثّاء فاءً لتقارب مخرجيهما، واللّه أعلم.
وقال آخرون: الفوم الحنطة، وهو البرّ الّذي يعمل منه الخبز.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأنا ابن وهبٍ قراءةً، حدّثني نافع بن أبي نعيمٍ: أنّ ابن عبّاسٍ سئل عن قول اللّه: {وفومها} ما فومها؟ قال: «الحنطة». قال ابن عبّاسٍ: «أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهو يقول:

قد كنت أغنى النّاس شخصًا واحدًا ....... ورد المدينة عن زراعة فوم

وقال ابن جريرٍ: حدّثنا عليّ بن الحسن، حدّثنا مسلمٌ الجرميّ، حدّثنا عيسى بن يونس، عن رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه تعالى: {وفومها} قال: «الفوم الحنطة بلسان بني هاشم».
وكذا قال عليّ بن أبي طلحة، والضّحّاك وعكرمة عن ابن عبّاسٍ أنّ الفوم: الحنطة.
وقال سفيان الثّوريّ، عن ابن جريج، عن مجاهدٍ وعطاءٍ: {وفومها} قالا: «وخبزها».
وقال هشيم عن يونس، عن الحسن، وحصينٍ، عن أبي مالكٍ: {وفومها} قال: «الحنطة».
وهو قول عكرمة، والسّدّيّ، والحسن البصريّ، وقتادة، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم، واللّه أعلم.
[وقال الجوهريّ: الفوم: الحنطة. وقال ابن دريدٍ: الفوم: السّنبلة، وحكى القرطبيّ عن عطاءٍ وقتادة أنّ الفوم كلّ حبٍّ يختبز. قال: وقال بعضهم: هو الحمّص لغةٌ شاميّةٌ، ومنه يقال لبائعه: فاميٌّ مغيّرٌ عن فوميٍّ].
وقال البخاريّ: «وقال بعضهم: الحبوب الّتي تؤكل كلّها فومٌ».
وقوله تعالى: {قال أتستبدلون الّذي هو أدنى بالّذي هو خيرٌ} فيه تقريعٌ لهم وتوبيخٌ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدّنيّة مع ما هم فيه من العيش الرّغيد، والطّعام الهنيء الطّيّب النّافع.
وقوله: {اهبطوا مصرًا} هكذا هو منوّنٌ مصروفٌ مكتوبٌ بالألف في المصاحف الأئمّة العثمانيّة، وهو قراءة الجمهور بالصّرف.
قال ابن جريرٍ: ولا أستجيز القراءة بغير ذلك؛ لإجماع المصاحف على ذلك.
وقال ابن عبّاسٍ: {اهبطوا مصرًا} قال: «مصرًا من الأمصار»، رواه ابن أبي حاتمٍ، من حديث أبي سعيدٍ البقّال سعيد بن المرزبان، عن عكرمة، عنه.
قال: وروي عن السّدّيّ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
وقال ابن جريرٍ: وقع في قراءة أبيّ بن كعبٍ وابن مسعودٍ: "اهبطوا مصر" من غير إجراءٍ يعني من غير صرفٍ. ثمّ روى عن أبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ أنّهما فسّرا ذلك بمصر فرعون.
وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ عن أبي العالية، وعن الأعمش أيضًا.
وقال ابن جريرٍ: ويحتمل أن يكون المراد مصر فرعون على قراءة الإجراء أيضًا. ويكون ذلك من باب الاتّباع لكتابة المصحف، كما في قوله تعالى: {قواريرا * قواريرا} [الإنسان: 15، 16]. ثمّ توقّف في المراد ما هو؟ أمصر فرعون أم مصرٌ من الأمصار؟
وهذا الّذي قاله فيه نظرٌ، والحقّ أنّ المراد مصرٌ من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره، والمعنى على ذلك لأنّ موسى، عليه السّلام يقول لهم: هذا الّذي سألتم ليس بأمرٍ عزيزٍ، بل هو كثيرٌ في أيّ بلدٍ دخلتموه وجدتموه، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل اللّه فيه؛ ولهذا قال: {أتستبدلون الّذي هو أدنى بالّذي هو خيرٌ اهبطوا مصرًا فإنّ لكم ما سألتم} أي: ما طلبتم، ولمّا كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه، لم يجابوا إليه، واللّه أعلم.
{وضربت عليهم الذّلّة والمسكنة وباءوا بغضبٍ من اللّه ذلك بأنّهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النّبيّين بغير الحقّ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (61)}
يقول تعالى: {وضربت عليهم الذّلّة والمسكنة} أي: وضعت عليهم وألزموا بها شرعًا وقدرًا، أي: لا يزالون مستذلّين، من وجدهم استذلّهم وأهانهم، وضرب عليهم الصّغار، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلّاء متمسكنون.
قال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وضربت عليهم الذّلّة والمسكنة} قال: «هم أصحاب النّيالات يعني أصحاب الجزية».
وقال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الحسن وقتادة، في قوله تعالى: {وضربت عليهم} قال: «يعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون»، وقال الضّحّاك: {وضربت عليهم الذّلّة} قال: «الذّلّ». وقال الحسن: «أذلّهم اللّه فلا منعة لهم، وجعلهم اللّه تحت أقدام المسلمين. ولقد أدركتهم هذه الأمّة وإنّ المجوس لتجبيهم الجزية».
وقال أبو العالية والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ: «المسكنة الفاقة». وقال عطيّة العوفيّ: «الخراج». وقال الضّحّاك: «الجزية».
وقوله تعالى: {وباءوا بغضبٍ من اللّه} قال الضّحّاك: «استحقّوا الغضب من اللّه»، وقال الرّبيع بن أنسٍ: «فحدث عليهم غضبٌ من اللّه». وقال سعيد بن جبيرٍ: {وباءوا بغضبٍ من اللّه} يقول: «استوجبوا سخطًا»، وقال ابن جريرٍ: يعني بقوله: {وباءوا بغضبٍ من اللّه} انصرفوا ورجعوا، ولا يقال: باؤوا إلّا موصولًا إمّا بخيرٍ وإمّا بشرٍّ، يقال منه: باء فلانٌ بذنبه يبوء به بوءًا وبواءً. ومنه قوله تعالى: {إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} [المائدة: 29] يعني: تنصرف متحمّلهما وترجع بهما، قد صارا عليك دوني. فمعنى الكلام إذًا: فرجعوا منصرفين متحمّلين غضب اللّه، قد صار عليهم من اللّه غضبٌ، ووجب عليهم من اللّه سخطٌ.
وقوله تعالى: {ذلك بأنّهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النّبيّين بغير الحقّ} يقول تعالى: هذا الّذي جازيناهم من الذّلّة والمسكنة، وإحلال الغضب بهم بسبب استكبارهم عن اتّباع الحقّ، وكفرهم بآيات اللّه، وإهانتهم حملة الشّرع وهم الأنبياء وأتباعهم، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم، فلا كبر أعظم من هذا، إنّهم كفروا بآيات اللّه وقتلوا أنبياء اللّه بغير الحقّ؛ ولهذا جاء في الحديث المتّفق على صحّته أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الكبر بطر الحقّ، وغمط النّاس».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل، عن ابن عونٍ، عن عمرو بن سعيدٍ، عن حميد بن عبد الرّحمن، قال: قال ابن مسعودٍ: كنت لا أحجب عن النّجوى، ولا عن كذا ولا عن كذا قال: فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعنده مالك بن مرارة الرّهاويّ، فأدركته من آخر حديثه، وهو يقول: يا رسول اللّه، قد قسم لي من الجمال ما ترى، فما أحبّ أنّ أحدًا من النّاس فضلني بشراكين فما فوقهما أفليس ذلك هو البغي؟ فقال: «لا ليس ذلك من البغي، ولكنّ البغي من بطر -أو قال: سفه الحقّ-وغمط النّاس». يعني: ردّ الحقّ وانتقاص النّاس، والازدراء بهم والتّعاظم عليهم. ولهذا لمّا ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات اللّه وقتل أنبيائهم، أحلّ اللّه بهم بأسه الّذي لا يردّ، وكساهم ذلًّا في الدّنيا موصولًا بذلّ الآخرة جزاءً وفاقًا.
قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: «كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبيٍّ، ثمّ يقيمون سوق بقلهم في آخر النّهار».
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا أبان، حدّثنا عاصمٌ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه -يعني ابن مسعودٍ-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أشدّ النّاس عذابًا يوم القيامة رجلٌ قتله نبيٌّ، أو قتل نبيًّا، وإمام ضلالةٍ وممثّلٌ من الممثّلين».
وقوله تعالى: {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} وهذه علّةٌ أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به، أنّهم كانوا يعصون ويعتدون، فالعصيان فعل المناهي، والاعتداء المجاوزة في حدّ المأذون فيه أو المأمور به. والله أعلم). [تفسير ابن كثير: 1 / 280 -283]


رد مع اقتباس