عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:45 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يرغّب عن ملّة إبراهيم}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {ومن يرغّب عن ملّة إبراهيم} وأيّ النّاس يزهد في ملّة إبراهيم ويتركها رغبةً عنها إلى غيرها. وإنّما عنى اللّه بذلك اليهود والنّصارى لاختيارهم ما اختاروا من اليهوديّة والنّصرانيّة على الإسلام؛ لأنّ ملّة إبراهيم هي الحنيفيّة المسلمة، كما قال تعالى ذكره: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا} فقال تعالى ذكره لهم: ومن يزهد عن ملّة إبراهيم الحنيفيّة المسلمة إلاّ من سفه نفسه.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: «{ومن يرغب عن ملّة، إبراهيم إلاّ من سفه نفسه} رغب عن ملّته اليهود والنّصارى، واتّخذوا اليهوديّة والنّصرانيّة بدعةً ليست من اللّه، وتركوا ملّة إبراهيم يعني الإسلام حنيفًا، كذلك بعث اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بملّة إبراهيم».
- حدّثنا عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: في قوله: {ومن يرغب عن ملّة، إبراهيم إلاّ من سفه نفسه}: قال: «رغبت اليهود والنّصارى عن ملّة إبراهيم وابتدعوا اليهوديّة والنّصرانيّة وليست من اللّه، وتركوا ملّة إبراهيم الإسلام» ). [جامع البيان: 2/ 578-579]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إلاّ من سفه نفسه}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {إلاّ من سفه نفسه} إلاّ من سفهت نفسه، وقد بيّنّا فيما مضى أنّ معنى السّفه: الجهل. فمعنى الكلام: وما يرغب عن ملّة إبراهيم الحنيفيّة إلاّ سفيهٌ جاهلٌ بموضع حظّ نفسه فيما ينفعها ويضرّها في معادها.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {إلاّ من سفه نفسه} قال: «إلاّ من أخطأ حظّه».
وإنّما نصب النّفس على معنى المفسّر؛ ذلك أنّ السّفه في الأصل للنّفسٍ، فلمّا نقل إلى من نصبت النّفس بمعنى التّفسير، كما يقال: هو أوسعكم دارًا، فتدخل الدّار في الكلام على أنّ السّعة فيه لا في الرّجل. فكذلك النّفس أدخلت، لأنّ السّفه للنّفس لا لمن؛ ولذلك لم يجز أن يقال: نفسه سفه أخوك، وإنّما جاز أن يفسّر بالنّفس وهي مضافةٌ إلى معرفةٍ لأنّها في تأويل نكرةٍ.
وقد قال بعض نحويّي البصرة: إنّ قوله: {سفه نفسه} جرت مجرى سفه إذا كان الفعل غير متعدٍّ. وإنّما عداه إلى نفسه ورأيه وأشباه ذلك ممّا هو في المعنى نحو سفه، إذا هو لم يتعدّ. فأمّا غبن وخسر فقد يتعدّى إلى غيره، يقال: غبن خمسين، وخسر خمسين). [جامع البيان: 2/ 579-580]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد اصطفيناه في الدّنيا}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولقد اصطفيناه في الدّنيا} ولقد اصطفينا إبراهيم، والهاء الّتي في قوله: {اصطفيناه} من ذكر إبراهيم.
والاصطفاء: الافتعال من الصّفوة، وكذلك اصطفينا افتعلنا منه، صيّرت تاؤها طاءً لقرب مخرجها من مخرج الصّاد.
ويعني بقوله: {اصطفيناه} اخترناه واجتبيناه للخلّة، ونصيّره في الدّنيا لمن بعده إمامًا. وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن أنّ من خالف إبراهيم فيما سنّ لمن بعده فهو للّه مخالفٌ، وإعلامٌ منه خلقه أنّ من خالف ما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم فهو لإبراهيم مخالفٌ؛ وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّه اصطفاه لخلّته، وجعله للنّاس إمامًا، وأخبر أنّ دينه كان الحنيفيّة المسلمة. ففي ذلك أوضح البيان من اللّه تعالى ذكره عن أنّ من خالفه فهو للّه عدوٌّ لمخالفته الإمام الّذي نصّبه اللّه لعباده). [جامع البيان: 2/ 580]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} وإنّ إبراهيم في الدّار الآخرة لمن الصّالحين. والصّالح من بني آدم هو المؤدّي حقوق اللّه عليه. فأخبر تعالى ذكره عن إبراهيم خليله أنّه في الدّنيا له صفيٌّ، وفي الآخرة وليٌّ، وإنّه واردٌ موارد أوليائه الموفين بعهده). [جامع البيان: 2/ 580]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلّا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين (130)}:
قوله: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلّا من سفه نفسه}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: {
ومن يرغب عن ملّة إبراهيم} قال: «رغبت اليهود والنّصارى عن ملّة إبراهيم وابتدعوا اليهوديّة والنّصرانيّة، وليست من اللّه وتركوا دين إبراهيم». وروي عن قتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 238]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولقد اصطفيناه في الدّنيا}:
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: «اصطفى يعني اختار»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 238]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين}:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا ابن الأصبهانيّ ثنا عمرو بن ثابتٍ عن أبيه قال: لمّا كان صبيحة فاطمة، أصابها حصرٌّ ورعدةٌ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «لقد زوّجتكيه سيّدًا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين».
- ذكر عن محمّد بن يحيى بن الفيّاض ثنا أبو عامرٍ ثنا إسرائيل عن سماكٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} قال: «عمله يجزى به في الآخرة» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 238]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}:
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم} قال: «رغبت اليهود والنصارى عن ملته واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله وتركوا ملة إبراهيم الإسلام وبذلك بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بملة إبراهيم».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {إلا من سفه نفسه} قال: «إلا من أخطأ حظه».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {ولقد اصطفيناه} قال: «اخترناه» ). [الدر المنثور: 1/ 718]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)}.

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين}. يعني تعالى ذكره بقوله: {إذ قال له ربّه أسلم} إذ قال لإبراهيم ربّه: أخلص لي العبادة، واخضع لي بالطّاعة.
وقد دلّلنا فيما مضى على معنى الإسلام في كلام العرب، فأغنى عن إعادته.
وأمّا معنى قوله: {قال أسلمت لربّ العالمين} فإنّه يعني تعالى ذكره: قال إبراهيم مجيبًا لربّه: خضعت بالطّاعة، وأخلصت بالعبادة لمالك جميع الخلائق ومدبّرها دون غيره.
فإن قال قائلٌ: قد علمت أنّ إذ وقتٌ فما الّذي وقّت به، وما الّذي جلبه؟ قيل: هو صلةٌ لقوله: {ولقد اصطفيناه في الدّنيا}. وتأويل الكلام: ولقد اصطفيناه في الدّنيا حين قال ربّه: أسلم، قال: أسلمت لربّ العالمين وإنما معنى الكلام: ولقد اصطفيناه في الدّنيا حين قال له ربّه أسلم، قال: أسلمت لربّ العالمين. فأظهر اسم اللّه في قوله: {إذ قال له ربّه أسلم} على وجه الخبر عن غائبٍ، وقد جرى ذكره قيل على وجه الخبر عن نفسه، كما قال خفاف بن ندبة:


أقول له والرّمح يأطر متنه ....... تأمّل خفافًا إنّني أنا ذالكا

فإن قال لنا قائلٌ: وهل دعا اللّه إبراهيم إلى الإسلام؟ قيل له: نعم، قد دعاه إليه.
فإن قال: وفي أيّ حالٍ دعاه إليه؟ قيل: حين قال: {يا قوم إنّي بريءٌ ممّا تشركون إنّي وجّهت وجهي للّذي فطر السّموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} وذلك هو الوقت الّذي قال له ربّه أسلم من بعد ما امتحنه بالكواكب والقمر والشّمس). [جامع البيان: 2/ 580-582]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين (131) ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون (132) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون (133)}:
قوله: {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين}:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ الواسطيّ ثنا سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن: {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين} قال: «سأله الإسلام فأعطاه إيّاه، وأجاب ربّه فيه خيرًا ومعرفةً له، قال: أسلمت لربّ العالمين» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}.
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر عن القرظي: {وجعلها كلمة باقية في عقبه}قال: «الإسلام» {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 146]
(م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {ووصّى بها} ووصّى بهذه الكلمة؛ أعني بالكلمة قوله: {أسلمت لربّ العالمين} وهي الإسلام الّذي أمر به نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو إخلاص العبادة والتّوحيد للّه، وخضوع القلب والجوارح له.
ويعني بقوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه} عهد إليهم بذلك وأمرهم به.
وأمّا قوله: {ويعقوب} فإنّه يعني: ووصّى بذلك أيضًا يعقوب بنيه.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} يقول: «ووصّى بها يعقوب بنيه بعد إبراهيم».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: «{ووصّى بها إبراهيم بنيه} وصّاهم بالإسلام، ووصّى يعقوب بمثل ذلك».
وقال بعضهم: قوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه} خبرٌ منقضٍ، وقوله: {ويعقوب} خبرٌ مبتدأٌ، كأنّه، قال: ووصّى بها إبراهيم بنيه بأن يقولوا: أسلمنا لربّ العالمين، ووصّى يعقوب بنيه أن: {يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون}.
ولا معنى لقول من قال ذلك؛ ولأنّ الّذي أوصى به يعقوب بنيه نظير الّذي أوصى به إبراهيم بنيه من الحثّ على طاعة اللّه والخضوع له والإسلام.
فإن قال قائلٌ: فإن كان الأمر على ما وصفت من أنّ معناه: ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب أن يا بنيّ، فما بال أن محذوفةٌ من الكلام؟ قيل: لأنّ الوصيّة قولٌ فحملت على معناها، وذلك أنّ ذلك لو جاء بلفظ القول لم تحسن معه أن، وإنّما كان يقال: وقال إبراهيم لبنيه ويعقوب:{يا بنيّ} فلمّا كانت الوصيّة قولاً حملت على معناها دون قولها، فحذفت أن الّتي تحسن معها، كما قال تعالى ذكره: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين} وكما قال الشّاعر:


إنّي سأبدي لك فيما أبدي ....... لي شجنان شجنٌ بنجد

وشجنٌ لي ببلاد السّند
فحذفت أنّ إذ كان الإبداء باللّسان في المعنى قولاً، فحمله على معناه دون لفظه.
وقد قال بعض أهل العربيّة: إنّما حذفت أن من قوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} باكتفاء النّداء، يعني بالنّداء قوله: {يا بنيّ} وزعم أنّ علّته في ذلك أنّ من شأن العرب الاكتفاء بالأدوات من أن كقولهم: ناديت هل قمت؟ وناديت أين زيدٌ؟ قال: وربّما أدخلوها مع الأدوات فقالوا: ناديت أن هل قمت؟
وقد قرأ جماعه من القرأة: {وأصّى بها إبراهيم} بمعنى: عهد.
وأما من قرأ {ووصّى} مشدده، فإنه يعنى بذلك أنه عهد إليهم عهدًا بعد عهدٍ، وأوصى وصيّةً بعد وصيّةٍ). [جامع البيان: 2/ 582-584]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين} إنّ اللّه اختار لكم هذا الدّين الّذي عهدنا فيه إليكم واجتباه لكم. وإنّما أدخل الألف واللاّم في الدّين، لأنّ الّذين خوطبوا من ولدهما وبنيهما بذلك كانوا قد عرفوه بوصيّتهما إيّاهم به ووصيّتهما إليهم فيه، ثمّ قالا لهم بعد أن عرّفاهموه: إنّ اللّه اصطفى لكم هذا الدّين الّذي قد عهد إليكم فيه، فاتّقوا أن تموتوا إلاّ وأنتم عليه). [جامع البيان: 2/ 584]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون}:
إن قال لنا قائلٌ: أو إلى بني آدم الموت والحياة فينهى أحدهم أن يموت إلاّ على حالةٍ دون حالةٍ؟ ،
قيل له: إنّ معنى ذلك على غير الوجه الّذي ظننت، وإنّما معناه: {فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} أي فلا تفارقوا هذا الدّين وهو الإسلام أيّام حياتكم؛ وذلك أنّ أحدًا لا يدري متى تأتيه منيّته، فلذلك قالا لهم: {فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} لأنّكم لا تدرون متى تأتيكم مناياكم من ليلٍ أو نهارٍ، فلا تفارقوا الإسلام فتأتيكم مناياكم وأنتم على غير الدّين الّذي اصطفاه لكم ربّكم فتموتوا وربّكم ساخطٌ عليكم فتهلكوا). [جامع البيان: 2/ 584-585]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ووصّى بها إبراهيم بنيه}:
- أخبرنا محمّد بن سعد بن محمّد بن الحسن بن عطيّة العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: {ووصّى بها إبراهيم بنيه} قال: «وصّاهم بالإسلام. وصيّة اللّه دين اللّه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويعقوب يا بنيّ إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين}:
- به عن ابن عبّاسٍ: {ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} قال: «وصّى يعقوب بنيه بمثل ذلك- يعني بالإسلام وصيّة اللّه دين اللّه». وروي عن الحسن وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إنّ اللّه اصطفى لكم الدين}:
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}:
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن قيس بن سعدٍ عن طاوسٍ: «{فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} على الإسلام وعلى ذمّة الإسلام» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ووصى إبراهيم بها بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لك الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}:
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أسد بن يزيد قال: «في مصحف عثمان ووصى بغير ألف».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ووصى بها إبراهيم بنيه} قال: «وصاهم بالاسلام ووصى يعقوب بنيه مثل ذلك».
وأخرج الثعلبي عن فضيل بن عياض في قوله: «{فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} أي محسنون بربكم الظن».
وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال: «ولد لإبراهيم إسماعيل وهو أكبر ولده وأمه هاجر وهي قبطية وإسحاق وأمه سارة ومدن ومدين وبيشان وزمران وأشبق وشوح وأمهم قنطوراء من العرب العاربة فأما بيشان فلحق بنوه بمكة وأقام مدين بأرض مدين فسميت به ومضى سائرهم في البلاد وقالوا لإبراهيم: يا أبانا أنزلت اسماعيل وإسحاق معك وأمرتنا أن ننزل أرض الغربة والوحشة قال: بذلك أمرت، فعلمهم اسما من أسماء الله فكانوا يستسقون به ويستنصرون» ).[الدر المنثور: 1/ 718-719]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {أم كنتم شهداء} أكنتم شهداء، ولكنّه استفهم ب أم إذ كان استفهامًا مستأنفًا على كلامٍ قد سبقه، كما قيل: {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين أم يقولون افتراه}، وكذلك تفعل العرب في كلّ استفهامٍ ابتدأته بعد كلامٍ قد سبقه تستفهم فيه ب (أم).
والشّهداء جمع شهيدٍ كما الشّركاء جمع شريكٍ، والخصماء جمع خصيمٍ.
وتأويل الكلام: أكنتم يا معشر اليهود والنّصارى المكذّبين بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، الجاحدين نبوّته، حضور يعقوب وشهوده إذ حضره الموت، أي أنّكم لم تحضروا ذلك. فلا تدّعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل، وتنحلوهم اليهوديّة والنّصرانيّة، فإنّي ابتعثت خليلي إبراهيم وولده إسحاق وإسماعيل وذرّيّتهم بالحنيفيّة المسلمة، وبذلك وصّوا بنيهم وبه عهدوا إلى أولادهم من بعدهم، فلو حضرتموهم فسمعتم منهم علمتم أنّهم على غير ما تنحلوهم من الأديان والملل.
وهذه آياتٌ نزلت تكذيبًا من اللّه تعالى لليهود والنّصارى في دعواهم في إبراهيم وولده ويعقوب أنّهم كانوا على ملّتهم، فقال لهم في هذه الآية: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت} فتعلموا ما قال لولده وقال له ولده. ثمّ أعلمهم ما قال لهم وما قالوا له.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: قوله: {أم كنتم شهداء} يعني أهل الكتاب). [جامع البيان: 2/ 585-586]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آباءك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {إذ قال لبنيه} إذ قال يعقوب لبنيه. وإذ هذه مكرّرةٌ إبدالاً من إذ الأولى بمعنى: أم كنتم شهداء يعقوب إذ قال يعقوب لبنيه حين حضور موته.
ويعنيٌّ بقوله: {ما تعبدون من بعدي} أيّ شيءٍ تعبدون من بعدي، أي من بعد وفاتي. {قالوا نعبد إلهك} يعني به: قال بنوه له: نعبد معبّودك الّذي تعبده، ومعبّود آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا، أي نخلص له العبادة ونوحّد له الرّبوبيّة فلا نشرك به شيئًا ولا نتّخذ دونه ربًّا.
ويعني بقوله: {ونحن له مسلمون} ونحن له خاضعون بالعبوديّة والطّاعة.
ويحتمل قوله: {ونحن له مسلمون} أن تكون بمعنى الحال، كأنّهم قالوا: نعبد إلهك مسلمين له بطاعتنا وعبادتنا إيّاه. ويحتمل أن يكون خبرًا مستأنفًا، فيكون بمعنى: نعبد إلهك بعدك، ونحن له الآن وفي كلّ حالٍ مسلمون.
قال أبو جعفرٍ: «وأحسن هذين الوجهين في تأويل ذلك أن يكون بمعنى الحال، وأن يكون بمعنى: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق مسلمين لعبادته».
وقيل: إنّما قدّم ذكر إسماعيل على إسحاق لأنّ إسماعيل كان أسنّ من إسحاق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} قال: «يقال بدأ بإسماعيل لأنّه أكبر».
وقرأ بعض القرأة: وإله أبيك إبراهيم ظنًّا منه أنّ إسماعيل إذ كان عمًّا ليعقوب، فلا يجوز أن يكون فيمن ترجم به عن الآباء وداخلاً في عدادهم. وذلك من قارئه كذلك قلّة علمٍ منه بمجاري كلام العرب. والعرب لا تمتنع من أن تجعل الأعمام بمعنى الآباء، والأخوال بمعنى الأمّهات، فلذلك دخل إسماعيل فيمن ترجم به عن الآباء.
و{إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} ترجمةٌ عن الآباء في موضع جرٍّ، ولكنّهم نصبوا بأنّهم لا يجرّون.
والصّواب من القراءة عندنا في ذلك: {وإله آبائك} لإجماع القرّاء على تصويب ذلك وشذوذ من خالفه من القرّاء ممّن قرأ خلاف ذلك.
ونصب قوله إلهًا على الحال من قوله إلهك). [جامع البيان: 2/ 586-588]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أم كنتم شهداء}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قوله: «{أم كنتم شهداء} يعني أهل الكتاب» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي}:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ حدّثني سرور بن المغيرة عن عبّادٍ عن الحسن قوله: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك}
قال: «يقول: لم يشهد اليهود ولا النّصارى ولا أحدٌ من النّاس يعقوب، إذ أخذ على بنيه الميثاق، إذ حضره الموت أن لا يعبدوا إلا إياه فأقرّوا بذلك، وشهد عليهم أن قد أقرّوا بعبادتهم، وأنّهم مسلمون».
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ ثنا محمّد بن العلاء- يعني أبا كريبٍ- ثنا عثمان بن سعيدٍ ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: «نعبد يعني نوحّد»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 239-240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق}:
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن عمرٍو عن عطاءٍ قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: «الجدّ أبٌ» ويتلو ابن عبّاسٍ: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق}.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: «{إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} فسمّى عمّه أباه».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة أخبرني موسى بن عبيدة قال: سمعت محمّد بن كعبٍ يقول: «الخال والدٌ، والعمّ والدٌ» قال: «{ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك} إلى آخر الآية» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلهًا واحدًا}:
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن عطاءٍ إلهًا واحدًا قال: «إنّه إلهٌ واحدٌ، وإله كلّ شيءٍ، وخالق كلّ شيءٍ» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ونحن له مسلمون}:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {مسلمين} يقول: «موحّدين»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 240]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون}:

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: «{أم كنتم شهداء} يعني أهل مكة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت} الآية، قال: «يقول لم تشهد اليهود ولا النصارى ولا أحد من الناس يعقوب إذ أخذ على بنيه الميثاق إذ حضره الموت ألا تعبدوا إلا إياه فأقروا بذلك وشهد عليهم أن قد أقروا بعبادتهم وأنهم مسلمون».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، أنه كان يقول: «الجد أب ويتلو {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق}».
وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في الآية قال: «يقال بدأ بإسماعيل لأنه أكبر».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: «سمى العم أبا».
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال: «الخال والد، العم والد وتلا {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك} الآية».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه كان يقرأ (نعبد إلهك وإله أبيك) على معنى الواحد). [الدر المنثور: 1/ 719-721]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {تلك أمّةٌ قد خلت} إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم. يقول لليهود والنّصارى: يا معشر اليهود والنّصارى دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله ولا تنحلوهم الكفر واليهوديّة والنّصرانيّة فتضيفوها إليهم، فإنّهم أمّةٌ ويعني بالأمة في هذا الموضع الجماعة، والقرن من النّاس قد خلت: قد مضت لسبيلها.
وإنّما قيل للّذي قد مات فذهب: قد خلا، لتخلّيه من الدّنيا، وانفراده مما كان من الأنس بأهله وقرنائه في دنياه، وأصله من قولهم: خلا الرّجل، إذا صار بالمكان الّذي لا أنيس له فيه وانفرد من النّاس، فاستعمل ذلك في الّذي يموت على ذلك الوجه.
ثمّ قال تعالى ذكره لليهود والنّصارى: إنّ لمن نحلتموه ضلالكم وكفركم الّذي أنتم عليه من أنبيائي ورسلي ما كسبت.
والهاء والألف في قوله: {لها} عائدةٌ إن شئت على تلك، وإن شئت على الأمّة.
ويعني بقوله: {لها ما كسبت} أي ما عملت من خيرٍ، ولكم يا معشر اليهود والنّصارى مثل ذلك ما عملتم. ولا تؤاخذون أنتم أيّها النّاحلون ما تنحلونهم من الملل، فسألوا عمّا كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم يعملون فيكسبون من خيرٍ وشرٍّ؛ لأنّ لكلّ نفسٍ ما كسبت، وعليها ما اكتسبت. فدعوا انتحالهم وانتحال مللهم، فإنّ الدّعاوى غير مغنيتكم عند اللّه شيئا، وإنّما يغني عنكم عنده ما سلف لكم من صالح أعمالكم إن كنتم عملتموها وقدّمتموها أمامكم). [جامع البيان: 2/ 588-589]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون (134)}:
قوله: {تلك أمّةٌ قد خلت}:
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: «{تلك} يعني هذه» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: «{
تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط». وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيدٍ: «{لها ما كسبت} يعني ما عملت من خيرٍ أو شرٍّ» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 241]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولكم ما كسبتم}:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن وهب بن عطيّة الدّمشقيّ ثنا الوليد بن مسلمٍ ثنا القاسم بن هزّان الخولانيّ ثنا الزّهريّ ثنا سعيد بن مرجانة قال: قال ابن عبّاسٍ: «قوله عزّ وجلّ: «{ما كسبت} من العمل» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يفعلون}:
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {تلك أمة قد خلت} قال: «يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط» ). [الدر المنثور: 1/ 721]


رد مع اقتباس