عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 04:02 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله}، قال سعيد بن جبير: سألني رجل من النصارى: أي الأجلين قضى موسى؟ فقلت: لا أدري حتى أقدم على خير العرب، أعني ابن عباس -رضي الله عنهما-، فقدمت عليه فسألته، فقال: قضى أكملهما وأوفاهما، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال وفى، فعدت فأعلمت النصراني، فقال: صدق والله هذا العالم، وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في ذلك جبريل عليه السلام، فأخبره أنه قضى عشر سنين، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قضى عشرا وعشرا بعدها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف.
وفي قصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما قضى الأجل أراد أن يسير بأهله إلى مصر وقومه، وقد كان لا محالة أحس بالترشيح للنبوة، وكان رجلا غيورا لا يصحب الرفاق، فكان في بعض طريقه في ليلة مظلمة، قال النقاش: كانت ليلة جمعة، ففقدوا النار، وأصلد الزناد، وضلوا الطريق، واشتد عليهم الخصر، فبينا هو كذلك إذ رأى نارا، وكان ذلك نورا من نور الله تعالى قد التبس بشجرة، قال وهب: كانت عليقا، وقال قتادة: كانت عوسجا، وقيل: زعرورا، وقيل: سمرة، قاله ابن مسعود. و"آنس" معناه: أحس، والإحساس ها هنا بالبصر، ومن هذه اللفظة قوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشدا}، ومنها قول حسان:
انظر خليلي بباب جلق هل ... تؤنس دون البلقاء من أحد
وكان هذا الأمر كله في جانب الطور، وهو جبل معروف بالشام، والطور: كل جبل، وخصصه قوم بأنه الذي لا ينبت، فلما رأى موسى النار سر، فقال لأهله: أقيموا فقد رأيت نارا فلما قضى موسى الأجل عن الطريق، أين هو؟ أو جذوة أي: قطعة من النار في قطعة عود كبيرة لا لهب لها، إنما هي جمرة، ومن ذلك قول الشاعر:
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ... جزل الجذا غير خوار ولا دعر
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأحسب أن أصل الجذوة أصول الشجر، وأهل البوادي يوقدونها أبدا، فهي الجذوة في الحقيقة، ومنه قول السلمي يصف الصلى:
حما حب هذا النار حب خليلي ... وحب الغواني فهي دون الحبائب
وبدلت بعد المسك والبان شقوة ... دخان الجذا في رأس أشمط شاحب
وقرأ الجمهور: "جذوة" بكسر الجيم، وقرأ حمزة، والأعمش: "جذوة" بضمها، وقرأ عاصم: "جذوة" بفتحها، وهي لغات، والصلى: حر النار، و"تصطلون" تفتعلون، أبدلت التاء طاء). [المحرر الوجيز: 6/ 588-590]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (فلما أتى موسى ذلك الضوء الذي رآه وهو في تلك الليلة ابن أربعين سنة، نبئ صلى الله عليه وسلم، فروي أنه كان يمشي إلى ذلك النور فكان يبعد منه، تمشي به الشجرة وهي غضة خضراء حتى نودي. والشاطئ والشط: ضفة الوادي، وقوله: "الأيمن" يحتمل أن يكون من اليمن صفة للوادي أو للشاطئ، ويحتمل أن يكون معادلا لليسار، فذلك لا يوصف به الشاطئ إلا بالإضافة إلى موسى في استقباله مهبط الوادي، أو بعكس ذلك، وكل ذلك قد قيل. وبركة البقعة هي ما خصت به من آيات الله تعالى وأنواره وتكليمه لموسى عليه السلام، والناس على ضم الباء من "بقعة"، وقرأ بفتحها الأشهب العقيلي، قال أبو زيد: سمعت من العرب: "هذه بقعة طيبة" بفتح الباء. وقوله تعالى: {من الشجرة} يقتضي أن موسى عليه السلام سمع ما سمع من جهة الشجرة، وسمع وأدرك غير مكيف ولا محدد. وقوله تعالى: {أن يا موسى} يحتمل أن تكون "أن" مفسرة، ويحتمل أن تكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر. وقرأت فرقة: "أني أنا الله" بفتح الهمزة من "إني"). [المحرر الوجيز: 6/ 590]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمره الله تعالى بإلقاء العصا فألقاها فانقلبت حية عظيمة، ولها اضطراب الجان، وهو صغير الحيات، فجمعت هول الثعبان ونشاط الجان. وقالت فرقة: بل الجان يعم الصغير والكبير، وإنما شبه بالجان جملة العصا لاضطرابها فقط، وولى موسى عليه السلام مدبرا فزعا منها. ولم يعقب معناه: لم يرجع على عقبه من توليه، فقال الله تبارك وتعالى له: {يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين}، وهذا من تأمين الله تعالى إياه). [المحرر الوجيز: 6/ 590-591]

تفسير قوله تعالى: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمره بأن يدخل يده في جيبه، وهو فتح الجبة من حيث يخرج رأس الإنسان، وروي أن كم الجبة كان في غاية الضيق فلم يكن له جيب تدخل يده إلا في جيبه. و"اسلك" معناه: أدخل، ومنه قول الشاعر:
حتى سلكن الشوى منهن في مسك ... من نسل جوابة الآفاق مهداج
وقوله تعالى: {من غير سوء} أي: من غير مرض ولا مثله، وروي أن يده كانت تضيء كأنها قطعة شمس.
وقوله تعالى: {واضمم إليك جناحك من الرهب}، ذهب مجاهد، وابن زيد إلى أن ذلك على المجاز والاستعارة، وأنه أمره بالعزم على ما أمر به وأنه كما تقول العرب: "اشدد حيازيمك، واربط جأشك"، أي: شمر في أمرك، ودع الرهب، وذلك لما كثر تخوفه وفزعه في غير ما موطن، قاله أبو علي. وقوله تعالى: {فذانك برهانان} قال مجاهد، والسدي: هي إشارة إلى العصا واليد.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والناس: "الرهب" بفتح الراء والهاء، وقرأ عاصم، وقتادة: "الرهب" بسكون الهاء، وقرأ حمزة، والكسائي، وابن عامر، وعاصم أيضا: "الرهب" بضم الراء والهاء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: "فذانك" بشد النون، وقرأ الباقون: "فذانك" بالتخفيف بالنون، وقرأ شبل عن ابن كثير: "فذانيك" بياء بعد النون المخففة، أبدل إحدى النونين ياء كراهة التضعيف، وقرأ ابن مسعود: "فذانيك" بالياء أيضا مع شد النون، وهي لغة هذيل، وحكى المهدوي أن لغتهم تخفي النون، و"برهانان": حجتان ومعجزتان. وباقي الآية بين).[المحرر الوجيز: 6/ 591-592]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون}
كان موسى عليه السلام قد امتحن بمخاوف فطلب شد العضد بأخيه هارون؛ لأنه كان فصيح اللسان سمح الخلق. وقرأ الجمهور: "ردءا" بالهمز، وقرأ نافع وحده: "ردا" بتنوين الدال دون همز، وهي قراءة أبي جعفر، وذلك على التخفيف من "ردء"، والردء: الوزير المعين والذي يسند إليه في الأمر، وذهبت فرقة إلى أنها من معنى الزيادة، كما قال الشاعر:
وأسمر خطيا كأن كعوبه نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر
وهذا على ترك الهمز، وأن يكون وزنه فعلا.
وقرأ جمهور القراء: "يصدقني" بالجزم، وذلك على جواب "أرسله"، وقرأ عاصم وحده: "يصدقني"، أي: مصدقا، فهو صفة للردء، أو حال.
و "شد العضد" استعارة في المعونة والإنهاض، وقرأ الحسن بضم العين من "عضدك"، وقرأ عيسى بن عمر بفتح العين والضاد. و"السلطان": الحجة. وقوله: "بآياتنا" يحتمل أن تتعلق الباء بقوله: {ونجعل لكما}، أو بـ "يصلون" وتكون باء السبب، ويحتمل أن تتعلق بقوله: "الغالبون"، أي: تغلبون بآياتنا، و"الآيات" ها هنا معجزاته عليه السلام). [المحرر الوجيز: 6/ 592-593]

رد مع اقتباس