عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 07:20 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {أفلم يسيروا في الأرض} أي: بأبدانهم وبفكرهم أيضًا، وذلك كافٍ، كما قال ابن أبي الدّنيا في كتاب "التّفكّر والاعتبار":
حدّثنا هارون بن عبد اللّه، حدّثنا سيّار، حدّثنا جعفرٌ، حدّثنا مالك بن دينارٍ قال: أوحى اللّه تعالى إلى موسى، عليه السّلام، أن يا موسى، اتّخذ نعلين من حديدٍ وعصًا، ثمّ سح في الأرض، واطلب الآثار والعبر، حتّى تتخرّق النّعلان وتكسر العصا.
وقال ابن أبي الدّنيا: قال بعض الحكماء: أحي قلبك بالمواعظ، ونوّره بالفكر، وموّته بالزّهد، وقوّه باليقين، وذلّله بالموت، وقرّره بالفناء، وبصّره فجائع الدّنيا، وحذّره صولة الدّهر وفحش تقلّب الأيّام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره ما أصاب من كان قبله، وسر في ديارهم وآثارهم، وانظر ما فعلوا، وأين حلّوا، وعمّ انقلبوا.
أي: فانظروا ما حلّ بالأمم المكذّبة من النّقم والنّكال {فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها} أي: فيعتبرون بها، {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} أي: ليس العمى عمى البصر، وإنّما العمى عمى البصيرة، وإن كانت القوّة الباصرة سليمةً فإنّها لا تنفذ إلى العبر، ولا تدري ما الخبر. وما أحسن ما قاله بعض الشّعراء في هذا المعنى -وهو أبو محمّدٍ عبد اللّه بن محمد بن سارة الأندلسيّ الشّنتريني، وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة:
يا من يصيخ إلى داعي الشقاء، وقد = نادى به الناعيان: الشيب والكبر...
إن كنت لا تسمع الذكرى، ففيم ترى = في رأسك الواعيان: السمع والبصر?...
ليس الأصمّ ولا الأعمى سوى رجل = لم يهده الهاديان: العين والأثر...
لا الدّهر يبقى ولا الدّنيا، ولا الفلك الـ = أعلى ولا النّيّران: الشّمس والقمر...
ليرحلنّ عن الدّنيا، وإن كرها فراقها، الثّاويان: البدو والحضر). [تفسير ابن كثير: 5/ 438-439]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون (47) وكأيّن من قريةٍ أمليت لها وهي ظالمةٌ ثمّ أخذتها وإليّ المصير (48)}.
يقول تعالى لنبيّه، صلوات اللّه وسلامه عليه: {ويستعجلونك بالعذاب} أي: هؤلاء الكفّار الملحدون المكذّبون باللّه وكتابه ورسوله واليوم الآخر، كما قال [اللّه] تعالى: {وإذ قالوا اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ} [الأنفال: 32]، {وقالوا ربّنا عجّل لنا قطّنا قبل يوم الحساب} [ص: 16].
وقوله: {ولن يخلف اللّه وعده} أي: الّذي قد وعد، من إقامة السّاعة والانتقام من أعدائه، والإكرام لأوليائه.
قال الأصمعيّ: كنت عند أبي عمرو بن العلاء، فجاء عمرو بن عبيدٍ، فقال: يا أبا عمرٍو، وهل يخلف اللّه الميعاد؟ فقال: لا. فذكر آية وعيدٍ، فقال له: أمن العجم أنت؟ إنّ العرب تعد الرّجوع عن الوعد لؤمًا، وعن الإيعاد كرمًا، أوما سمعت قول الشّاعر:
لا يرهب ابن العمّ منّي سطوتي = ولا أختتي من سطوة المتهدّد...
فإنّي وإن أوعدته أو وعدته = لمخلف إيعادي ومنجز موعدي...
وقوله: {وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون} أي: هو تعالى لا يعجل، فإنّ مقدار ألف سنةٍ عند خلقه كيومٍ واحدٍ عنده بالنّسبة إلى حكمه، لعلمه بأنّه على الانتقام قادرٌ، وأنّه لا يفوته شيءٌ، وإن أجّل وأنظر وأملى؛ ولهذا قال بعد هذا: {وكأيّن من قريةٍ أمليت لها وهي ظالمةٌ ثمّ أخذتها وإليّ المصير}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثني عبدة بن سليمان، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " يدخل فقراء المسلمين الجنّة قبل الأغنياء بنصف يومٍ، خمسمائة عامٍ".
ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ، من حديث الثّوريّ، عن محمّد بن عمرٍو، به. وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ. وقد رواه ابن جريرٍ، عن أبي هريرة موقوفًا، فقال:
حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا سعيدٌ الجريري، عن أبي نضرة، عن سمير بن نهارٍ قال: قال أبو هريرة: يدخل فقراء المسلمين الجنّة قبل الأغنياء بمقدار نصف يومٍ. قلت: وما نصف يومٍ؟ قال: أوما تقرأ القرآن؟. قلت: بلى. قال: {وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون}.
وقال أبو داود في آخر كتاب الملاحم من سننه: حدّثنا عمرو بن عثمان، حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا صفوان، عن شريح بن عبيد، عن سعد بن أبي وقاص، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إنّي لأرجو ألّا تعجز أمّتي عند ربّها، أن يؤخّرهم نصف يومٍ". قيل لسعدٍ: وما نصف يومٍ؟ قال: خمسمائة سنةٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديّ، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: من الأيّام الّتي خلق الله فيها السموات والأرض.
رواه ابن جريرٍ، عن ابن بشّار، عن ابن مهديٍّ. وبه قال مجاهدٌ، وعكرمة، ونصّ عليه أحمد بن حنبلٍ في كتاب "الرّدّ على الجهميّة".
وقال مجاهدٌ: هذه الآية كقوله: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} [السّجدة: 5].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عارمٌ -محمّد بن الفضل-حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن يحيى بن عتيق، عن محمّد بن سيرين، عن رجلٍ من أهل الكتاب أسلم قال: إن الله تعالى خلق السّموات والأرض في ستّة أيّامٍ، {وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون} وجعل أجل الدّنيا ستّة أيّامٍ، وجعل السّاعة في اليوم السّابع، {وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون}، فقد مضت السّتّة الأيّام، وأنتم في اليوم السّابع. فمثل ذلك كمثل الحامل إذا دخلت شهرها، في أيّة لحظة ولدت كان تماما). [تفسير ابن كثير: 5/ 439-440]

رد مع اقتباس