عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:53 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط}
لا يجرمنكم معناه: لا يكسبنكم، يقال: جرمه كذا وكذا وأجرمه إذا أكسبه،
[المحرر الوجيز: 5/7]
كما يقال: كسب وأكسب بمعنى، ومن ذلك قول الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ... جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
وقرأ الجمهور: "يجرمنكم" بفتح الياء، وقرأ الأعمش، وابن وثاب: "يجرمنكم" بضمها، و"شقاقي" معناه: مشاقتي وعداوتي، و"أن" مفعولة بـ "يجرمنكم". وكانت قصة قوم لوط أقرب القصص عهدا بقصة قوم شعيب، وقد يحتمل أن يريد: وما منازل قوم لوط منكم ببعيد، فكأنه قال: وما قوم لوط منكم ببعيد في المسافة، ويتضمن هذا القول ضرب المثل لهم بقوم لوط.
وقرأ الجمهور: "مثل" بالرفع على أنه فاعل "يصيبكم"، وقرأ مجاهد، والجحدري، وابن أبي إسحاق: "مثل" بالنصب؛ وذلك على أحد وجهين: إما أن يكون "مثل" فاعلا، وفتحة اللام فتحة بناء لما أضيف لغير متمكن، فإن "مثل" قد يجري مجرى الظروف في هذا الباب وإن لم يكن ظرفا محضا، وإما أن يقدر الفاعل محذوفا يقتضيه المعنى، ويكون "مثل" منصوبا على النعت لمصدر محذوف تقديره: إصابة مثل). [المحرر الوجيز: 5/8]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {واستغفروا ربكم} الآية. تقدم القول في مثل هذا من ترتيب هذا الاستغفار قبل التوبة، و"ودود" معناه أن أفعاله ولطفه بعباده لما كانت في غاية الإحسان إليهم كانت كفعل من يتودد ويود المصنوع له). [المحرر الوجيز: 5/8]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قالوا يا شعيب} الآية. "نفقه" معناه: نفهم، وهذا نحو قول
[المحرر الوجيز: 5/8]
قريش: قلوبنا في أكنة، ومعنى ما نفقه كثيرا مما تقول: أي ما نفقه صحة قولك، وأما فقههم لفظه ومعناه فمتحصل. وروي عن ابن جبير، وشريك القاضي في قولهم: "ضعيفا" أنه كان ضرير البصر أعمى، وحكى الزهراوي أن حمير تقول للأعمى: ضعيف، كما يقال له: ضرير، وقيل: كان ناحل البدن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله ضعيف ولا تقوم عليه حجة بضعف بصره أو بدنه، والظاهر من قولهم: "ضعيفا" أنه ضعيف الانتصار والقدرة، وأن رهطه الكفرة كانوا يراعون فيه.
و الرهط: جماعة الرجل، ومنه الراهطاء؛ لأن اليربوع يعتصم به كما يفعل الرجل برهطه. و"لرجمناك" قيل: معناه بالحجارة، وهو الظاهر، وقاله ابن زيد. وقيل: معناه: لرجمناك بالسب، وبه فسر الطبري، وهذا أيضا تستعمله العرب، ومنه قوله تعالى: {لأرجمنك واهجرني مليا}، وقولهم: "بعزيز" أي: بذي منعة وعزة ومنزلة في نفوسنا). [المحرر الوجيز: 5/9]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قال يا قوم أرهطي} الآية. "الظهري": الشيء الذي يكون وراء الظهر، وقد يكون الشيء وراء الظهر بوجهين في الكلام: إما بأن يطرح، كما تقول: جعلت كلامي وراء ظهرك ودبر أذنك، ومنه قول الفرزدق:
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي ... بظهر فلا يعيا علي جوابها
[المحرر الوجيز: 5/9]
وإما بأن يسند إليه ويلجأ. ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: "وألجأت ظهري إليك"، فقال جمهور المتأولين في معنى هذه الآية: أنه "واتخذتم الله ظهريا -أي: غير مراعى- وراء الظهر" على معنى الاطراح، ورجحه الطبري.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهو عندي على حذف مضاف ولا بد.
وقال بعضهم: الضمير في قوله: "واتخذتموه" عائد على أمر الله وشرعه، إذ يتضمنه الكلام، وقالت فرقة: المعنى: أترون رهطي أعز عليكم من الله وأنتم تتخذون الله سند ظهوركم وعماد آمالكم؟.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فقول الجمهور على أن كان كفر قوم شعيب جحدا بالله تعالى وجهلا به، وهذا القول الثاني على أنهم كانوا يقرون بالخالق الرازق ويعتقدون الأصنام وسائط ووسائل، ونحو هذا، وهاتان الفرقتان موجودتان في الكفرة، ومن اللفظة: الاستظهار بالبينة، وقد قال ابن زيد: الظهري: الفضل، مثل الجمال يخرج معه بإبل ظهارية يعدها إن احتاج إليها وإلا فهي فضلة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
هذا كله مما يستند إليه.
وقوله: {إن ربي بما تعملون محيط} خبر في ضمنه توعد، ومعناه: محيط علمه وقدرته). [المحرر الوجيز: 5/10]

تفسير قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود}
على مكانتكم معناه: على حالاتكم، وهذا كما تقول: مكانة فلان في العلم فوق مكانة فلان، يستعار من البقاع إلى المعاني. وقرأ الحسن، وأبو عبد الرحمن، وعاصم: "مكانتكم" بالجمع، والجمهور على الإفراد.
وقوله: "اعملوا" تهديد ووعيد، وهو نحو قوله: {اعملوا ما شئتم}. وقوله: {من يأتيه} يجوز أن تكون "من" مفعولة بـ "تعلمون"، والثانية عطف عليها. قال الفراء: ويجوز أن تكون استفهاما في موضع رفع بالابتداء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
الأول أحسن لأنها موصولة ولا توصل في الاستفهام، ويقضي بصلتها أن المعطوفة عليها موصولة لا محالة، والصحيح أن الوقف في قوله: {إني عامل} ثم ابتداء الكلام بالوعيد، و"من" معمولة لـ "تعلمون" وهي موصولة. وقوله: "وارتقبوا" كذلك تهديد أيضا). [المحرر الوجيز: 5/11]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولما جاء أمرنا} الآية. الأمر هاهنا يصح أن يكون مصدر أمر، ويصح أن يكون واحد الأمور. وقوله: {برحمة منا} إما أن يقصد الإخبار عن الرحمة التي لحقت شعيبا لنبوته وحسن عمله وعمل متبعيه، وإما أن يقصد أن النتيجة لم تكن إلا بمجرد رحمة لا بعمل من أعمالهم، وأما "الصيحة" فهي صيحة جبريل عليه السلام، وروي أنه صاح بهم صيحة جثم لها كل واحد منهم في مكانه حيث سمعها ميتا قد تقطعت حجب قلبه. والجثوم أصله في الطائر إذا ضرب بصدره إلى الأرض، ثم يستعمل في غيره إذا كان منه بشبه). [المحرر الوجيز: 5/11]

تفسير قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {كأن لم يغنوا فيها} الآية. الضمير في قوله: "فيها" عائد على "الديار"، و"يغنوا" معناه: يقيمون بنعمة وخفض عيش، ومنه المغاني، وهي المنازل المعمورة بالأهل، وقوله: "ألا" تنبيه للسامع، وقوله: "بعدا" مصدر دعا به، وهذا كما تقول: "سقيا لك، ورعيا لك، وسحقا للكافر" ونحو هذا، وفارقت هذه قولهم: "سلام عليك"، لأن هذا كأنه إخبار عن شيء قد وجب وتحصل، وتلك إنما هي دعاء مترجى، ومعنى البعد في قراءة من قرأ "بعدت" بكسر العين: الهلاك، وهي قراءة الجمهور، ومنه قول خرنق بنت هنان:
لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر
ومنه قول مالك بن الريب:
يقولون لا تبعد وهم يدفنونني ... وأين مكان البعد إلا مكانيا
وأما من قرأ: "بعدت" وهو السلمي، وأبو حيوة- فهو من البعد الذي ضده القرب، ولا يدعى به إلا على مبغوض). [المحرر الوجيز: 5/12]


رد مع اقتباس