عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيّاي فارهبون (40) وآمنوا بما أنزلت مصدّقاً لما معكم ولا تكونوا أوّل كافرٍ به ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإيّاي فاتّقون (41)}


- (يا) حرف نداء مضمن معنى التنبيه.


قال الخليل: «والعامل في المنادى فعل مضمر كأنه يقول: أريد أو أدعو».


وقال أبو علي الفارسي: العامل حرف النداء عصب به معنى الفعل المضمر فقوي فعمل، ويدل على ذلك أنه ليس في حروف المعاني ما يلتئم بانفراده مع الأسماء غير حرف النداء،


- و(بني) منادى مضاف و(إسرائيل) هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وهو اسم أعجمي يقال فيه إسراءل وإسرائيل وإسرائيل، وتميم تقول إسرائين،


وإسرا هو بالعبرانية عبد، وإيل اسم الله تعالى، فمعناه عبد الله.


وحكى المهدوي أن (إسرا) مأخوذ من الشدة في الأسر كأنه الذي شد الله أسره وقوى خلقته.


وروي عن نافع والحسن والزهري وابن أبي إسحاق ترك همز إسراييل،


- والذكر في كلام العرب على أنحاء، وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضد النسيان،


- والنعمة هنا اسم الجنس فهي مفردة بمعنى الجمع، وتحركت الياء من (نعمتي) لأنها لقيت الألف واللام، ويجوز تسكينها، وإذا سكنت حذفت للالتقاء وفتحها أحسن لزيادة حرف في كتاب الله تعالى،


وخصص بعض العلماء النعمة في هذه الآية.


فقال الطبري: «بعثة الرسل منهم وإنزال المن والسلوى، وإنقاذهم من تعذيب آل فرعون، وتفجير الحجر».


وقال غيره: «النعمة هنا أن دركهم مدة محمد صلى الله عليه وسلم».


وقال آخرون: «هي أن منحهم علم التوراة وجعلهم أهله وحملته».


قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه أقوال على جهة المثال، والعموم في اللفظة هو الحسن.


وحكى مكي: أن المخاطب من بني إسرائيل بهذا الخطاب هم المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، لأن الكافر لا نعمة لله عليه.


وقال ابن عباس وجمهور العلماء: بل الخطاب لجميع بني إسرائيل في مدة النبي عليه السلام، مؤمنهم وكافرهم،


- والضمير في (عليكم) يراد به على آبائكم كما تقول العرب ألم نهزمكم يوم كذا لوقعة كانت بين الآباء والأجداد، ومن قال إنما خوطب المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم استقام الضمير في (عليكم) ويجيء كل ما توالى من الأوامر على جهة الاستدامة.


- وقوله تعالى: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} أمر وجوابه.


فقال الخليل: «جزم الجواب في الأمر من معنى الشرط، والوفاء بالعهد هو التزام ما تضمن من فعل».


وقرأ الزهري: «أوفّ» بفتح الواو وشد الفاء للتكثير.


واختلف المتأولون في هذا العهد إليهم؛ فقال الجمهور ذلك عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة، وقيل العهد قوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ} [البقرة: 63، 93]، وقال ابن جريج: العهد قوله تعالى: {ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل} [المائدة: 12]، وعهدهم هو أن يدخلهم الجنة، ووفاؤهم بعهد الله أمارة لوفاء الله تعالى لهم بعهدهم، لا علة له، لأن العلة لا تتقدم المعلول.


- وقوله تعالى: {وإيّاي فارهبون} الاسم ايا والياء ضمير ككاف المخاطب، وقيل: إيّاي بجملته هو الاسم، وهو منصوب بإضمار فعل مؤخر، تقديره: وإياي ارهبوا فارهبون، وامتنع أن يتقدر مقدما لأن الفعل إذا تقدم لم يحسن أن يتصل به إلا ضمير خفيف، فكان يجيء وارهبون، والرهبة يتضمن الأمر بها معنى التهديد وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس آية.


وقرأ ابن أبي إسحاق بالياء). [المحرر الوجيز: 1/ 193-195]




تفسير قوله تعالى: {وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)}


قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({وآمنوا} معناه: صدقوا، و{مصدّقاً} نصب على الحال من الضمير في {أنزلت}، وقيل من «ما»، والعامل فيه {آمنوا}.


و{ما أنزلت} كناية عن القرآن، و{لما معكم} يعني من التوراة.


وقوله تعالى: {ولا تكونوا أوّل كافرٍ به} هذا من مفهوم الخطاب الذي المذكور فيه والمسكوت عنه حكمهما واحد، فالأول والثاني وغيرهما داخل في النهي، ولكن حذروا البدار إلى الكفر به إذ على الأول كفل من فعل المقتدى به، ونصب (أول) على خبر كان.


قال سيبويه: «أوّل أفعل لا فعل له لاعتلال فائه وعينه»، قال غير سيبويه: «هو أوأل من وأل إذا نجا، خففت الهمزة وأبدلت واوا وأدغمت».


وقيل: إنه من آل فهو أأول قلب فجاء وزنه أعفل، وسهل وأبدل وأدغم،


ووحد كافر وهو بنية الجمع لأن أفعل إذا أضيف إلى اسم متصرف من فعل جاز إفراد ذلك الاسم، والمراد به الجماعة.


قال الشاعر:




وإذا هم طعموا فألأم طاعم ....... وإذا هم جاعوا فشرّ جياع




وسيبويه يرى أنها نكرة مختصرة من معرفة، كأنه قال: ولا تكونوا أول كافرين به، وقيل معناه: ولا تكونوا أول فريق كافر به.


قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد كان كفر قبلهم كفار قريش، فإنما معناه من أهل الكتاب، إذ هم منظور إليهم في مثل هذا، لأنهم حجة مظنون بهم علم،


واختلف في الضمير في (به) على من يعود، فقيل: على محمد عليه السلام، وقيل: على التوراة إذ تضمنها قوله: {لما معكم}.


قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا القول يجيء (أوّل كافرٍ به) مستقيما على ظاهره في الأولية،


وقيل: الضمير في (به) عائد على القرآن، إذ تضمنه قوله: {بما أنزلت}.


واختلف المتأولون في الثمن الذي نهوا أن يشتروه بالآيات، فقالت طائفة: إن الأحبار كانوا يعلمون دينهم بالأجرة، فنهوا عن ذلك وفي كتبهم: علم مجانا كما علمت مجانا، أي: باطلا بغير أجرة.


وقال قوم: كانت للأحبار مأكلة يأكلونها على العلم كالراتب فنهوا عن ذلك.


وقال قوم: إن الأحبار أخذوا رشى على تغيير قصة محمد عليه السلام في التوراة، ففي ذلك قال تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلًا} [البقرة: 41، المائدة: 44].


وقال قوم: معنى الآية: ولا تشتروا بأوامري ونواهيّ وآياتي ثمنا قليلا، يعني الدنيا ومدتها والعيش الذي هو نزر لا خطر له،


وقد تقدم نظير قوله: {وإيّاي فاتّقون}، وبين «اتقون» و«ارهبون» فرق، أن الرهبة مقرون بها وعيد بالغ). [المحرر الوجيز: 1/ 195-197]



تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)}


قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون (42) وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واركعوا مع الرّاكعين (43) أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (44) واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلاّ على الخاشعين (45) الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم وأنّهم إليه راجعون (46)}


المعنى ولا تخلطوا، يقال: «لبست الأمر» بفتح الباء ألبسه، إذا خلطته ومزجت بينه بمشكله وحقه بباطله.


وأما قول الشاعر:



وكتيبة لبّستها بكتيبة ....... ... ... ... ...




فالظاهر أنه من هذا المعنى، ويحتمل أن يكون من اللباس،


واختلف أهل التأويل في المراد بقوله: {الحقّ بالباطل}.


فقال أبو العالية: «قالت اليهود: محمد نبي مبعوث، لكن إلى غيرنا، فإقرارهم ببعثه حق، وجحدهم أنه بعث إليهم باطل».


وقال الطبري: «كان من اليهود منافقون، فما أظهروا من الإيمان حق، وما أبطنوا من الكفر باطل».


وقال مجاهد: «معناه: لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام».


وقال ابن زيد: «المراد بـ«الحقّ» التوراة، و«الباطل» ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه السلام»،


و(تلبسوا) جزم بالنهي، و(تكتموا) عطف عليه في موضع جزم، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار «أن»، وإذا قدرت «أن» كانت مع (تكتموا) بتأويل المصدر، وكانت الواو عاطفة على مصدر مقدر من (تلبسوا)، كأن الكلام: ولا يكن لبسكم الحق بالباطل وكتمانكم الحق.


وقال الكوفيون: (تكتموا) نصب بواو الصرف، والحقّ يعني به أمر محمد صلى الله عليه وسلم».


وقوله تعالى: {وأنتم تعلمون} جملة في موضع الحال، ولم يشهد لهم تعالى بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا، ويحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد عليه السلام، ولم يشهد لهم بالعلم على الإطلاق ولا تكون الجملة على هذا في موضع الحال، وفي هذه الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من واقعه على علم، وأنه أعصى من الجاهل). [المحرر الوجيز: 1/ 197-198]




تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}


قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({وأقيموا الصّلاة} معناه: أظهروا هيئتها وأديموها بشروطها، وذلك تشبيه بإقامة القاعد إلى حال ظهور، ومنه قول الشاعر:



وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا ....... حتى تقيم الخيل سوق طعان




وقد تقدم القول في الصلاة، والزّكاة في هذه الآية هي المفروضة بقرينة إجماع الأمة على وجوب الأمر بها، والزّكاة مأخوذة من زكا الشيء إذا نما وزاد، وسمي الإخراج من المال زكاة وهو نقص منه من حيث ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثيب الله به المزكي، وقيل: الزّكاة مأخوذة من التطهير، كما يقال: زكا فلان أي: طهر من دنس الجرحة أو الاغفال، فكأن الخارج من المال يطهره من تبعة الحق الذي جعل الله فيه للمساكين، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى في الموطأ ما يخرج في الزكاة «أوساخ الناس».


وقوله تعالى: {واركعوا مع الرّاكعين}


- قال قوم: جعل الركوع لما كان من أركان الصلاة عبارة عن الصلاة كلها.


- وقال قوم: إنما خص الركوع بالذكر لأن بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع.


- وقالت فرقة: إنما قال: (مع) لأن الأمر بالصلاة أولا لم يقتض شهود الجماعة، فأمرهم بقوله: (مع) بشهود الجماعة،


والركوع في اللغة: الانحناء بالشخص. قال لبيد:



أخبر أخبار القرون التي مضت ....... أدبّ كأني كلما قمت راكع




ويستعار أيضا في الانحطاط في المنزلة، قال الأضبط بن قريع:



لا تعاد الضعيف علك أن ....... تركع يوما والدهر قد رفعه




). [المحرر الوجيز: 1/ 198-199]



رد مع اقتباس