عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 12:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري


تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31) وما الحياة الدّنيا إلا لعبٌ ولهوٌ وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون (32)}
يقول تعالى مخبرًا عن خسارة من كذّب بلقاء اللّه وعن خيبته إذا جاءته السّاعة بغتةً، وعن ندامته على ما فرّط من العمل، وما أسلف من قبيح الفعال ولهذا قال: {حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها}
وهذا الضّمير يحتمل عوده على الحياة الدّنيا وعلى الأعمال، وعلى الدّار الآخرة، أي: في أمرها.
وقوله {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون} أي: يحملون. وقال قتادة: يعملون.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو خالدٍ، عن عمرو بن قيسٍ، عن أبي مرزوقٍ قال: ويستقبل الكافر -أو: الفاجر - -عند خروجه من قبره كأقبح صورةٍ رآها وأنتن ريحًا، فيقول: من أنت؟ فيقول: أو ما تعرفني؟ فيقول: لا واللّه إلا أن الله قد قبّح وجهك ونتّن ريحك. فيقول: أنا عملك الخبيث، هكذا كنت في الدّنيا خبيث العمل منتنه، طالما ركبتني في الدّنيا، هلمّ أركبك، فهو قوله: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم [ألا ساء ما يزرون]}

وقال أسباطٌ: عن السّدّي أنّه قال: ليس من رجلٍ ظالمٍ يموت فيدخل قبره إلّا جاءه رجلٌ قبيح الوجه، أسود اللّون، منتن الرّائحة عليه ثيابٌ دنسةٌ، حتّى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال: ما أقبح وجهك! قال: كذلك كان عملك قبيحًا قال: ما أنتن ريحك! قال: كذلك كان عملك منتنًا ! قال: ما أدنس ثيابك، قال: فيقول: إنّ عملك كان دنسًا. قال له: من أنت؟ قال: أنا عملك! قال: فيكون معه في قبره، فإذا بعث يوم القيامة قال له: إنّي كنت أحملك في الدّنيا باللّذّات والشّهوات، وأنت اليوم تحملني. قال: فيركب على ظهره فيسوقه حتّى يدخله النّار، فذلك قوله: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 249-250]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما الحياة الدّنيا إلا لعبٌ ولهوٌ} أي: إنّما غالبها كذلك {وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 250]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون (33) ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين (34) وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلّمًا في السّماء فتأتيهم بآيةٍ ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين (35) إنّما يستجيب الّذين يسمعون والموتى يبعثهم اللّه ثمّ إليه يرجعون (36)}
يقول تعالى مسلّيًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، في تكذيب قومه له ومخالفتهم إيّاه: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون} أي: قد أحطنا علمًا بتكذيب قومك لك، وحزنك وتأسّفك عليهم، {فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ}[فاطرٍ: 8] كما قال تعالى في الآية الأخرى: {لعلّك باخعٌ نفسك ألا يكونوا مؤمنين} [الشّعراء: 3] {فلعلّك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا} [الكهف: 7]
وقوله: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} أي: لا يتّهمونك بالكذب في نفس الأمر {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} أي: ولكنّهم يعاندون الحقّ ويدفعونه بصدورهم، كما قال سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ، عن عليٍّ [رضي اللّه عنه] قال قال:« أبو جهلٍ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّا لا نكذّبك، ولكن نكذّب ما جئت به، فأنزل اللّه: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} »
ورواه الحاكم، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، ثمّ قال: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرجاه
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن الوزير الواسطيّ بمكّة، حدّثنا بشر بن المبشّر الواسطيّ، عن سلّام بن مسكينٍ، عن أبي يزيد المدنيّ؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لقي أبا جهلٍ فصافحه، قال له رجلٌ: ألا أراك تصافح هذا الصّابئ؟ ! فقال: واللّه إنّي أعلم إنّه لنبيٌّ، ولكن متى كنّا لبني عبد منافٍ تبعًا؟ ! وتلا أبو يزيد: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}
قال أبو صالحٍ وقتادة: يعلمون أنّك رسول اللّه ويجحدون.
وذكر محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، في قصّة أبي جهلٍ حين جاء يستمع قراءة النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- من اللّيل، هو وأبو سفيان صخر بن حرب، والأخنس بن شريق، ولا يشعر واحدٌ منهم بالآخر. فاستمعوها إلى الصّباح، فلمّا هجم الصّبح تفرّقوا، فجمعتهم الطّريق، فقال كلٌّ منهم للآخر: ما جاء بك؟ فذكر له ما جاء له ثمّ تعاهدوا ألّا يعودوا، لما يخافون من علم شباب قريشٍ بهم، لئلّا يفتتنوا بمجيئهم فلمّا كانت اللّيلة الثّانية جاء كلٌّ منهم ظنًا أنّ صاحبيه لا يجيئان، لما تقدّم من العهود، فلمّا أجمعوا جمعتهم الطّريق، فتلاوموا، ثمّ تعاهدوا ألّا يعودوا. فلمّا كانت اللّيلة الثّالثة جاؤوا أيضًا، فلمّا أصبحوا تعاهدوا ألّا يعودوا لمثلها [ثمّ تفرّقوا]
فلمّا أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثمّ خرج حتّى أتى أبا سفيان بن حربٍ في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمّدٍ؟ قال: يا أبا ثعلبة، واللّه لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والّذي حلفت به.
ثمّ خرج من عنده حتّى أتى أبا جهلٍ، فدخل عليه في بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمّدٍ؟ قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد منافٍ الشّرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتّى إذا تجاثينا على الرّكب، وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبيٌّ يأتيه الوحي من السّماء! فمتى ندرك هذه؟ واللّه لا نؤمن به أبدًا ولا نصدّقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه
وروى ابن جريرٍ، من طريق أسباطٍ، عن السّدّي، في قوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} لمّا كان يوم بدرٍ قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة، إنّ محمّدًا ابن أختكم، فأنتم أحقّ من كفّ عنه. فإنّه إن كان نبيًّا لم تقاتلوه اليوم، وإن كان كاذبًا كنتم أحقّ من كفّ عن ابن أخته قفوا هاهنا حتّى ألقى أبا الحكم، فإن غلب محمّدٌ رجعتم سالمين، وإن غلب محمّدٌ فإنّ قومكم لم يصنعوا بكم شيئًا. فيومئذٍ سمّي الأخنس: وكان اسمه "أبيٌّ" فالتقى الأخنس وأبو جهلٍ، فخلا الأخنس بأبي جهلٍ فقال: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمّدٍ: أصادقٌ هو أم كاذبٌ؟ فإنّه ليس هاهنا من قريشٍ غيري وغيرك يسمع كلامنا. فقال أبو جهلٍ: ويحك! واللّه إنّ محمّدًا لصادقٌ، وما كذب محمّدٌ قطّ، ولكن إذا ذهبت بنو قصيّ باللّواء والسّقاية والحجاب والنّبوّة، فماذا يكون لسائر قريشٍ؟ فذلك قوله: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} فآيات اللّه: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 250-252]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا [ولا مبدّل لكلمات اللّه]} هذه تسليةٌ للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وتعزيةٌ له فيمن كذّبه من قومه، وأمرٌ له بالصّبر كما صبر أولو العزم من الرّسل، ووعدٌ له بالنّصر كما نصروا، وبالظّفر حتّى كانت لهم العاقبة، بعد ما نالهم من التّكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثمّ جاءهم النّصر في الدّنيا، كما لهم النّصر في الآخرة؛ ولهذا قال: {ولا مبدّل لكلمات اللّه} أي: الّتي كتبها بالنّصر في الدّنيا والآخرة لعباده المؤمنين، كما قال: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنّهم لهم المنصورون وإنّ جندنا لهم الغالبون} [الصّافّات: 171 -173]، وقال تعالى: {كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ اللّه قويٌّ عزيزٌ} [المجادلة: 21].
وقوله: {ولقد جاءك من نبإ المرسلين} أي: من خبرهم كيف نصروا وأيدوا على من كذّبهم من قومهم، فلك فيهم أسوةٌ وبهم قدوةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 252]


رد مع اقتباس