عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:50 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنّه للحقّ من ربّك وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}:
شطره: تلقاؤه.

- حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا عبد العزيز بن مسلمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن دينارٍ، قال: سمعت ابن عمر رضي اللّه عنهما، يقول: «بينا النّاس في الصّبح بقباءٍ، إذ جاءهم رجلٌ فقال: أنزل اللّيلة قرآنٌ، فأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، واستداروا كهيئتهم فتوجّهوا إلى الكعبة وكان وجه النّاس إلى الشّام» ). [صحيح البخاري: 6/ 22]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنّه للحقّ من ربّك وما الله بغافلٍ عمّا تعلمون}

شطره: تلقاؤه
هكذا هو في غير رواية أبي ذر، وفي رواية أبي ذر: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} الآية قوله: {من حيث خرجت} أي: ومن أي بلد خرجت للسّفر {فول وجهك شطر المسجد الحرام} إذا صليت. قوله: {وإنّه} أي: وإن هذا المأمور به {للحق من ربك} وقرئ: تعملون، بالتّاء والياء. هذه الآية أمر آخر من الله باستقبال القبلة نحو المسجد الحرام من جميع أقطار الأرض. قوله: {شطره} تلقاؤه أي: شطر المسجد الحرام تلقاؤه، وهو مبتدأ وخبر والشطر في أصل اللّغة: النّصف، وهنا المراد به تلقاء المسجد الحرام.
- حدّثنا موساى بن إسماعيل حدّثنا عبد العزيز بن مسلمٍ حدّثنا عبد الله بن دينارٍ قال: «سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: بينا النّاس في الصّبح بقباءٍ إذ جاءهم رجلٌ فقال: أنزل اللّيلة قرآنٌ فأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها واستداروا كهيئتهم فتوجّهوا إلى الكعبة وكان وجه النّاس إلى الشام».

هذا طريق آخر في حديث ابن عمر الماضي. عن قريب). [عمدة القاري: 18/ 98]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنّه للحقّ من ربّك وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون}

شطره: تلقاءه، {ومن حيث خرجت} أي ومن أي مكان خرجت للسفر {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} إذا صليت {وإنه} أي المأمور به وهو التوجه للكعبة {للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون} فيجازيكم بأعمالكم، وفي رواية أبي ذر بعد قوله: {شطر المسجد الحرام} الآية وحذف ما بعدها (شطره) مبتدأ أي شطر المسجد الحرام وخبره (تلقاؤه).
- حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا عبد العزيز بن مسلمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن دينارٍ، قال: «سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: بينا النّاس في الصّبح بقباءٍ إذ جاءهم رجلٌ فقال: أنزل اللّيلة قرآنٌ، فأمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها واستداروا كهيئتهم فتوجّهوا إلى الكعبة، وكان وجه النّاس إلى الشّام».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر (قال: «سمعت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: بينما الناس») بالميم وفي نسخة بإسقاطها «في) صلاة «الصبح بقباء» في مسجده «إذ جاءهم رجل» هو عباد بن بشر «فقال» لهم: «أنزل الليلة» بضم الهمزة «قرآن فأمر» بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولأبي ذر: وأمر بالواو بدل الفاء «أن يستقبل الكعبة» إذا صلّى «فاستقبلوها» بكسر الموحدة «فاستداروا» بالفاء ولغير أبي ذر: واستداروا «كهيئتهم» من غير تغير «فتوجهوا إلى الكعبة» من غير أن تتوالى خطاهم عند التوجه «وكان وجه الناس إلى الشام» تفسير من الراوي كما سبق). [إرشاد الساري: 7/ 18]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنّه للحقّ من ربّك وما اللًّه بغافلٍ عمّا تعملون}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ومن حيث خرجت} ومن أيّ موضعٍ خرجت إلى أيّ موضعٍ وجّهت فولّ يا محمّد وجهك يقول: حوّل وجهك.
وقد دللنا على أنّ التّولية في هذا الموضع شطر المسجد الحرام، إنّما هي الإقبال بالوجه نحوه؛ وقد بيّنّا معنى الشّطر فيما مضى.
وأمّا قوله: {وإنّه للحقّ من ربّك} فإنّه يعني تعالى ذكره: وإنّ التّوجّه شطره للحقّ الّذي لا شكّ فيه من عند ربّك، فحافظوا عليه، وأطيعوا اللّه في بتوجّهكم قبله.
وأمّا قوله: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} فإنّه يقول: فإنّ اللّه تعالى ذكره ليس بساهٍ عن أعمالكم ولا بغافلٍ عنها، ولكنّه محصيها لكم حتّى يجازيكم بها يوم القيامة). [جامع البيان: 2/ 681-682]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) }

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة وابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} قال: «هم مشركو العرب قالوا حين صرفت القبلة إلى الكعبة قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم قال الله تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون}»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 62]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره} إلى قوله: {ولعلّكم تهتدون}
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، عن مالكٍ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، قال: «بينما النّاس في صلاة الصّبح بقباءٍ، إذ جاءهم آتٍ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قد أنزل عليه اللّيلة، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشّأم، فاستداروا إلى القبلة»). [صحيح البخاري: 6/ 22-23]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} الآية:
كذا لأبي ذرٍّ ولغيره إلى {عمّا تعلمون} قوله: شطره: تلقاؤه، قال الفرّاء في قوله تعالى: {فولوا وجوهكم شطره} يريد نحوه، قال: وفي بعض القراءات تلقاءه وروى الطّبريّ من طريق أبي العالية قال: «{شطر المسجد الحرام} تلقاءه»، ومن طريق قتادة نحوه ثمّ ذكر حديث بن عمر من طريق أخرى). [فتح الباري: 8/ 175]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم} إلى قوله: {ولعلّكم تهتدون} كرر هذا لحكمة نذكرها الآن:
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ عن مالكٍ عن عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمر قال: «بينما النّاس في صلاة الصّبح بقباءٍ إذ جاءهم آتٍ فقال إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه اللّيلة وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشّأم فاستداروا إلى القبلة».
هذا طريق آخر من وجه آخر في حديث ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أخرجه عن قريب عن يحيى بن قزعة عن مالك، واختلفوا في حكمة هذا التّكرار ثلاث مرار، فقيل: «تأكيد، لأنّه أول ناسخ وقع في الإسلام» على ما نص عليه ابن عبّاس وغيره، وقيل: «بل هو منزل على أحوال: فالأمر الأول: لمن هو مشاهد للكعبة، والثّاني: لمن هو في مكّة غائبا عنها، والثّالث: لمن هو في بقيّة البلدان» قاله الرّازيّ. وقال القرطبيّ: «الأول: لمن هو بمكّة، والثّاني: لمن هو في بقيّة الأمصار، والثّالث: لمن خرج في الأسفار»). [عمدة القاري: 18/ 98]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره} . هذا أمر ثالث منه تعالى باستقبال الكعبة.
واختلف في حكمة التكرار فقيل: «تأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام» على ما نص عليه ابن عباس وغيره والنسخ من مظان الفتنة والشبهة، فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى، وقيل إنه منزل على أحوال. فالأول لمن هو مشاهد للكعبة، والثاني: لمن هو في مكة غائبًا عن مشاهدة الكعبة، والثالث: لمن هو في غيرها من البلدان، أو الأول لمن بمكة، والثاني لمن هو بغيرها من البلدان، والثالث لمن خرج في الأسفار، ولأبي ذر عن الكشميهني: «شطره بالنصب تلقاءه»، وزاد في رواية غير أبي ذر قوله: {وحيث ما كنتم} إلى قوله: {ولعلكم تهتدون} أي إلى ما ضلت عنه الأمم، ولذا كانت هذه الأمة أفضل الأمم وأشرفها.
- حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، عن مالكٍ عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر قال: «بينما النّاس في صلاة الصّبح بقباءٍ إذ جاءهم آتٍ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أنزل عليه اللّيلة، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشّام فاستداروا إلى القبلة».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني وسقط لأبي ذر ابن سعيد (عن مالك) الإمام الأعظم (عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما أنه (قال: «بينما») بالميم «الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت» عباد «فقال» لهم: «إن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قد أنزل عليه الليلة» نصب على الظرفية وفي نسخة قرآن كالرواية السابقة، والمراد {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآيات. «وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها» بكسر الموحدة قال الراوي: «وكانت وجوههم» أي أهل قباء «إلى الشام فاستداروا إلى القبلة». ولأبي ذر، في نسخة أيضًا «إلى الكعبة»). [إرشاد الساري: 7/ 18-19]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}:
يعني بقوله تعالى ذكره: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} من أيّ مكانٍ وبقعةٍ شخصت فخرجت يا محمّد، فحولّ وجهك تلقاء المسجد الحرام؛ وهو شطره.
ويعني بقوله: {وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم} وأينما كنتم أيّها المؤمنون من أرض اللّه فولّوا وجوهكم في صلاتكم تجاهه وقبله وقصده). [جامع البيان: 2/ 682]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني}:
فقال جماعةٌ من أهل التّأويل: عنى اللّه تعالى بالنّاس في قوله: {لئلاّ يكون للنّاس} أهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: «{لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ} يعني بذلك أهل الكتاب، قالوا حين صرف نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة البيت الحرام: اشتاق الرّجل إلى بيت أبيه ودين قومه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: «{لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ} يعني بذلك أهل الكتاب، قالوا حين صرف نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة اشتاق الرّجل إلى بيت أبيه ودين قومه».
فإن قال قائلٌ: فأيّة حجّةٍ كانت لأهل الكتاب بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه نحو بيت المقدس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه؟

قيل: قد ذكرنا فيما مضى ما روي في ذلك، قيل إنّهم كانوا يقولون: ما درى محمّدٌ وأصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم نحن، وقولهم: يخالفنا محمّدٌ في ديننا ويتّبع قبلتنا فهي الحجّة الّتي كانوا يحتجّون بها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه على وجه الخصومة منهم لهم والتّمويه منهم بها على الجهّال وأهل الغباء من المشركين.
وقد بيّنّا فيما مضى أنّ معنى حجاج القوم إيّاه الّذي ذكره اللّه تعالى ذكره في كتابه إنّما هو الخصومات والجدال، فقطع اللّه جلّ ثناؤه ذلك من حجّتهم وحسمه بتحويل قبلة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين به من قبلة اليهود إلى قبلة خليله إبراهيم عليه السّلام.
فذلك هو معنى قول اللّه جلّ ثناؤه: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ} يعني بالنّاس: الّذين كانوا يحتجّون عليهم بما وصفت.
وأمّا قوله: {إلاّ الّذين ظلموا منهم} فإنّهم مشركو العرب من قريشٍ فيما تأوّله أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{إلاّ الّذين ظلموا منهم} قوم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «هم المشركون من أهل مكّة».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{إلاّ الّذين ظلموا منهم} يعني مشركي قريشٍ».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، وابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إلاّ الّذين ظلموا منهم} قال: «هم مشركو العرب».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: «{إلاّ الّذين ظلموا منهم} والّذين ظلموا مشركو قريشٍ».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: «هم مشركو قريشٍ»، قال ابن جريجٍ: «وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا يقول مثل قول عطاءٍ».
فإن قال قائلٌ: وأيّة حجّةٍ كانت لمشركي قريشٍ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه في توجّههم في صلاتهم إلى الكعبة؟ وهل يجوز أن يكون للمشركين على المؤمنين حجّةٌ فيما أمرهم اللّه تعالى ذكره به أو نهاهم عنه؟
قيل: إنّ معنى ذلك بخلاف ما توهّمت وذهبت إليه، وإنّما الحجّة في هذا الموضع الخصومة والجدال. ومعنى الكلام: لئلاّ يكون لأحدٍ من النّاس عليكم خصومةٌ ودعوى باطل غير مشركي قريشٍ، فإنّ لهم عليكم دعوى باطل وخصومةً بغير حقٍّ بقيلهم لكم: رجع محمّدٌ إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا. فذلك من قولهم، وأمانيهم الباطلة هي الحجّة الّتي كانت لقريشٍ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه؛ ومن أجل ذلك استثنى اللّه تعالى ذكره الّذين ظلموا من قريشٍ من سائر النّاس غيرهم، إذ نفى أن يكون لأحدٍ منهم في قبلتهم الّتي وجّههم إليها حجّةٌ.
وبمثل الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك منهم:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: «{لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم} قوم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم»، قال مجاهدٌ، يقول: «حجّتهم قولهم: قد راجعت قبلتنا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله؛ إلاّ أنّه قال: «قولهم: قد رجعت إلى قبلتنا».
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة، وابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم} قالا: «هم مشركو العرب، قالوا حين صرفت القبلة إلى الكعبة: قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم. قال اللّه عزّ وجلّ: {فلا تخشوهم واخشوني}».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: «{إلاّ الّذين ظلموا منهم} والّذين ظلموا مشركو قريشٍ، يقول: إنّهم سيحتجّون عليكم بذلك فكانت حجّتهم على نبيّ اللّه بانصرافه إلى البيت الحرام أنّهم قالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا، فأنزل اللّه تعالى ذكره في ذلك كلّه».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني موسى بن هارون،
قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، فيما يذكر عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النبى قالوا: «لمّا صرف نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكّة: تحيّر على محمّدٍ دينه، فتوجّه بقبلته إليكم وعلم أنّكم كنتم أهدى منه سبيلاً، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل اللّه جلّ ثناؤه فيهم: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني}».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثني الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ، قوله: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم} قال: «قالت قريشٌ لمّا رجع إلى الكعبة وأمر بها: ما كان يستغني عنّا قد استقبل قبلتنا. فهي حجّتهم، وهم الّذين ظلموا».
- قال ابن جريجٍ، وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول مثل قول عطاءٍ، فقال مجاهدٌ: «حجّتهم: قولهم رجعت إلى قبلتنا».
فقد أبان تأويل من ذكرنا تأويله من أهل التّأويل قوله: {إلاّ الّذين ظلموا منهم} عن صحّة ما قلنا في تأويله، وأنّه استثناءٌ على صحه بمعنى الاستثناء المعروف الّذي يثبت فيهم لما بعد حرف الاستثناء ما كان منفيًّا عمّا قبله، كما قول القائل: ما سار من النّاس أحدٌ إلاّ أخوك إثباتٌ للأخ من السّير ما هو منفيٌّ عن كلّ أحدٍ من النّاس، فكذلك قوله: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم} نفيٌ عن أن يكون لأحدٍ خصومةٌ وجدلٌ قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ودعوى باطل عليه وعلى أصحابه بسبب توجّههم في صلاتهم قبل الكعبة، إلاّ الّذين ظلموا أنفسهم من قريشٍ، فإنّ لهم قبلهم خصومةً ودعوى باطل بأن يقولوا: إنّما توجّهتم إلينا وإلى قبلتنا؛ لأنّا كنّا أهدى منكم سبيلاً، وأنّكم كنتم بتوجّهكم نحو بيت المقدس على ضلالٍ وباطلٍ.
وإذ كان ذلك معنى الآية بإجماع الحجّة من أهل التّأويل، فبيّن خطأ قول من زعم أنّ معنى قوله: {إلاّ الّذين ظلموا منهم} ولا الّذين ظلموا منهم، وأنّ معنى الواو؛ لأنّ ذلك لو كان معناه لكان النّفي الأوّل عن جميع النّاس أن يكون لهم حجّةٌ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه في تحوّلهم نحو الكعبة بوجوههم مبيّنًا عن المعنى المراد، ولم يكن في ذكر قوله بعد ذلك: {إلاّ الّذين ظلموا منهم} إلاّ التّلبيس الّذي يتعالى عن أن يضاف إليه، أو يوصف به. هذا مع خروج معنى الكلام إذا وجّهت (إلاّ) إلى معنى الواو، وبمعنى العطف من كلام العرب، وذلك أنّه غير موجودةٍ إلاّ في شيءٍ من كلامها بمعنى الواو إلاّ مع استثناءٍ سابقٍ قد تقدّمها، كقول القائل: سار القوم إلاّ عمرًا إلاّ أخاك، بمعنى: إلاّ عمرًا وأخاك، فتكون إلاّ حينئذٍ مؤدّيةً عمّا تؤدّي عنه الواو لتعلّق إلاّ الثّانية بـ (إلاّ) الأولى، ويجمع فيها أيضًا بين إلاّ والواو، فيقال: سار القوم إلاّ عمرًا وإلاّ أخاك، فتحذف إحداهما فتنوب الأخرى عنها، فيقال: سار القوم إلاّ عمرًا وأخاك، أو إلاّ عمرًا إلاّ أخاك، لما وصفنا قبل. فإذ كان ذلك كذلك فغير جائزٍ لمدّعٍ من النّاس أن يدّعي أنّ إلاّ في هذا الموضع بمعنى الواو الّتي تأتي بمعنى العطف.
وواضحٌ فساد قول من زعم أنّ معنى ذلك: إلاّ الّذين ظلموا منهم فإنّهم لا حجّة لهم فلا تخشوهم، كقول القائل في الكلام: النّاس كلّهم لك حامدون إلاّ الظّالم المعتدي عليك، فإنّ ذلك لا يعتدّ بعداونه ولا بتركه الحمد لموضع العداوة. وكذلك الظّالم لا حجّة له، وقد سمّي ظالمًا؛ لإجماع جميع أهل التّأويل على تخطئة ما ادّعى من التّأويل في ذلك. وكفى شاهدًا على خطأ مقالة إجماعهم على تخطئتها.
وظاهرٌ بطلان قول من زعم أنّ الّذين ظلموا ها هنا ناسٌ من العرب كانوا يهودًا، أو نصارى، فكانوا يحتجّون على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمّا سائر العرب فلم تكن لهم حجّةٌ، وكانت حجّة من يحتجّ منكسرةً؛ لأنّك تقول لمن تريد أن تكسر عليه حجّته: إنّ لك عليّ حجّةً، ولكنّها منكسرةٌ، وإنّك لتحتجّ بلا حجّةٍ، وحجّتك ضعيفةٌ.
ووجه معنى: {إلاّ الّذين ظلموا منهم} إلى معنى: إلاّ الّذين ظلموا منهم من أهل الكتاب، فإنّ لهم عليكم حجّةً واهيةً أو حجّةً ضعيفةً. ووهاء قول من قال: (إلاّ) في هذا الموضع بمعنى لكن، وضعف قول من زعم أنّه ابتداءٌ بمعنى: {إلاّ الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم}؛ لأنّ تأويل أهل التّأويل جاء في ذلك بأنّ ذلك من اللّه عزّ وجلّ خبرٌ عن الّذين ظلموا منهم أنّهم يحتجّون على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بما قد ذكرنا، ولم يقصد في ذلك إلى الخبر عن صفة حجّتهم بالضّعف ولا بالقوّة وإن كانت ضعيفةً؛ لأنّها باطلةٌ، وإنّما قصد فيه الإثبات للّذين ظلموا ما قد نفي عن الّذين قبل حرف الاستثناء من الصّفة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، قال: قال الرّبيع: «إنّ يهوديًّا خاصم أبا العالية فقال: إنّ موسى عليه السّلام كان يصلّي إلى صخرة بيت المقدس، فقال أبو العالية: كان يصلّي عند الصّخرة إلى البيت الحرام. قال: قال: فبيني وبينك مسجدٌ صالحٌ فإنّه نحته من الجبل. قال أبو العالية: قد صلّيت فيه وقبلته إلى البيت الحرام.
قال الرّبيع، وأخبرني أبو العالية، أنّه مرّ على مسجد ذي القرنين وقبلته إلى الكعبة».
وأمّا قوله: {فلا تخشوهم واخشوني} يعني فلا تخشوا هؤلاء الّذين وصفت لكم أمرهم من الظّلمة في حجّتهم وجدالهم، وقولهم ما يقولون من أنّ محمّدًا قد رجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا أو أن يقدروا لكم على ضرٍّ في دينكم أو صدّكم عمّا هداكم اللّه تعالى ذكره له من الحقّ؛ ولكن اخشوني، فخافوا عقابي في خلافكم أمري إن خالفتموه.
وذلك من اللّه جلّ ثناؤه تقدّم إلى عباده المؤمنين بالحضّ على لزوم قبلتهم والصّلاة إليها، وبالنّهي عن التّوجّه إلى غيرها. يقول جلّ ثناؤه: واخشوني أيّها المؤمنون في ترك طاعتي فيما أمرتكم به من الصّلاة شطر المسجد الحرام.
وقد حكي عن السّدّيّ في ذلك.
- ما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فلا تخشوهم واخشوني} يقول: «لا تخشوا أن أردّكم في دينهم»). [جامع البيان: 2/ 682-691]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلّكم تهتدون}:
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ولأتمّ نعمتي عليكم} ومن حيث خرجت من البلاد والأرض إلى أيّ بقعةٍ شخصت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث كنت يا محمّد والمؤمنون، فولّوا وجوهكم في صلاتكم شطره، واتّ‍خذوه قبلةً لكم، كيلاً يكون لأحدٍ من النّاس عليكم سوى مشركي قريشٍ حجّةٌ، ولأتمّ بذلك من هدايتي لكم إلى قبلة خليلي إبراهيم عليه السّلام الّذي جعلته إمامًا للنّاس نعمتي فأكمل لكم به فضلي عليكم، وأتمم به شرائع ملّتكم الحنيفيّة المسلمة الّتي وصّيت بها نوحًا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى وسائر الأنبياء غيرهم. وذلك هو نعمته الّتي أخبر جلّ ثناؤه أنّه متمّها على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين به من أصحابه.
وقوله: {ولعلّكم تهتدون} يعني: وكي تهتدوا فترشدوا للصّواب من القبل. {ولعلّكم} عطفٌ على قوله: {ولأتمّ نعمتي عليكم} وقوله: {ولأتمّ نعمتي عليكم} عطفٌ على قوله: {لئلاّ يكون} ). [جامع البيان: 2/ 691-692]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلّا الّذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلّكم تهتدون (150)}:
قوله: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قوله: «فولّوا وجوهكم شطره لئلا يحتجّ عليكم الظّلمة».
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سعيد بن سنانٍ يعني: أنبأ سنانٌ الشّيبانيّ، عن الضّحّاك: {وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره} قال: «كلٌّ قبلةٌ» ).[تفسير القرآن العظيم: 1/ 258]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لئلا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{لئلا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ} يعني به أهل الكتاب حين قالوا: صرف محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة، وقالوا: اشتاق الرّجل إلى بيت أبيه ودين قومه، وكان حجّتهم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عند انصرافه إلى البيت الحرام، أن قالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا».
وروي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، والسّدّيّ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ والضّحّاك، قالوا: «قد رجعت إلى قبلتنا».
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلّا الّذين ظلموا منهم يقول: لن يحتجّ عليكم بذلك إلا ظالمٌ، فولّوا وجوهكم شطره، لئلا يحتجّ عليكم الظّلمة). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 258-259]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلا الّذين ظلموا منهم}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع، عن أبي العالية: قوله: «{إلا الّذين ظلموا منهم} يعني: مشركي قريشٍ، يقول: إنّهم سيحتجّون عليكم بذلك». وروي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 259]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فلا تخشوهم واخشوني ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلّكم تهتدون}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {
فلا تخشوهم واخشوني} يقول: «لا تخشوا أن أردّكم في دينهم» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 259]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{لئلا يكون للناس عليكم حجة} يعني على أمة محمد صلى الله عليه وسلم وحجتهم قولهم تركت قبلتنا» ). [تفسير مجاهد: 91-92]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما قال: «أوّل ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا شأن القبلة، قال اللّه: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] فاستقبل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فصلّى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق، فقال اللّه تعالى: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} [البقرة: 142] يعنون بيت المقدس فنسختها، وصرفه اللّه إلى البيت العتيق فقال اللّه تعالى: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه بهذه السّياقة. ). [المستدرك: 2/ 294] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما يعملون * ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون}:
أخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا: «لما صرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة: تحير محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم أنكم أهدى منه سبيلا ويوشك أن يدخل في دينكم، فأنزل الله {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني}».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {لئلا يكون للناس عليكم حجة} قال: «يعني بذلك أهل الكتاب قالوا حين صرف نبي الله إلى الكعبة البيت الحرام: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {لئلا يكون للناس عليكم حجة} قال: «حجتهم قولهم: قد راجعت قبلتنا».
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة ومجاهد في قوله: {إلا الذين ظلموا منهم} قال: «هم مشركو العرب قالوا حين صرفت القبلة إلى الكعبة: قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {إلا الذين ظلموا منهم} قال: «الذين ظلموا منهم مشركو قريش إنهم سيحتجون بذلك عليكم واحتجوا على نبي الله بانصرافه إلى البيت الحرام وقالوا: سيرجع محمد على ديننا كما رجع إلى قبلتنا فأنزل الله في ذلك كله {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} [البقرة الآية 153]».

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {لئلا يكون للناس عليكم حجة} قال: «يعني بذلك أهل الكتاب {إلا الذين ظلموا منهم} بمعنى مشركي قريش»). [الدر المنثور: 2/ 37]

تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) }
- قال نعيم بن حماد الخزاعي المروزي (ت: 228هـ): (حدثني محمد بن كثير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: {الكتاب والحكمة} قال: الكتاب والسنة.
- أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله). [الزهد لابن المبارك: 2/ 239-240]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم مّا لم تكونوا تعلمون}:
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {كما أرسلنا فيكم رسولاً} ولأتمّ نعمتي عليكم ببيان شرائع ملّتكم الحنيفيّة، وأهديكم لدين خليلي إبراهيم عليه السّلام، وأجعل لكم دعوته الّتي دعاني بها ومسألته الّتي سألنيها فقال: {ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم} كما جعلت لكم دعوته الّتي دعاني بها ومسألته الّتي سألنيها، فقال: {ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنّك أنت العزيز الحكيم}، فابتعثت منكم رسولي الّذي سألني إبراهيم خليلي وابنه إسماعيل أن أبعثه من ذرّيتهما.
فـ {كما} إذ كان ذلك معنى الكلام صلةً لقول اللّه عزّ وجلّ: {ولأتمّ نعمتي عليكم} وتأويل: ولأتمّ نعمتي عليكم كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم.
وقد قال قومٌ: إنّ معنى ذلك: فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم أذكركم. وزعموا أنّ ذلك من المقدّم الّذي معناه التّأخير، فأغرقوا النّزع، وبعدوا من الإصابة، وحملوا الكلام على غير معناه المعروف وسويّ وجهه المفهوم. وذلك أنّ الجاري من الكلام على ألسن العرب المفهوم في خطابهم بينهم إذا قال بعضهم لبعضٍ: كما أحسنت إليك يا فلان فأحسن أن لا يشترطوا لأحسن، لأنّ الكاف في كما شرطٌ معناه: افعل كما فعلت، ففي مجيء جواب: {فاذكروني} بعده وهو قوله: {أذكركم} أوضح دليلٍ على أنّ قوله: {كما أرسلنا} من صلة الفعل الّذي قبله، وأنّ قوله: {فاذكروني أذكركم} خبر مبتدأٍ منقطعٌ عن الأوّل، وأنّه من سبب قوله: {كما أرسلنا فيكم} بمعزلٍ.
وقد زعم بعض النّحويّين أنّ قوله: {فاذكروني} إذا جعل قوله: {كما أرسلنا فيكم} جوابًا له مع قوله: {أذكركم} نظير الجزاء الّذي يجاب بجوابين، كقول القائل: إذا أتاك فلانٌ فأته ترضه، فيصير قوله فائته وترضه جوابين لقوله: إذا أتاك، وكقوله: إن تأتني أحسن إليك أكرمك.
وهذا القول وإن كان مذهبًا من المذاهب، فليس بالأشهر الأفصح في كلام العرب. والّذي هو أولى بكتاب اللّه عزّ وجلّ أن يوجّه إليه من اللّغات الأفصح الأعرف من كلام العرب دون الأنكر الأجهل من منطقها هذا مع بعد وجهه من المفهوم في التّأويل.
ذكر من قال: إنّ قوله: {كما أرسلنا} جواب قوله: {فاذكروني}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، قال: سمعت ابن أبي نجيحٍ، يقول في قول اللّه عزّ وجلّ: «{كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم} كما فعلت فاذكروني».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأما قوله: {كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم} فإنّه يعني بذلك العرب، قال لهم جلّ ثناؤه: الزموا أيّها العرب طاعتي، وتوجّهوا إلى القبلة الّتي أمرتكم بالتّوجّه إليها، لتنقطع حجّة اليهود عنكم، فلا تكون لهم عليكم حجّةٌ، ولأتمّ نعمتي عليكم وتهتدوا، كما ابتدأتكم بنعمتي فأرسلت فيكم رسولاً إليكم منكم، وذلك الرّسول الّذي أرسله إليهم منهم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: «{كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم} يعني محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم».
وأمّا قوله: {يتلو عليكم آياتنا} فإنّه يعني آيات القرآن، وبقوله: {ويزكّيكم} ويطهّركم من دنس الذّنوب، {ويعلّمكم الكتاب} وهو القران، يعني أنّه يعلّمهم أحكامه، ويعني بالحكمة: السّنن والفقه في الدّين. وقد بيّنّا جميع ذلك فيما مضى قبل بشواهده.
وأمّا قوله: {ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون} فإنّه يعني: ويعلّمكم من أخبار الأنبياء، وقصص الأمم الخالية، والخبر عمّا هو حادثٌ وكائنٌ من الأمور الّتي لم تكن العرب تعلمها فعلمهموها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فأخبرهم جلّ ثناؤه أنّ ذلك كلّه إنّما يدركونه برسوله صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 2/ 692-695]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {كما أرسلنا فيكم رسولًا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون (151)}:
قوله: {كما أرسلنا فيكم}:
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «كما أرسلنا فيكم يقول: كما فعلت، فاذكروني» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 259]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {رسولا منكم}:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، حدّثني الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية في قوله: «{كما أرسلنا فيكم رسولا منكم} يعني: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم». وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 259]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم}:
- قرأت على محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: {ويزكّيكم} قال: «ويطهّركم من الذنوب»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 259]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويعلمكم الكتاب والحكمة}:
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 260]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون}:
- حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ، حدّثني أبي عمرو بن الضّحّاك، حدّثني أبي الضّحّاك بن مخلدٍ، أنبأ شبيب بن بشرٍ، ثنا عكرمة عن ابن عبّاسٍ: «{
ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون} يعني: كما علّمكم أن يصلّي الرّاكب على دابّته والرّجل على راحلته» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 260]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم} يقول: «كما فعلت بكم فاذكروني»). [تفسير مجاهد: 92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}:

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم} يقول: «كما فعلت فاذكروني»). [الدر المنثور: 2/ 38]

تفسير قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) }
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، في قوله: {فاذكروني أذكركم} [سورة البقرة: 152] قال: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي). [الزهد لابن المبارك: 2/ 695]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول الله: {فاذكروني أذكركم}، قال: «أذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي»). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 150]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: سمعت فضيلًا يقول في قوله: {فاذكروني أذكركم} قال: «اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي».
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا ابن المبارك، عن سعيد بن أبي أيّوب، عن أبي هانئٍ الخولاني، عن خالد بن أبي عمران قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «من أطاع اللّه فقد ذكر اللّه، وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومن عصى اللّه فقد نسي اللّه، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن» ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 630]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، قال: قال أبو عثمان النّهديّ: إنّي لأعلم حين يذكرني ربّي، قالوا: وكيف ذاك، قال: إنّ اللّه يقول: {فاذكروني أذكركم} فإذا ذكرت اللّه ذكرني). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 415]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}:


يعني تعالى ذكره بذلك: فاذكروني أيّها المؤمنون بطاعتكم إيّاي فيما آمركم به وفيما أنهاكم عنه، أذكركم برحمتي إيّاكم ومغفرتي لكم.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {فاذكروني أذكركم} قال: «اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي».
وقد كان بعضهم يتأوّل ذلك أنّه من الذّكر بالثّناء والمدح.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: «{فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} إنّ اللّه ذاكرٌ من ذكره، وزائدٌ من شكره ومعذّبٌ من كفره».- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فاذكروني أذكركم} قال: «ليس من عبدٍ يذكر اللّه إلاّ ذكره اللّه، لا يذكره مؤمنٌ إلاّ ذكره برحمةٍ، ولا يذكره كافرٌ إلاّ ذكره بعذابٍ»). [جامع البيان: 2/ 695-696]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واشكروا لي ولا تكفرون}:
يعني تعالى ذكره بذلك: اشكروا لي أيّها المؤمنون فيما أنعمت عليكم من الإسلام والهداية للّذين الّذي شرعته لأنبيائي وأصفيائي {ولا تكفرون} يقول: ولا تجحدوا إحساني إليكم، فأسلبكم نعمتي الّتي أنعمت عليكم، ولكن اشكروا لي عليها وأزيدكم فأتمّم نعمتي عليكم، وأهديكم لما هديت له من رضيت عنه من عبادي، فإنّي وعدت خلقي أنّ من شكر لي زدته، ومن كفرني حرمته وسلبته ما أعطيته. والعرب تقول: شكرت لك صنيعتك ولا تكاد تقول: شكرتك. وكذلك تقول: نصحت لك، ولا تكاد تقول نصحتك، وربّما قالت شكرتك ونصحتك، من ذلك قول الشّاعر:


هم جمعوا بؤسى ونعمى عليكم ....... فهلاّ شكرت القوم إذ لم تقاتل

وقال النّابغة في نصحتك:

نصحت بني عوفٍ فلم يتقبّلوا ....... رسولي ولم تنجح لديهم وسائلي

وقد دلّلنا على أنّ معنى الشّكر: الثّناء على الرّجل بأفعاله المحمودة، وأنّ معنى الكفر تغطية الشّيء، فيما مضى قبل فأغنى ذلك عن إعادته). [جامع البيان: 2/ 696-697]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (152)}:
قوله: {فاذكروني أذكركم}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أسباطٌ، عن مطرّفٍ، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فاذكروني أذكركم} قال: «ذكر اللّه إيّاكم أكثر من ذكركم إيّاه».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: «إنّ اللّه يذكر من ذكره، ويزيد من شكره، ويعذّب من كفره، يعني قوله: {فاذكروني أذكركم}» وروي عن الحسن في إحدى روايتيه، وفيه زيادةٌ. وروي عن الحسن، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، أنبأ يزيد بن هارون، أنبأ عمارة الصّيدلانيّ، ثنا مكحولٌ الأزديّ قال: «قلت لابن عمر أرأيت قاتل النّفس وشارب الخمر والسّارق والزّاني، يذكر اللّه وقد قال الله تعالى: {فاذكروني أذكركم} قال:
إذا ذكر اللّه هو ذكره اللّه بلعنته حتّى يسكت» وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {فاذكروني أذكركم} يقول: «اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي».
- حدّثني أبي، عن أبي الأسود النّضر بن عبد الجبّار، عن ابن لهيعة، عن عطاءٍ عن سعيدٍ نحوه، غير أنّه قال: «أذكركم برحمتي».
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الصّمد بن عبد العزيز العطّار، ثنا جسرٌ عن الحسن في قوله: {فاذكروني أذكركم} قال: «اذكروني فيما افترضت عليكم، أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 260-261]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واشكروا لي}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، يعني قوله: {واشكروا لي} قال: «إنّ اللّه يزيد من شكره».
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا ابن وهبٍ، ثنا هشام بن سعدٍ عن زيد بن أسلم: «أنّ موسى صلّى اللّه عليه وسلّم قال لربّه: أي ربّ أخبرني كيف أشكرك. قال له ربّه: تذكرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 261]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا تكفرون}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم أبو جعفرٍ عن الرّبيع، عن أبي العالية، يعني قوله: {ولا تكفرون} قال: «إنّ اللّه يعذّب من كفره». وروي، عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا ابن وهبٍ، ثنا هشام بن سعدٍ عن زيد بن أسلم: «أنّ موسى صلّى اللّه عليه وسلّم قال له ربّه: تذكرني ولا تنساني، فإذا نسيتني فقد كفرتني»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 261]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}:
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: {فاذكروني أذكركم} قال: «اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي».
وأخرج أبو الشيخ والديلمي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فاذكروني أذكركم} يقول: «اذكروني يا معاشر العباد بطاعتي أذكروكم بمغفرتي».
وأخرج ابن لال والديلمي، وابن عساكر عن أبي هند الداري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: [قال الله: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي فمن ذكرني وهو مطيع فحق علي أن أذكره بمغفرتي ومن ذكرني وهو لي عاص فحق علي أن أذكره بمقت].
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: {فاذكروني أذكركم} قال: قال ابن عباس: «يقول الله ذكري لكم خير من ذكركم لي».
وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أبي هرير عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: [يقول الله: يا ابن آدم إنك إذا ماذكرتني شكرتني وإذا ما نسيتني كفرتني].
وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أسلم: «أن موسى عليه السلام قال: يا رب أخبرني كيف أشكرك قال: تذكرني ولا تنساني فإن ذكرتني شكرتني وإذا نسيتني فقد كفرتني».
وأخرج الطبراني، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطي أربعا أعطي أربعا وتفسير ذلك في كتاب الله من أعطي الذكر ذكره الله لأن الله يقول: {فاذكروني أذكركم} ومن أعطي الدعاء أعطي الإجابة لأن الله يقول: {ادعوني أستجب لكم} [غافر الآية 60] ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة لأن الله يقول: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم الآية 7] ومن أعطي الاستغفار أعطي المغفرة لأن الله يقول: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا} [نوح الآية 10]».
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم} قال: «ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله، لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمة ولا يذكره كافر إلا ذكره بعذاب».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: «أوحى الله إلى داود قل للظلمة لايذكروني فإن حقا علي أذكر من ذكرني إن ذكري إياهم أن ألعنهم».
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عمر: «أنه قيل له: أرأيت قاتل النفس وشارب الخمر والزاني يذكر الله وقد قال الله {فاذكروني أذكركم} قال: إذا ذكر الله هذا ذكره الله بلعنته حتى يسكت».
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن خالد بن أبي عمران قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاع الله فقد ذكر الله، وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة].
وأخرج أحمد والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [قال الله عز وجل: يا ابن آدم إذا ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة، أو قال: في ملأ خير منهم وإن دنوت مني شبرا دنوت منك باعا وإن أتيتني تمشي أتيتك بهرولة].
وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قال الله عز وجل ذكره: لا يذكرني أحد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى].
وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر والبزار والبيهقي عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: [قال الله: يا ابن آدم إذا ذكرتني خاليا ذكرتك خاليا وإذا ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير من الذين تذكرني فيهم وأكثر].
وأخرج ابن ماجه، وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه].
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله بن بسر أن رجلا قال: «يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أستن به قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار، وابن حبان والطبراني والبيهقي عن مالك بن يخامر أن معاذ بن جبل قال: «لهم إن آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قلت: أي الأعمال أحب إلى الله قال: أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي المخارق قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «مررت ليلة أسرى بي برجل في نور العرش قلت: من هذا، ملك؟ قيل: لا، قلت: نبي؟، قيل: لا، قلت: من هذا؟ قال: هذا رجل كان في الدنيا لسانه رطب من ذكر الله وقلبه معلق بالمساجد ولم يستسب لوالديه».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا عن سالم بن أبي الجعد قال: «قيل لأبي الدرداء: إن الرجل أعتق مائة نسمة قال: إن مائة نسمة من مال رجل لكثير وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار أن لا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر الله».
وأخرج أحمد والترمذي، وابن ماجه، وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم قالوا: بلى، قال: ذكر الله».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عبد الله بن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يقول إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر الله وما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع».
وأخرج البزار والطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عجز منكم عن الليل أن يكابده وبخل بالمال أن ينفقه وحين غدر العدوان يجاهده فليكثر ذكر الله».
وأخرج الطبراني في الأوسط، عن جابر رفعه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما عمل آدمي عملا أنجى له من العذاب من ذكر الله، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والطبراني والبيهقي عن ابن عباس إن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلب شاكر ولسان ذاكر وبدن على البلاء صابر وزوجة لاتبغيه خونا في نفسها وماله».
وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليذكرن الله أقوام في الدنيا على الفرش الممهدة يدخلهم الله الدرجات العلى».
وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي عن أبي موسى قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي ذر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم وليلة إلا والله عز وجل فيه صدقة من بها على من يشاء من عباده وما من الله على عبد بأفضل من أن يلهمه ذكره».
وأخرج ابن أبي شيبة عن خالد بن معدان قال: «إن الله يتصدق كل يوم بصدقة فما تصدق على عبده بشيء أفضل من ذكره».
وأخرج الطبراني عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن رجلا في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل».
وأخرج الطبراني والبيهقي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكر الله تعالى فيها».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها بخير إلا تحسر عليها يوم القيامة».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي، وابن ماجه البيهقي عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما: شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لأهل ذكر الله أربعا، ينزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحف بهم الملائكة ويذكرهم الرب في ملأ عنده».
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه».
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس مرفوعا: [قال الله: عبدي أنا عند ظنك بي وأنا معك إذا ذكرتني].
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عمر قال: «ذكر الله بالغداة والعشي أعظم من حطم السيوف في سبيل الله وإعطاء المال سخاء».
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال: «لو أن رجلين أحدهما يحمل على الجياد في سبيل الله والآخر يذكر الله لكان الذاكر أعظم وأفضل أجرا».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان الفارسي قال: «لو بات رجل يعطي القناة البيض (يقصد قتال الأعداء)، ولفظ أحمد: يطاعن الأقران وبات آخر يقرأ القرآن أو يذكر الله لرأيت أن ذاكر الله أفضل».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمرو: «لو أن رجلين أقبل أحدهما من المشرق والآخر من المغرب مع أحدهما ذهب لا يضع منه شيئا إلا في حق والآخر يذكر الله حتى يلتقيا في طريق كان الذي يذكر الله أفضلهما».
وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء فإذا تفرقوا عرجوا إلى السماء فيسألهم ربهم - وهو يعلم - من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك، فيقول: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وأشد لك تسبيحا،فيقول: فما يسألون؟، فيقولون: يسألونك الجنة، فيقول: وهل رأوها؟، فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟، فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ : يتعوذون من النار، فيقول: وهل رأوها؟، فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟، فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك من الملائكة: فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن معاوية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟، قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا، قال: آلله ماجلسكم إلا ذلك؟، قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما أني لم استحلفكم تهمة لكم ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة».
وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله يوم القيامة: سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم، فقيل: ومن أهل الكرم يا رسول الله؟ قال: أهل مجالس الذكر».
وأخرج أحمد عن أنس قال: «كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعال نؤمن بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل فجاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة».
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات».
وأخرج الطبراني عن سهل بن الحنظلية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله عز وجل فيه فيقومون حتى يقال لهم: قوموا قد غفرت لكم وبدلت سيئاتكم حسنات».
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله إلا ناداهم مناد في السماء: قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات وما من قوم اجتمهوا في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله إلا كان ذلك عليهم حسرة يوم القيامة».
وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب القبر من ذكر الله»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند ميلككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله».
وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل: «أنه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان قال: «أن تحب لله وتبغض لله وتعمل في ذكر الله»، قال: وماذا؟ قال: «وأن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره للناس ما تكره لنفسك وأن تقول خيرا أو تصمت».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي برزة الأسلمي قال: «لو أن رجلا في حجره دنانير يعطيها وآخر ذاكر الله عز وجل لكان الذاكر أفضل».
وأخرج عبد الله بن أحمد عن أبي الدرداء قال: «اذكر الله عند كل حجيرة وشجيرة ومدرة واذكره في سرائك تذكر في ضرائك».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: «إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة بذكر الله تبارك وتعالى يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك».
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: «لأن أكبر مائة تكبيرة أحب إلي من أن أتصدق بمائة دينار».
وأخرج عبد الله ابنه عن عبد الله بن عمرو قال: «ما اجتمع ملأ يذكرون الله إلا ذكرهم الله في ملأ أعز منه وأكرم، وما تفرق قوم لم يذكروا الله في مجلسهم إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: «التكبيرة خير من الدنيا وما فيها».
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من النار من ذكر الله، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب حتى ينقطع».
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال: «لأن اذكر الله من غدوة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أحمل على الجياد في سبيل الله من غدوة حتى تطلع الشمس».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبادة بن الصامت قال: «لأن أكون في قوم يذكرون الله من حين يصلون الغداة إلى حين تطلع الشمس أحب إلي من أن أكون على متون الخيل أجاهد في سبيل الله إلى أن تطلع الشمس ولأن أكون في قوم يذكرون من حين يصلون العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أكون على متون الخيل أجاهد في سبيل الله حتى تغرب الشمس».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان قال: «إذا كان العبد يحمد الله في السراء ويحمده في الرخاء فأصابه ضر دعا الله قالت الملائكة: صوت معروف من إمرى ء ضعيف فيشفعون له فإذا كان العبد لا يذكر الله في السراء ولا يحمده في الرخاء فأصابه ضر فدعا الله قالت الملائكة: صوت منكر».
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشد الأعمال ثلاثة ذكر الله على كل حال والإنصاف من نفسك والمواساة في المال».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال:«إن أهل السماء ليرون بيوت أهل الذكر تضيء لهم كما يضيء الكوكب لأهل الأرض».
وأخرج البزار عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر فإذا أتوا عليهم حفوا بهم ثم بعثوا رائدهم إلى السماء إلى رب العزة تبارك وتعالى فيقولون: ربنا أتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ويسألونك لآخرتهم ودنياهم، فيقول تبارك وتعالى: غشوهم برحمتي فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم».
وأخرج أحمد عن ابن عمر قال: «قلت: يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟، قال: غنيمة مجالس الذكر الجنة».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار وأبو يعلى والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الدعوات، عن جابر قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر فارتعوا في رياض الجنة، قالوا: وأين رياض الجنة؟، قال: مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله، وذكروه أنفسكم من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر الله كيف منزلة الله عنده، فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه».
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قال: وما رياض الجنة؟، قال: حلق الذكر».
وأخرج الطبراني عن عمرو بن عبسة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغشي بياض وجوهم نظر الناظرين يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم جماع من نوازع القبائل يجتمعون على ذكر الله تعالى فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر أطايبه».
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوهم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، فقال أعرابي: يا رسول الله صفهم لنا نعرفهم، قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه».
وأخرج الخرائطي في الشكر عن خليد العقري قال: «إن لكل بيت زينة وزينة المساجد الرجال على ذكر الله».
وأخرج البيهقي في الدعوات عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «أتحبون أيها الناس أن تجتهدوا في الدعاء؟، قالوا: نعم، قال: قولوا: اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
وأخرج أحمد في الزهد عن عمرو بن قيس قال: «أوحى الله إلى داود إنك إن ذكرتني ذكرتك وإن نستني تركتك واحذر أن أجدك على حال لا أنظر إليك فيه».
وأخرج عبد الله ابنه في زوائده عن معاوية بن قرة عن أبيه أنه قال له: «يا بني إذا كنت في قوم يذكرون الله فبدت لك حاجة فسلم عليهم حين تقوم فإنك لا تزال لهم شريكا ما داموا جلوسا».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي جعفر قال: «ما من شيء أحب إلى الله من الذكر والشكر» ). [الدر المنثور: 2/ 38-57]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {واشكروا لي ولا تكفرون}:
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن المنكدر قال: «كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي، وابن أبي الدنيا والبيهقي عن معاذ قال: قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إني أحبك لا تدعن أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على شكرك وشكرك وحسن عبادتك».
وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي الجلد قال: «قرأت في مسألة موسى عليه السلام، أنه قال: يا رب كيف لي أن أشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يجازي بها عملي كله فأتاه الوحي: أن يا موسى الآن شكرتني».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سليمان التيمي قال: «إن الله عز وجل أنعم على العباد على قدره وكلفهم الشكر على قدرهم».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الملك بن مروان قال: «ما قال عبد كلمة أحب إليه وابلغ من الشكر عنده من أن يقول: الحمد لله الذي أنعم علينا وهدانا للإسلام».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الأصبغ بن نباتة قال: «كان علي رضي الله عنه إذا دخل الخلاء قال: بسم الله الحافظ من المؤذي وإذا خرج مسح بيده على بطنه ثم قال: يا لها من نعمة لو يعلم العباد شكرها».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: «إن الله ليمنع النعمة ما شاء فإذا لم يشكر قلبها عذابا».
وأخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي كلاهما في كتاب الشكر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنعم الله على عبده من نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له ذلك قبل أن يستغفره إن الرجل ليشتري الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له».
وأخرج البيهقي في الشعب عن علي رضي الله عنه قال: «من قال حين يصبح: الحمد لله على حسن المساء والحمد لله على حسن المبيت والحمد لله على حسن الصباح فقد أدى شكر ليلته ويومه».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا والبيهقي عن عبد الله: «أدى شكر ليلته ويومه».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا البيهقي عن عبد الله بن سلام قال: «قال موسى عليه السلام: يا رب ما الشكر الذي نبغي لك قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكري، قال: فإنا نكون من الحال إلى حال نجلك أن نذكرك عليها قال: ما هي؟ قال: الغائط وإهراق الماء من الجنابة وعلى غير وضوء، قال: كلا، قال: يا رب كيف أقول؟، قال: تقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت فجنبني الأذى سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت فقني من الأذى»
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: «أن رجلا كان يأتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه فيقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو له فجاء يوما فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: كيف أنت يا فلان؟ قال: بخير إن شكرت، فسكت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال الرجل: يا نبي الله كنت تسألني وتدعو لي وإنك سألتني اليوم فلم تدع لي قال: إني كنت أسألك فتشكر الله وإني سألتك اليوم فشككت في الشكر»، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «أنه كان يقول في دعائه: أسألك تمام النعمة في الأشياء كلها والشكر لك عليها حتى ترضى وبعد الرضا».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي حازم أن رجلا قال له: «ما شكر العينين؟، قال: إن رأيت بهما خيرا أعلنته وإن رأيت بهما شرا سترته، قال: فما شكر الأذنين؟، قال: إن سمعت خيرا وعيته وإن سمعت بهما شرا أخفيته، قال: فما شكر اليدين؟، قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقا لله عز وجل هو فيهما، قال: فما شكر البطن؟، قال: أن يكون أسفله طعاما وأعلاه علما، قال: فما شكر الفرج؟، قال: كما قال الله عز وجل: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون الآية 6] إلى قوله: {فأولئك هم العادون} قال: فما شكر الرجلين؟، قال: إن رأيت حيا غبطته بهما عملته وإن رأيت ميتا مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله عز وجل فأما من شكر بلساه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر».
وأخرج البيهقي في الشعب عن علي بن المديني قال: «قيل لسفيان بن عينية: ما حد الزهد؟، قال: أن تكون شاكرا في الرخاء صابرا في البلاء فإذا كان كذلك فهو زاهد، قيل لسفيان: ما الشكر؟، قال: أن تجتنب ما نهى الله عنه».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عمر بن عبد العزيز قال: «قيدوا نعم الله بالشكر لله عز وجل، شكر الله ترك المعصية».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن محمد بن لوط الأنصاري قال: «كان يقال: الشكر ترك المعصية».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مخلد بن حسين قال: «كان يقال: الشكر ترك المعاصي».
وأخرج البيهقي عن اجنيد قال: قال السري يوما: «ما الشكر؟، فقلت له: الشكرعندي أن لا يستعان على المعاصي بشيء من نعمه».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سفيان بن عينية قال: «قيل للزهري ما الزاهد؟، قال: من لم يغلب الحرام صبره ولم يمنع الحلال شكره».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: «الشكر يأخذ بجرم الحمد وأصله وفرعه فلينظر في نعم من الله في بدنه وسمعه وبصره ويديه ورجليه وغير ذلك ليس من هذا شيء إلا وفيه نعمة من الله حق على العبد أن يعمل بالنعم اللاتي هي في يديه لله عز وجل في طاعته ونعم أخرى في الرزق وحق عليه أن يعمل لله فيما أنعم به عليه من الرزق في طاعته فمن عمل بهذا كان أخذ بجرم الشكر وأصله وفرعه».
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عامر قال: «الشكر نصف الإيمان والصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله».
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: «سئل الأستاذ أبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي عن الشكر والصبر أيهما أفضل فقال: هما في محل الاستواء فالشكر وظيفة السراء والصبر فريضة الضراء».
وأخرج الترمذي وحسنه، وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر».
وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال: «من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل عمله وحضر عذابه».
وأخرج البيهقي عن الفضيل بن عياض قال: «عليكم بالشكر فإنه قل قوم كانت عليهم من الله نعمة فزالت عنهم ثم عادت إليهم».
وأخرج البيهقي عن عمارة بن حمزة قال: «إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر».
وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نظر في الدين إلى من فوقه وفي الدنيا إلى من تحته كتبه الله صابرا شاكرا، ومن نظر في الدين إلى من تحته ونظر في الدنيا إلى من فوقه لم يكتبه الله صابرا ولا شاكرا».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله صابرا شاكرا ومن لم يكونا فيه لم يكتبه الله صابرا ولا شاكرا، من نظر في دينه إلى من فوقه فاقتدى به، ومن نظر في دنياه إلى من هو دونه ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فاسف على ما فاته لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا».
وأخرج مسلم والبيهقي عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن كله خير إن أصابته سراء فشكر كان خيرا وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا».
وأخرج النسائي والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبت للمؤمن إن أعطي قال: الحمد لله فشكر، وإن ابتلي قال: الحمد لله فصبر، فالمؤمن يؤجر على كل حال حتى اللقمة يرفعها إلى فيه».
وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت فيه ثلاث أدخله الله في رحمته وأراه محبته وكان في كنفه: من إذا أعطي شكر وإذا قدر غفر وإذا غضب فتر».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه آواه الله في كنفه وستر عليه برحمته وأدخله في محبته، قيل: وما هن يا رسول الله؟، قال: من إذا أعطي شكر وإذا قدر غفر وإذا غضب فتر».
وأخرج أبو داود والنسائي، وابن أبي الدنيا في الشكر والفريابي في الذكر والمعمري في عمل اليوم والليلة والطبراني في الدعاء، وابن حبان والبيهقي والمستغفري كلاهما في الدعوات عن عبد الله بن غنام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن السري بن عبد الله: «أنه كان في الطائف فاصابهم مطر فخطب الناس فقال: يا أيها الناس احمدوا الله على ما وضع لكم من رزقه فإنه بلغني عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أنعم الله عز وجل على عبده بنعمة فحمده عندها فقد أدى شكرها».
وأخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي كلاهما في كتاب الشكر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى صاحب بلاء فقال: الحمدلله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى جميع خلقه تفضيلا فقد أدى شكر النعمة».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن كعب قال: «ما أنعم الله عز وجل على عبد نعمة في الدنيا فشكرها لله عز وجل وتواضع بها لله إلا أعطاه نفعها في الدنيا ورفع له بها درجة في الآخرة، وما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فلم يشكرها لله عز وجل ولم يتواضع بها لله إلا منعه الله عز وجل نفعها في الدنيا وفتح له طبقا من النار فعذبه إن شاء أو تجاوز عنه».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما من عبد يشرب من ماء القراح فيدخل بغير أذى ويجري بغير أذى إلا وجب عليه الشكر».
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه عن أبي بكرة: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجدا لله عز وجل شكرا لله».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «إني لقيت جبريل عليه السلام فبشرني وقال: إن الله يقول لك: من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله شكرا».
وأخرج الخرائطي في الشكر، عن جابر: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى صاحب بلاء خر ساجدا».
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة والخرائطي في الشكر عن شداد بن أوس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كنز الناس الذهب والفضة فأكثروا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسن عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب».
وأخرج الخرائطي، عن جابر بن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أفضل الذكر لا إلا إله إلا الله وأفضل الشكر الحمد لله».
وأخرج الخرائطي والبيهقي في الدعوات عن منصور بن صفية قال: «مر النّبيّ صلى الله عليه وسلم برجل وهو يقول: الحمد لله الذي هداني للإسلام وجعلني من أمة محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد شكرت عظيما».
وأخرج الخرائطي عن محمد بن كعب القرظي قال: «يا هؤلاء احفظوا اثنتين شكر النعمة وإخلاص الإيمان».
وأخرج الخرائطي عن أبي عمر الشيباني قال: «قال موسى عليه السلام يوم الطور: يا رب إن أنا صليت فمن قبلك، وإن أنا تصدقت فمن قبلك، وإن أنا بلغت رسالاتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟، قال: يا موسى الآن شكرتني».
وأخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن قرط الأزدي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما تثبت النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم».
وأخرج الخرائطي عن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب قال: «أشكر المنعم عليك فإنه لا نفاد للنعم إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت، والشكر زيادة في النعم وأمان من الغير».
وأخرج الخرائطي عن خالد الربعي قال: «كان يقال: إن من أجدر الأعمال أن تعجل عقوبته: الأمانة تخان والرحم يقطع والإحسان يكفر».
وأخرج الخرائطي عن كعب الأحبار قال: «شر الحديث التجديف»، قال أبو عبيد: قال الأصمعي: «التجديف هو الكفر بالنعم» وقال الأموي: «هو استقلال ما أعطاه الله عز وجل»). [الدر المنثور: 2/ 57-69]


رد مع اقتباس