عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 06:27 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطّور نارًا قال لأهله امكثوا إنّي آنست نارًا لعلّي آتيكم منها بخبرٍ أو جذوةٍ من النّار لعلّكم تصطلون (29) فلمّا أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشّجرة أن يا موسى إنّي أنا اللّه ربّ العالمين (30) وأن ألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبرًا ولم يعقّب يا موسى أقبل ولا تخف إنّك من الآمنين (31) اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ واضمم إليك جناحك من الرّهب فذانك برهانان من ربّك إلى فرعون وملئه إنّهم كانوا قومًا فاسقين (32)}.
قد تقدّم في تفسير الآية قبلها أنّ موسى عليه السّلام، قضى أتمّ الأجلين وأوفاهما وأبرّهما وأكملهما وأنقاهما، وقد يستفاد هذا أيضًا من الآية الكريمة من قوله: {فلمّا قضى موسى الأجل} أي: الأكمل منهما، واللّه أعلم.
قال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: قضى عشر سنين، وبعدها عشرًا أخر. وهذا القول لم أره لغيره، وقد حكاه عنه ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ، واللّه أعلم.
وقوله: {وسار بأهله} قالوا: كان موسى قد اشتاق إلى بلاده وأهله، فعزم على زيارتهم في خفيةٍ من فرعون وقومه، فتحمّل بأهله وما كان معه من الغنم الّتي وهبها له صهره، فسلك بهم في ليلةٍ مطيرةٍ مظلمةٍ باردةٍ، فنزل منزلًا فجعل كلّما أورى زنده لا يضيء شيئًا، فتعجّب من ذلك، فبينما هو كذلك [إذ] {آنس من جانب الطّور نارًا} أي: رأى نارًا تضيء له على بعدٍ، {قال لأهله امكثوا إنّي آنست نارًا} أي: حتّى أذهب إليها، {لعلّي آتيكم منها بخبرٍ}. وذلك لأنّه قد أضلّ الطّريق، {أو جذوةٍ من النّار} أي: قطعةٍ منها، {لعلّكم تصطلون} أي: تتدفؤون بها من البرد). [تفسير ابن كثير: 6/ 234]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {فلمّا أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن} أي: من جانب الوادي ممّا يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب، كما قال تعالى: {وما كنت بجانب الغربيّ إذ قضينا إلى موسى الأمر}، فهذا ممّا يرشد إلى أنّ موسى قصد النّار إلى جهة القبلة، والجبل الغربيّ عن يمينه، والنّار وجدها تضطرم في شجرةٍ خضراء في لحف الجبل ممّا يلي الوادي، فوقف باهتًا في أمرها، فناداه ربّه: {من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشّجرة}.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه قال: رأيت الشّجرة الّتي نودي منها موسى، عليه السّلام، سمرةً خضراء ترفّ. إسناده مقاربٌ.
وقال محمّد بن إسحاق، عن بعض من لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ قال: شجرةٌ من العلّيق، وبعض أهل الكتاب يقول: من العوسج.
وقال قتادة: هي من العوسج، وعصاه من العوسج.
وقوله تعالى: {أن يا موسى إنّي أنا اللّه ربّ العالمين} أي: الّذي يخاطبك ويكلّمك هو ربّ العالمين، الفعّال لما يشاء، لا إله غيره، ولا ربّ سواه، تعالى وتقدّس وتنزّه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وصفاته، وأقواله وأفعاله سبحانه!). [تفسير ابن كثير: 6/ 234-235]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأن ألق عصاك} أي: الّتي في يدك. كما قرّره على ذلك في قوله: {وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكّأ عليها وأهشّ بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى} [طه: 17، 18]. والمعنى: أمّا هذه عصاك الّتي تعرفها ألقها {فألقاها فإذا هي حيّةٌ تسعى} فعرف وتحقّق أنّ الّذي يخاطبه ويكلّمه هو الّذي يقول للشّيء: كن، فيكون. كما تقدّم بيان ذلك في سورة "طه".
وقال هاهنا: {فلمّا رآها تهتزّ} أي: تضطرب {كأنّها جانٌّ} أي: في حركتها السّريعة مع عظم خلق قوائمها واتّساع فمها، واصطكاك أنيابها وأضراسها، بحيث لا تمرّ بصخرةٍ إلّا ابتلعتها، فتنحدر في فيها تتقعقع، كأنّها حادرةٌ في وادٍ. فعند ذلك {ولّى مدبرًا ولم يعقّب} أي: ولم يكن يلتفت؛ لأنّ طبع البشريّة ينفر من ذلك. فلمّا قال اللّه له: {يا موسى أقبل ولا تخف إنّك من الآمنين}، رجع فوقف في مقامه الأوّل). [تفسير ابن كثير: 6/ 235]

تفسير قوله تعالى: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال اللّه له: {اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ} أي: إذا أدخلت يدك في جيب درعك ثمّ أخرجتها فإنّها تخرج تتلألأ كأنّها قطعة قمرٍ في لمعان البرق؛ ولهذا قال: {من غير سوءٍ} أي: من غير برصٍ.
وقوله: {واضمم إليك جناحك من الرّهب}: قال مجاهدٌ: من الفزع. وقال قتادة: من الرّعب. وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم وابن جريرٍ: ممّا حصل لك من خوفك من الحيّة.
والظّاهر أنّ المراد أعمّ من هذا، وهو أنّه أمر عليه السّلام، إذا خاف من شيءٍ أن يضمّ إليه جناحه من الرّهب، وهي يده، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف. وربّما إذا استعمل أحدٌ ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يديه على فؤاده، فإنّه يزول عنه ما يجد أو يخف، إن شاء اللّه، وبه الثّقة.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا الرّبيع بن ثعلبٍ الشّيخ الصّالح، أخبرنا أبو إسماعيل المؤدّب، عن عبد اللّه بن مسلمٍ، عن مجاهدٍ، قال: كان موسى عليه السّلام، قد ملئ قلبه رعبًا من فرعون، فكان إذا رآه قال: اللّهمّ إنّي أدرأ بك في نحره، وأعوّذ بك من شرّه، ففرّغ اللّه ما كان في قلب موسى عليه السّلام، وجعله في قلب فرعون، فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار.
وقوله: {فذانك برهانان من ربّك} يعني: إلقاءه العصا وجعلها حيّةً تسعى، وإدخاله يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوءٍ -دليلان قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار، وصحّة نبوّة من جرى هذا الخارق على يديه؛ ولهذا قال: {إلى فرعون وملئه} أي: وقومه من الرّؤساء والكبراء والأتباع، {إنّهم كانوا قومًا فاسقين} أي: خارجين عن طاعة الله، مخالفين لدين الله، [والله أعلم]). [تفسير ابن كثير: 6/ 235]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال ربّ إنّي قتلت منهم نفسًا فأخاف أن يقتلون (33) وأخي هارون هو أفصح منّي لسانًا فأرسله معي ردءًا يصدّقني إنّي أخاف أن يكذّبون (34) قال سنشدّ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانًا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتّبعكما الغالبون (35)}.
لـمّا أمره اللّه تعالى بالذّهاب إلى فرعون، الّذي إنّما خرج من ديار مصر فرارًا منه وخوفًا من سطوته، {قال ربّ إنّي قتلت منهم نفسًا} يعني: ذلك القبطيّ، {فأخاف أن يقتلون} أي: إذا رأوني). [تفسير ابن كثير: 6/ 236]

تفسير قوله تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأخي هارون هو أفصح منّي لسانًا}، وذلك أنّ موسى، عليه السّلام، كان في لسانه لثغةٌ، بسبب ما كان تناول تلك الجمرة، حين خيّر بينها وبين التّمرة أو الدّرّة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، فحصل فيه شدّةٌ في التّعبير؛ ولهذا قال: {واحلل عقدةً من لساني. يفقهوا قولي. واجعل لي وزيرًا من أهلي. هارون أخي. اشدد به أزري. وأشركه في أمري} [طه: 27 -32] أي: يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم، وهو القيام بأعباء النّبوّة والرّسالة إلى هذا الملك المتكبّر الجبّار العنيد. ولهذا قال: {وأخي هارون هو أفصح منّي لسانًا فأرسله معي ردءًا [يصدّقني]}، أي: وزيرًا ومعينًا ومقوّيا لأمري، يصدّقني فيما أقوله وأخبر به عن اللّه عزّ وجلّ؛ لأنّ خبر اثنين أنجع في النّفوس من خبر واحدٍ؛ ولهذا قال: {إنّي أخاف أن يكذّبون}.
وقال محمّد بن إسحاق: {ردءًا يصدّقني} أي: يبيّن لهم عنّي ما أكلّمهم به، فإنّه يفهم [عنّي].
فلمّا سأل ذلك قال اللّه تعالى: {سنشدّ عضدك بأخيك} أي: سنقوّي أمرك، ونعزّ جانبك بأخيك، الّذي سألت له أن يكون نبيًّا معك. كما قال في الآية الأخرى: {قد أوتيت سؤلك يا موسى} [طه: 36]، وقال تعالى: {ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيًّا} [مريم: 53]. ولهذا قال بعض السّلف: ليس أحدٌ أعظم منّةً على أخيه، من موسى على هارون، عليهما السّلام، فإنّه شفّع فيه حتّى جعله اللّه نبيًّا ورسولًا معه إلى فرعون وملئه، ولهذا قال [اللّه تعالى] في حقّ موسى: {وكان عند اللّه وجيهًا} [الأحزاب: 69].
وقوله تعالى: {ونجعل لكما سلطانًا} أي: حجّةً قاهرةً، {فلا يصلون إليكما بآياتنا} أي: لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات اللّه، كما قال اللّه تعالى [لرسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم]: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك [وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته] واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67]. وقال تعالى: {الّذين يبلّغون رسالات اللّه ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا اللّه وكفى باللّه حسيبًا} [الأحزاب: 39]، أي: وكفى باللّه ناصرًا ومعينًا ومؤيّدًا. ولهذا أخبرهما أنّ العاقبة لهما ولمن اتّبعهما في الدّنيا والآخرة، فقال: {أنتما ومن اتّبعكما الغالبون}، كما قال تعالى: {كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ اللّه قويٌّ عزيزٌ} [المجادلة: 21]، وقال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار} [غافرٍ: 51، 52].
ووجّه ابن جريرٍ على أنّ المعنى: {ونجعل لكما سلطانًا فلا يصلون إليكما}، ثمّ يبتدئ فيقول: {بآياتنا أنتما ومن اتّبعكما الغالبون}، تقديره: أنتما ومن اتّبعكما الغالبون بآياتنا.
ولا شكّ أنّ هذا المعنى صحيحٌ، وهو حاصلٌ من التّوجيه الأوّل، فلا حاجة إلى هذا، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 6/ 236-237]

رد مع اقتباس