عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:57 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه} قد هلك ووكس في بيعهم الإيمان بالكفر، {الّذين كذّبوا بلقاء اللّه} يعني: الّذين أنكروا البعث بعد الممات والثّواب والعقاب والجنّة والنّار من مشركي قريشٍ ومن سلك سبيلهم في ذلك. {حتّى إذا جاءتهم السّاعة} يقول: {حتّى إذا جاءتهم السّاعة} الّتي يبعث اللّه فيها الموتى من قبورهم.
وإنّما أدخلت الألف واللاّم في (السّاعة)، لأنّها معروفة المعنى عند المخاطبين بها، وأنّها مقصودٌ بها قصد السّاعة الّتي وصفت.
ويعني بقوله: {بغتةً} فجأةً من غير علم من تفجؤه بوقت مفاجأتها إيّاه، يقال منه: بغتّه أبغته بغتةً: إذا أخذته، كذلك.
{قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها} يقول تعالى ذكره: وكس الّذين كذّبوا بلقاء اللّه ببيعهم منازلهم من الجنّة بمنازل من اشتروا منازلهم من أهل الجنّة من النّار، فإذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا إذا عاينوا ما باعوا وما اشتروا وتبيّنوا خسارة صفقة بيعهم الّتي سلفت منهم في الدّنيا تندّمًا وتلهّفًا على عظيم الغبن الّذي غبنوه أنفسهم، وجليل الخسران الّذي لا خسران أجلّ منه: {يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها} يقول: يا ندامتنا على ما ضيّعنا فيها يعني في صفقتهم تلك.
والهاء والألف في قوله: {فيها} من ذكر الصّفقة، ولكن اكتفى بدلالة قوله: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه} عليها من ذكرها، إذ كان معلومًا أنّ الخسران لا يكون إلاّ في صفقة بيعٍ قد خسرت.
وإنّما معنى الكلام: قد وكس الّذين كذّبوا بلقاء اللّه ببيعهم الإيمان الّذي يستوجبون به من اللّه رضوانه وجنّته بالكفر الّذي يستوجبون به منه سخطه وعقوبته، ولا يشعرون ما عليهم من الخسران في ذلك حتّى تقوم السّاعة، فإذا جاءتهم السّاعة بغتةً فرأوا ما لحقهم من الخسران في بيعهم قالوا حينئذٍ تندّمًا: {يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {يا حسرتنا على ما فرّطنا} فيها أمّا {يا حسرتنا}: فندامتنا على ما فرّطنا فيها فضيّعنا من عمل الجنّة.
- حدّثنا محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا يزيد بن مهران، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، في قوله: {يا حسرتنا} قال: يرى أهل النّار منازلهم من الجنّة فيقولون: يا حسرتنا). [جامع البيان: 9/ 214-215]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}.
يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الّذين كذّبوا بلقاء اللّه {يحملون أوزارهم على ظهورهم}، وقوله: {وهم} من ذكرهم. {يحملون أوزارهم} يقول: آثامهم وذنوبهم، واحدها وزرٌ، يقال منه: وزر الرّجل يزر: إذا أثم، فإن أريد أنّهم أثموا قيل: قد وزر القوم فهم يوزرون وهم موزورون.
وقد زعم بعضهم أنّ الوزر: الثّقل والحمل. ولست أعرف ذلك كذلك في شاهدٍ ولا من رواية ثقةٍ عن العرب.
وقال تعالى ذكره: {على ظهورهم} لأنّ الحمل قد يكون على الرّأس والمنكب وغير ذلك، فبيّن موضع حملهم ما يحملون من ذلك، وذكر أنّ حملهم أوزارهم يومئذٍ على ظهورهم نحو الّذي:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشير بن سلمان، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ الملائيّ، قال: إنّ المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في أحسن صورةٍ وأطيبه ريحًا، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: لا، إلاّ أنّ اللّه قد طيّب ريحك وحسّن صورتك فيقول: كذلك كنت في الدّنيا، أنا عملك الصّالح، طالما ركبتك في الدّنيا فاركبني أنت اليوم، وتلا: {يوم نحشر المتّقين إلى الرّحمن وفدًا}. وإنّ الكافر يستقبله أقبح شيءٍ صورةً وأنتنه ريحًا، فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا، إلاّ أنّ اللّه قد قبّح صورتك وأنتن ريحك. فيقول: كذلك كنت في الدّنيا، أنا عملك السّيّئ، طالما ركبتني في الدّنيا فأنا اليوم أركبك، وتلا: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} قال: ليس من رجلٍ ظالمٍ يموت فيدخل قبره إلاّ جاء رجلٌ قبيح الوجه أسود اللّون منتن الرّيح عليه ثيابٌ دنسةٌ، حتّى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال له: ما أقبح وجهك قال: كذلك كان عملك قبيحًا. قال: ما أنتن ريحك قال: كذلك كان عملك منتنًا. قال: ما أدنس ثيابك قال: فيقول: إنّ عملك كان دنسًا. قال: من أنت؟ قال: أنا عملك. قال: فيكون معه في قبره فإذا بعث يوم القيامة قال له: إنّي كنت أحملك في الدّنيا باللّذّات والشّهوات، فأنت اليوم تحملني. قال: فيركب على ظهره فيسوقه حتّى يدخله النّار، فذلك قوله: {يحملون أوزارهم على ظهورهم}.
وأمّا قوله تعالى: {ألا ساء ما يزرون} فإنّه يعني: ألا ساء الوزر الّذي يزرون: أي الإثم الّذي يأثمونه بكفرهم بربّهم.
- كما حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ألا ساء ما يزرون} قال: ساء ما يعملون). [جامع البيان: 9/ 216-217]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31)}
قوله: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه}
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة يبلغ به النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: يلقى العبد يوم القيامة، فيقول: أي فل. ألم أكرمك وأسوّدك وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع، فظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني.
قوله: {حتّى إذا جاءتهم السّاعة}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو عونٍ الزّياديّ، حدّثني إبراهيم بن طهمان، حدّثني محمّد بن زيادٍ،، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «تقوم السّاعة على رجلٍ أكلته في فيه يلوكها ولا يسيغها ولا يلفظها، وعلى رجلين قد نشرا بينهما ثوبًا يتبايعانه، فلا يطويانه ولا يبتاعانه».
- حدّثني أ
بي، ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، ثنا حمّادٌ، عن عليّ بن الحكم، عن عكرمة أنّه قال: لا تقوم السّاعة حتّى ينادي منادٍ: يا أيّها النّاس. أتتكم السّاعة، أتتكم السّاعة، أتتكم السّاعة. ثلاثًا.
عن الأعمش،، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يا حسرتنا» قال: «الحسرة يرى أهل النّار منازلهم من الجنّة في الجنّة» قال: «فهي الحسرة».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنا بشر،، عن أبي روقٍ،، عن الضّحّاك،، عن ابن عبّاسٍ في قوله: يا حسرةً قال: النّدامة.
قوله: {على ما فرّطنا فيها}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ،، عن السّدّيّ قوله: على ما فرّطنا فيها، أمّا فرّطنا فضيّعنا من عمل الجنّة.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو إبراهيم الأسديّ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ،، عن مجاهدٍ: يا حسرةً قال: كانت عليهم حسرةً استهزاؤهم بالرّسل.
قوله: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن عمرو بن قيسٍ، عن أبي مرزوقٍ قال: ويستقبل الكافر أو الفاجر عند خروجه من قبره كأقبح صورةٍ رآها، وأنتنها ريحًا، فيقول: من أنت؟ فيقول: أو ما تعرفني؟ فيقول: لا، ألا إنّ اللّه قد قبّح وجهك، ونتّن ريحك. فيقول: أنا عملك الخبيث، هكذا كنت في الدّنيا خبيث العمل منتنه، قال: فطالما ركبتني في الدّنيا هلمّ أركبك. فهو قوله: وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ،، عن السّدّيّ قوله: يحملون أوزارهم على ظهورهم، فإنّه ليس من رجلٍ ظالمٍ يموت، فيدخل قبره إلا جاءه رجلٌ قبيح الوجه أسود اللّون، منتن الرّيح، عليه ثيابٌ دنسةٌ، حتّى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال له: ما أقبح وجهك، قال: كذلك كان عملك قبيحًا. قال: ما أنتن ريحك. قال: كذلك كان عملك منتنًا، قال: ما أدنس ثيابك قال: فيقول: إنّ عملك كان دنسًا. قال له: من أنت؟ قال: أنا عملك. قال: فيكون معه في قبره، فإذا بعث يوم القيامة قال له: إنّي كنت أحملك في الدّنيا باللّذّات والشّهوات، وأنت اليوم تحملني. قال فيركب على ظهره، فيسوقه حتّى يدخله النّار. فذلك قوله: يحملون أوزارهم على ظهورهم.
قوله: {ألا ساء ما يزرون}.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق،، عن معمرٍ،، عن قتادة، في قوله: ألا ساء ما يزرون قال: ما يعملون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1280-1281]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحسرة الندامة.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه والخطيب بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: {يا حسرتنا}، قال:« الحسرة أن يرى أهل النار منازلهم من الجنة في الجنة فتلك الحسرة».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {يا حسرتنا} قال: ندامتنا {على ما فرطنا فيها} قال: ضيعنا من عمل الجنة {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} قال: ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح عليه ثياب دنسة حتى يدخل معه القبر فإذا رآه قال له: ما أقبح وجهك قال: كذلك كان عملك قبيحا، قال: ما أنتن ريحك قال: كذلك كان عملك منتنا، قال: ما أدنس ثيابك فيقول: إن عملك كان دنسا، قال: من أنت قال: أنا عملك، قال: فيكون معه في قبره فإذا بعث يوم القيامة قال له: إني كنت أحملك الدنيا باللذات والشهوات فأنت اليوم تحملني فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار فذلك قوله: {يحملون أوزارهم على ظهورهم}.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس الملائي قال: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في أحسن صورة وأطيب ريحا فيقول له: هل تعرفني فيقول: لا إلا أن الله قد طيب ريحك وحسن صورتك، فيقول: كذلك كنت في الدنيا أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم وتلا {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} [مريم: 85]، وإن الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا فيقول: هل تعرفني فيقول: لا إلا أن الله قد قبح صورتك ونتن ريحك، فيقول: كذلك كنت في الدنيا أنا عملك السيء طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك وتلا {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}.
- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن قيس عن أبي مرزوق، مثله.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ألا ساء ما يزرون} قال: ما يعملون). [الدر المنثور: 6/ 38-39]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما الحياة الدّنيا إلاّ لعبٌ ولهوٌ وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون}.
وهذا تكذيبٌ من اللّه تعالى ذكره هؤلاء الكفّار المنكرين البعث بعد الممات في قولهم: {إن هي إلاّ حياتنا الدّنيا وما نحن بمبعوثين}. يقول تعالى ذكره مكذّبًا لهم في قيلهم ذلك: {ما الحياة الدّنيا} أيّها النّاس، {إلاّ لعبٌ ولهوٌ} يقول: ما باغي لذّات الحياة الّتي أدنيت لكم وقرّبت منكم في داركم هذه ونعيمها وسرورها فيها، والمتلذّذ بها والمنافس عليها، إلاّ في لعبٍ ولهو لأنّها عمّا قليلٍ تزول عن المستمتع بها والمتلذّذ فيها بملاذّها، أو تأتيه الأيّام بفجائعها وصروفها فتمرّ عليه وتكدر كاللاّعب اللاّهي الّذي يسرع اضمحلال لهوه ولعبه عنه، ثمّ يعقبه منه ندمًا ويورثه منه ترحًا. يقول: لا تغترّوا أيّها النّاس بها، فإنّ المغترّ بها عمّا قليلٍ يندم.
{وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون} يقول: وللعمل بطاعته والاستعداد للدّار الآخرة بالصّالح من الأعمال الّتي تبقى منافعها لأهلها ويدوم سرور أهلها فيها، خيرٌ من الدّار الّتي تفنى فلا يبقى لعمّالها فيها سرورٌ، ولا يدوم لهم فيها نعيمٌ. {للّذين يتّقون} يقول: للّذين يخشون اللّه فيتّقونه بطاعته واجتناب معاصيه والمسارعة إلى رضاه. {أفلا تعقلون} يقول: أفلا يعقل هؤلاء المكذّبون بالبعث حقيقة ما نخبرهم به من أنّ الحياة الدّنيا لعبٌ ولهوٌ، وهم يرون من يخترم منهم، ومن يملك فيموت، ومن تنوبه فيها النّوائب وتصيبه المصائب وتفجعه الفجائع؟ ففي ذلك لمن عقل مدّكرٌ ومزدجرٌ عن الرّكون إليها واستعباد النّفس لها، ودليلٌ واضحٌ على أنّ لها مدبّرًا ومصرّفًا يلزم الخلق إخلاص العبادة له بغير إشراك شيءٍ سواه معه). [جامع البيان: 9/ 218]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وما الحياة الدّنيا إلّا لعبٌ ولهوٌ وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون (32) }
قوله: {وما الحياة الدّنيا إلا لعبٌ ولهوٌ}،
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء قال: زعم عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن إبراهيم بن أبي بكرٍ، عن مجاهدٍ قال: اللّهو هو: الطّبل.
قوله: {وللدار الآخرة خير ... الآية}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ،، عن عليّ بن أبي طلحة،، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وللدّار الآخرة خيرٌ} يقول: باقيةٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا الهيثم بن يمانٍ، ثنا إسماعيل بن زكريّا، حدّثني محمّد بن عونٍ الخراسانيّ،، عن عكرمة قوله: {وللدّار الآخرة}، يقول: الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كل لعب لهو). [الدر المنثور: 6/ 40]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى:{ ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}، قال: يعلمون أنك رسول ولكنهم يجحدون قال وأما قوله تعالى فإن استطعت أن تبتغى نفقا في الأرض قال سربا أو سلما في السماء يعني الدرج). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 207]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات الله يجحدون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معشر، عن محمّد بن كعبٍ، أنّه كان يقرأ: {فإنّهم لا يكذّبونك} . قال: قال: (لا يبطلون) ما في يديك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا أبو محمّدٍ مولى قريشٍ، عن عبّاد بن الرّبيع، عن عليٍّ - رضي اللّه عنه -، قال: كان يقرأ: {فإنّهم لا يكذبونك} خفيفة).[سنن سعيد بن منصور: 5/ 16-17]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ، عن عليٍّ: أنّ أبا جهلٍ، قال للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إنّا لا نكذّبك، ولكن نكذّب بما جئت به، فأنزل اللّه: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات الله يجحدون}.
حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، قال: أخبرنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية، أنّ أبا جهلٍ قال للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فذكر، نحوه، ولم يذكر فيه عن عليٍّ، وهذا أصحّ). [سنن الترمذي: 5/ 111]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: قد نعلم يا محمّد إنّه ليحزنك الّذي يقول المشركون، وذلك قولهم له: إنّه كذّابٌ، فإنّهم لا يكذّبونك.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته جماعةٌ: (لا يكذبونك) بالتّخفيف، بمعنى: أنّهم لا يكذّبونك فيما أتيتهم به من وحي اللّه، ولا يدفعون أن يكون ذلك صحيحًا بل يعلمون صحّته، ولكنّهم يجحدون حقيقته قولاً فلا يؤمنون به.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يحكي عن العرب أنّهم يقولون: أكذبت الرّجل: إذا أخبرت أنّه جاء بالكذب ورواه. قال: ويقولون: كذبته: إذا أخبرت أنّه كاذبٌ.
وقرأته جماعةٌ من قرّاء المدينة والعراقيّين والكوفة والبصرة: {فإنّهم لا يكذّبونك} بمعنى: أنّهم لا يكذّبونك علمًا، بل يعلمون أنّك صادقٌ، ولكنّهم يكذّبونك قولاً، عنادًا وحسدًا.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما جماعةٌ من القرّاء، ولكلّ واحدةٍ منهما في الصّحّة مخرجٌ مفهومٌ، وذلك أنّ المشركين لا شكّ أنّه كان منهم قومٌ يكذّبون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويدفعونه عمّا كان اللّه تعالى خصّه به من النّبوّة، فكان بعضهم يقول: هو شاعرٌ، وبعضهم يقول: هو كاهنٌ، وبعضهم يقول: هو مجنونٌ، وينفي جميعهم أن يكون الّذي أتاهم به من وحي السّماء ومن تنزيل ربّ العالمين قولاً. وكان بعضهم قد تبيّن أمره وعلم صحّة نبوّته، وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوّته حسدًا له وبغيًا.
فالقارئ {فإنّهم لا يكذبونك} يعني به: أنّ الّذين كانوا يعرفون حقيقة نبوّتك وصدق قولك فيما تقول، يجحدون أن يكون ما تتلوه عليهم من تنزيل اللّه ومن عند اللّه قولاً، وهم يعلمون أنّ ذلك من عند اللّه علمًا صحيحًا مصيبٌ، لما ذكرنا من أنّه قد كان فيهم من هذه صفته.
وفي قول اللّه تعالى في هذه السّورة: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} أوضح الدّليل على أنّه قد كان فيهم العناد في جحود نبوّته صلّى اللّه عليه وسلّم، مع علمٍ منهم به وصحّة نبوّته.
وكذلك القارئ {فإنّهم لا يكذّبونك} يعني: أنّهم لا يكذّبون رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلاّ عنادًا لا جهلاً بنبوّته وصدق لهجته مصيبٌ، لما ذكرنا من أنّه قد كان فيهم من هذه صفته.
وقد ذهب إلى كلّ واحدٍ من هذين التّأويلين جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال: معنى ذلك: فإنّهم لا يكذّبونك، ولكنّهم يجحدون الحقّ على علمٍ منهم بأنّك نبيّ للّه صادقٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، في قوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك}، قال: جاء جبريل إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- ذات يومٍ وهو جالسٌ حزينٌ، فقال له: ما يحزنك؟ فقال: كذّبني هؤلاء قال: فقال له جبريل: إنّهم لا يكذّبونك، هم يعلمون أنّك صادقٌ، {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ قال: جاء جبريل إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وهو جالسٌ حزينٌ، فقال له: ما يحزنك؟ فقال: كذّبني هؤلاء فقال له جبريل: إنّهم لا يكذّبونك، إنّهم ليعلمون أنّك صادقٌ، {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} قال: يعلمون أنّك رسول اللّه ويجحدون.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}:
لمّا كان يوم بدرٍ قال الأخنس بن شريقٍ لبني زهرة: يا بني زهرة، إنّ محمّدًا ابن أختكم، فأنتم أحقّ من كفّ عنه، فإنّه إن كان نبيًّا لم تقاتلونه اليوم؟ وإن كان كاذبًا كنتم أحقّ من كفّ عن ابن أخته، قفوا ههنا حتّى ألقى أبا الحكم، فإن غلب محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم رجعتم سالمين، وإن غلب محمّدٌ فإنّ قومكم لا يصنعون بكم شيئًا، فيومئذٍ سمّي الأخنس، وكان اسمه أبيًّا. فالتقى الأخنس وأبو جهلٍ، فخلا الأخنس بأبي جهلٍ، فقال: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمّدٍ أصادقٌ هو أم كاذبٌ؟ فإنّه ليس ههنا من قريشٍ أحدٌ غيري وغيرك يسمع كلامنا. فقال أبو جهلٍ: ويحك، واللّه إنّ محمّدًا لصادقٌ، وما كذب محمّدٌ قطّ، ولكن إذا ذهب بنو قصيٍّ باللّواء والحجابة والسّقاية والنّبوّة، فماذا يكون لسائر قريشٍ؟ فذلك قوله: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}، فآيات اللّه محمّدٌ -صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني الحرث بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا قيسٌ، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ: {فإنّهم لا يكذّبونك} قال: ليس يكذّبون محمّدًا، {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
ذكر من قال ذلك بمعنى: {فإنّهم لا يكذّبونك}، ولكنّهم يكذّبون ما جئت به.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية قال: قال أبو جهلٍ للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: ما نتّهمك، ولكن نتّهم الّذي جئت به. فأنزل اللّه تعالى: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ، أنّ أبا جهلٍ قال للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إنّا لا نكذّبك، ولكن نكذّب الّذي جئت به فأنزل اللّه تعالى: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
وقال آخرون: معنى ذلك: فإنّهم لا يبطلون ما جئتهم به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ: {فإنّهم لا يكذّبونك} قال: لا يبطلون ما في يديك.
وأمّا قوله: {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}، فإنّه يقول: ولكنّ المشركين باللّه بحجج اللّه وآي كتابه ورسوله يجحدون، فينكرون صحّة ذلك كلّه.
وكان السّدّيّ يقول: الآيات في هذا الموضع معنيّ بها محمّدٌ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وقد ذكرنا الرّواية بذلك عنه قبل).[جامع البيان: 9/ 219-223]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون (33) }
قوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الذي يقولون}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن فضيلٍ البزّاز نزيل مكّة، ثنا معاوية بن هشامٍ، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ، عن عليٍّ: قال أبو جهلٍ للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إنّا لا نكذّبك، ولكن نكذّب بما جئت به. فأنزل اللّه تعالى:
{فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا ابن مهديٍّ، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ قال: قال أبو جهلٍ: فذكر نحوه، ولم يذكر في الإسناد على.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {لا يكذبونك} مخفّفٌ. قال: وكذلك كان يقرؤها، قال: لا يقدرون على ألا تكون رسولا، ولا على ألا يكون القرآن قرآنًا. فأمّا أن يكذّبوك بألسنتهم فهم يكذّبونك وذلك الكذاب وهو التّكذيب.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو يحيى الرّازيّ، سمعت أبا معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ أنّه كان يقرؤها: {فإنّهم لا يكذبونك} بالتّخفيف يقول: لا يبطلون ما في يديك.
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن هاشم بن مرزوقٍ، ثنا ابن عيينة، عن سالم بن أبي حفصةٍ قال: قرأ عليّ بن أبي طالبٍ: {فإنّهم لا يكذّبونك} قال: لا يجيئون بحقٍّ هو أحقّ من حقّك. وقرأ: وكذّب به قومك وهو الحقّ.
- حدّثنا محمّد بن الوزير الواسطيّ بمكّة، ثنا بشر بن المبشّر الواسطيّ، عن سلام بن مسكينٍ، عن أبي يزيد المدنيّ أنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- لقي أبا جهلٍ فصافحه. فقال له رجلٌ: ألا أراك تصافح هذا الصّابئ. فقال: واللّه إنّي لأعلم أنّه لنبيٌّ، ولكن متى كنّا لبني عبد منافٍ تبعًا؟ فتلا أبو يزيد: {فإنّهم لا يكذّبونك ... الآية}.
قوله -عزّ وجلّ: {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} وآيات اللّه: هو محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} يقول: يعلمون أنّك رسول اللّه ويجحدون.
قوله: {يجحدون}.
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن نصرٍ، ثنا عمرٌو يعني: ابن عاصمٍ، ثنا أبو الأشهب قال: قرأ رجلٌ عند الحسن: فإنّهم لا يكذّبونك خفيفةً. قال الحسن: فإنّهم لا يكذبونك. وقال: إنّ القوم قد عرفوه، ولكنّهم جحدوا بعد المعرفة).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1282-1283]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو بكرٍ محمّد بن عبد اللّه الحفيد، ثنا الحسين بن الفضل، ثنا محمّد بن سابقٍ، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ الأسديّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: «قال أبو جهلٍ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " قد نعلم يا محمّد أنّك تصل الرّحم، وتصدق الحديث، ولا نكذّبك، ولكن نكذّب الّذي جئت به. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}» «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»).[المستدرك: 2/ 345]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أنّ أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذّبك ولكن نكذّب بما جئت به، فأنزل الله فيهم: {فإنّهم لا يكذّبونك، ولكنّ الظالمين بآيات اللّه يجحدون}. أخرجه الترمذي [من طريقين]).[جامع الأصول: 2/ 131-132]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فإنّهم لا يكذّبونك}
- عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {فإنّهم لا يكذبونك} مخفّفةً، وكذلك كانوا يقرؤونها، قال: لا يقدرون على أن لا يكون رسولًا، ولا على أن لا يكون القرآن قرآنًا، فأمّا أن يكذبوك بألسنتهم فهم يكذّبونك، وذاك الإكذاب وذاك التّكذيب.
رواه الطّبرانيّ، وفيه بشر بن عمارة، وهو ضعيفٌ).
[مجمع الزوائد: 7/ 20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه والضياء في المختارة، عن علي، قال: «قال أبو جهل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}».
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي يزيد المدني أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- لقي أبا جهل فجعل أبو جهل يلاطفه ويسائله فمر به بعض شياطينه فقال: أتفعل هذا قال: أي والله إني لأفعل به هذا وإني لأعلم أنه صادق ولكن متى كنا تبعا لبني عبد مناف وتلا أبو يزيد {فإنهم لا يكذبونك ... الآية}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عن أبي ميسرة قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي جهل فقال: والله يا محمد ما نكذبك إنك عندنا لمصدق ولكنا نكذب بالذي جئت به فأنزل الله {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}
- وأخرج ابن جرير عن أبي صالح في الآية قال: جاء جبريل إلى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس حزين فقال له: ما يحزنك فقال كذبني هؤلاء، فقال له جبريل: إنهم لا يكذبونك إنهم ليعلمون إنك صادق {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح قال: كان المشركون إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قال بعضهم لبعض فيما بينهم: إنه لنبي فنزلت هذه الآية: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
- وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والضياء عن علي بن أبي طالب، أنه قرأ (فإنهم لا يكذبون) خفيفة قال: لا يجيؤن بحق هو أحق من حقك.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن ابن عباس، أنه قرأ (فإنهم لا يكذبونك) مخففة قال: لا يقدرون على أن لا تكون رسولا وعلى أن لا يكون القرآن قرآنا فأما أن يكذبونك بألسنتهم فهم يكذبونك فذاك إلا كذاب وهذا التكذيب
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب، أنه كان يقرؤها (فإنهم لا يكذبونك) بالتخفيف، يقول: لا يبطلون ما في يديك.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} قال: يعلمون إنك رسول الله ويجحدون.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن، أنه قرأ عنده رجل (فإنهم لا يكذبونك)
خفيفة فقال الحسن {فإنهم لا يكذبونك} وقال: إن القوم قد عرفوه ولكنهم جحدوا بعد المعرفة).[الدر المنثور: 6/ 40-42]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين}.
وهذا تسليةٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وتعزيةٌ له عمّا ناله من المساءة بتكذيب قومه إيّاه على ما جاءهم به من الحقّ من عند اللّه.
يقول تعالى ذكره: إن يكذّبك يا محمّد هؤلاء المشركون من قومك، فيجحدوا نبوّتك، وينكروا آيات اللّه أنّها من عنده، فلا يحزنك ذلك، واصبر على تكذيبهم إيّاك وما تلقى منهم من المكروه في ذات اللّه، حتّى يأتي نصر اللّه، فقد كذّبت رسلٌ من قبلك أرسلتهم إلى أممهم فنالوهم بمكروهٍ، فصبروا على تكذيب قومهم إيّاهم ولم يثنهم ذلك من المضيّ لأمر اللّه الّذي أمرهم به من دعاء قومهم إليه، حتّى حكم اللّه بينهم وبينهم. {ولا مبدّل لكلمات اللّه}: ولا مغيّر لكلمات اللّه وكلماته تعالى: ما أنزل اللّه إلى نبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- من وعده إيّاه النّصر على من خالفه وضادّه، والظّفر على من تولّى عنه وأدبر.
{ولقد جاءك من نبإ المرسلين} يقول: ولقد جاءك يا محمّد من خبر من كان قبلك من الرّسل وخبر أممهم، وما صنعت بهم حين جحدوا آياتي وتمادوا في غيّهم وضلالهم، أنباءٌ. وترك ذكر (أنباءٍ) لدلالة (من) عليها، يقول تعالى ذكره: فانتظر أنت أيضًا من النّصرة والظّفر مثل الّذي كان منّي كان قبلك من الرّسل، إذ كذّبهم قومك، واقتد بهم في صبرهم على ما لقوا من قومهم.
وبنحو ذلك تأوّل من تأوّل هذه الآية من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا}، يعزّي نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم كما تسمعون، ويخبره أنّ الرّسل قد كذّبت قبله فصبروا على ما كذّبوا حتّى حكم اللّه وهو خير الحاكمين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك}، قال: يعزّي نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك ... الآية} قال: يعزّي نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 9/ 223-225]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين (34)}
قوله: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك ... الآية}.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا يعزّي نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم كما تسمعون، وتخبره أنّ الرّسل قد كذّبت قبله، فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا.
قوله: حتّى أتاهم نصرنا الآية.
- وبه، عن قتادة قوله: {ّحتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه}، قال: حتّى جاء حكم اللّه، وهو خير الحاكمين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1283-1284]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا} قال: يعزي نبيه -صلى الله عليه وسلم- كما تسمعون ويخبره أن الرسل قد كذبت قبله فصبروا على ما كذبوا حتى حكم الله وهو خير الحاكمين.
- وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {ولقد كذبت رسل من قبلك} قال: يعزي نبيه -صلى الله عليه وسلم.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {ولقد كذبت رسل من قبلك ... الآية}، قال يعزي نبيه -صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 6/ 42-43]


رد مع اقتباس