عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 02:19 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ثم لا يكن أمركم عليكم غمة قال لا يكبر أمركم عليكم ثم اقضوا ما أنتم قاضون). [تفسير عبد الرزاق: 1/296]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ نوحٍ إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات اللّه فعلى اللّه توكّلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّةً ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واتل على هؤلاء المشركين الّذي قالوا: اتّخذ اللّه ولدًا من قومك {نبأ نوحٍ} يقول: خبر نوحٍ، {إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي} يقول: إن كان عظم عليكم مقامي بين أظهركم وشقّ عليكم، {وتذكيري بآيات اللّه} يقول: ووعظي إيّاكم بحجج اللّه، وتنبيهي إيّاكم على ذلك. {فعلى اللّه توكّلت} يقول: إن كان شقّ عليكم مقامي بين أظهركم وتذكيري بآيات اللّه فعزمتم على قتلي أو طردي من بين أظهركم، فعلى اللّه اتّكالي وبه ثقتي وهو سندي وظهري.
{فأجمعوا أمركم} يقول: فأعدّوا أمركم واعزموا على ما تقدمون عليه في أمري.
يقال منه: أجمعت على كذا، بمعنى: عزمت عليه، ومنه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: من لم يجمع على الصّوم من اللّيل فلا صوم له بمعنى: من لم يعزم، ومنه قول الشّاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع = هل أغدون يومًا وأمري مجمع
وروي عن الأعرج في ذلك ما:
- حدّثني بعض أصحابنا عن عبد الوهّاب، عن هارون، عن أسيدٍ، عن الأعرج: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} يقول: أحكموا أمركم وادعوا شركاءكم.
ونصب قوله: {وشركاءكم} بفعلٍ مضمرٍ له، وذلك: وادعوا شركاءكم، وعطف بالشّركاء على قوله: {أمركم} على نحو قول الشّاعر:
ورأيت زوجك في الوغى = متقلّدًا سيفًا ورمحا
فالرّمح لا يتقلّد، ولكن لمّا كان فيما أظهر من الكلام دليلٌ على ما حذف، فاكتفى بذكر ما ذكر منه ممّا حذف، فكذلك ذلك في قوله: {وشركاءكم}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء الأمصار: {وشركاءكم} نصبًا، وقوله: {فأجمعوا} بهمز الألف وفتحها، من أجمعت أمري فأنا أجمعه إجماعًا.
وذكر عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرؤه: {فأجمعوا أمركم} بفتح الألف وهمزها (وشركاؤكم) بالرّفع على معنى: وأجمعوا أمركم، وليجمع أمرهم أيضًا معكم شركاؤكم.
والصّواب من القول في ذلك قراءة من قرأ: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} بفتح الألف من أجمعوا، ونصب الشّركاء، لأنّها في المصحف بغير واو، ولإجماع الحجّة على القراءة بها ورفض ما خالفها، ولا يعترض عليها بمن يجوز عليه الخطأ والسّهو.
وعنى بالشّركاء آلهتهم وأوثانهم.
وقوله: {ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّةً} يقول: ثمّ لا يكن أمركم عليكم ملتبسًا مشكلاً مبهمًا؛ من قولهم: غمّ على النّاس الهلال، وذلك إذا أشكل عليهم فلم يتبيّنوه، ومنه قول العجّاج:
بل لو شهدت النّاس إذ تكمّوا = بغمّةٍ لو لم تفرّج غمّوا
وقيل: إنّ ذلك من الغمّ، لأنّ الصّدر يضيق به ولا يتبيّن صاحبه لأمره مصدرًا يصدره يتفرّج عنه ما بقلبه، ومنه قول خنساء:
وذي كربةٍ راخى ابن عمرٍو خناقه = وغمّته عن وجهه فتجلّت
وكان قتادة يقول في ذلك ما:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {أمركم عليكم غمّةً} قالا: لا يكبر عليكم أمركم.
وأمّا قوله: {ثمّ اقضوا إليّ} فإنّ معناه: ثمّ امضوا إليّ ما في أنفسكم وافرغوا منه.
- كما حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون} قال: اقضوا إليّ ما كنتم قاضين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون} قال: اقضوا إليّ ما في أنفسكم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله: {ثمّ اقضوا إليّ} فقال بعضهم: معناه: امضوا إليّ، كما يقال: قد قضى فلانٌ، يراد: قد مات ومضى.
وقال آخرون منهم: بل معناه: ثمّ افرغوا إليّ، وقالوا: القضاء: الفراغ، والقضاء من ذلك. قالوا: وكأنّ قضى دينه من ذلك إنّما هو فرغ منه.
وقد حكي عن بعض القرّاء أنّه قرأ ذلك: ثمّ أفضوا إليّ بمعنى: توجّهوا إليّ حتّى تصلّوا إليّ، من قولهم: قد أفضى إليّ الوجع وشبهه.
وقوله: {ولا تنظرون} يقول: ولا تؤخّرون، من قول القائل: أنظرت فلانًا بما لي عليه من الدّين.
وإنّما هذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن قول نبيّه نوحٍ عليه السّلام لقومه: إنّه بنصرة اللّه له عليهم واثقٌ ومن كيدهم وتواثقهم غير خائفٍ، وإعلامٌ منه لهم أنّ آلهتهم لا تضرّ ولا تنفع، يقول لهم: امضوا ما تحدّثون أنفسكم به فيّ على عزمٍ منكم صحيحٍ، واستعينوا من شايعكم عليّ بآلهتكم الّتي تدعون من دون اللّه، ولا تؤخّروا ذلك فإنّي قد توكّلت على اللّه وأنا به واثقٌ أنّكم لا تضرّوني إلاّ أن يشاء ربّي.
وهذا وإن كان خبرًا من اللّه تعالى عن نوحٍ، فإنّه حثٌّ من اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على التّأسّي به، وتعريفٌ منه سبيل الرّشاد فيما قلّده من الرّسالة والبلاغ عنه). [جامع البيان: 12/230-235]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (واتل عليهم نبأ نوحٍ إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات اللّه فعلى اللّه توكّلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّةً ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون (71)
قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوحٍ إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي
- حدثنا أبو زرعة، إبراهيم بن الفضل بن أبي سويدٍ ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنسٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أوّل نبيٍّ أرسل: نوحٌ عليه السّلام.
وأخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، عبد اللّه بن وهبٍ، ثنا مسلمة بن عليٍّ، عن سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة أنّ نوحًا بعث من الجزيرة.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، عن عبد الرّحمن بن سلمة ثنا سلمة بن الفضل، حدّثني محمّد بن إسحاق قال: كان من حديث نوحٍ وحديث قومه فيما قصّ اللّه على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وما يذكر أهل العلم من التّوراة وما حفظ النّاس الأحاديث عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، عن عبيد بن عميرٍ أنّ اللّه بعث نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى اللّه، وقد فشت في الأرض المعاصي، وكثرت فيها الجبابرة، وعتوا على اللّه عتوًّا كبيرًا، وكان نوحٌ فيما يذكر أهل العلم حليمًا صبورًا ولم يلق نبيًّ من قومه من البلاء أكثر ممّا لقي إلا نبيّ قتل.
قوله تعالى: فعلى اللّه توكّلت
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: وعلى اللّه لا على النّاس فليتوكّل المتوكّلون.
قوله تعالى: فأجمعوا أمركم وشركاءكم
- حدّثنا عبد اللّه بن إسماعيل البغداديّ، ثنا خلف بن هشامٍ المقرئ، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ الخفّاف، عن هارون، عن أسيدٍ، عن الأعرج فأجمعوا أمركم وشركاءكم يقول: أحكموا أمركم وادعوا شركاءكم.
- حدّثنا عبيد اللّه بن إسماعيل البغداديّ، ثنا خلف بن هشامٍ الخفّاف، عن هارون، عن الحسن، قوله: فأجمعوا أمركم وشركاءكم أي فليجمعوا أمرهم معكم.
قوله تعالى: ثمّ لا يكن أمركم عليكم
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّةٌ قال: لا يكثر عليكم أمركم.
قوله تعالى: ثم اقضوا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، ثنا بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: اقضوا إليّ ولا تنظرون انهضوا إلي.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ورقاءٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: اقضوا إليّ ولا تنظرون: اقضوا لي ما في أنفسكم.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: اقضوا إليّ ولا تنظرون: إلى ما كنتم قاضين.
قوله تعالى: ولا تنظرون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: ولا تنظرون يقول: ولا تؤخّرون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1968-1970]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ثم اقضوا إلى ولا تنظرون يقول اقضوا إلي ما في أنفسكم). [تفسير مجاهد: 295]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 71 - 74
أخرج ابن أبي حاتم عن الأعرج رضي الله عنه في قوله {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} يقول: فاحكموا أمركم وادعوا شركاءكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} أي فلتجمعوا أمرهم معكم
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ثم لا يكن أمركم عليكم غمة} قال: لا يكبر عليكم أمركم ثم اقضوا ما أنتم قاضون.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {ثم اقضوا إلي} قال: انهضوا إلي {ولا تنظرون} يقول: ولا تؤخرون.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد {ثم اقضوا إلي} قال: ما في أنفسكم). [الدر المنثور: 7/689-690]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن تولّيتم فما سألتكم من أجرٍ إن أجري إلاّ على اللّه وأمرت أن أكون من المسلمين}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل نبيّه نوحٍ عليه السّلام لقومه: فإن تولّيتم أيّها القوم عنّي بعد دعائي إيّاكم وتبليغ رسالة ربّي إليكم مدبرين، فأعرضتم عمّا دعوتكم إليه من الحقّ والإقرار بتوحيد اللّه، وإخلاص العبادة له، وترك إشراك الآلهة في عبادته، فتضيعٌ منكم، وتفريطٌ في واجب حقّ اللّه عليكم، لا بسببٍ من قبلي؛ فإنّي لم أسألكم على ما دعوتكم إليه أجرًا ولا عوضًا أعتاضه منكم بإجابتكم إيّاي إلى ما دعوتكم إليه من الحقّ والهدى، ولا طلبت منكم عليه ثوابًا ولا جزاءً.
{إن أجري إلاّ على اللّه} يقول جلّ ثناؤه: إن جزائي، وأجر عملي، وثوابه إلاّ على ربّي لا عليكم أيّها القوم، ولا على غيركم. {وأمرت أن أكون من المسلمين} وأمرني ربّي أن أكون من المذعنين له بالطّاعة المنقادين لأمره ونهيه المذلّلين له، ومن أجل ذلك أدعوكم إليه وبأمره آمركم بترك عبادة الأوثان). [جامع البيان: 12/235-236]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإن تولّيتم فما سألتكم من أجرٍ إن أجري إلّا على اللّه وأمرت أن أكون من المسلمين (72)
قوله تعالى: فإن تولّيتم فما سألتكم من أجرٍ
- وبه عن ابن عبّاسٍ قال: قل لهم لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرًا يقول: عرضًا من الدّنيا.
قوله تعالى: إن أجري إلا على الله
- حدثنا حجاج بن حمزة، شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ إن أجري يقول: جزائي.
قوله تعالى: وأمرت أن أكون من المسلمين
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، ثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: المسلمين يقول: موحدين). [تفسير القرآن العظيم: 6/1970]

تفسير قوله تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فكذّبوه فنجّيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الّذين كذّبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين}.
يقول تعالى ذكره: فكذّب نوحًا قومه فيما أخبرهم به عن اللّه من الرّسالة والوحي، فنجّيناه ومن معه ممّن حمل معه في الفلك، يعني في السّفينة. {وجعلناهم خلائف} يقول: وجعلنا الّذين نجّينا مع نوحٍ في السّفينة خلائف في الأرض من قومه الّذين كذّبوه بعد أن أغرقنا الّذين كذّبوا بآياتنا، يعني حججنا وأدلّتنا على توحيدنا، ورسالة رسولنا نوحٍ. يقول اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فانظر يا محمّد كيف كان عاقبة المنذرين، وهم الّذين أنذرهم نوحٌ عقاب اللّه على تكذيبهم إيّاه وعبادتهم الأصنام، يقول له جلّ ثناؤه: انظر ماذا أعقبهم تكذيبهم رسولهم، فإنّ عاقبة من كذّبك من قومك إن تمادوا في كفرهم وطغيانهم على ربّهم نحو الّذي كان من عاقبة قوم نوحٍ حين كذّبوه، يقول جلّ ثناؤه: فليحذروا أن يحلّ بهم مثل الّذي حلّ بهم إن لم يتوبوا). [جامع البيان: 12/236]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فكذّبوه فنجّيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الّذين كذّبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين (73)
قوله تعالى: فكذّبوه فنجّيناه
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أخبرني ابن وهبٍ، قال: بلغني عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: كان في سفينة نوحٍ ثمانون رجلا أحدهم كان لسانه عربيًّا.
- حدّثني عمر بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا محمّد بن محمّد بن إسحاق عن الحسن بن دينارٍ عن عليّ بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: سمعته يقول أوّل ما حمل نوحٌ في الفلك من الدّوابّ الذّرة، وآخر ما حمل الحمار قلت: أدخل الحمار ودخل صدره تعلّق إبليس بذنبه فلم تستقل رجلاه فجعل نوح يقول ويحك ادخل فينهّق فلا يستطيع حتّى قال نوحٌ ويحك ادخل وإن كان الشّيطان معك، قال كلمةً زلّت على لسانه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ في الفلك قال: سفينة نوحٍ حمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين.
قوله تعالى: وجعلناهم خلائف
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ أحمد بن مفضّلٍ عن أسباطٍ، عن السّدّيّ قوله: خلائف الأرض أمّا خلائف الأرض فأهلك القرون فاستخلفنا فيها بعدهم.
- وأخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ قال سمعت أصبغ بن الفرج، سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ يقول في قوله: هو الّذي جعلكم خلائف الأرض قال: يستخلف في الأرض قومًا بعد قومٍ.
قوله تعالى: وأغرقنا الّذين كذّبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة أبو زهيرٍ، عن رجلٍ من أصحابه قال: بلغني أنّ قوم نوحٍ عاشوا في ذلك الغرق أربعين يومًا.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة ثنا سلمة، ثنا محمّد بن إسحاق قال: فلقد غرقت الأرض وما فيها وانتهى الماء إلى ما انتهى إليه وما جاور الماء ركبته وداب الماء حين أرسله اللّه خمسين ومائة يومٍ كما يزعم أهل التّوراة فكان بين أن أرسل اللّه الطّوفان وبين أن غاص ستّة أشهرٍ وعشر ليالٍ ولمّا أراد اللّه أن يكفّ ذلك أرسل اللّه ريحًا على وجه الماء، فسكن الماء، وانسدّت ينابيع الأرض الغمر الأكبر وأبواب السّماء فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر فكان استواء الفلك على الجوديّ فيما يزعم أهل التّوراة في الشّهر السّابع لسبع عشرة ليلةٍ مضت منه، وفي أوّل يومٍ من الشّهر العاشر رأى رؤوس الجبال، فلمّا مضى بعد ذلك أربعون يومًا فتح نوحٌ كوّة الفلك الّتي صنع فيها ثمّ أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه فأرسل الحمامة فرجعت إليه فلم تجد لرجليها موضعًا فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها فمكث سبعة أيّامٍ ثمّ أرسلها لتنظر له فرجعت إليه حين أمست وفي فيها ورقة زيتونةٍ فعلم نوحٌ أنّ الماء قد قلّ عن وجه الأرض ثمّ مكث فيها سبعة أيّامٍ ثمّ أرسلها فلم ترجع فعلم نوحٌ أنّ الأرض قد برزت). [تفسير القرآن العظيم: 6/1970-1972]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ بعثنا من بعده رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين}.
يقول تعالى ذكره: ثمّ بعثنا من بعد نوحٍ رسلاً إلى قومهم، فأتوهم ببيّناتٍ من الحجج والأدلّة على صدقهم، وأنّهم للّه رسلٌ، وأنّ ما يدعونهم إليه حقٌّ. {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل} يقول: فما كانوا ليصدّقوا بما جاءتهم به رسلهم بما كذّب به قوم نوحٍ ومن قبلهم من الأمم الخالية من قبلهم. {كذلك نطبع على قلوب المعتدين} يقول تعالى ذكره: كما طبعنا على قلوب أولئك فختمنا عليها، فلم يكونوا يقبلون من أنبياء اللّه نصيحتهم ولا يستجيبون لدعائهم إيّاهم إلى ربّهم بما اجترموا من الذّنوب، واكتسبوا من الآثام، كذلك نطبع على قلوب من اعتدى على ربّه، فتجاوز ما أمره به من توحيده، وخالف ما دعاهم إليه رسلهم من طاعته، عقوبةً لهم على معصيتهم ربّهم من هؤلاء الآخرين من بعدهم). [جامع البيان: 12/237]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ثمّ بعثنا من بعده رسلًا إلى قومهم فجاءوهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين (74)
قوله تعالى: ثمّ بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم الآية
- حدّثنا كثير بن شهابٍ المذحجيّ القزوينيّ، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ في قوله: ثمّ بعثنا من بعده رسلًا إلى قومهم فجاؤهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل كان في علمه يوم أقرّوا به من يصدّق به ومن يكذّب به فكان عيسى عليه السّلام من تلك الأرواح الّتي أخذ عليها العهد والميثاق في زمان آدم.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: بما كذّبوا به من قبل قول اللّه: ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ أحمد بن مفضّلٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، قوله: فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل قال ذلك يوم أخذ منهم الميثاق آمنوا كرهًا.
قوله تعالى: كذلك نطبع على قلوب المعتدين
- أخبرنا أبو بدرٍ عبّاد بن الوليد الغبريّ فيما كتب إليّ، ثنا رجاء بن إسحاق أبو معشرٍ، عن سعيد المقبريّ في قول الله: وطبع: ختم على قلوبهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الجماهر، عن سعيدٍ عن قتادة، قوله: وطبع على قلوبهم أي: بأعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1972]


رد مع اقتباس