عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 04:27 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم نادى {يا صاحبي السجن} ثانية لتجتمع أنفسهما لسماع الجواب، فروي أنه قال لنبو: أما أنت فتعود إلى مرتبتك وسقاية ربك، وقال لمجلث: أما أنت فتصلب، وذلك كله بعد ثلاث، فروي أنهما قالا له: ما رأينا شيئا وإنما تحالمنا لنجربك، وروي أنه لم يقل ذلك إلا الذي حدثه بالصلب، وقيل: كانا رأيا ثم أنكرا.
وقرأت فرقة: "فيسقي ربه" من سقى، وقرأت فرقة: "فيسقى" من أسقى، وهما لغتان لمعنى واحد. وقرأ عكرمة، والجحدري، "فيسقى" بضم الياء وفتح القاف، أي: ما يرويه. وأخبرهما يوسف عليه السلام -عن غيب علمه من قبل الله تعالى- أن الأمر قد قضي ووافق القدر). [المحرر الوجيز: 5/91]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {وقال للذي ظن أنه ناج} الآية. الظن هاهنا بمعنى اليقين؛ لأن ما تقدم من قوله: {قضي الأمر} يلزم ذلك، وهو يقين فيما لم يخرج بعد إلى الوجود، وقال قتادة: الظن هنا على بابه لأن عبارة الرؤيا ظن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقول يوسف عليه السلام: قضي الأمر دال على وحي، ولا يترتب قول قتادة إلا بأن يكون معنى قوله: {قضي الأمر}، أي: قضي كلامي وقلت ما عندي والله أعلم بما يكون بعد.
[المحرر الوجيز: 5/91]
وفي الآية تأويل آخر، وهو: أن يكون "ظن" مسندا إلى الذي قيل له: إنه يسقي ربه خمرا، لأنه دخلته أبهة السرور بما بشر به، وصار في رتبة من يؤمل حين ظن وغلب على معتقده أنه ناج وذلك بخلاف ما نزل بالآخر المعرف بالصلب.
ومعنى الآية: قال يوسف لساقي الملك حين علم أنه سيعود إلى حالته الأولى مع الملك: اذكرني عند الملك، فيحتمل أن يريد أن يذكره بعلمه ومكانته، ويحتمل أن يذكره بمظلمته وما امتحن به بغير حق، أو يذكره بهما.
والضمير في "فأنساه" قيل: هو عائد على يوسف عليه السلام، أي: نسي في ذلك الوقت أن يشتكي إلى الله، وجنح إلى الاعتصام بمخلوق، فروي أن جبريل عليه السلام جاءه فعاتبه عن الله عز وجل في ذلك، وطول سجنه عقوبة على ذلك، وقيل: أوحي إليه: يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا لأطيلن حبسك، وقيل: إن الضمير في "فأنساه" عائد على الساقي، قاله ابن إسحاق، أي: نسي ذكر يوسف عند ربه، فأضاف الذكر إلى ربه إذ هو عنده، والرب - على هذا التأويل: الملك.
والبضع في كلام العرب اختلف فيه -فالأكثر على أنه من الثلاثة إلى العشرة، قاله ابن عباس. وعلى هذا هو فقه مالك رحمه الله في الدعاوي والأيمان، وقال أبو عبيدة: البضع لا يبلغ العقد ولا نصف العقد، وإنما هو من الواحد إلى الأربعة، وقال الأخفش: البضع من الواحد إلى العشرة، وقال قتادة: البضع من الثلاثة إلى التسعة، ويقوي هذا ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق في قصة خطره مع قريش في غلبة الروم لفارس: "أما علمت أن البضع من الثلاث إلى التسع؟!"، وقال مجاهد:
[المحرر الوجيز: 5/92]
من الثلاثة إلى السبعة. قال الفراء: ولا يذكر البضع إلا مع العشرات، لا يذكر مع مائة ولا مع ألف، والذي روي في هذه الآية أن يوسف عليه السلام سجن خمس سنين، ثم نزلت له قصة الفتيين، وعوقب على قوله: {اذكرني عند ربك} بالبقاء في السجن سبع سنين، فكانت مدة سجنه اثنتي عشرة سنة، وقيل: عوقب ببقاء سنتين، وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث"، ثم بكى الحسن وقال: نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس). [المحرر الوجيز: 5/93]

رد مع اقتباس