عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25 ذو الحجة 1439هـ/5-09-2018م, 07:53 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين هاجروا في اللّه من بعد ما ظلموا لنبوّئنّهم في الدّنيا حسنةً ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (41) الّذين صبروا وعلى ربّهم يتوكّلون (42)}
يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته، الّذين فارقوا الدّار والإخوان والخلّان، رجاء ثواب اللّه وجزائه.
ويحتمل أن يكون سبب نزول هذه الآية الكريمة في مهاجرة الحبشة الذي اشتدّ أذى قومهم لهم بمكّة، حتّى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة، ليتمكّنوا من عبادة ربّهم، ومن أشرافهم: عثمان بن عفّان، ومعه زوجته رقيّة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وجعفر بن أبي طالبٍ، ابن عمّ الرّسول وأبو سلمة بن عبد الأسد في جماعةٍ قريبٍ من ثمانين، ما بين رجلٍ وامرأةٍ، صدّيقٍ وصدّيقةٍ، رضي اللّه عنهم وأرضاهم. وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدّنيا والآخرة فقال: {لنبوّئنّهم في الدّنيا حسنةً} قال ابن عبّاسٍ والشّعبيّ، وقتادة: المدينة. وقيل: الرّزق الطّيّب، قاله مجاهدٌ.
ولا منافاة بين القولين، فإنّهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوّضهم اللّه خيرًا منها في الدّنيا، فإنّ من ترك شيئًا للّه عوّضه اللّه بما هو خيرٌ له منه وكذلك وقع فإنهم مكن الله لهم في البلاد وحكّمهم على رقاب العباد، فصاروا أمراء حكّامًا، وكلٌّ منهم للمتّقين إمامًا، وأخبر أنّ ثوابه للمهاجرين في الدّار الآخرة أعظم ممّا أعطاهم في الدّنيا، فقال: {ولأجر الآخرة أكبر} أي: ممّا أعطيناهم في الدّنيا {لو كانوا يعلمون} أي: لو كان المتخلّفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادّخر اللّه لمن أطاعه واتّبع رسوله؛ ولهذا قال هشيم، عن العوّام، عمّن حدّثه؛ أنّ عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، كان إذا أعطى الرّجل من المهاجرين عطاءه يقول: خذ بارك اللّه لك فيه، هذا ما وعدك اللّه في الدّنيا، وما ادّخر لك في الآخرة أفضل، ثمّ قرأ هذه الآية: {لنبوّئنّهم في الدّنيا حسنةً ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 572-573]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ وصفهم تعالى فقال: {الّذين صبروا وعلى ربّهم يتوكّلون} أي: صبروا على أقلّ من آذاهم من قومهم، متوكّلين على اللّه الّذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 573]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون (43) بالبيّنات والزّبر وأنزلنا إليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نزل إليهم ولعلّهم يتفكّرون (44)}
قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: لمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم رسولًا أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا: اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرًا. فأنزل اللّه: {أكان للنّاس عجبًا أن أوحينا إلى رجلٍ منهم} [يونس: 2]، وقال {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} يعني: أهل الكتب الماضية: أبشر كانت الرّسل الّتي أتتكم أم ملائكةً؟ فإن كانوا ملائكةً أنكرتم، وإن كانوا بشرًا فلا تنكروا أن يكون محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم رسولًا؟ [و] قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} ليسوا من أهل السّماء كما قلتم.
وهكذا روي عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ المراد بأهل الذّكر: أهل الكتاب. وقاله مجاهدٌ، والأعمش.
وقول عبد الرّحمن بن زيدٍ -الذّكر: القرآن واستشهد بقوله: {إنّا نحن نزلنا الذّكر وإنّا له لحافظون} [الحجر: 9]-صحيحٌ، [و] لكن ليس هو المراد هاهنا؛ لأنّ المخالف لا يرجع في إثباته بعد إنكاره إليه.
وكذا قول أبي جعفرٍ الباقر: "نحن أهل الذّكر" -ومراده أنّ هذه الأمّة أهل الذّكر- صحيحٌ، فإنّ هذه الأمّة أعلم من جميع الأمم السّالفة، وعلماء أهل بيت الرّسول، عليهم السلام والرحمة، من خير العلماء إذا كانوا على السّنّة المستقيمة، كعليٍّ، وابن عبّاسٍ، وبني عليٍّ: الحسن والحسين، ومحمّد بن الحنفيّة، وعليّ بن الحسين زين العابدين، وعليّ بن عبد اللّه بن عبّاسٍ، وأبي جعفرٍ الباقر -وهو محمّد بن عليّ بن الحسين- وجعفرٍ ابنه، وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم، ممّن هو متمسّكٌ بحبل اللّه المتين وصراطه المستقيم، وعرف لكل ذي حقٍّ حقّه، ونزل كلٌّ المنزل الّذي أعطاه اللّه ورسوله واجتمع إليه قلوب عباده المؤمنين.
والغرض أنّ هذه الآية الكريمة أخبرت أنّ الرّسل الماضين قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا بشرًا كما هو بشرٌ، كما قال تعالى: {قل سبحان ربّي هل كنت إلا بشرًا رسولا وما منع النّاس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث اللّه بشرًا رسولا} [الإسراء: 93، 94] وقال تعالى: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق} [الفرقان: 20] وقال {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام وما كانوا خالدين [ثمّ صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين]} [الأنبياء: 8، 9]، وقال: {قل ما كنت بدعًا من الرّسل} [الأحقاف: 9]، وقال تعالى: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ} [الكهف: 110].
ثمّ أرشد اللّه تعالى من شكّ في كون الرّسل كانوا بشرًا، إلى سؤال أصحاب الكتب المتقدّمة عن الأنبياء الّذين سلفوا: هل كان أنبياؤهم بشرًا أو ملائكةً؟). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 573-574]

تفسير قوله تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ذكر تعالى أنّه أرسلهم {بالبيّنات} أي: بالدّلالات والحجج، {والزّبر} وهي الكتب. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والضّحّاك، وغيرهم.
والزّبر: جمع زبورٍ، تقول العرب: زبرت الكتاب إذا كتبته، وقال تعالى: {وكلّ شيءٍ فعلوه في الزّبر} [القمر: 52] وقال: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105].
ثمّ قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذّكر} يعني: القرآن، {لتبيّن للنّاس ما نزل إليهم} من ربّهم، أي: لعلمك بمعنى ما أنزل عليك، وحرصك عليه، واتّباعك له، ولعلمنا بأنّك أفضل الخلائق وسيّد ولد آدم، فتفصّل لهم ما أجمل، وتبيّن لهم ما أشكل: {ولعلّهم يتفكّرون} أي: ينظرون لأنفسهم فيهتدون، فيفوزون بالنّجاة في الدارين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 574]

رد مع اقتباس