عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 01:18 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإلى مدين أخاهم شعيبًا فقال يا قوم اعبدوا اللّه وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين (36) فكذّبوه فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (37)}.
يخبر تعالى عن عبده ورسوله شعيبٍ عليه السّلام، أنّه أنذر قومه أهل مدين، فأمرهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له، وأن يخافوا بأس اللّه ونقمته وسطوته يوم القيامة، فقال: {يا قوم اعبدوا اللّه وارجوا اليوم الآخر}.
قال ابن جريرٍ: قال بعضهم: معناه: واخشوا اليوم الآخر، وهذا كقوله تعالى: {لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر} [الممتحنة: 6].
ثمّ نهاهم عن العيث في الأرض بالفساد، وهو السّعي فيها والبغي على أهلها، وذلك أنّهم كانوا ينقصون المكيال والميزان، ويقطعون الطّريق على النّاس، هذا مع كفرهم باللّه ورسوله، فأهلكهم اللّه برجفةٍ عظيمةٍ زلزلت عليهم بلادهم، وصيحةٍ أخرجت القلوب من حناجرها. وعذاب يوم الظّلّة الّذي أزهق الأرواح من مستقرّها، إنّه كان عذاب يومٍ عظيمٍ. وقد تقدّمت قصّتهم مبسوطةً في سورة "الأعراف، وهودٍ، والشّعراء".
وقوله: {فأصبحوا في دارهم جاثمين}، قال قتادة: ميّتين. وقال غيره: قد ألقي بعضهم على بعضٍ). [تفسير ابن كثير: 6/ 277-278]

تفسير قوله تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وعادًا وثمود وقد تبيّن لكم من مساكنهم وزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السّبيل وكانوا مستبصرين (38) وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبيّنات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين (39) فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبًا ومنهم من أخذته الصّيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (40)}.
يخبر تعالى عن هؤلاء الأمم المكذّبة للرّسل كيف أبادهم وتنوّع في عذابهم، فأخذهم بالانتقام منهم، فعادٌ قوم هودٍ، وكانوا يسكنون الأحقاف وهي قريبةٌ من حضرموت بلاد اليمن، وثمود قوم صالحٍ، وكانوا يسكنون الحجر قريبًا من وادي القرى. وكانت العرب تعرف مساكنهما جيّدًا، وتمرّ عليها كثيرًا. وقارون صاحب الأموال الجزيلة ومفاتيح الكنوز الثّقيلة. وفرعون ملك مصر في زمان موسى ووزيره هامان القبطيّان الكافران باللّه ورسوله.
{فكلا أخذنا بذنبه} أي: كانت عقوبته بما يناسبه، {فمنهم من أرسلنا عليه حاصبًا}، وهم عادٌ، وذلك أنّهم قالوا: من أشدّ منّا قوّةً؟ فجاءتهم ريحٌ صرصرٌ باردةٌ شديدة البرد، عاتيةٌ شديدة الهبوب جدًّا، تحمل عليهم حصباء الأرض فتقلبها عليهم، وتقتلعهم من الأرض فترفع الرّجل منهم إلى عنان السّماء، ثمّ تنكّسه على أمّ رأسه فتشدخه فيبقى بدنًا بلا رأسٍ، كأنّهم أعجاز نخلٍ منقعرٍ. {ومنهم من أخذته الصّيحة}، وهم ثمود، قامت عليهم الحجّة وظهرت لهم الدّلالة، من تلك النّاقة الّتي انفلقت عنها الصّخرة، مثل ما سألوا سواءً بسواءٍ، ومع هذا ما آمنوا بل استمرّوا على طغيانهم وكفرهم، وتهدّدوا نبيّ اللّه صالحًا ومن آمن معه، وتوعّدوهم بأن يخرجوهم ويرجموهم، فجاءتهم صيحةٌ أخمدت الأصوات منهم والحركات. {ومنهم من خسفنا به الأرض}، وهو قارون الّذي طغى وبغى وعتا، وعصى الرّبّ الأعلى، ومشى في الأرض مرحًا، وفرح ومرح وتاه بنفسه، واعتقد أنّه أفضل من غيره، واختال في مشيته، فخسف اللّه به وبداره الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. {ومنهم من أغرقنا}، وهم فرعون ووزيره هامان، وجنوده عن آخرهم، أغرقوا في صبيحةٍ واحدةٍ، فلم ينج منهم مخبرٌ، {وما كان اللّه ليظلمهم} أي: فيما فعل بهم، {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} أي: إنما فعل ذلك بهم جزاءً وفاقًا بما كسبت أيديهم.
وهذا الّذي ذكرناه ظاهر سياق الآية، وهو من باب اللّفّ والنّشر، وهو أنّه ذكر الأمم المكذّبة، ثمّ قال: {فكلا أخذنا بذنبه} [الآية]، أي: من هؤلاء المذكورين، وإنّما نبهت على هذا لأنّه قد روي أنّ ابن جريجٍ قال: قال ابن عبّاسٍ في قوله: {فمنهم من أرسلنا عليه حاصبًا}، قال: قوم لوطٍ. {ومنهم من أغرقنا}، قال: قوم نوحٍ.
وهذا منقطعٌ عن ابن عبّاسٍ؛ فإنّ ابن جريج لم يدركه. ثمّ قد ذكر في هذه السّورة إهلاك قوم نوحٍ بالطّوفان، وقوم لوطٍ بإنزال الرّجز من السّماء، وطال السياق والفصل بين ذلك وبين هذا السّياق.
وقال قتادة: {فمنهم من أرسلنا عليه حاصبًا} قال: قوم لوطٍ، {ومنهم من أخذته الصّيحة}، قوم شعيبٍ. وهذا بعيدٌ أيضًا لما تقدّم، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 6/ 278-279]

رد مع اقتباس