عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:10 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): ( نا معمر عن قتادة في قوله ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها قال هو بختنصر وأصحابه خربوا بيت المقدس وأعانته على ذلك النصارى قال الله أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين وهم النصارى لا يدخلون المسجد إلا مسارقة إن قدر عليهم عوقبوا لهم في الدنيا خزي قال يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 56]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها}. قد دلّلنا فيما مضى قبل على أنّ تأويل الظّلم: وضع الشّيء في غير موضعه.
فتأويل قوله: {ومن أظلم} وأيّ امرئٍ أشدّ تعدّيًا وجراءةً على اللّه وخلافًا لأمره من امرئٍ منع مساجد اللّه أن يعبد اللّه فيها؟
والمساجد جمع مسجدٍ: وهو كلّ موضعٍ عبد اللّه فيه وقد بيّنّا معنى السّجود فيما مضى فمعنى المسجد: الموضع الّذي يسجد للّه فيه، كما يقال للموضع الّذي يجلس فيه: المجلس، وللموضع الّذي ينزل فيه: منزلٌ، ثمّ يجمع منازل ومجالس نظير جمع مسجدٍ مساجد. وقد حكي سماعًا من بعض العرب مسجد في واحد المساجد، وذلك كالخطأ من قائله.
وأمّا قوله: {أن يذكر فيها اسمه} فإنّ فيه وجهين من التّأويل، أحدهما: أن يكون معناه: ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه من أن يذكر فيها اسمه، فتكون أن حينئذٍ نصبًا فى قول بعض أهل العربيّة بفقد الخافض وتعلّق الفعل بها وفى قول بعضهم خفضها بمعنى من وإن لم تكن من ظاهرة،إذ كان فى الكلام عليها دلاله.
والوجه الآخر أن يكون معناه: ومن أظلم ممّن منع أن يذكر اسم اللّه في مساجده، فتكون أن حينئذٍ في موضع نصبٍ تكريرًا على موضع المساجد وردًّا عليه.

وأمّا قوله: {وسعى في خرابها} فإنّ معناه: ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه، وممّن سعى في خراب مساجد اللّه. ف سعى إذًا عطفٌ على منع.
فإن قال قائلٌ: ومن الّذي عني بقوله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} وأيّ المساجد هي؟
قيل: إنّ أهل التّأويل في ذلك مختلفون، فقال بعضهم: الّذين منعوا مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه هم النّصارى؛ والمسجد بيت المقدس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: قوله: «{ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} فإنّهم النّصارى».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «في قول اللّه: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} النّصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون النّاس أن يصلّوا فيه».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال آخرون: هو بختنصّر وجنده ومن أعانهم من النّصارى؛ والمسجد: مسجد بيت المقدس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: «قوله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} الآية، أولئك أعداء اللّه النّصارى، حملهم بعض اليهود على أن أعانوا بختنصّر البابليّ المجوسيّ على تخريب بيت المقدس».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} قال: «هو بختنصّر وأصحابه خرّب بيت المقدس، وأعانه على ذلك النّصارى».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} «فإن: الرّوم، كانوا ظاهروا بختنصّر على خراب بيت المقدس، حتّى خرّبه وأمر به أن تطرح فيه الجيف؛ وإنّما أعانه الرّوم على خرابه من أجل أنّ بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريّا».
وقال آخرون: بلى عنى اللّه عزّ وجلّ بهذه الآية مشركي قريشٍ، إذ منعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المسجد الحرام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال، حدّثنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} قال: «هؤلاء المشركون، حين حالوا بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية وبين أن يدخل مكّة حتّى نحر هديه بذي طوًى وهادنهم، وقال لهم: «ما كان أحدٌ يردّ عن هذا البيت». وقد كان الرّجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فما يصدّه، وقالوا: لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدرٍ وفينا باقٍ وفي قوله: {وسعى في خرابها} قال: إذا قطعوا من يعمرها بذكره ويأتيها للحجّ والعمرة».
وأولى التّأويلات الّتي ذكرتها بتأويل الآية قول من قال: عنى اللّه عزّ وجلّ بقوله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} النّصارى؛ وذلك أنّهم هم الّذين سعوا في خراب بيت المقدس، وأعانوا بختنصّر على ذلك، ومنعوا مؤمني بني إسرائيل من الصّلاة فيه بعد منصرف بختنصّر عنهم إلى بلاده.
والدّليل على صحّة ما قلنا في ذلك: قيام الحجّة بأن لا قوم في معنى هذه الآية إلاّ أحد الأقوال الثّلاثة الّتي ذكرناها، وأن لا مسجد عنى اللّه عزّ وجلّ بقوله: {وسعى في خرابها} إلاّ أحد المسجدين، إمّا مسجد بيت المقدس، وإمّا المسجد الحرام.
وإذ كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أنّ مشركي قريشٍ لم يسعوا قطّ في تخريب المسجد الحرام، وإن كانوا قد منعوا في بعض الأوقات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من الصّلاة فيه؛ صحّ وثبت أنّ الّذين وصفهم اللّه عزّ وجلّ بالسّعي في خراب مساجده غير الّذين وصفهم اللّه بعمارتها، إذ كان مشركو قريشٍ هم بنوا المسجد الحرام في الجاهليّة، وبعمارته كان افتخارهم، وإن كان بعض أفعالهم فيه كان منهم على غير الوجه الّذي يرضاه اللّه منهم. وأخرى أنّ الآية الّتي قبل قوله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} مضت بالخبر عن اليهود والنّصارى وذمّ أفعالهم، والّتي بعدها عقبّت بذمّ النّصارى والخبر عن افترائهم على ربّهم، ولم يجر لقريشٍ ولا لمشركي العرب ذكرٌ، ولا للمسجد الحرام قبلها، فيوجّه الخبر بقول اللّه عزّ وجلّ: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} إليهم وإلى المسجد الحرام. وإذ كان ذلك كذلك، فالّذي هو أولى بالآية أن يوجّه تأويلها إليه، هو ما كان نظير قصّة الآية قبلها والآية بعدها، إذ كان خبرها لخبرهما نظيرًا وشكلاً، إلاّ أن تقوم حجّةٌ يجب التّسليم لها بخلاف ذلك وإن اتّفقت قصصها فاشتبهت.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ ما قلنا في ذلك ليس كذلك، إذ كان المسلمون لم يلزمهم قطّ فرض الصّلاة في مسجد بيت المقدّس، فمنعوا من الصّلاة فيه،
فيجوز توجيه قوله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} إلى أنّه معنيٌّ به مسجد بيت المقدس؛ فقد أخطأ فيما ظنّ من ذلك. وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره إنّما ظلم من منع من كان فرضه الصّلاة في بيت المقدس من مؤمني بني إسرائيل، وإيّاهم قصد بالخبر عنهم بالظّلم والسّعي في خراب المسجد، وإن كان قد دلّ بعموم قوله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} أنّ كلّ مانعٍ مصلّيًا في مسجدٍ للّه فرضًا كانت صلاته فيه أو تطوّعًا، وكلّ ساعٍ في خرابه فهو من المعتدين الظّالمين). [جامع البيان: 2/ 440-446]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين}
وهذا خبرٌ من اللّه عزّ وجلّ عمّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه، أنّه قد حرّم عليهم دخول المساجد الّتي سعوا في تخريبها ومنعوا عباد اللّه المؤمنين من ذكر اللّه عزّ وجلّ فيها ما داموا على مناصبة الحرب إلاّ على خوفٍ ووجلٍ من العقوبة على دخولهموها.
- كالّذي حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين} وهم اليوم كذلك، لا يوجد نصرانيٌّ في بيت المقدس إلاّ نهك ضربًا وأبلغ إليه في العقوبة».
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: «قال اللّه عزّ وجلّ: {ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين} وهم النّصارى، فلا يدخلون المسجد إلاّ مسارقةً، إن قدّر عليهم عوقبوا».- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين} فليس في الأرض روميٌّ يدخلها اليوم إلاّ وهو خائفٌ أن تضرب عنقه، أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤدّيها».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين} قال: «نادى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ألا يحجّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ» قال: فجعل المشركون يقولون: اللّهمّ إنّا منعنا أن نبرك».
وإنّما قيل: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين} فأخرج على وجه الخبر عن الجميع وهو خبرٌ عمّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه؛ لأنّ من في معنى الجميع، وإن كان لفظه واحدًا). [جامع البيان: 2/ 446-447]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لهم في الدّنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ}
أمّا قوله عزّ وجلّ: {لهم} فإنّه يعني الّذين أخبر عنهم أنّهم منعوا مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه.
وأمّا قوله: {لهم في الدّنيا خزيٌ} فإنّه يعني بالخزي: العار والشّرّ والذّلّة إمّا القتل والسّباء، وإمّا الذّلّة والصّغار بأداء الجزية.
- كما حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {لهم في الدّنيا خزيٌ} قال: «يعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون
».
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: «{لهم في الدّنيا خزيٌ} أمّا خزيهم في الدّنيا: فإنّهم إذا قام المهديّ وفتحت القسطنطينيّة قتلهم، فذلك الخزي».
وأما قوله: {ولهم في الأخره} فإن الآخره صفة للدار. وقد بينا فيما مضى قبل لم قيل لهل: اخره.
وأمّا العذاب العظيم: فإنّه عذاب جهنّم الّذي لا يخفّف عن أهله، ولا يقضى عليهم فيه فيموتوا.
وتأويل الآية: لهم في الدّنيا الذّلّة والهوان والقتل والسّبي، على منعهم مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه، وسعيهم في خرابها. ولهم - على معصيتهمٍ وكفرهم بربّهم وسعيهم في الأرض فسادًا - عذاب جهنّم، وهو العذاب العظيم). [جامع البيان: 2/ 447-448]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلّا خائفين لهم في الدّنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ (114)}
قوله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه}
- ذكر عن سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: «أنّ قريشًا منعوا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- الصّلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل اللّه {ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه} »
- أخبرنا محمّد بن سعيدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قوله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه} قال: «هم النّصارى».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: «{ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} النّصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون النّاس أن يصلّوا فيه» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 210]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وسعى في خرابها}
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة في قوله: {وسعى في خرابها} قال: «هو بخت نصّر، وأصحابه، خرّب بيت المقدس، وأعانه على ذلك النّصارى». وروي عن الحسن، والسّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثني أبي ثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينارٍ ثنا ضمرة عن أبى عثمان قاص أهل الأردنّ {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} قال: «خرابها قتل أهلها» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 210]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خآئفين} الوجه الأول:

- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا موسى بن إبراهيم المعلّم أبو عليٍّ الجذاميّ حدّثني خازن بيت المقدس عن ذي الكلاع عن كعبٍ قال: «إنّ النّصارى لمّا ظهروا على بيت المقدس حرّقوه، فلمّا بعث اللّه محمّدًا أنزل عليه: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلّا خائفين} فليس في الأرض نصرانيٌّ يدخل بيت المقدس إلا خائفا».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ:«{أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} فإنّ الرّوم ظاهروا بخت نصّر على خراب بيت المقدس. فليس في الأرض روميٌّ يدخله اليوم إلا وهو خائفٌ أن تضرب عنقه، أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤدّيها».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة: «قال اللّه: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} وهم النّصارى فلا يدخلون المساجد إلا مسارقةً»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 210-211]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لهم في الدّنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذاب عظيم}
الوجه الأول:

- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: «أمّا خزيهم في الدّنيا فإنّه إذا قام المهديّ فتح القسطنطينيّة وقتلهم فذلك الخزي». وروي عن عكرمة، ووائل بن داود نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة: {
لهم في الدّنيا خزيٌ} قال: «يعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 211]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح في قوله: {وسعى في خرابها} قال: «النصارى كانوا يطرحون الأذى في بيت المقدس ويمنعون الناس أن يصلوا فيه» ). [تفسير مجاهد: 86]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}.
أخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، أن قريشا منعوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل الله {ومن أظلم ممن منع مساجد الله} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله} قال: «هم النصارى».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله} قال: «هم النصارى وكانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ويمنعون الناس أن يصلوا فيه».
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله} الآية، قال: «هم الروم كانوا ظاهروا بختنصر على بيت المقدس»، وفي قوله: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} قال: «فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن تضرب عنقه وقد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها»، وفي قوله: {لهم في الدنيا خزي} قال: «أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم فذلك الخزي».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: «أولئك أعداء الله الروم حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس»
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال: «إن النصارى لما ظهروا على بيت المقدس حرقوه فلما بعث الله محمد أنزل عليه {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} الآية، فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفا».
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: «هؤلاء المشركون حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت يوم الحديبة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: «ليس للمشركين أن يدخلوا المسجد إلا وهم خائفون».
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في قوله: {لهم في الدنيا خزي} قال: «يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون».
وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه عن بسر بن أرطاة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة». [الدر المنثور: 1/ 560-563]

تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (باب الناسخ: وهذا كتاب الناسخ والمنسوخ:
وأخبرني القاسم بن عبد اللّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخاطب عن زيد بن أسلم أنّه قال: «قال اللّه: {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها}، وقال الله: {وإذا بدلنا آيةً}، {والله أعلم بما ينزل}، وقال: {يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}،فقال زيدٌ: «فأوّل ما نسخ من القرآن نسخت القبلة؛ كان محمّدٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يستقبل صخرة بيت المقدس، وهي قبلة اليهود، سبعة عشر شهرًا ليؤمنوا به، ويتبعونه وينصرونه من الأمّيّين من العرب، فقال اللّه: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إن الله واسعٌ عليمٌ}، ثمّ قال: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}). [الجامع في علوم القرآن: 3/ 64-65]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه الله إنّ الله واسعٌ عليمٌ}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن عيّاشٍ، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن عطاءٍ: «أنّ قومًا عمّيت عليهم القبلة، فصلّى كلّ إنسانٍ منهم إلى ناحيةٍ، ثمّ أتوا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فذكروا ذلك له، فأنزل اللّه على رسوله: {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله}»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 601]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا أشعث السّمّان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: «كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في سفرٍ في ليلةٍ مظلمةٍ فلم ندر أين القبلة، فصلّى كلّ رجلٍ منّا على حياله، فلمّا أصبحنا ذكرنا ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}». هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث أشعث السّمّان أبي الرّبيع عن عاصم بن عبيد الله وأشعث يضعّف في الحديث). [سنن الترمذي: 5/ 55]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يحدّث عن ابن عمر، قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي على راحلته تطوّعًا حيثما توجّهت به وهو جاءٍ من مكّة إلى المدينة ثمّ قرأ ابن عمر، هذه الآية: {وللّه المشرق والمغرب} الآية. فقال ابن عمر: ففي هذا أنزلت هذه الآية. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ويروى عن قتادة، أنّه قال في هذه الآية: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال قتادة: «هي منسوخةٌ نسخها قوله: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} أي تلقاءه».
حدّثنا بذلك محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة. ويروى عن مجاهدٍ، في هذه الآية: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: «فثمّ قبلة اللّه». حدّثنا بذلك أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ، بهذا). [سنن الترمذي: 5/ 55-56]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله}
- أخبرني محمّد بن آدم بن سليمان، عن ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عمر: «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي على راحلته حيث توجّهت به، ثمّ تلا هذه الآية {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله} [البقرة: 115]»).
[السنن الكبرى للنسائي: 10/ 14]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وللّه المشرق والمغرب} للّه ملكهما وتدبيرهما، كما يقال: لفلانٍ هذه الدّار، يعني بها أنّها له ملكًا، فذلك قوله: {وللّه المشرق والمغرب} يعني أنّهما له ملكًا وخلقًا.
والمشرق: هو موضع شروق الشّمس، وهو موضع طلوعها، منه وكذلك المغرب: الموضع الذى تغرب فيه كما يقال لموضع طلوعها منه مطلعٌ بكسر اللاّم وكما بيّنّا في معنى المساجد آنفًا.
فإن قال قائلٌ: أوما كان للّه إلاّ مشرقٌ واحدٌ ومغربٌ واحدٌ حتّى قيل: {وللّه المشرق والمغرب}؟
قيل: إنّ معنى ذلك غير الّذي ذهبت إليه، وإنّما معنى ذلك: وللّه المشرق الّذي تشرق منه الشّمس كلّ يومٍ، والمغرب الّذي تغرب فيه كلّ يومٍ. فتأويله إذا كان ذلك معناه: وللّه ما بين قطري المشرق، وما بين قطري المغرب، إذ كان شروق الشّمس كلّ يومٍ من موضعٍ منه لا تعود لشروقها منه إلى الحول الّذي بعده، وكذلك غروبها كلّ يومٍ.
فإن قال: أو ليس وإن كان تأويل ذلك ما ذكرت فللّه كلّ ما دونه الخلق خلقه؟ قيل: بلى.
فإن قال: فكيف خصّ المشارق والمغارب بالخبر عنها أنّها له في هذا الموضع دون سائر الأشياء غيرها؟
قيل: قد اختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله خصّ اللّه ذكر ذلك بما خصّه به في هذا الموضع، ونحن مبيّنو الّذي هو أولى بتأويل الآية بعد ذكرنا أقوالهم في ذلك. فقال بعضهم: خصّ اللّه ذلك بالخبر عنه من أجل أنّ اليهود كانت توجّه في صلاتها وجوهها قبل بيت المقدس، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه يفعلون ذلك مدّةً، ثمّ حوّلوا إلى الكعبة، فاستنكرت اليهود ذلك من فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: {ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} فقال اللّه تبارك وتعالى لهم: المشارق والمغارب كلّها لي أصرف وجوه عبادي كيف أشاء منها، {فحيثما تولّوا فثمّ وجه اللّه}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «كان أوّل ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة. وكان أكثر أهلها اليهود، أمره اللّه عزّ وجلّ أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ قبلة إبراهيم عليه السّلام فكان يدعو وينظر إلى السّماء، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} إلى قوله: {فولّوا وجوهكم شطره} فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: {ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قل للّه المشرق والمغرب} وقال: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ بنحوه.
وقال آخرون: بل أنزل اللّه هذه الآية قبل أن يفرض على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى المؤمنين به التّوجّه شطر المسجد الحرام. وإنّما أنزلها عليه معلّمًا نبيّه عليه الصّلاة والسّلام بذلك وأصحابه أنّ لهم التّوجّه بوجوههم للصّلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب، لأنّهم لا يوجّهون وجوههم وجهًا من ذلك وناحيةً، إلاّ كان جلّ ثناؤه في ذلك الوجه وتلك النّاحية؛ لأنّ له المشارق والمغارب، وأنّه لا يخلو منه مكانٌ، كما قال جلّ وعزّ: {ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم أينما كانوا} قالوا: ثمّ نسخ ذلك بالفرض الّذي فرض عليهم في التّوجّه شطر المسجد الحرام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «قوله جلّ وعزّ: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} ثمّ نسخ ذلك بعد ذلك، فقال اللّه: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} ».
- وحدّثنى الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: «في قوله: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: هي القبلة، ثمّ نسختها القبلة إلى المسجد الحرام».- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا همّامٌ بن يحيى، قال: سمعت قتادة: في قول اللّه: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: «كانوا يصلّون نحو بيت المقدس ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة قبل الهجرة، وبعد ما هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا، ثمّ وجّه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام، فنسخها اللّه في آيةٍ أخرى: {فلنولّينّك قبلةً ترضاها} إلى: {وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره} قال: فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر القبلة».
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعته – يعني ابن زيد - يقول: «قال عزّ وجلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ} قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هؤلاء قوم يهود يستقبلون بيتًا من بيوت اللّه لبيت المقدس لو أنّا استقبلناه» فاستقبله النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ستّة عشر شهرًا. فبلغه أنّ يهود تقول: واللّه ما درى محمّدٌ وأصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم. فكره ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ورفع وجهه إلى السّماء، فقال اللّه عزّ وجلّ: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} الآية».
وقال آخرون: نزلت هذه الآية على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذنًا من اللّه عزّ وجلّ له أن يصلّي التّطوّع حيث توجّه وجهه من شرقٍ أو غربٍ، في مسيره في سفره، وفي حال المسايفة، وفي شدّة الخوف، والتقاء الزّحوف في الفرائض. وأعلمه أنّه حيث وجّه وجهه فهو هنالك، بقوله: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا عبد الملك، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عمر: «أنّه كان يصلّي حيث توجّهت به راحلته، ويذكر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يفعل ذلك، ويتأوّل هذه الآية: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}».
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عمر، أنّه قال: «لما نزلت هذه الآية: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} أن تصلّي أينما توجّهت بك راحلتك في السّفر تطوّعًا، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا رجع من مكّة يصلّي على راحلته تطوّعًا يومئ برأسه نحو المدينة».
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في قومٍ عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها، فصلّوا على أنحاءٍ مختلفةٍ، فقال اللّه عزّ وجلّ لهم: لي المشارق والمغارب، فأينّ ولّيتم وجوهكم فهنالك وجهي، وهو قبلتكم؛ معلّمهم بذلك أنّ صلاتهم ماضيةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا أبو الرّبيع السّمّان، عن عاصم بن عبيد اللّه، عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: «كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ليلةٍ سوداء مظلمةٍ، فنزلنا منزلاً، فجعل الرّجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدًا يصلّي فيه. فلمّا أصبحنا، إذا نحن قد صلّينا على غير القبلة، فقلنا: يا رسول اللّه لقد صلّينا ليلتنا هذه لغير القبلة. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني الحجّاج، قال: حدّثنا حمّادٌ، قال أخبرنا حماد، قال: قلت للنّخعيّ: «إنّي كنت استيقظت أو قال أيقظت، شكّ الطّبريّ فكان في السّماء سحابٌ، فصلّيت لغير القبلة. قال: مضت صلاتك، يقول اللّه عزّ وجلّ: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}».
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أشعث السّمّان، عن عاصم بن عبيد اللّه، عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: «كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في ليلةٍ مظلمةٍ في سفرٍ، فلم ندر أين القبلة فصلّينا، وصلّى كلّ رجل منّا على حياله. ثمّ أصبحنا فذكرنا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}».
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في سبب النّجاشيّ؛ لأنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تنازعوا في أمره من أجل أنّه مات قبل أن يصلّي القبلة، فقال اللّه عزّ وجلّ: المشارق والمغارب كلّها لي، فمن وجّه وجهه نحو شيءٍ منها يريدني به ويبتغي به طاعتي، وجدني هنالك. يعني بذلك أنّ النّجاشيّ وإن لم يكن صلّى القبلة، فإنّه قد كان يوجّه إلى بعض وجوه المشارق والمغارب وجهه، يبتغي بذلك رضا اللّه عزّ وجلّ في صلاته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذٍ بن هشام، قال: حدّثني أبي، عن قتادة: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ أخاكم النّجاشيّ قد مات فصلّوا عليه» قالوا: نصلّي على رجلٍ ليس بمسلمٍ. قال: فنزلت: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه} قال قتادة: فقالوا إنّه كان لا يصلّي القبلة، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}».
والصّواب من القول في ذلك: أنّ يقال: إن اللّه تعالى ذكره إنّما خصّ الخبر عن المشرق والمغرب في هذه الآية بأنّهما له ملكًا وإن كان لا شيء إلاّ وهو له ملكٌ؛ إعلامًا منه عباده المؤمنين أنّ له ملكهما وملك ما بينهما من الخلق، وأنّ على جميعهم إذ كان له ملكهم طاعته فيما أمرهم ونهاهم، وفيما فرض عليهم من الفرائض، والتّوجّيه نحو الوجه الّذي وجّهوا إليه، إذ كان من حكم المماليك طاعة مالكهم. فأخرج الخبر عن المشرق والمغرب، والمراد به ما بينهما من الخلق، على النّحو الّذي قد بيّنت من الاكتفاء بالخبر عن سبب الشّيء من ذكره والخبر عنه، كما قيل: {وأشربوا في قلوبهم العجل} وما أشبه ذلك.
فمعنى الآية إذًا: وللّه ملك الخلق الّذي بين المشرق والمغرب يستعبّدهم بما يشاء، ويحكم فيهم ما يريد عليهم طاعته؛ فولّوا وجوهكم أيّها المؤمنون نحو وجهي، فإنّكم أينما تولّوا وجوهكم فهنالك وجهي.
فأمّا القول في هذه الآية ناسخةٌ أم منسوخةٌ، أم لا هي ناسخةٌ ولا منسوخةٌ؟ فالصّواب فيه من القول أن يقال: إنّها جاءت مجيء العموم، والمراد الخاصّ؛ وذلك أنّ قوله: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} محتملٌ: أينما تولّوا في حال سيركم في أسفاركم، في صلاتكم التّطوّع، وفي حال مسايفتكم عدوّكم، في تطوّعكم ومكتوبتكم، فثمّ وجه اللّه؛ كما قال ابن عمر والنّخعيّ ومن قال ذلك ممّن ذكرنا عنه آنفًا.
ومحتملٌ: فأينما تولّوا من أرض اللّه فتكونوا بها فثمّ قبلة اللّه الّتي توجّهون وجوهكم إليها؛ لأنّ الكعبة ممكنٌ لكم التّوجّه إليها منها.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ قال حدّثنا وكيعٌ، عن أبي سنانٍ، عن الضّحّاك، والنّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه عزّ وجلّ: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: «قبلة اللّه، فأينما كنت من شرقٍ أو غربٍ فاستقبلها».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني إبراهيم، ابن أبي بكرٍ، عن مجاهدٍ، قال: «حيثما كنتم فلكم قبلةٌ تستقبلونها، قال: للكعبة». ومحتملٌ: فأينما تولّوا وجوهكم في دعائكم فهنالك وجهي أستجيب لكم دعاءكم.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ: «لمّا نزلت: {ادعوني أستجب لكم} قالوا: إلى أين؟ فنزلت: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} ».
فإذ كان قوله عزّ وجلّ: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} محتملاً ما ذكرنا من الأوجه، لم يكن لأحدٍ أن يزعم أنّها ناسخةٌ أو منسوخةٌ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها؛ لأنّ النّاسخ لا يكون إلاّ لمنسوخٍ، ولم تقمّ حجّةٌ يجب التّسليم لها بأنّ قوله: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} معنيٌّ به: فأينما توجّهوا وجوهكم في صلاتكم فثمّ قبلتكم. ولا أنّها نزلت بعد صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه نحو بيت المقدس أمرًا من اللّه عزّ وجلّ لهم بها أن يتوجّهوا نحو الكعبة، فيجوز أن يقال: هي ناسخةٌ الصّلاة نحو بيت المقدس؛ إذ كان من أهل العلم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأئمّة التّابعين من ينكر أن تكون نزلت في ذلك المعنى. ولا خبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثابتٌ بأنّها نزلت فيه، وكان الاختلاف في أمرها موجودًا على ما وصفت. ولا هي إذ لم تكن ناسخةً لما وصفنا قامت حجّتها بأنّها منسوخةٌ، إذ كانت محتملةً ما وصفنا بأن تكون جاءت بعمومٍ، ومعناها: في حالٍ دون حالٍ إن كان عني بها التّوجّه في الصّلاة، وفي كلّ حالٍ إن كان عني بها الدّعاء، وغير ذلك من المعاني الّتي ذكرنا.
وقد دلّلنا في كتابنا: كتاب البيان عن أصول الأحكام، على أن لا ناسخ من آي القرآن وأخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ ما نفى حكمًا ثابتًا، وألزم العباد فرضه غير محتملٍ ظاهره وباطنه غير ذلك. فأمّا إذا ما احتمل غير ذلك من أن يكون بمعنى الاستثناء أو الخصوص والعموم، أو المجمل، أو المفسّر، فمن النّاسخ والمنسوخ بمعزلٍ، بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع. ولا منسوخ إلاّ المنفيّ الّذي كان قد ثبت حكمه وفرضه، ولم يصحّ واحدٌ من هذين المعنيين لقوله: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} بحجّةٍ يجب التّسليم لها، فيقال فيه: هو ناسخٌ أو منسوخٌ.

وأمّا قوله: {فأينما} فإنّ معناه: حيثما.
وأمّا قوله: {تولّوا} فإنّ الّذي هو أولى بتأويله أن يكون تولّون نحوه وإليه، كما يقول القائل: ولّيت وجهي نحوه وولّيته إليه، بمعنى: قابلته وواجهته.
وإنّما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية لإجماع الحجّة على أنّ ذلك تأويله وشذوذٌ من تأوّله بمعنى: تولّون عنه فتستدبرونه، ففى الّذي تتوجّهون إليه وجه اللّه، بمعنى قبلة اللّه.
وقوله: {تولّوا}. مجزوم بحرف الجزاء، وهو قوله: {فأينما} وأمّا قوله: {فثمّ} فإنّه بمعنى: هنالك.
واختلف في تأويل قوله: {فثمّ وجه اللّه} فقال بعضهم: تأويل ذلك: فثمّ قبلة اللّه، يعني بذلك: وجهه الّذي وجّههم إليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ: {فثمّ وجه اللّه} قال:«قبلة اللّه».
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: أخبرني إبراهيم، عن مجاهدٍ قال: «حيثما كنتم فلكم قبلةٌ تستقبلونها».
وقال آخرون: معنى قول اللّه عزّ وجلّ {فثمّ وجه اللّه} فثمّ اللّه.
وقال آخرون: معنى قوله: {فثمّ وجه اللّه} فثمّ تدركون بالتّوجّه إليه رضًا اللّه الّذي له الوجه الكريم.
وقالوا: عنى بالوجه: ذو الوجه، وقال قائلو هذه المقالة: وجه اللّه صفةٌ له.
فإن قال قائلٌ: وما هذه الآية من الّتي قبلها؟
قيل: هي لها مواصلةٌ، وإنّما معنى ذلك: ومن أظلم من النّصارى الّذين منعوا عباد اللّه مساجده أن يذكر فيها اسمه، وسعوا في خرابها، وللّه المشرق والمغرب، فأينما توجّهوا وجوهكم فاذكروه، فإنّ وجهه هنالك يسعكم فضله وأرضه وبلاده، ويعلم ما تعملون، ولا يمنعكم تخريب من خرّب مسجد الله بيت المقدس، ومنعهم من منعوا من ذكر اللّه فيه أن تذكروا اللّه حيث كنتم من أرض اللّه تبتغون به وجهه). [جامع البيان: 2/ 448-460]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {واسعٌ} يسع خلقه كلّهم بالكفاية والأفضال والجود والتّدبير.
وأمّا قوله: {عليمٌ} فإنّه يعني أنّه عليمٌ بأعمالهم لا يغيب عنه منها شيءٌ ولا يعزب عنه علمه، بل هو بجميعها عليمٌ). [جامع البيان: 2/ 460]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ (115)}
قوله: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه الله إن الله واسع عليم} اختلف في تفسيره على أربعة أوجه:
القول الأول: فأحد ذلك: من جعلها محكمةً وصرفها إلى حدّ الضّرورة.
حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا سعيد بن سليمان، أنبأ أبو الرّبيع السّمّان أشعث بن سعيدٍ، أنبأ عاصم بن عبيد اللّه عن عبد اللّه بن ربيعة عن أبيه قال: «
كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم- في سفرٍ في ليلةٍ مظلمةٍ، فنزلنا منزلا فجعل الرّجل يأخذ الحجارة فيجعلها مسجدًا يصلّي فيه، فلمّا أصبحنا إذا نحن قد صلّينا لغير القبلة، فقلنا: يا رسول اللّه. ليلتنا ليلةٌ باردةٌ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله}».
والقول الثّاني: بأنّ الآية محكمةٌ وتفسيرها في صلاة السّفر تطوّعًا.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن فضيلٍ عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عمر قال: «لمّا نزلت هذه الآية: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} أن تصلّي أينما توجّهت راحلتك في السّفر تطوّعًا، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم- إذا رجع مكّة يصلّي على راحلته تطوّعًا، يومئ برأسه نحو المدينة».
والقول الثّالث: أنّها محكمةٌ. وتفسيرها استقبال الكعبة.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاج بن محمّدٍ الأعور عن ابن جريجٍ أخبرني إبراهيم بن أبي بكرٍ عن مجاهدٍ في قوله: «{فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} حيثما كنتم فلكم قبلةٌ تستقبلونها الكعبة». وروي عن الحسن نحو ذلك.
والقول الرّابع: أنّها منسوخةٌ.

- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاج بن محمّدٍ أنبأ ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «أوّل ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا واللّه أعلم شأن القبلة قال: {للّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} فاستقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فصلّى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق. ثمّ صرفه اللّه إلى البيت العتيق، فنسخها وقال: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}» قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي العالية، والحسن وعطاءٍ الخراسانيّ، وعكرمة وقتادة، والسّدّيّ، وزيد بن أسلم نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 211-212]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}

- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبدة بن سليمان الكلابيّ عن نضر بن العربيّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: «{فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قبلة اللّه أينما توجّهت شرقًا أو غربًا» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 212]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أبو البختريّ عبد اللّه بن محمّد بن شاكرٍ، ثنا أبو أسامة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال: «أنزلت: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] أن تصلّي حيث ما توجّهت بك راحلتك في التّطوّع» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه ). [المستدرك: 2/ 292]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما قال: «أوّل ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا شأن القبلة، قال اللّه: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] فاستقبل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فصلّى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق، فقال اللّه تعالى: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} [البقرة: 142] يعنون بيت المقدس فنسختها، وصرفه اللّه إلى البيت العتيق فقال اللّه تعالى: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره} [البقرة: 150]» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه بهذه السّياقة ). [المستدرك: 2/ 294]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) - عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ في ليلةٍ مظلمةٍ، فلم ندر أين القبلة؟ فصلى كلّ رجلٍ منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {فأينما تولّوا، فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115]» أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(حياله) حيال الشيء: تلقاؤه وحذاؤه). [جامع الأصول: 2/ 8]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم}.
أخرج أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: «أول ما نسخ لنا من القرآن فيما ذكر والله أعلم شأن القبلة، قال الله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق ونسخها فقال: {ومن حيث خرجت فول وجهك} [البقرة الآية 149] الآية».
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} قال: «كان الناس يصلون قبل بيت المقدس فلما قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره وكان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر كا يؤمر به فنسختها قبل الكعبة».
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر والنحاس في ناسخه والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به ثم قرأ ابن عمر هذه الآية {فأينما تولوا فثم وجه الله} وقال ابن عمر: في هذا نزلت هذه الآية».وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: «أنزلت {فأينما تولوا فثم وجه الله} أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوع».
وأخرج البخاري والبيهقي، عن جابر بن عبد الله قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار يصلي على راحلته متوجها قبل المشرق تطوعا».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والبيهقي، عن جابر بن عبد الله: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته قبل المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة وصلى».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي عن أنس: «أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر وأراد أن يتطوع بالصلاة استقبل بناقته القبلة وكبر ثم صلى حيث توجهت الناقة».
وأخرج أبو داود والطيالسي، وعبد بن حميد والترمذي وضعفه، وابن ماجه، وابن جرير، وابن أبي حاتم والعقيلي وضعفه والدارقطني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن عامر بن ربيعة قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلا فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا فيصلي فيه فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة فقلنا: يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة فأنزل الله {ولله المشرق والمغرب} الآية، فقال مضت صلاتكم».
وأخرج الدارقطني، وابن مردويه والبيهقي، عن جابر بن عبد الله قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا: القبلة ههنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطا، وقال بعضنا: القبلة ههنا قبل الجنوب فصلوا وخطوا خطا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا من سفرنا سألنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسكت فأنزل الله {ولله المشرق والمغرب} الآية».
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن عطاء: «أن قوما عميت عليهم القبلة فصلى كل إنسان منهم إلى ناحية ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فأنزل الله {فأينما تولوا فثم وجه الله}».وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريه فأصابتهم ضبابه فلم يهتدوا إلى القبله فصلوا لغير القبله ثم استبان لهم بعدما طلعت الشمس أنهم صلوا لغير القبله فلما جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثوه فأنزل الله {ولله المشرق والمغرب} الآية».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخا لكم قد مات - يعني النجاشي - فصلوا عليه»، قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم، فأنزل الله {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} [آل عمران الآية 199]، قالوا: فإنه كان لا يصلي إلى القبلة فأنزل الله {ولله المشرق والمغرب} الآية».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد قال: «لما نزلت: {ادعوني أستجب لكم} [غافر الآية 60] قالوا: إلى أين فأنزلت {فأينما تولوا فثم وجه الله}».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: {فأينما تولوا فثم وجه الله} قال: «قبلة الله أينما توجهت شرقا أو غربا».
وأخرج ابن ابي شيبة، وعبد بن حميد والترمذي والبيهقي في سننه عن مجاهد: {فثم وجه الله} قال: «قبلة الله فأينما كنتم في شرق أو غرب فاستقبلوها».
وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن قتادة في هذه الآية قال: «هي منسوخة نسخها قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة الآية 149] أي تلقاءه».
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه، وابن ماجه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مابين المشرق والمغرب قبلة».
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر، مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجهت قبل البيت»). [الدر المنثور: 1/ 563-567]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو أسامة، عن عوفٍ، عن غالب بن عجردٍ، قال: حدّثني رجلٌ من فقهاء أهل الشّام في مسجد منًى، قال: إنّ اللّه خلق الأرض، وخلق ما فيها من الشّجر، ولم يكن أحدٌ من بني آدم يأتي شجرةً من تلك الشّجر إلاّ أصاب منها خيرًا، أو كان له خيرٌ، فلم يزل الشّجر كذلك حتّى تكلّمت فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة قولهم {اتّخذ اللّه ولدًا} فاقشعرّت الأرض فشاك الشّجر). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 358]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا سبحانه} [البقرة: 116]
4482 - حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن عبد اللّه بن أبي حسينٍ، حدّثنا نافع بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «قال اللّه: [كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأمّا تكذيبه إيّاي فزعم أنّي لا أقدر أن أعيده كما كان، وأمّا شتمه إيّاي، فقوله لي ولدٌ، فسبحاني أن أتّخذ صاحبةً أو ولدًا]». [صحيح البخاري: 6/ 19-20]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب: {وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا سبحانه}

كذا للجميع وهي قراءة الجمهور وقرأ بن عامرٍ قالوا بحذف الواو واتّفقوا على أنّ الآية نزلت فيمن زعم أنّ للّه ولدًا من يهود خيبر ونصارى نجران ومن قال من مشركي العرب الملائكة بنات اللّه فردّ اللّه تعالى عليهم
- قوله قال اللّه تعالى هذا من الأحاديث القدسيّة قوله وأمّا شتمه إيّاي فقوله لي ولدٌ إنّما سمّاه شتمًا لما فيه من التّنقيص لأنّ الولد إنّما يكون عن والدةٍ تحمله ثمّ تضعه ويستلزم ذلك سبق النّكاح والناكح يستدعي باعثًا له على ذلك واللّه سبحانه منزّهٌ عن جميع ذلك ويأتي شرحه في تفسير سورة الإخلاص). [فتح الباري: 8/ 168]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (بابٌ: {وقالوا اتّخذ الله ولداً سبحانه} [البقرة: 116]
أي: هذا باب: {قالوا} بالواو قراءة الجمهور، وقرأ ابن عامر: قالوا، بحذف الواو، واتّفقوا على أن الآية نزلت فيمن زعم أن لله ولدا من يهود خيبر ونصارى نجران، ومن قال من مشركي العرب: الملائكة بنات الله، فرد الله تعالى عليهم.
- حدّثنا أبو اليمان أخبرنا شعيبٌ عن عبد الله بن أبي حسينٍ حدثنا نافع بن جبيرٍ عن عبّاسٍ رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله [كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذاك وشتمني ولم يكن له ذالك فأمّا تكذيبه إيّاي فزعم أنّي لا أقدر أن أعيده كما كان وأمّا شتمه إيّاي فقوله لي ولدٌ فسبحاني أن أتخذ صاحبةً أو ولداً]».
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع وعبد الله هو عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي حسين القرشي النّوفلي المكّيّ، ونافع بن جبير، بضم الجيم وفتح الباء الموحدة: ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي المدني.
والحديث من أفراده. وقال صاحب (التّوضيح): وسلف في بدء الخلق، قلت: ما سلف في بدء الخلق إلاّ عن أبي هريرة من رواية الأعرج. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروي: قال: «قال الله أراه يقول الله: [شتمني ابن آدم..]» الحديث، وهذا من الأحاديث القدسية. قوله: [كذبني] من التّكذيب وهو نسبة المتكلّم إلى أن خبره خلاف الواقع. قوله: [ذلك] أي: التّكذيب. قوله: [وشتمني]، من الشتم وهو توصيف الشّخص بما هو أزراً وأنقص فيه، وإثبات الولد له كذلك لأن الولد إنّما يكون عن والدة تحمله ثمّ تضعه، ويستلزم ذلك سبق النّكاح، والناكح يستدعي باعثاً له على ذلك، والله سبحانه وتعالى منزع عن جميع ذلك. قوله: [فسبحاني]، لفظ: سبحان، مضاف إلى ياء المتكلّم يعني: أنزه نفسي، [أن أتّخذ] بأن اتخذوا: وأن، مصدريّة أي: من اتّخاذ الصاحبة أي: الزّوجة والولد). [عمدة القاري: 18/ 91-92]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {قالوا اتّخذ اللّه ولدًا سبحانه} [البقرة: 116]
هذا (باب) بالتنوين {وقالوا اتخذ الله ولدًا سبحانه} [البقرة: 116] نزلت ردًّا على النصارى لما قالوا: المسيح ابن الله، واليهود لما قالوا: عزير ابن الله، ومشركو العرب: الملائكة بنات الله.
- حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ عن عبد اللّه بن أبي حسينٍ، حدّثنا نافع بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «قال اللّه: [كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأمّا تكذيبه إيّاي فزعم أنّي لا أقدر أن أعيده كما كان، وأمّا شتمه إيّاي فقوله لي ولدٌ فسبحاني أن أتّخذ صاحبةً أو ولدًا]».
وبه قال: حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب هو ابن أبي حمزة عن عبد الله بن أبي حسين بضم الحاء وفتح السين القرشي النوفلي الكوفي أنه قال: حدّثنا نافع بن جبير بضم الجيم وفتح الموحدة ابن مطعم القرشي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «قال الله تعالى: [كذبني ابن آدم]» بتشديد الذال المعجمة من التكذيب وهو نسبة المتكلم إلى أن خبره خلاف الواقع والمراد البعض من بني آدم، [ولم يكن له ذلك] ولأبي ذر: «ولم يكن ذلك له بالتقديم والتأخير»، [وشتمني] من الشتم وهو توصيف الشخص بما فيه إزراء ونقص تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا [ولم يكن له ذلك] التكذيب والشتم، [فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان] ووقع في رواية الأعرج في سورة الإخلاص وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته، [وأما شتمه إياي فقوله لي ولد] وإنما كان شتمًا لما فيه من التنقيص لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح والنكاح يستدعي باعثًا له على ذلك والله تعالى منزه عن ذلك، [فسبحاني] أي تنزهت [أن أتخذ صاحبة أو ولدًا] أن مصدرية أي من اتخاذي الزوجة والولد لما كان البارئ سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته قديمًا موجودًا قبل وجود الأشياء، وكان كل مولود محدثًا انتفت عنه الوالدية، ولما كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجانسه. حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد انتفت عنه الوالدية ومن هذا قوله تعالى: {أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} [الأنعام: 101] ). [إرشاد الساري: 7/ 13]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه}
قوله: [فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر.. الخ] أي: وقد أخبرت في كتابي بأني أقدر على ذلك، ويمكن أن يراد بالتكذيب إنكار قدرة الله تعالى). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 38]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا سبحانه بل له ما في السّموات والأرض كلٌ له قانتون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا} الّذين منعوا مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه، {وقالوا} معطوفٌ على قوله: {وسعى في خرابها}. وتأويل الآية: ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا وهم النّصارى الّذين زعموا أنّ عيسى ابن اللّه؟ فقال اللّه جلّ ثناؤه مكذّبًا قيلهم ما قالوا من ذلك ومنتفيًا ممّا نحلوه وأضافوا إليه بكذبهم وفريتهم: {سبحانه} يعني بذلك جل ثنائه: تنزيهًا لله وتبريا من أن يكون له ولدٌ، وعلوًّا وارتفاعًا عن ذلك. وقد دلّلنا فيما مضى على معنى قول القائل: سبحان اللّه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
ثمّ أخبر جلّ ثناؤه أنّ له ما في السّموات والأرض ملكًا وخلقًا، ومعنى ذلك: وكيف يكون المسيح للّه ولدًا، وهو لا يخلو من أن يكون في بعض هذه الأماكن إمّا في السّموات، وإمّا في الأرض، وللّه ملك ما فيهما؟ ولو كان المسيح ابنًا كما زعمتم لم يكن كسائر ما في السّموات والأرض من خلقه وعبيده في ظهور آثار الصّنعة فيه). [جامع البيان: 2/ 460-461]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كلٌّ له قانتون}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: كل له مطيعون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: «في قوله: {كلٌّ له قانتون} مطيعون».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {كلٌّ له قانتون} قال: «مطيعون» قال: «طاعة الكافر في سجود ظلّه».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بمثله، إلاّ أنّه زاد: «بسجود ظلّه وهو كارهٌ».
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كلٌّ له قانتون} يقول: «كلٌّ له مطيعون يوم القيامة».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثني يحيى بن سعيدٍ، عمّن ذكره عن عكرمة: {كلٌّ له قانتون} قال: «الطّاعة».
- حدّثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{قانتون} مطيعون».
وقال آخرون: معنى ذلك كلٌّ له مقرّون بالعبودة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة: «{كلٌّ له قانتون} كلٌّ مقرٌّ له بالعبودة».
وقال آخرون بما؛
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: قوله: {كلٌّ له قانتون} قال: «كلٌّ له قائمٌ يوم القيامة».
والقنوت في كلام العرب معانٍ: أحدها الطّاعة، والآخر القيام، والثّالث الكفّ عن الكلام والإمساك عنه.
وأولى معاني القنوت في قوله: {كلٌّ له قانتون} الطّاعة والإقرار للّه عزّ وجلّ بالعبوديّة بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصّنعة، والدّلالة على وحدانيّة اللّه عزّ وجلّ، وأنّ اللّه تعالى ذكره بارئها وخالقها. وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أكذب الّذين زعموا أنّ للّه ولدًا بقوله: {بل له ما في السّموات والأرض} ملكًا وخلقًا. ثمّ أخبر عن جميع ما في السّموات والأرض أنّها مقرّةٌ بدلالتها على ربّها وخالقها، وأنّ اللّه تعالى بارئها وصانعها. وإن جحد ذلك بعضهم بألسنتهم مذعنةٌ له بالطّاعة بشهادتها له بآثار الصّنعة الّتي فيها بذلك، وأنّ المسيح أحدهم، فأنّى يكون للّه ولدًا وهذه صفته؟.
وقد زعم بعض من قصرت معرفته عن توجيه الكلام وجهته أنّ قوله: {كلٌّ له قانتون} خاصّةٌ لأهل الطّاعة وليست بعامّةٍ. وغير جائزٍ ادّعاء خصوصٍ في آيةٍ عامٌّ ظاهرها إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها لما قد بيّنّا في كتابنا: كتاب البيان عن أصول الأحكام.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ وعزّ عن أنّ المسيح الّذي زعمت النّصارى أنّه ابن اللّه مكذّبهم هو والسّموات والأرض وما فيها، إمّا باللّسان، وإمّا بالدّلالة؛ وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر عن جميعهم بطاعتهم إيّاه وإقرارهم له بالعبوديّة عقيب قوله: {وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا} فدلّ ذلك على صحّة ما قلنا). [جامع البيان: 2/ 461-464]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا سبحانه بل له ما في السّماوات والأرض كلٌّ له قانتون (116)}
قوله: {وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا سبحانه}
- حدّثنا العبّاس بن يزيد العبديّ ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله: {وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا سبحانه} قال: «إذا قالوا عليه البهتان سبّح نفسه».
- حدّثنا المنذر بن شاذان ثنا هوذة ثنا عوفٌ عن غالب بن عجردٍ حدّثني رجلٌ من أهل الشّام في مسجد منًى قال: «بلغني أنّ اللّه لمّا خلق ما فيها من الشّجر ولم يكن في الأرض شجرةٌ يأتيها بنوا آدم إلا أصابوا منها منفعةً، أو كان لهم فيها منفعةٌ، ولم تزل الأرض والشّجر بذلك حتّى تكلّم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة بقولهم: اتّخذ اللّه ولدًا فلمّا تكلّموا بها اقشعرّت الأرض، وشاك الشّجر». وقد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 213]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {سبحانه}
- حدّثني أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا أبو مالكٍ- يعني- عمرو بن هاشمٍ الجنبيّ عن جويبرٍ عن الضحاك: «في قوله: سبحان يقول: سبحان عجبٌ» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 213]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {بل له ما في السماوات والأرض كلٌّ له قانتون}
اختلف في تفسيره على أوجه.
الوجه الأول:

- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ أخبرني عمرو بن الحارث أنّ درّاجًا أبا الشّيخ حدّثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيدٍ الخدريّ عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «كلّ حرفٍ في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطّاعة».
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: «{كلٌّ له قانتون}: مطيعون». يقول: «طاعة الكافر في سجوده، سجود ظلّه وهو كارهٌ».
- حدّثنا عليّ بن عمّارٍ ثنا الوليد بن صالحٍ ثنا شريكٌ عن خصيفٍ عن مجاهدٍ في قوله: {كلٌّ له قانتون} قال: «مطيعون. كن إنسانًا، فكان». وقال: «كن حمارا، فكان».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أسباطٌ عن مطرّفٍ عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ قال: «قانتين: مصلّين».
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة حدّثني عليّ بن الحسين- يعني ابن واقدٍ- عن أبيه عن يزيد النّحويّ عن عكرمة في قوله: «كلٌّ له قانتون» قال: «كلٌّ له مقرّون بالعبوديّة». وروي عن أبي مالكٍ نحوه.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ: «{كلٌّ له قانتون} كلٌّ له قائمٌ يوم القيامة».
والوجه الخامس:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن علي بن حمزة ثنا نحيى بن إسحاق وحبّان عن عبد اللّه عن شريكٍ عن سالمٍ عن سعيدٍ: {كلٌّ له قانتون} يقول: «الإخلاص» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 213-214]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{كل له قانتون} أي كل له مطيعون فطاعة الكافر في سجود ظله» ). [تفسير مجاهد: 86]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون}.
أخرج البخاري عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: [كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا]».
وأخرج البخاري، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله:
[كذبني ابن آدم ولم ينبغ له أن يكذبني وشتمني ابن آدم ولم ينبغ له أن يشتمني فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الله الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد]».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي، وابن مردويه ولبيهقي عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله، أنهم يجلعون له ولدا ويشركون به وهو يرزقهم ويعافيهم».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن غالب بن عجرد قال: حدثني رجل من أهل الشام قال: «بلغني أن الله لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها ثمرة حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة قولهم {اتخذ الله ولدا} فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض وشاك الشجر».
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه} قال: «إذا قالوا عليه البهتان سبح نفسه» ). [الدر المنثور: 1/ 567-569]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى {سبحانه}.
أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم والمحاملي في أماليه عن ابن عباس في قوله: {سبحان الله} قال: «تنزيه الله نفسه عن السوء».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن موسى بن طلحة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان سبحان الله قال: «براءة الله من السوء»، وفي لفظ: «إنزاهه عن السوء مرسل»، وأخرجه ابن جرير والديلمي والخطيب في الكفايه من طرق أخرى موصولا عن موسى بن طلحه بن عبيد الله عن أبيه عن جده طلحه بن عبيد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير {سبحان الله} قال: «هو تنزيه الله من كل سوء».
وأخرج ابن مردويه من طريق سفيان الثوري عن عبد الله بن عبيد الله بن موهب أنه سمع طلحة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {سبحان الله} قال: «تنزيه الله عن كل سوء».
وأخرج ابن ابي حاتم عن ميمون بن مهران، أنه سئل عن {سبحان الله} فقال: «اسم يعظم الله به ويحاشى عن السوء».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس أن ابن الكواء سأل عليا عن قوله: {سبحان الله} فقال علي: «كلمة رضيها الله لنفسه».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: «{سبحان الله} اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه».
وأخرج عبد بن حميد عن يزيد بن الأصم قال: «جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه فقال: لا إله إلا الله نعرفها أنه لا إله غيره والحمد لله نعرفها أن النعم كلها منه وهو المحمود عليها والله أكبر نعرفها أنه لا شيء أكبر منه فما سبحان الله فقال ابن عباس: وما تنكر منها، هي كلمة رضيها الله لنفسه وأمر بها ملائكته وفرغ إليها الأخيار من خلقه»). [الدر المنثور: 1/ 569-571]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {كل له قانتون}.
أخرج أحمد، وعبد بن حميد وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه، وابن حبان والطبراني في الأوسط وأبو نصر السجزي في الإبانة وأبو نعيم في الحلية والضياء في المختارة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طرق عن ابن عباس في قوله:{قانتون} قال: «مطيعون».
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس، أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله عز وجل: {كل له قانتون} قال: «مقرون، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول عدي بن زيد:

قانتا لله يرجو عفوه ....... يوم لا يكفر عبد ما ادخر

وأخرج ابن جرير عن عكرمة: {كل له قانتون} قال: «مقرون بالعبودية».
وأخرج ابن جرير عن قتادة {كل له قانتون} اي مطيع مقر بأن الله ربه وخالقه). [الدر المنثور: 1/ 571-572]

تفسير قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بديع السّموات والأرض وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {بديع السّموات والأرض} مبدعها. وإنّما هو مفعلٌ صرف إلى فعيلٍ، كما صرف المؤلم إلى أليمٍ، والمسمع إلى سميعٍ.
ومعنى المبدع: المنشئ والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحدٌ؛ ولذلك سمّي المبتدع في الدّين مبتدعًا لإحداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيره. وكذلك كلّ محدثٍ فعلاً أو قولاً لم يتقدّمه فيه متقدّمٌ، فإنّ العرب تسمّيه مبتدعًا. ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة في مدح هوذة بن عليٍّ الحنفيّ:


يرعى إلى قول سادات الرّجال إذا ....... أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا

أي يحدث ما شاء.
ومنه قول رؤبة بن العجّاج:


فأيّها الغاشي القذاف الأتيعا ....... إن كنت للّه التّقيّ الأطوعا

فليس وجه الحقّ أن تبدّعا
يعني: أن تحدث في الدّين ما لم يكن فيه.
فمعنى الكلام: سبحان اللّه أنّى يكون له ولدٌ وهو مالكٌ ما في السّموات والأرض، تشهد له جميعًا بدلالتها عليه بالوحدانيّة، وتقرّ له بالطّاعة؛ وهو بارئها وخالقها، وموجدها من غير أصلٍ، ولا مثالٍ احتذاها عليه.
وهذا إعلامٌ من اللّه جلّ ثناؤه عباده أنّ ممّا يشهد له بذلك المسيح الّذي أضافوا إلى اللّه جلّ ثناؤه بنوّته، وإخبارٌ منه لهم أنّ الّذي ابتدع السّموات والأرض من غير أصلٍ وعلى غير مثالٍ هو الّذي ابتدع المسيح من غير والدٍ بقدرته.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {بديع السّموات والأرض} يقول: «ابتدع خلقها، ولم يشركه في خلقها أحدٌ».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {بديع السّموات والأرض} يقول: «ابتدعها فخلقها، ولم يخلق مثلها شيئًا يتمثّل به» ). [جامع البيان: 2/ 464-465]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وإذا قضى أمرًا} وإذا أحكم أمرًا وحتمه. وأصل كلّ قضاءٍ أمر الإحكام والفراغ منه؛ ومن ذلك قيل للحاكم بين النّاس: القاضي بينهم، لفصله القضاء بين الخصوم، وقطعه الحكم بينهم وفراغه منه ومنه قيل للميّت: قد قضى، يراد به قد فرغ من الدّنيا، وفصل منها. ومنه قيل: ما ينقضي عجبي من فلانٍ، يراد: ما ينقطع. ومنه قيل: تقضي النّهار: إذا انصرم. ومنه قول اللّه عزّ وجلّ: {وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه} أي فصل الحكم فيه بين عباده بأمره إيّاهم بذلك، وكذلك قوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} أي أعلمناهم بذلك وأخبرناهم به، ففرغنا إليهم منه. ومنه قول أبي ذؤيبٍ:


وعليهما مسرودتان قضاهما ....... داود أو صنع السّوابغ تبّع

ويروى:
وتعاورا مسرودتين قضاهما.
ويعني بقوله: قضاهما: أحكمهما. ومنه قول الآخر في مدح عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه:


قضيت أمورًا ثمّ غادرت بعدها ....... بوائق في أكمامها لم تفتّق

ويروى: بوائج.
وأمّا قوله: {فإنّما يقول له كن فيكون} فإنّه يعني بذلك: وإذا أحكم أمرًا فحتمه، فإنّما يقول لذلك الأمر كن، فيكون ذلك الأمر على ما أمره اللّه أن يكون وأراده.
فإن قال لنا قائلٌ: وما معنى قوله: {وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون}؟ وفي أيّ حالٍ يقول للأمر الّذي يقضيه: كن؟ أفي حال عدمه، وتلك حالٌ لا يجوز فيها أمره، إذ كان محالاً أن يأمر إلاّ المأمور، فإذا لم يكن المأمور استحال الأمر؛ وكما محالٌ الأمر من غير آمرٍ، فكذلك محالٌ الأمر من آمرٍ إلاّ لمأمورٍ. أم يقول له ذلك في حال وجوده، وتلك حالٌ لا يجوز أمره فيها بالحدوث، لأنّه حادثٌ موجودٌ، ولا يقال للموجود: كن موجودًا إلاّ بغير معنى الأمر بحدوث عينه؟
قيل: قد تنازع المتأوّلون في معنى ذلك، ونحن مخبرون بما قالوا فيه، والعلل الّتي بها اعتلّ كلّ قائل منهم لقوله في ذلك: قال بعضهم: ذلك خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن أمره المحتوم على وجه القضاء لمن قضى عليه قضاءً من خلقه الموجودين أنّه إذا أمره بأمرٍ نفذ فيه قضاؤه، ومضى فيه أمره، نظير أمره من أمر من بني إسرائيل بأن يكونوا قردةً خاسئين، وهم موجودون في حال أمره إيّاهم بذلك، وحتّم قضاءه عليهم بما قضى فيهم، وكالّذي خسف به وبداره الأرض، وما أشبه ذلك من أمره وقضائه فيمن كان موجودًا من خلقه في حال أمره المحتوم عليه. فوجّه قائلو هذا القول قوله: {وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون} إلى الخصوص دون العموم.
وقال آخرون: بل الآية عامٌّ ظاهرها، فليس لأحدٍ أن يحيلها إلى باطنٍ بغير حجّةٍ يجب التّسليم لها، وقال: إنّ اللّه عالمٌ بكلّ ما هو كائنٌ قبل كونه. فلمّا كان ذلك كذلك كانت الأشياء الّتي لم تكن وهي كائنةٌ لعلمه بها قبل كونها، نظائر الّتي هي موجودةٌ، فجاز أن يقول لها: كوني، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود، لتصوّر جميعها له، ولعلمه بها في حال العدم.
وقال آخرون: بل الآية وإن كان ظاهرها ظاهر عمومٍ، فتأويلها الخصوص؛ لأنّ الأمر غير جائزٍ إلاّ لمأمورٍ على ما وصفت قبل. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، فالآية تأويلها: وإذا قضى أمرًا من إحياء ميّتٍ، أو إماتة حيٍّ، ونحو ذلك، فإنّما يقول للحيٍّ كن ميّتًا، أو لميّتٍ كن حيًّا، وما أشبه ذلك من الأمر.
وقال آخرون: بل ذلك من اللّه عزّ وجلّ خبرٌ عن جميع ما ينشئه ويكوّنه أنّه إذا قضاه وخلقه وأنشأه كان ووجد. ولا قول هنالك عند قائلي هذه المقالة إلاّ وجود المخلوق، وحدوث المقضيّ؛ وقالوا: إنّما قول اللّه عزّ وجلّ: {وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون} نظير قول القائل: قال فلانٌ برأسه، وقال بيده؛ إذا حرّك رأسه أو أومأ بيده ولم يقل شيئًا. وكما قال أبو النّجم:


قد قالت الأنساع للبطن الحق ....... قدمًا فآضت كالفنيق المحنّق

ولا قول هنالك، وإنّما عنى أنّ الظّهر قد لحق بالبطن. وكما قال عمرو بن حممة الدّوسيّ:


فأصبحت مثل النّسر طارت فراخه ....... إذا رام تطيارًا يقال له قع

ولا قول هناك، وإنّما معناه: إذا رام طيرانًا ووقع، وكما قال الآخر:

امتلأ الحوض وقال قطني ....... مهلاً رويدًا قد ملأت بطني

وأولى الأقوال بالصّواب في قوله: {وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون} أن يقال: هو عامٌّ في كلّ ما قضاه اللّه ودبره، لأنّ ظاهر ذلك ظاهر عمومٍ، وغير جائزٍ إحالة الظّاهر إلى الباطن من التّأويل بغير برهانٍ لما قد بيّنّا في كتابنا: كتاب البيان عن أصول الأحكام وإذ كان ذلك كذلك، فأمر اللّه جلّ وعزّ لشيءٍ إذا أراد تكوينه موجودًا بقوله: {كن} في حال إرادته جل ثناؤه إيّاه مكونًا، لا يتقدّم وجود الّذي أراد إيجاده وتكوينه إرادته إيّاه، ولا أمره بالكون والوجود، ولا يتأخّر عنه. فغير جائزٍ أن يكون الشّيء مأمورًا بالوجود مرادًا كذلك إلاّ وهو موجودٌ، ولا أن يكون موجودًا إلاّ وهو مأمورٌ بالوجود مرادٌ كذلك. ونظير قوله: {وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون} قوله: {ومن آياته أن تقوم السّماء والأرض بأمره ثمّ إذا دعاكم دعوةً من الأرض إذا أنتم تخرجون} بأنّ خروج القوم من قبورهم لا يتقدّم دعاء اللّه، ولا يتأخّر عنه.
ويسأل من زعم أنّ قوله: {وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون} خاصٌّ في التّأويل اعتلالاً بأنّ أمر غير الموجود غير جائزٍ، عن دعوة أهل القبور قبل خروجهم من قبورهم، أم بعده؟ أم هي في خاصٍّ من الخلق؟ فلن يقول في ذلك قولاً إلاّ ألزم في الآخر مثله.
وأما الّذين زعموا أنّ معنى قوله جلّ ثناؤه: {فإنّما يقول له كن فيكون} نظير قول القائل: قال فلانٌ برأسه أو بيده، إذا حرّكه وأومأ، ونظير قول الشّاعر مخبرا عن ناقته:


تقول إذا درأت لها وضيني ....... أهذا دينه أبدًا وديني

وما أشبه ذلك؟ فإنّهم لا صواب اللّغة أصابوا، ولا كتاب اللّه وما دلّت على صحّته الأدلّة اتّبعوا. فيقال لقائلي ذلك: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنّه إذا قضى أمرًا قال له: كن، أفتنكرون أن يكون قائلاً ذلك؟ فإن أنكروه كذّبوا بالقرآن، وخرجوا من الملّة.
وإنّ قالوا: بل نقرّ به، ولكنّا نزعم أنّ ذلك نظير قول القائل: قال الحائط فمال ولا قول هنالك، وإنّما ذلك خبرٌ عن ميل الحائط.
قيل لهم: أفتجيزون للمخبر عن الحائط بالميل أن يقول: إنّما قول الحائط إذا أراد أن يميل أن يقول هكذا فيميل؟
فإن أجازوا ذلك خرجوا من معروف كلام العرب، وخالفوا منطقها وما يعرف في لسانها.
وإن قالوا: ذلك غير جائزٍ، قيل لهم: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنّ قوله للشّيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون، فأعلم عباده قوله الّذي يكون به الشّيء ووصفه ووكّده. وذلك عندكم غير جائزٍ في العبارة عمّا لا كلام له ولا بيان في مثل قول القائل: قال الحائط فمال. فكيف لم يعلموا بذلك فرق ما بين معنى قول اللّه: {وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون} وقول القائل: قال الحائط فمال؟ وللبيان عن فساد هذه المقالة موضعٌ غير هذا نأتي فيه على القول بما فيه الكفاية إن شاء اللّه.
وإذا كان الأمر في قوله جلّ ثناؤه: {وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون} هو ما وصفنا من أنّ حال أمره الشّيء بالوجود حال وجود المأمور بالوجود، فبيّن بذلك أنّ الّذي هو أولى بقوله: {فيكون} أن يكون رفعٌا على العطف على قوله: {يقول} لأنّ القول والكون حالهما واحدٌ. وهو نظير قول القائل: تاب فلانٌ فاهتدى، واهتدى فلانٌ فتاب؛ لأنّه لا يكون تائبًا إلاّ وهو مهتدٍ، ولا مهتديًا إلاّ وهو تائبٌ. فكذلك لا يمكن أن يكون اللّه آمرًا شيئًا بالوجود إلاّ وهو موجودٌ، ولا موجودًا إلاّ وهو آمره بالوجود.
ولذلك استجاز من استجاز نصب فيكون من قرأ: (إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن يقول له كن فيكون) بالمعنى الّذي وصفنا على معنى: أن نقول فيكون.
وأمّا رفع من رفع ذلك، فإنّه رأى أنّ الخبر قد تمّ عند قوله: {إذا أردناه أن نقول له كن} إذ كان معلومًا أنّ اللّه إذا حتم قضاءه على شيءٍ كان المحتوم عليه موجودًا، ثمّ ابتدأ بقوله: فيكون، كما قال جلّ ثناؤه: {لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء}، وكما قال ابن أحمر:


يعالج عاقرًا أعيت عليه ....... ليلقحها فينتجها حوارا

يريد: فإذا هو ينتجها حوارًا.
فمعنى الآية إذًا: وقالوا اتّخذ اللّه ولدًا، سبحانه أن يكون له ولدٌ. بل هو مالك السّموات والأرض وما فيهما، كلّ ذلك مقرٌّ له بالعبوديّة بدلالته على وحدانيّته. وأنّى يكون له ولدٌ، وهو الّذي ابتدع السّموات والأرض من غير أصلٍ، كالّذي ابتدع المسيح من غير والدٍ بقدرته وسلطانه، الّذي لا يتعذّر عليه به شيءٌ أراده. بل إنّما يقول له إذا قضاه فأراد تكوينه: كن، فيكون موجودًا كما أراده وشاءه. فكذلك كان ابتداعه المسيح وإنشاءه إذ أراد خلقه من غير والدٍ). [جامع البيان: 2/ 466-473]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {بديع السّماوات والأرض وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون (117)}
قوله: {بديع السماوات والأرض}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية- يعني قوله: «{بديع السماوات والأرض} ابتدع خلقها، ولم يشركه في خلقها أحدٌ».
وروي عن الرّبيع نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {
بديع السماوات والأرض} يقول: «ابتدعها فخلقها، ولم يخلق قبلها شيئًا فيمتثل عليه». وروي عن مجاهدٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 214]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون}
- حدثنا محمد بن نحيى ثنا أبو غسّان ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: {إذا قضى أمرًا} يقول: «ممّا يشاء. وكيف فيكون كما أراد».- ذكر عن محمّد بن عمرو زنيجٌ ثنا أبو زهيرٍ ثنا جويبرٌ عن الضّحّاك قال: «فإنما يقول له كن فيكون وهذا من لغة الأعاجم. وهي بالعبريّة: أصنع».
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة فيما كتب إليّ حدّثني أبي ثنا عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: {يقول له كن فيكون} قال: «فهو خلق الإنسان» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 214-215]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {بديع السموات والأرض وإذ قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية {بديع السماوات والأرض} يقول: «ابتدع خلقهما ولم يشركه في خلقهما أحد».
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: «ابتدعهما فخلقهما ولم يخلق قبلهما شيء فتمثل به»
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط أن داعيا دعا في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم إني أسألك باسمك الذي لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم بديع السموات والأرض وإذا أردت أمرا فإنما تقول له كن فيكون فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لقد كدت أن تدعو باسمه العظيم» ). [الدر المنثور: 1/ 572-573]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آيةٌ كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بيّنا الآيات لقومٍ يوقنون}.
اختلف أهل التّأويل فيمن عنى اللّه بقوله: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه} فقال بعضهم: عنى بذلك النّصارى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه جلّ وعزّ: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آيةٌ} قال: «النّصارى تقوله».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله؛ وزاد فيه «{وقال الّذين لا يعلمون} النّصارى».
وقال آخرون: بل عنى اللّه بذلك اليهود الّذين كانوا في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قالا جميعًا: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال رافع بن حريملة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن كنت رسولاً من عند اللّه كما تقول، فقل للّه عزّ وجلّ فليكلّمنا حتّى نسمع كلامه. فأنزل اللّه في ذلك من قوله: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آيةٌ} الآية كلّها».
وقال آخرون: بل عنى بذلك مشركي العرب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آيةٌ} وهم كفّار العرب».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه} قال: «هم كفّار العرب».حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه} أما الّذين لا يعلمون: فهم العرب».
وأولى هذه الأقوال بالصّحّة والصّواب قول القائل: إنّ اللّه تعالى عنى بقوله: {وقال الّذين لا يعلمون} النّصارى دون غيرهم؛ لأنّ ذلك في سياق خبر اللّه عنهم، وعن افترائهم عليه وادّعائهم له ولدًا. فقال جلّ ثناؤه، مخبرًا عنهم فيما أخبر عنهم من ضلالتهم أنّهم مع افترائهم على اللّه الكذب بقوله: {اتّخذ اللّه ولدًا} تمنّوا على اللّه الأباطيل، فقالوا جهلاً منهم باللّه وبمنزلتهم عنده وهم باللّه مشركون: لولا يكلّمنا اللّه كما يكلّم رسوله وأنبياءه، أو تأتينا آيةٌ كما أتتهم. ولا ينبغي اللّه أن يكلّم إلاّ أولياءه، ولا يؤتي آيةً معجزةً على دعوى مدّعٍ إلاّ لمن كان محقًّا في دعواه وداعيًا إلى دينه وتوحيده. فأمّا من كان كاذبًا في دعواه وداعيًا إلى الفرية عليه وادّعاء البنين والبنات له، فغير جائزٍ أن يكلّمه اللّه جلّ ثناؤه، أو يؤتيه آيةً معجزةً تكون مؤيّدةً كذبه وفريته عليه.
فأما الزّاعم: إنّ اللّه عنى بقوله: {وقال الّذين لا يعلمون} العرب، فإنّه قائلٌ قولاً لا خبر بصحّته ولا برهان على حقيقته في ظاهر الكتاب. والقول إذا صار إلى ذلك كان واضحًا خطؤه، لأنّه ادّعى ما لا برهان على صحّته، وادّعاء مثل ذلك لن يتعذّر على أحدٍ.
وأمّا معنى قوله: {لولا يكلّمنا اللّه} فإنّه بمعنى: هلاّ يكلّمنا اللّه. كما قال الأشهب بن رميلة:


تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم ....... بني ضوطرى لولا الكميّ المقنّعا

بمعنى: فهلاّ تعدّون الكميّ المقنّع؟.
- كما حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {لولا يكلّمنا اللّه} قال: «فهلاّ يكلّمنا اللّه».
فأمّا الآية فقد بينت فيما مضى قبل أنّها العلامة. وإنّما أخبر اللّه عنهم أنّهم قالوا: هلاّ تأتينا آيةٌ على ما نريده ونسأل، كما أتت الأنبياء والرّسل. فقال عزّ وجلّ: {كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم} ). [جامع البيان: 2/ 473-476]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم} اختلف أهل التّأويل فيمن عنى اللّه بقوله: {كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم}.
فقال بعضهم في ذلك بما
- حدّثني به، محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم} هم اليهود».- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{قال الّذين من قبلهم} اليهود».
وقال آخرون: هم اليهود والنّصارى، لأنّ الّذين لا يعلمون هم العرب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: «{قال الّذين من قبلهم} يعني اليهود والنّصارى وغيرهم».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «قالوا: يعني العرب، كما قالت اليهود والنّصارى من قبلهم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم} يعني اليهود والنّصارى».
قال أبو جعفرٍ: قد دلّلنا على أنّ الّذين عنى اللّه تعالى ذكره بقوله: «{وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه} هم النّصارى، فالّذين قالت النصارى مثل قولهم هم اليهود، لأن اليهود سألت موسى صلّى اللّه عليه وسلّم أن يريهم ربّهم جهرةً، وأن يسمعهم كلام ربّهم، كما قد بيّنّا فيما مضى من كتابنا هذا، وسألوا من الآيات ما ليس لهم مسألته تحكّمًا منهم على ربّهم، وكذلك تمنّت النّصارى على ربّها تحكّمًا منها عليه أن يسمعهم كلامه ويريهم ما أرادوا من الآيات. فأخبر اللّه جلّ ثناؤه عنهم أنّهم قالوا من القول في ذلك مثل الّذي قالته اليهود وتمنّت على ربّها مثل أمانيّها، وأنّ قولهم الّذي قالوه من ذلك إنّما يشابه قول اليهود من أجل تشابه قلوبهم في الضّلالة والكفر باللّه. فهم وإن اختلفت مذاهبهم في كذبهم على اللّه وافترائهم عليه، فقلوبهم متشابهةٌ في الكفر بربّهم والفرية عليه، وتحكّمهم على أنبياء اللّه ورسله عليهم السّلام. وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهدٌ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{تشابهت قلوبهم} قلوب النّصارى واليهود».
وقال غيره: معنى ذلك تشابهت قلوب كفّار العرب واليهود والنّصارى وغيرهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{تشابهت قلوبهم}يعني العرب واليهود والنّصارى وغيرهم».
- حدّثني المثنّى، حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: مثله.
وغير جائزٍ في قوله: {تشابهت} التّثقيل، لأنّ التّاء الّتي في أوّلها زائدةٌ أدخلت في قوله: تفاعل، وإن ثقلت صارت تاءين؛ ولا يجوز إدخال تاءين زائدتين علامةً لمعنًى واحدٍ، وإنّما يجوز ذلك في الاستقبال لاختلاف معنى دخولهما، لأنّ إحداهما تدخل علمًا للاستقبال، والأخرى منها الّتي في تفاعل، ثمّ تدغم إحداهما في الأخرى فتثقّل فيقال: تشابه بعد اليوم قلوبنا.
فمعنى الآية: وقالت النّصارى الجهّال باللّه وبعظمته: هلاّ يكلّمنا اللّه ربّنا كما كلّم أنبياءه ورسله، أو تجيئنا علامةٌ من اللّه نعرف بها صدق ما نحن عليه على ما نسأل ونريد؟ قال اللّه جلّ ثناؤه: فكما قال هؤلاء الجهّال من النّصارى وتمنّوا على ربّهم قال من قبلهم من اليهود، فسألوا ربّهم أن يريهم اللّه نفسه جهرةً، ويؤتيهم آيةً، واحتكموا عليه وعلى رسله، وتمنّوا الأمانيّ. فاشتبهت قلوب اليهود والنّصارى في تمرّدهم على اللّه وقلّة معرفتهم بعظمته وجرأتهم على أنبيائه ورسله، كما اشتبهت أقوالهم الّتي قالوها). [جامع البيان: 2/ 476-479]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد بيّنّا الآيات لقومٍ يوقنون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {قد بيّنّا الآيات لقومٍ يوقنون} قد بيّنّا العلامات الّتي من أجلها غضب اللّه على اليهود وجعل منهم القردة والخنازير، وأعدّ لهم العذاب المهين في معادهم، والّتي من أجلها أخزى اللّه النّصارى في الدّنيا، وأعدّ لهم الخزي والعذاب الأليم في الآخرة، والّتي من أجلها جعل سكّان الجنّان الّذين أسلموا وجوههم للّه وهم محسنون في هذه السّورة وغيرها. فأعلموا الأسباب الّتي من أجلها استحقّ كلّ فريقٍ منهم من اللّه ما فعل به من ذلك، وخصّ اللّه بذلك القوم الّذين يوقنون؛ لأنّهم أهل التّثبّت في الأمور، والطّالبون معرفة حقائق الأشياء على يقينٍ وصحّةٍ.
فأخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّه بيّن لمن كانت هذه الصّفّة صفته ما بيّن من ذلك ليزول شكّه، ويعلم حقيقة الأمر؛ إذ كان ذلك خبرًا من اللّه جلّ ثناؤه، وخبر اللّه الخبر الّذي لا يعذر سامعه بالشّكّ فيه. وقد يحتمل غيره من الأخبار ما يحتمل من الأسباب العارضة فيه من السّهو والغلط والكذب، وذلك منفيٌّ عن خبر اللّه عزّ وجلّ). [جامع البيان: 2/ 479-480]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آيةٌ كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بيّنّا الآيات لقومٍ يوقنون (118)}
قوله: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آية}:
اختلف في تفسيره على أوجه:
الوجه الأول
فأحدها: أنهم يهود.
- حدثنا محمد بن نحيى ثنا أبو غسّان ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: حدّثني مولى آل زيد- يعني محمّد بن أبي محمّدٍ- عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «قال رافع بن حريملة لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: يا محمّد إن كنت رسولا من اللّه كما تقول، فقل للّه فليكلّمنا حتّى نسمع كلامه، فأنزل اللّه في ذلك من قوله: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آيةٌ}».
والوجه الثّاني: أنّهم كفّار العرب.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قوله: {لولا يكلمنا اللّه أو تأتينا آيةٌ} قال: «هو قول كفّار العرب» وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ:«
قوله: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آيةٌ} النّصارى تقوله» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 215]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لولا يكلّمنا اللّه}:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة: «في قوله: {لولا يكلّمنا اللّه} قالوا: فهلا يكلمنا الله» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 215]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: «يقول اللّه: {كذلك قال الّذين من قبلهم} يعني اليهود والنّصارى أو غيرهم».
وروي عن السّدّيّ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك، وروي عن مجاهدٍ أنّه قال: «اليهود» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 216]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {تشابهت قلوبهم قد بيّنّا الآيات لقومٍ يوقنون}:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ حدّثني سرورٌ عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن: «قوله: {تشابهت قلوبهم} قلوب اليهود والنّصارى»، قال: «وتشابههم أنّ اليهود قالت: ليست النّصارى على شيءٍ، وأنّ النّصارى قالت:
ليست اليهود على شيءٍ. قال اللّه: {كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم... قد بيّنّا الآيات لقومٍ يوقنون}».
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة يعني قوله: {آيات لقوم يوقنون} قال: «معتبرًا لمن اعتبر» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 216]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ك نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية} قال النصارى تقوله يقول الله: {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم} يعني اليهود» ). [تفسير مجاهد: 86]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون}.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «قال نافع بن حريلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن كنت رسولا من الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله في ذلك {وقال الذين لا يعلمون} قال: هم كفار العرب {لولا يكلمنا الله} قالا: هلا يكلمنا {كذلك قال الذين من قبلهم} يعني اليهود والنصارى وغيرهم {تشابهت قلوبهم} يعني العرب اليهود والنصارى وغيرهم»وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله} قال: «النصارى يقوله والذين من قبلهم يهود»). [الدر المنثور: 1/ 573-574]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني سليمان بن بلالٍ، عن موسى بن عبيدة، عن محمد ابن كعبٍ القرظيّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ليت شعري ما فعل أبواي، فأنزل اللّه عليه: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}، قال: فما ذكرهما رسول اللّه بعد» ).
[الجامع في علوم القرآن: 1/ 102]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله: «ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي» ثلاث مرات فنزلت: {إنا أرسلنك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحب الجحيم} قال: فما ذكرهما حتى توفاه الله» ).
[تفسير عبد الرزاق: 1/ 59]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}.
ومعنى قوله جلّ ثناؤه: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا} إنّا أرسلناك يا محمّد بالإسلام الّذي لا أقبل من أحدٍ غيره من الأديان - وهو الحقّ - مبشّرًا من اتّبعك فأطاعك وقبل منك ما دعوته إليه من الحقّ، بالنّصر في الدّنيا، والظّفر بالثّواب في الآخرة، والنّعيم المقيم فيها؛ ومنذرًا من عصاك فخالفك وردّ عليك ما دعوته إليه من الحقّ بالخزي في الدّنيا، والذّلّ فيها، والعذاب المهين في الآخرة). [جامع البيان: 2/ 480]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}.
وقال أبو جعفرٍ: قرأت عامّة القرّاء: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} بضمّ التّاء من تسأل ورفع اللاّم منها على الخبر، بمعنى: يا محمّد إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا، فبلّغ ما أرسلت به، وإنّما عليك البلاغ والإنذار، ولست مسئولاً عمّن كفر بما أتيته به من الحقّ وكان من أهل الجحيم.
وقرأ ذلك بعض أهل المدينة: (ولا تسأل) جزمًا بمعنى النّهي مفتوح التّاء من تسأل، وجزم اللاّم منها. ومعنى ذلك على قراءة هؤلاء: إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا لتبلّغ ما أرسلت به، لا لتسأل عن أصحاب الجحيم، فلا تسأل عن حالهم.
وتأوّل الّذين قرءوا هذه القراءة ما:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليت شعري ما فعل أبواي». فنزلت: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليت شعري ما فعل أبواي. ليت شعري ما فعل أبواي. ليت شعري ما فعل أبواي»، ثلاثًا، فنزلت: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} فما ذكرهما حتّى توفّاه اللّه».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني داود بن أبي عاصمٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال ذات يومٍ: «ليت شعري أين أبواي؟» فنزلت: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}.
والصّواب عندي من القراءة في ذلك قراءة من قرأ بالرّفع على الخبر؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قصّ قصص أقوامٍ من اليهود والنّصارى، وذكر ضلالتهم وكفرهم باللّه وجراءتهم على أنبيائهم، ثمّ قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّا أرسلناك يا محمّد بشيرًا من آمن بك واتّبعك ممّن قصصت عليك أنباءه ومن لم أقصص عليك أنباءه، ونذيرًا من كفر بك وخالفك، فبلّغ رسالتي، فليس عليك من أعمال من كفر بك بعد إبلاغك إيّاه رسالتي تبعةٌ، ولا أنت مسئولٌ عمّا عمل بعد ذلك. ولم يجر لمسألة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ربّه عن أصحاب الجحيم ذكرٌ، فيكون لقوله: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} وجهٌ يوجّه إليه. وإنّما الكلام موجّهٌ معناه إلى ما دلّ عليه ظاهره المفهوم، حتّى تأتي دلالةٌ بيّنةٌ تقوم بها الحجّة على أنّ المراد به غير ما دلّ عليه ظاهره؛ فيكون حينئذٍ مسلّمًا للحجّة الثّابتة بذلك. ولا خبر تقوم به الحجّة على أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نهي عن أن يسأل في هذه الآية عن أصحاب الجحيم، ولا دلالة تدلّ على أنّ ذلك كذلك في ظاهر التّنزيل. فالواجب أن يكون تأويل ذلك الخبر عما ما مضى ذكره قبل هذه الآية وعمّن ذكر بعدها من اليهود والنّصارى وغيرهم من أهل الكفر، دون النّهي عن المسألة عنهم.
فإن ظنّ ظانٌ أنّ الخبر الّذي روي عن محمّد بن كعبٍ صحيحٌ، فإنّ في استحالة الشّكّ من الرّسول عليه السّلام في أنّ أهل الشّرك من أهل الجحيم، وأنّ أبويه كانا منهم، ما يدفع صحّة ما قاله محمّد بن كعبٍ إن كان الخبر عنه صحيحًا، مع أنّ ابتداء اللّه الخبر بعد قوله: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا} بالواو بقوله: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}، وتركه وصل ذلك بأوّله بالفاء، وأن يقول: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا}، فلا تسأل عن أصحاب الجحيم، أوضح الدّلائل على أنّ الخبر بقوله: {ولا تسأل}، أولى من النّهي، والرّفع به أولى من الجزم.
وقد ذكر أنّها في قراءة أبيٍّ: وما تسأل وفي قراءة ابن مسعودٍ: ولن تسأل وكلتا هاتين القراءتين تشهد بالرّفع، والخبر فيه بالصحه دون النّهي.
وقد كان بعض نحويّي البصرة يوجّه قوله: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} إلى الحال، كأنّه كان يرى أنّ معناه: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا} غير مسئولٍ عن أصحاب الجحيم. وذلك إذا ضمّ التّاء، وقرأه على معنى الخبر، وكان يجيز على ذلك قراءته: ولا تسأل، بفتح التّاء وضمّ اللاّم على وجه الخبر بمعنى: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا}، غير سائلٍ عن أصحاب الجحيم.
وقد بيّنّا الصّواب عندنا في ذلك.
وهذان القولان اللّذان ذكرتهما عن البصريّ في ذلك تدفعهما ما روي عن ابن مسعودٍ وأبيٍّ من القراءة؛ لأنّ إدخالهما ما أدخلا فى ذلك من ما، ولن يدلّ على انقطاع الكلام عن أوّله وابتداء قوله: {ولا تسأل} وإذا كان ابتداءً لم يكن حالاً.
وأمّا أصحاب الجحيم، فإنهم أهل الجحيم والجحيم هي النّار بعينها إذا شبّت وقودها، ومنه قول أميّة بن أبي الصّلت:


إذا شبّت جهنّم ثمّ دارت ....... وأعرض عن قوابسها الجحيم ). [جامع البيان: 2/ 480-483]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم (119)} .
قوله: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا}:
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا ابن السّمّاك عن أبي بكرٍ عن الحسن قوله: «الحقّ كلّه».
- حدّثنا أبي ثنا عبد الرّحمن بن صالحٍ ثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن عبيد اللّه الفزاريّ عن شيبان النّحويّ أخبرني قتادة عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أنزلت عليّ: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا} قال: بشيرًا بالجنّة».
- وبه عن ابن عبّاسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نذيرًا قال: «نذيرًا من النّار».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن نميرٍ ثنا الأعمش عن عمرو بن مرّة عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا بني عبد المطّلب يا بني فهرٍ يا بني، أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدّقتموه؟» قالوا: نعم. قال: «فإنّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديد»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 216-217]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري ثنا سفيان عن موسى بن عبيدة عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم- يسأل عن أبيه فأنزل الله عز وجل: {ولا تسئل عن أصحاب الجحيم} » ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 217]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}.
أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليت شعري ما فعل أبواي» فنزل: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} فما ذكرها حتى توفاه الله» قلت: هذا مرسل ضعيف الإسناد.
وأخرج ابن جرير عن داود بن أبي عاصم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: «أين أبواي» فنزلت قلت: والآخر معضل الإسناد ضعيف لا يقوم به ولا بالذي قبله حجة.
وأخرج ابن المنذر عن الأعرج أنه قرأ {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} أي أنت يا محمد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: «الجحيم ما عظم من النار» ). [الدر المنثور: 1/ 574-575]


رد مع اقتباس