عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 20 جمادى الآخرة 1440هـ/25-02-2019م, 10:04 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تشكيل المصحف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (ماهية التشكيل:
جاء في لسان العرب مادة شكل: ( وشكل الكتاب يشكله شكلا، وأشكله: أعجمه. أبو حاتم: شكلت الكتاب أشكله فهو مشكول إذا قيدته بالإعراب، وأعجمت الكتاب إذا نقطته.ويقال أيضا أشكلت الكتاب بالألف كأنك أزلت به عنه الإشكال والالتباس. قال الجوهري: وهذا نقلته من كتاب من غير سماع، وحرف مشكل: مشتبه ملتبس). ثم ذكر ابن منظور أصل اشتقاق الكلمة بما يطول شرحه فليطلب في اللسان.
وشكل الكلمة هو تقييدها بالحركات، وقد مر في مسألة تجريد المصحف أن المصحف الإمام بقي مجردا عن الشكل ونظائره بضعا وأربعين سنة.
أول من شكل المصحف:
ذكر غير واحد من أهل العلم أن أبا الأسود الدؤلي هو أول من وضع الشكل في المصحف على اختلاف بين الكاتبين في تسمية من أمر أبا الأسود بذلك، وهل كان عمر بن الخطاب، أم زياد بن أبي سفيان، أم عبد الملك بن مروان، فقد أخرج أبو عمرو الداني في محكمه قال: ( وذلك ما حدثناه محمد بن أحمد بن علي البغدادي قال: حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال:ثنا أبي قال: حدثنا أبو عكرمة [406]
قال: قال العتبي: كتب معاوية رضي الله عنه إلى زياد يطلب عبيد الله ابنه، فلما قدم عليه كلمه، فوجده يلحن، فرده إلى زياد، وكتب إليه كتابا يلومه فيه ويقول: " أمثل عبيد الله يضيع؟". فبعث زياد إلى أبي الأسود فقال: " يا أبا الأسود، إن هذه الحمراء قد كثرت، وأفسدت من ألسن العرب، فلو وضعت شيئا يصلح به الناس كلامهم، ويعربون به كتاب الله تعالى". فأبى ذلك، وكره إجابة زياد إلى ما سأل.
فوجه زياد رجلا فقال له: "أقعد في طريق أبي الأسود، فإذا مر بك فاقرأ شيئا من القرآن، وتعمد اللحن فيه". ففعل ذلك، فلما مر به أبو الأسود رفع الرجل صوته فقال: أن الله بريء من المشركين ورسوله . فاستعظم ذلك أبو الأسود
الدؤلي، وقال: "عز وجه الله أن يبرأ من رسوله". ثم رجع من فوره إلى زياد فقال: " ياهذا قد أجبتك إلى ما سألت، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن، فابعث إلى ثلاثين رجلا" فأحضرهم زياد، فاختار منهم أبو الأسود عشرة. ثم لم يزل يختار منهم حتى اختار رجلا من عبد القيس فقال: " خذ المصحف وصبغا يخالف لون المداد، فإذا فتحت شفتي / فانقط واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف، وإذا كسرتهما فاجعل النقطة في أسفله، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين". فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره، ثم وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك).
وذكر أبو عمرو أن أبا الأسود كان السابق إلى التشكيل ونظائره، وهو المبتديء به، وهو الذي جعل الحركات والتنوين لا غير على ما تقدم في الخبر عنه.
وقال القرطبي في مقدمة تفسيره: (وأما شكل المصحف ونقطه فروي أن عبد الملك بن مروان أمر به وعمله، فتجرد لذلك الحجاج بواسط وجد فيه وزاد تحزيبه، وأمر وهو والي العراق الحسن ويحي بن يعمر بذلك، وألف إثر ذلك بواسط كتابا في القراءات جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط ومشى الناس على ذلك زمانا طويلا، إلى أن ألف ابن مجاهد كتابه في القراءات، وأسند الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر).
ويأتي في مسألة التنقيط ومن هو أول من نقط المصحف بأبسط من هذا.
حكم تشكيل المصحف:
وقد اختلفت كلمة أهل العلم في مسألة تشكيل المصحف، فمنهم من استحب ذلك لكونه يقي من اللحن ويعين على صحة القراءة، ومنهم من منع من التشكيل ورأى فيه بدعة لم تفعل في الصدر الأول، ومنهم من فصل وفرق بين الأمهات من المصاحف ومصاحف الأولاد التي يتعلمون بها، فجوز التشكيل في مصاحف الصغار، ومنعه في الأمهات من المصاحف.
قال النووي في التبيان: ( قال العلماء: ويستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه والتصحيف، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه، وقد أمن ذلك اليوم فلا منع، ولا يمتنع من ذلك لكونه محدثا، فإنه من المحدثات الحسنة فلم يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم، وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك والله أعلم).
وذكر شيخ الاسلام ابن تيمية أن من أسباب ترك الصحابة المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين كالتاء والياء والفتح والضم. وقد سبقه إلى نحو ذلك أبو عمرو الداني في المحكم حيث قال: ( وإنما أخلي الصدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللغات، والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها والقراءة بما شاءت منها، فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نقطها وشكلها).
وقال أبو العباس بن تيمية أيضا: (الصحابة كتبوا المصاحف بغير شكل ولا نقط لأنهم لا يلحنون). وقال في موضع آخر: ( وإن كتبت بنقط وشكل أو بدونهما جاز). وقال في موضع آخر: ( لما حدث اللحن في زمن التابعين صار بعضهم يشكل المصاحف وينقطها بالحمرة). وقال في موضع: ( حكم الشكل والنقط حكم الحروف المكتوبة من كلام الله، الشكل يبين إعراب القرآن، والنقط يبين الحروف، الصحابة لم يشكلوها ولم ينقطوها لأنهم يلحنون). وقال في موضع آخر: ( يجب احترام المصاحف واحترام الشكل والنقط إذا كانت مشكولة ومنقوطة لامتيازها عما سواها في المعاني والمتكلم بها).
رأي الإمام مالك في التشكيل:
أخرج أبو عمرو الداني في محكمه بسنده عن عبد الله بن الحكم قال: [: قد سمعت مالكا، وسئل عن شكل المصاحف؟ فقال: " أما الأمهات فلا أراه، وأما المصاحف التي يتعلم فيها الغلمان فلا بأس"].
وذكر ابن رشد في البيان أن مالكا قال: ( إني لأكره لأمهات المصاحف أن
[409]
تشكل، وإنما أرخص فيما يتعلم فيه الغلمان، فأما الأمهات فإني أكرهه). قال محمد بن رشد: ( وأما كراهيته لشكل أمهات المصاحف فالمعنى في ذلك أن الشكل مما قد اختلف القراء في كثير منه إذ لم يجيء مجيئا متواترا فلا يحصل العلم بأي الشكلين أنزل، وقد يختلف المعنى باختلافه، فكره أن يثبت في أمهات المصاحف ما فيه اختلاف وبالله التوفيق).
وقد مضى في مسألة ترقيم المصحف ذكر الروايات عن الإمام أحمد في هذه
المسألة، وكلام صاحب تصحيح الفروع في ترجيح رواية استحباب الشكل ونظائره مما أغنى عن إعادته هنا، وسيأتي في مسألة تعشير المصحف النقل عن فقهاء الحنفية في التعشير والنقط ونظائرهما، وأن كراهة ذلك هو مذهب متقدميهم، وأن المتأخرين منهم قد ذهبوا إلى القول باستحبابه، ولا سيما في بلاد العجم، وهو الذي صرح به الكاساني في بدائعه، والميرغناني في الهداية وشروحهما وبخاصة شرح العيني ومن تابعهم كالحصكفي في الدر المختار، وابن عابدين في حاشيته عليه، فليطلب ذلك كله في مسألة التعشير الآتية قريبا إن شاء الله تعالى).
[410]

رد مع اقتباس