عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:23 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من اللّه شيئًا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمّه ومن في الأرض جميعًا وللّه ملك السّموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
هذا ذمٌّ من اللّه عزّ ذكره للنّصارى والنّصرانيّة الّذين ضلّوا عن سبل السّلام، واحتجاجٌ منه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في فريتهم عليه بادّعائهم له ولدًا، يقول جلّ ثناؤه: أقسم لقد كفر الّذين قالوا: إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم، وكفرهم في ذلك تغطيتهم الحقّ في تركهم نفي الولد عن اللّه جلّ وعزّ، وادّعائهم أنّ المسيح هو اللّه فريةً وكذبًا عليه.
وقد بيّنّا معنى المسيح فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 8/266]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل فمن يملك من اللّه شيئًا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمّه ومن في الأرض جميعًا}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد للنّصارى الّذين افتروا عليّ، وضلّوا عن سواء السّبيل، بقيلهم: إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم {من يملك من اللّه شيئًا} يقول: من الّذي يطيق أن يدفع من أمر اللّه جلّ وعزّ شيئًا، فيردّه إذا قضاه؛ من قول القائل: ملكت على فلانٍ أمره: إذا صار لا يقدر أن ينفذ أمرًا إلا به.
وقوله: {إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمّه ومن في الأرض جميعًا} يقول: من ذا الّذي يقدر أن يردّ من أمر اللّه شيئًا إن شاء أن يهلك المسيح ابن مريم بإعدامه من الأرض وإعدام أمّه مريم، وإعدام جميع من في الأرض من الخلق جميعًا. يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء الجهلة من النّصارى لو كان المسيح كما يزعمون أنّه هو اللّه، وليس كذلك، لقدر أن يردّ أمر اللّه إذا جاءه بإهلاكه وإهلاك أمّه، وقد أهلك أمّه فلم يقدر على دفع أمره فيها إذ نزل ذلك، ففي ذلك لكم معتبرٌ إن اعتبرتم، وحجّةٌ عليكم إن عقلتم في أنّ المسيح بشرٌ كسائر بني آدم، وأنّ اللّه عزّ وجلّ هو الّذي لا يغلب ولا يقهر ولا يردّ له أمرٌ، بل هو الحيّ الدّائم القيّوم الّذي يحيي ويميت، وينشئ ويفني، وهو حيّ لا يموت). [جامع البيان: 8/266-267]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه ملك السّموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء}
يعني تبارك وتعالى بذلك: واللّه له تصريف ما في السّموات والأرض وما بينهما، يعني: وما بين السّماء والأرض، يهلك ما يشاء من ذلك، ويبقي ما يشاء منه، ويوجد ما أراد، ويعدم ما أحبّ، لا يمنعه من شيءٍ أراد من ذلك مانعٌ، ولا يدفعه عنه دافعٌ؛ ينفذ فيهم حكمه، ويمضي فيهم قضاءه، لا المسيح الّذي إن أراد إهلاكه ربّه وإهلاك أمّه، لم يملك دفع ما أراد به ربّه من ذلك.
يقول جلّ وعزّ: كيف يكون إلهًا يعبد من كان عاجزًا عن دفع ما أراد به غيره من السّوء، وغير قادرٍ على صرف ما نزل به من الهلاك؟ بل الإله المعبود الّذي له ملك كلّ شيءٍ، وبيده تصريف كلّ من في السّماء والأرض وما بينهما فقال جلّ ثناؤه: {وما بينهما} وقد ذكر السّموات بلفظ الجمع، ولم يقل: وما بينهنّ، لأنّ المعنى: وما بين هذين النّوعين من الأشياء، كما قال الرّاعي:.
طرقا فتلك هماهمي أقريهما = قلصًا لواقح كالقسيّ وحوّلا
فقال: طرقا، مخبرًا عن شيئين، ثمّ قال: فتلك هماهمي، فرجع إلى معنى الكلام.
وقوله: {يخلق ما يشاء} يقول: جلّ ثناؤه: وينشئ ما يشاء ويوجده، ويخرجه من حال العدم إلى حال الوجود، ولن يقدر على ذلك غير اللّه الواحد القهّار، وإنّما يعني بذلك أنّ له تدبير السّموات والأرض وما بينهما، وتصريفه وإفناءه وإعدامه، وإيجاد ما يشاء ممّا هو غير موجودٍ ولا منشأٍ، يقول: فليس ذلك لأحدٍ سواي، فكيف زعمتم أيّها الكذبة أنّ المسيح إلهٌ، وهو لا يطيق شيئًا من ذلك، بل لا يقدر على دفع الضّرر عن نفسه، ولا عن أمّه، ولا اجتلاب نفعٍ إليها، إلاّ بإذني). [جامع البيان: 8/267-268]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
يقول عزّ ذكره: اللّه المعبود هو القادر على كلّ شيءٍ، والمالك كلّ شيءٍ، الّذي لا يعجزه شيءٌ أراده، ولا يغلبه شيءٌ طلبه، المقتدر على هلاك المسيح وأمّه ومن في الأرض جميعًا، لا العاجز الّذي لا يقدر على منع نفسه من ضرٍّ نزل به من اللّه ولا منع أمّه من الهلاك). [جامع البيان: 8/269]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالت اليهود والنّصارى نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه قل فلم يعذّبكم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ممّن خلق يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء وللّه ملك السّموات والأرض وما بينهما وإليه المصير}
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ وعزّ عن قومٍ من اليهود والنّصارى أنّهم قالوا هذا القول وقد ذكر عن ابن عبّاسٍ تسمية الّذين قالوا ذلك من اليهود.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نعمان بن أضاء وبحريّ بن عمرٍو، وشأس بن عديٍّ، فكلّموه، فكلّمهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودعاهم إلى اللّه وحذّرهم نقمته، فقالوا: ما تخوّفنا يا محمّد، نحن واللّه أبناء اللّه وأحبّاؤه، كقول النّصارى، فأنزل اللّه جلّ وعزّ فيهم: {وقالت اليهود والنّصارى نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه} إلى آخر الآية.
وكان السّدّيّ يقول في ذلك بما:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وقالت اليهود والنّصارى نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه} أمّا أبناء اللّه فإنّهم قالوا: إنّ اللّه أوحى إلى إسرائيل أنّ ولدًا من ولدك أدخلهم النّار فيكونون فيها أربعين يومًا حتّى تطهّرهم وتأكل خطاياهم، ثمّ ينادي منادٍ: أن أخرجوا كلّ مختونٍ من ولد إسرائيل، فأخرجهم. فذلك قوله: {لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدوداتٍ} وأمّا النّصارى، فإنّ فريقًا منهم قال للمسيح: ابن اللّه.
والعرب قد تخرج الخبر إذا افتخرت مخرج الخبر عن الجماعة، وإن كان ما افتخرت به من فعل واحدٍ منهم، فتقول: نحن الأجواد الكرام، وإنّما الجواد فيهم واحدٌ منهم وغير المتكلّم الفاعل ذلك، كما قال جريرٌ:.
ندسنا أبا مندوسة القين بالقنا = وما ردمٌ من جار بيبة ناقع.
فقال: ندسنا، وإنّما النّادس: رجلٌ من قوم جريرٍ غيره، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن جماعةٍ هو أحدهم. فكذا أخبر اللّه عزّ ذكره عن النّصارى أنّها قالت ذلك على هذا الوجه إن شاء اللّه.
وقوله: {وأحبّاؤه} وهو جمع حبيبٍ {قل فلم يعذّبكم بذنوبكم} يقول اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء الكذبة المفترين على ربّهم: فلم يعذّبكم ربّكم، يقول: فلأيّ شيءٍ يعذّبكم ربّكم بذنوبكم إن كان الأمر كما زعمتم أنّكم أبناؤه وأحبّاؤه، فإنّ الحبيب لا يعذّب حبيبه، وأنتم مقرّون أنّه معذّبكم. وذلك أنّ اليهود قالت: إنّ اللّه معذّبنا أربعين يومًا عدد الأيّام الّتي عبدنا فيها العجل، ثمّ يخرجنا جميعًا منها؛ فقال اللّه لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم: إن كنتم كما تقولون أبناء اللّه وأحبّاؤه، فلم يعذّبكم بذنوبكم؟ يعلّمهم عزّ ذكره أنّهم أهل فريةٍ وكذبٍ على اللّه جلّ وعزّ). [جامع البيان: 8/269-271]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بل أنتم بشرٌ ممّن خلق يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء}
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم: ليس الأمر كما زعمتم أنّكم أبناء اللّه وأحبّاؤه بل أنتم بشرٌ ممّن خلق، يقول: خلقٌ من بني آدم، خلقكم اللّه مثل سائر بني آدم، إن أحسنتم جوزيتم بإحسانكم كما سائر بني آدم مجزيّون بإحسانهم، وإن أسأتم جوزيتم بإساءتكم كما غيركم مجزيّ بها، ليس لكم عند اللّه إلاّ ما لغيركم من خلقه، فإنّه يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان به ذنوبه، فيصفح عنه بفضله، ويسترها عليه برحمته، فلا يعاقبه بها.
وقد بيّنّا معنى المغفرة في موضعٍ غير هذا بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
{ويعذّب من يشاء} يقول: ويعدل على من يشاء من خلقه، فيعاقبه على ذنوبه، ويفضحه بها على رءوس الأشهاد، فلا يسترها عليه، وإنّما هذا من اللّه عزّ وجلّ وعيدٌ لهؤلاء اليهود والنّصارى، المتّكلين على منازل سلفهم الخيّار عند اللّه، الّذين فضّلهم اللّه بطاعتهم إيّاه، واجتنابهم، لمسارعتهم إلى رضاه، واصطبارهم على ما نابهم فيه.
يقول لهم: لا تغترّوا بمكان أولئك منّي، ومنازلهم عندي، فإنّهم إنّما نالوا منّي بالطّاعة لي، وإيثار رضاي على محابّهم، لا بالإمانيّ، فجدّوا في طاعتي، وانتهوا إلى أمري، وانزجروا عمّا نهيتهم عنه، فإنّي إنّما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه من أهل طاعتي، وأعذّب من أشاء تعذيبه من أهل معصيتي، لا لمن قربت زلفة آبائه منّي، وهو لي عدوٌّ ولأمري ونهيي مخالفٌ.
وكان السّدّيّ يقول في ذلك بما:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: {يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء} يقول: يهدي منكم من يشاء في الدّنيا فيغفر له، ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذّبه). [جامع البيان: 8/271-272]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه ملك السّموات والأرض وما بينهما وإليه المصير}
يقول: للّه تدبير ما في السّموات وما في الأرض وما بينهما، وتصريفه، وبيده أمره، وله ملكه، يصرفه كيف يشاء ويدبّره كيف أحبّه، لا شريك له في شيءٍ منه ولا لأحدٍ معه فيه ملكٌ، فاعلموا أيّها القائلون: نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه، أنّه إن عذّبكم بذنوبكم، لم يكن لكم منه مانعٌ ولا لكم عنه دافعٌ؛ لأنّه لا نسب بين أحدٍ وبينه فيحابيه بسبب ذلك، ولا لأحدٍ في شيءٍ تعذيبه بذنبه ومرجعه. فاتّقوا أيّها المفترون عقابه إيّاكم على ذنوبكم بعد مرجعكم إليه، ولا تغترّوا بالإمانيّ وفضائل الآباء والإسلاف). [جامع البيان: 8/272]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ضمرة عن سفيان في قوله عز وجل يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء قال يغفر لمن يشاء العظيم ويعذب من يشاء على الصغير). [تفسير مجاهد: 190-191]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير}.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي وبحري بن عمرو وشاس بن عدي فكلمهم وكلموه ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا: ما تخوفنا يا محمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى فأنزل الله فيهم {وقالت اليهود والنصارى} إلى آخر الآية والله تعالى أعلم، قوله تعالى: {قل فلم يعذبكم} الآية.
قوله تعالى: {قل فلم يعذبكم} الآية.
أخرج أحمد عن أنس قال مر النّبيّ صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبي في الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني، فأخذته فقال القوم: يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لا والله ولا يلقى حبيبه في النار
وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال والله لا يعذب الله حبيبه ولكن يبتليه في الدنيا.
قوله تعالى: {يغفر لمن يشاء} الآية
أخرج ابن جرير عن السدي في قوله {يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} يقول: يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه). [الدر المنثور: 5/238-239]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى على فترة من الرسل قال كان بين عيسى ومحمد خمس مائة سنة وستون سنة قال معمر وقال الكلبي خمس مائة سنة وأربعون سنة). [تفسير عبد الرزاق: 1/186]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترةٍ من الرّسل أن تقولوا ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ فقد جاءكم بشيرٌ ونذيرٌ واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {يا أهل الكتاب} اليهود الّذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم نزلت هذه الآية. وذلك أنّهم أو بعضهم فيما ذكر لمّا دعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الإيمان به وبما جاءهم به من عند اللّه، قالوا: ما بعث اللّه من نبيٍّ بعد موسى، ولا أنزل بعد التّوراة كتابًا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال معاذ بن جبلٍ وسعد بن عبادة وعقبة بن وهبٍ لليهود: يا معشر اليهود، اتّقوا اللّه، فواللّه إنّكم لتعلمون أنّه رسول اللّه، لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه لنا بصفته. فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهوذا: أما قلنا هذا لكم وما أنزل اللّه من كتابٍ بعد موسى، ولا أرسل بشيرًا ولا نذيرًا بعده. فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهما: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترةٍ من الرّسل أن تقولوا ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ فقد جاءكم بشيرٌ ونذيرٌ واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
ويعني بقوله جلّ ثناؤه: {قد جاءكم رسولنا} قد جاءكم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم {رسولنا يبيّن لكم} يقول: يعرّفكم الحقّ، ويوضّح لكم أعلام الهدى، ويرشدكم إلى دين اللّه المرتضى. كما:.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترةٍ من الرّسل} وهو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، جاء بالفرقان الّذي فرّق اللّه به بين الحقّ والباطل، فيه بيان اللّه ونوره وهداه، وعصمةٌ لمن أخذ به
{على فترةٍ من الرّسل} يقول: على انقطاع من الرّسل. والفترة في هذا الموضع: الانقطاع، يقول: قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم الحقّ والهدى على انقطاعٍ من الرّسل..
والفترة: الفعلة، من قول القائل: فتر هذا الأمر يفتر فتورًا، وذلك إذا هدأ وسكن، وكذلك الفترة في هذا الموضع معناها: السّكون، يراد به سكون مجيء الرّسل، وذلك انقطاعها
ثمّ اختلف أهل التّأويل في قدر مدّة تلك الفترة، فاختلف في الرّواية في ذلك عن قتادة.
فروى معمرٌ عنه، ما:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {على فترةٍ من الرّسل} قال: كان بين عيسى ومحمّدٍ صلّى اللّه عليهما وسلّم خمسمائةٍ وستّون سنةً.
وروى سعيد بن أبي عروبة عنه ما:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كانت الفترة بين عيسى ومحمّدٍ صلّى اللّه عليهما وسلّم، ذكر لنا أنّها كانت ستّمائة سنةٍ، أو ما شاء من ذلك، اللّه أعلم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن أصحابه، قوله: {قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترةٍ من الرّسل} قال: كان بين عيسى ومحمّدٍ صلّى للّه عليهما وسلّم خمسمائة سنةٍ وأربعون سنةً. قال معمرٌ: قال قتادة: خمسمائة سنةٍ وستّون سنةً.
وقال آخرون بما:
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {على فترةٍ من الرّسل} قال: كانت الفترة بين عيسى ومحمّدٍ صلّى اللّه عليهما وسلّم أربعمائة سنةٍ وبضعًا وثلاثين سنةً
ويعني بقوله: {أن تقولوا ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ} أن لا تقولوا، وكي لا تقولوا، كما قال جلّ ثناؤه: {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا} بمعنى: أن لا تضلّوا، وكي لا تضلّوا.
فمعنى الكلام: قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترةٍ من الرّسل، كي لا تقولوا: ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ. يعلّمهم عزّ ذكره أنّه قد قطع عذرهم برسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وأبلغ إليهم في الحجّة. ويعني بالبشير: المبشّر من أطاع اللّه وآمن به وبرسوله وعمل بما آتاه من عند اللّه بعظيم ثوابه في آخرته، وبالنّذير المنذر من عصاه وكذّب رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وعمل بغير ما أتاه من عند اللّه من أمره ونهيه بما لا قبل له به من أليم عقابه في معاده وشديد عذابه في قيامته). [جامع البيان: 8/273-275]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فقد جاءكم بشيرٌ ونذيرٌ واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
يقول جلّ ثناؤه لهؤلاء اليهود الّذين وصفنا صفتهم: قد أعذرنا إليكم، واحتججنا عليكم برسولنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إليكم، وأرسلناه إليكم، ليبيّن لكم ما أشكل عليكم من أمر دينكم، كيلا تقولوا لم يأتنا من عندك رسولٌ يبيّن لنا ما نحن عليه من الضّلالة، فقد جاءكم من عندي رسولٌ، يبشّر من آمن بي وعمل بما أمرته، وانتهى عمّا نهيته عنه، وينذر من عصاني وخالف أمري، وأنا القادر على كلّ شيءٍ، أقدر على عقاب من عصاني وثواب من أطاعني، فاتّقوا عقابي على معصيتكم إيّاي وتكذيبكم رسولي، واطلبوا ثوابي على طاعتكم إيّاي، وتصديقكم بشيري ونذيري، فإنّي أنا الّذي لا يعجزه شيءٌ أراده ولا يفوته شيءٌ طلبه). [جامع البيان: 8/276]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير}.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود إلى الإسلام فرغبهم فيه وحذرهم فأبوا عليه فقال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب: يا معشر يهود اتقوا الله فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهودا: ما قلنا لكم هذا وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده فأنزل الله {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة} الآية
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل} قال: هو محمد جاء بالحق الذي فتر به بين الحق والباطل فيه بيان وموعظة ونور وهدى وعصمة لمن أخذ به قال: وكانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وذكر لنا أنه كانت ستمائة سنة أو ما شاء الله من ذلك.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير من طريق معمر عن قتادة في قوله {على فترة من الرسل} قال: كان بين عيسى ومحمد خمسمائة سنة وستون، قال معمر: قال الكلبي: خمسمائة سنة وأربعون سنة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: كانت الفترة خمسمائة سنة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كانت الفترة بين عيسى ومحمد أربعمائة سنة وبضعا وثلاثين سنة.
وأخرج ابن عساكر عن سلمان قال: الفترة فيما بين عيسى ابن مريم وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة). [الدر المنثور: 5/239-240]


رد مع اقتباس