عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 1 ربيع الأول 1440هـ/9-11-2018م, 05:50 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللّه فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنّ اللّه يحبّ المقسطين (9) إنّما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بين أخويكم واتّقوا اللّه لعلّكم ترحمون (10) }
يقول تعالى آمرًا بالإصلاح بين المسلمين الباغين بعضهم على بعضٍ: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}، فسمّاهم مؤمنين مع الاقتتال. وبهذا استدلّ البخاريّ وغيره على أنّه لا يخرج من الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم. وهكذا ثبت في صحيح البخاريّ من حديث الحسن، عن أبي بكرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطب يومًا ومعه على المنبر الحسن بن عليٍّ، فجعل ينظر إليه مرّةً وإلى النّاس أخرى ويقول: "إنّ ابني هذا سيّدٌ ولعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". فكان كما قال، صلوات اللّه وسلامه عليه، أصلح اللّه به بين أهل الشّام وأهل العراق، بعد الحروب الطّويلة والواقعات المهولة.
وقوله: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللّه} أي: حتّى ترجع إلى أمر اللّه وتسمع للحقّ وتطيعه، كما ثبت في الصّحيح عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "انصر أخاك ظالـمًا أو مظلومًا". قلت: يا رسول اللّه، هذا نصرته مظلومًا فكيف أنصره ظالمًا؟ قال: "تمنعه من الظّلم، فذاك نصرك إيّاه".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عارمٌ، حدّثنا معتمر قال: سمعت أبي يحدّث: أنّ أنسًا قال: قيل للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، لو أتيت عبد اللّه بن أبيٍّ؟ فانطلق إليه نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وركب حمارًا، وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرضٌ سبخةٌ، فلمّا انطلق إليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إليك عنّي، فواللّه لقد آذاني ريح حمارك" فقال رجلٌ من الأنصار: واللّه لحمار رسول اللّه أطيب ريحًا منك. قال: فغضب لعبد اللّه رجالٌ من قومه، فغضب لكلّ واحدٍ منهما أصحابه، قال: فكان بينهم ضربٌ بالجريد والأيدي والنّعال، فبلغنا أنّه أنزلت فيهم: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}
ورواه البخاريّ في "الصّلح" عن مسدّد، ومسلمٌ في "المغازي" عن محمّد بن عبد الأعلى، كلاهما عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، به نحوه.
وذكر سعيد بن جبيرٍ: أنّ الأوس والخزرج كان بينهما قتالٌ بالسّعف والنّعال، فأنزل اللّه هذه الآية، فأمر بالصلح بينهما.
وقال السدي: كان رجلا من الأنصار يقال له: "عمران"، كانت له امرأةٌ تدعى أمّ زيدٍ، وإنّ المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها في عليّة له لا يدخل عليها أحدٌ من أهلها. وإنّ المرأة بعثت إلى أهلها، فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها، وإنّ الرّجل قد كان خرج، فاستعان أهل الرّجل، فجاء بنو عمّه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها، فتدافعوا واجتلدوا بالنعال، فنزلت فيهم هذه الآية. فبعث إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصلح بينهم، وفاءوا إلى أمر اللّه.
وقوله: {فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنّ اللّه يحبّ المقسطين} أي: اعدلوا بينهم فيما كان أصاب بعضهم لبعضٍ، بالقسط، وهو العدل، {إنّ اللّه يحبّ المقسطين}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ، حدّثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن عبد اللّه بن عمرٍو؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ المقسطين في الدّنيا على منابر من لؤلؤٍ بين يدي الرّحمن، بما أقسطوا في الدّنيا".
ورواه النّسائيّ عن محمّد بن المثنّى، عن عبد الأعلى، به. وهذا إسناده جيّدٌ قويٌّ، رجاله على شرط الصّحيح.
وحدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عمرو بن أوسٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "المقسطون عند اللّه يوم القيامة على منابر من نورٍ على يمين العرش، الّذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا".
ورواه مسلمٌ والنّسائيّ، من حديث سفيان بن عيينة، به). [تفسير ابن كثير: 7/ 373-375]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {إنّما المؤمنون إخوةٌ} أي: الجميع إخوةٌ في الدّين، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه". وفي الصّحيح: "واللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". وفي الصّحيح أيضًا: "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين، ولك بمثله". والأحاديث في هذا كثيرةٌ، وفي الصّحيح: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسّهر". وفي الصّحيح أيضًا: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدّ بعضه بعضًا" وشبّك بين أصابعه.
وقال أحمد: حدّثنا أحمد بن الحجّاج، حدّثنا عبد اللّه، أخبرنا مصعب بن ثابتٍ، حدّثني أبو حازمٍ قال: سمعت سهل بن سعدٍ السّاعديّ يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرّأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان، كما يألم الجسد لما في الرّأس". تفرّد به ولا بأس بإسناده.
وقوله: {فأصلحوا بين أخويكم} يعني: الفئتين المقتتلتين، {واتّقوا اللّه} أي: في جميع أموركم {لعلّكم ترحمون}، وهذا تحقيقٌ منه تعالى للرّحمة لمن اتّقاه).[تفسير ابن كثير: 7/ 375-376]

رد مع اقتباس