عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 12:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله: {والّذين ينفقون أموالهم رئاء النّاس} ... ثمّ ذكر الباذلين المرائين الّذي يقصدون بإعطائهم السّمعة وأن يمدحوا بالكرم، ولا يريدون بذلك وجه اللّه، وفي حديث الّذي فيه الثّلاثة الّذين هم أوّل من تسجّر بهم النّار، وهم: العالم والغازي والمنفق، والمراءون بأعمالهم، يقول صاحب المال: ما تركت من شيءٍ تحبّ أن ينفق فيه إلّا أنفقت في سبيلك. فيقول اللّه: كذبت؛ إنّما أردت أن يقال: جوادٌ فقد قيل. أي: فقد أخذت جزاءك في الدّنيا وهو الّذي أردت بفعلك.
وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعديّ: "إنّ أباك رام أمرًا فبلغه".
وفي حديثٍ آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبد اللّه بن جدعان: هل ينفعه إنفاقه، وإعتاقه؟ فقال: "لا إنّه لم يقل يومًا من الدّهر: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدّين".
ولهذا قال: {ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر [ومن يكن الشّيطان له قرينًا فساء قرينًا]} أي: إنّما حملهم على صنيعهم هذا القبيح وعدولهم عن فعل الطّاعة على وجهها الشيطان؛ فإنّه سوّل لهم وأملى لهم، وقارنهم فحسّن لهم القبائح {ومن يكن الشّيطان له قرينًا فساء قرينًا} ولهذا قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه = فكلّ قرينٍ بالمقارن يقتدي). [تفسير القرآن العظيم: 2/303-304]

تفسير قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا ممّا رزقهم الله [وكان اللّه بهم عليمًا]} أي: وأيّ شيءٍ يكرثهم لو سلكوا الطّريق الحميدة، وعدلوا عن الرّياء إلى الإخلاص والإيمان باللّه، ورجاء موعوده في الدّار الآخرة لمن أحسن عملًا وأنفقوا ممّا رزقهم اللّه في الوجوه الّتي يحبّها اللّه ويرضاها.
وقوله: {وكان اللّه بهم عليمًا} أي: وهو عليمٌ بنيّاتهم الصّالحة والفاسدة، وعليمٌ بمن يستحقّ التّوفيق منهم فيوفّقه ويلهمه رشده ويقيّضه لعملٍ صالحٍ يرضى به عنه، وبمن يستحقّ الخذلان والطّرد عن جنابه الأعظم الإلهيّ، الّذي من طرد عن بابه فقد خاب وخسر في الدّنيا والآخرة، عياذًا باللّه من ذلك [بلطفه الجزيل] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/304]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا (40) فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا (41) يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا (42)}
يخبر تعالى أنّه لا يظلم عبدًا من عباده يوم القيامة مثقال حبّة خردلٍ ولا مثقال ذرّةٍ، بل يوفّيها به ويضاعفها له إن كانت حسنةً، كما قال تعالى {ونضع الموازين القسط [ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئًا وإن كان مثقال حبّةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين]} [الأنبياء: 47] وقال تعالى مخبرًا عن لقمان أنّه قال: {يا بنيّ إنّها إن تك مثقال حبّةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ أو في السّماوات أو في الأرض يأت بها اللّه [إنّ اللّه لطيفٌ خبيرٌ]} [لقمان: 16] وقال تعالى: {يومئذٍ يصدر النّاس أشتاتًا ليروا أعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره}
وفي الصّحيحين، من حديث زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيدٍ الخدري، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث الشّفاعة الطويل، وفيه: فيقول اللّه عزّ وجلّ: "ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال حبّة خردلٍ من إيمانٍ، فأخرجوه من النّار". وفي لفظٍ: "أدنى أدنى أدنى مثقال ذرّةٍ من إيمانٍ فأخرجوه من النّار، فيخرجون خلقًا كثيرًا" ثمّ يقول أبو سعيدٍ: اقرؤوا إن شئتم: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ [وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا]}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا عيسى بن يونس، عن هارون بن عنترة عن عبد اللّه بن السّائب، عن زاذان قال: قال عبد اللّه بن مسعود: يؤتى بالعبد والأمة يوم القيامة، فينادي منادٍ على رءوس الأوّلين والآخرين: هذا فلان بن فلانٍ، من كان له حق فليأت إلى حقه.
فتفرح المرأة أن يكون لها الحقّ على أبيها أو أخيها أو زوجها. ثمّ قرأ: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} [المؤمنون:101] فيغفر اللّه من حقّه ما يشاء، ولا يغفر من حقوق النّاس شيئًا، فينصب للنّاس فينادي: هذا فلان بن فلانٍ، من كان له حقٌّ فليأت إلى حقّه. فيقول: ربّ، فنيت الدّنيا، من أين أوتيهم حقوقهم؟ قال: خذوا من أعماله الصّالحة، فأعطوا كل ذي حقّ حقّه بقدر طلبته فإن كان وليًّا للّه ففضل له مثقال ذرّةٍ، ضاعفها اللّه له حتّى يدخله بها الجنّة، ثمّ قرأ علينا: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها} قال: ادخل الجنّة؛ وإن كان عبدًا شقيًّا قال الملك: ربّ فنيت حسناته، وبقي طالبون كثيرٌ؟ فيقول: خذوا من سيّئاتهم فأضيفوها إلى سيّئاته، ثمّ صكّوا له صكًّا إلى النّار.
ورواه ابن جريرٍ من وجهٍ آخر، عن زاذان -به نحوه. ولبعض هذا الأثر شاهدٌ في الحديث الصّحيح.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثتا أبو نعيمٍ، حدّثنا فضيلٌ -يعني ابن مرزوقٍ-عن عطيّة العوفي، حدّثني عبد اللّه بن عمر قال: نزلت هذه الآية في الأعراب: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] قال رجلٌ: فما للمهاجرين يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: ما هو أفضل من ذلك: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا}.
وحدّثنا أبو زرعة، حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله {وإن تك حسنةً يضاعفها} فأمّا المشرك فيخفّف عنه العذاب يوم القيامة، ولا يخرج من النّار أبدًا. وقد استدلّ له بالحديث الصّحيح أنّ العبّاس قال: يا رسول اللّه، إن أبا طالبٍ كان يحوطك وينصرك فهل نفعته بشيءٍ؟ قال: "نعم هو في ضحضاح من نارٍ، ولولا أنا لكان في الدّرك الأسفل من النّار".
وقد يكون هذا خاصًّا بأبي طالبٍ من دون الكفّار، بدليل ما رواه أبو داود الطّيالسي في سننه حدّثنا عمران، حدّثنا قتادة، عن أنسٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ اللّه لا يظلم المؤمن حسنةً، يثاب عليها الرّزق في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة، وأمّا الكافر فيطعم بها في الدّنيا، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنةٌ".
وقال أبو هريرة، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن وقتادة والضحاك، في قوله: {ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} يعني: الجنّة.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا سليمان -يعني ابن المغيرة-عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي عثمان قال: بلغني عن أبي هريرة أنّه قال: بلغني أنّ اللّه تعالى يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنةٍ. قال: فقضي أنّي انطلقت حاجًّا أو معتمرًا، فلقيته فقلت: بلغني عنك حديثٌ أنّك تقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ اللّه يعطى عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنةٍ" قال أبو هريرة: لا بل سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ اللّه عزّ وجلّ يعطيه ألفي ألف حسنةٍ" ثمّ تلا {يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} فمن يقدّره قدره .
رواه الإمام أحمد فقال: حدّثنا يزيد، حدّثنا مبارك بن فضالة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي عثمان قال: أتيت أبا هريرة فقلت له: بلغني أنّك تقول: إنّ الحسنة تضاعف ألف ألف حسنةٍ؟ قال: وما أعجبك من ذلك؟ فواللّه لقد سمعت -يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم-كذا قال أبي -يقول: "إنّ اللّه ليضاعف الحسنة ألفي ألف حسنةٍ".
عليّ بن زيدٍ في أحاديثه نكارةٌ، فاللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/304-306]

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} يقول تعالى -مخبرًا عن هول يوم القيامة وشدّة أمره وشأنه: فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة وحين يجيء من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ -يعني الأنبياء عليهم السّلام؟ كما قال تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربّها ووضع الكتاب وجيء بالنّبيّين والشّهداء [وقضي بينهم بالحقّ وهم لا يظلمون]} [الزّمر: 69] وقال تعالى: {ويوم نبعث في كلّ أمّةٍ شهيدًا عليهم من أنفسهم [وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكلّ شيءٍ وهدًى ورحمةً وبشرى للمسلمين]} [النّحل: 89].
قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم "اقرأ عليّ" قلت: يا رسول اللّه، آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "نعم، إنّي أحبّ أنّ أسمعه من غيري" فقرأت سورة النّساء، حتّى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: "حسبك الآن" فإذا عيناه تذرفان.
ورواه هو ومسلمٌ أيضًا من حديث الأعمش، به وقد روي من طرقٍ متعدّدةٍ عن ابن مسعودٍ، فهو مقطوعٌ به عنه. ورواه أحمد من طريق أبي حيّان، وأبي رزين، عنه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو بكر بن أبي الدّنيا، حدّثنا الصّلت بن مسعود الجحدري، حدّثنا فضيل بن سليمان، حدّثنا يونس بن محمّد بن فضالة الأنصاريّ، عن أبيه قال -وكان أبي ممّن صحب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاهم في بني ظفر، فجلس على الصّخرة الّتي في بني ظفرٍ اليوم، ومعه ابن مسعودٍ ومعاذ بن جبلٍ وناسٌ من أصحابه، فأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قارئًا فقرأ، فأتى على هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى اضطرب لحياه وجنباه، فقال: "يا ربّ هذا شهدت على من أنا بين ظهريه، فكيف بمن لم أره؟ ".
وقال ابن جريرٍ: حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الزّهريّ، حدّثنا سفيان، عن المسعوديّ، عن جعفر بن عمرو بن حريثٍ عن أبيه عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ- {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ} قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "شهيدٌ عليهم ما دمت فيهم، فإذا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم".
وأمّا ما ذكره أبو عبد اللّه القرطبي في "التّذكرة" حيث قال: باب ما جاء في شهادة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أمته: قال: أخبرنا ابن المبارك، أخبرنارجل من الأنصار، عن المنهال بن عمرٍو، حدّثه أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول: ليس من يومٍ إلّا تعرض على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّته غدوة وعشيّة، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم، يقول اللّه تعالى: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} فإنّه أثرٌ، وفيه انقطاعٌ، فإنّ فيه رجلًا مبهمًا لم يسمّ، وهو من كلام سعيد بن المسيّب لم يرفعه. وقد قبله القرطبيّ فقال بعد إيراده: [قد تقدّم] أنّ الأعمال تعرض على اللّه كلّ يوم اثنين وخميسٍ، وعلى الأنبياء والآباء والأمّهات يوم الجمعة. قال: ولا تعارض، فإنّه يحتمل أن يخصّ نبيّنا بما يعرض عليه كلّ يومٍ، ويوم الجمعة مع الأنبياء، عليهم السّلام). [تفسير القرآن العظيم: 2/306307]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض} أي: لو انشقّت وبلعتهم، ممّا يرون من أهوال الموقف، وما يحلّ بهم من الخزي والفضيحة والتّوبيخ، كقوله: {يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه [ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا]} وقوله {ولا يكتمون اللّه حديثًا} أخبر عنهم بأنّهم يعترفون بجميع ما فعلوه، ولا يكتمون منه شيئًا.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميد، حدّثنا حكّام، حدّثنا عمرٌو، عن مطرّف، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير قال: أتى رجلٌ ابن عبّاسٍ فقال: سمعت اللّه، عزّ وجلّ، يقول -يعني إخبارًا عن المشركين يوم القيامة أنّهم قالوا-: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] وقال في الآية الأخرى: {ولا يكتمون اللّه حديثًا} فقال ابن العبّاس: أمّا قوله: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} فإنّهم لمّا رأوا أنّه لا يدخل الجنّة إلّا أهل الإسلام قالوا: تعالوا فلنجحد، فقالوا: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} فختم اللّه على أفواههم، وتكلّمت أيديهم وأرجلهم {ولا يكتمون اللّه حديثًا}
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمرٌ، عن رجلٍ عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ فقال: أشياءٌ تختلف عليّ في القرآن. قال: ما هو؟ أشكّ في القرآن؟ قال: ليس هو بالشّكّ. ولكن اختلافٌ. قال: فهات ما اختلف عليك من ذلك. قال: أسمع اللّه يقول: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] وقال {ولا يكتمون اللّه حديثًا}؛ فقد كتموا! فقال ابن عبّاسٍ: أمّا قوله: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} فإنّهم لمّا رأوا يوم القيامة أنّ اللّه لا يغفر إلّا لأهل الإسلام ويغفر الذّنوب ولا يغفر شركًا، ولا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره، جحد المشركون، فقالوا: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين}؛ رجاء أن يغفر لهم. فختم اللّه على أفواههم، وتكلّمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك: {يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا}
وقال جويبرٌ عن الضّحّاك: إنّ نافع بن الأزرق أتى ابن عبّاسٍ فقال: يا ابن عبّاسٍ، قول اللّه: {يومئذٍ يودّ الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون اللّه حديثًا} وقوله {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين}؟ فقال له ابن عبّاسٍ: إنّي أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت ألقي على ابن عبّاسٍ متشابه القرآن. فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أنّ اللّه جامع النّاس يوم القيامة في بقيعٍ واحدٍ. فيقول المشركون: إن اللّه لا يقبل من أحدٍ شيئًا إلّا ممّن وحّده، فيقولون: تعالوا نقل فيسألهم فيقولون: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} قال: فيختم على أفواههم، وتستنطق جوارحهم، فتشهد عليهم جوارحهم أنّهم كانوا مشركين. فعند ذلك تمنّوا لو أنّ الأرض سوّيت بهم {ولا يكتمون اللّه حديثًا} رواه ابن جريرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/307-308]

رد مع اقتباس