عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 06:42 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولما فصلت العير} الآية، معناه: فصلت العير من مصر متوجهة إلى موضع يعقوب حسبما اختلف فيه، فقيل: كان على مقربة من بيت المقدس، وقيل: كان بالجزيرة، والأول أصح، لأن آثارهم وقبورهم حتى الآن هناك. وروي أن يعقوب وجد ريح يوسف وبينه وبين القميص مسيرة ثمانية أيام، قاله ابن عباس، وقال: هاجت ريح فحملت عرفه، وروي أنه كان بينهما ثمانون فرسخا، قاله الحسن، وابن جريج، قال: وقد كان فارقه قبل ذلك سبعا وسبعين سنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قريب من الأول. وروي أنه كان بينهما مسيرة ثلاثين يوما، قاله الحسن بن أبي الحسن، وروي عن أبي أيوب الهوزني أن الريح استأذنت في أن توصل عرف يوسف إلى يعقوب، فأذن لها في ذلك، وكانت مخاطبة يعقوب هذه لحاضريه، وروي أنهم كانوا حفدته، وقيل: كانوا بعض بنيه، وقيل: كانوا قرابته.
[المحرر الوجيز: 5/147]
و"تفندون" معناه: تردون رأيي وتدفعون في صدري، وهذا هو التفنيد في اللغة، ومن ذلك قول الشاعر:
يا عاذلي دعا لومي وتفنيدي ... فليس ما فات من أمري بمردود
ويقال: "أفند الدهر فلانا" إذا أفسده، قال ابن مقبل:
دع الدهر يفعل ما أراد فإنه ... إذا كلف الإفناد بالناس أفندا
ومما يعطي أن الفند: الفساد في الجملة قول النابغة:
إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحددها عن الفند
وقال منذر بن سعيد: يقال: شيخ مفند، أي قد فسد رأيه، ولا يقال: عجوز.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والتفنيد يقع إما لجهل المفند، وإما لهوى غلبه، وإما لكذبه، وإما لضعفه وعجزه لذهاب عقله وهرمه، فلهذا فسر الناس التفنيد في هذه الآية بهذه المعاني، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "أو هرما مفندا"، قال ابن عباس، ومجاهد وقتادة: معناه:
[المحرر الوجيز: 5/148]
تسفهون، وقال ابن عباس رضي الله عنهما- أيضا: تجهلون، وقال ابن جبير، وعطاء: معناه: تكذبون، وقال ابن إسحاق: معناه: تضعفون، وقال ابن زيد، ومجاهد: معناه: تقولون ذهب عقلك، وقال الحسن: معناه: تهرمون.
والذي يشبه أن تفنيدهم ليعقوب عليه السلام إنما كان لأنهم كانوا يعتقدون أن هواه قد غلبه في جانب يوسف عليه السلام، قال الطبري: أصل التفنيد الإفساد). [المحرر الوجيز: 5/149]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقولهم: {لفي ضلالك} يريدون: انتكافك وتحيرك، وليس هو بالضلال الذي هو في العرف ضد الرشاد، لأن ذلك من الجفاء الذي لا يسوغ لهم مواجهته به، وقد تأول بعض الناس على ذلك، ولهذا قال قتادة رحمه الله: قالوا لوالدهم كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ولا لنبي الله عليه السلام. وقال ابن عباس: المعنى: لفي خطئك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكان حزن يعقوب قد تجدد بقصة (يامين)، فلذلك يقال له: ذو الحزنين). [المحرر الوجيز: 5/149]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا}
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن البشير كان يهوذا لأنه كان جاء بقميص الدم.
[المحرر الوجيز: 5/149]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
حدثني أبي رضي الله عنه قال: سمعت الواعظ أبا الفضل بن الجوهري على المنبر بمصر يقول: إن يوسف عليه السلام لما قال: اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي قال يهوذا: قد علمت أني ذهبت إليه بقميص الترحة فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة، فتركوه وذلك. وقال هذا المعنى السدي.
و"ارتد" معناه: رجع هو، يقال: ارتد الرجل ورده غيره، و"بصيرا" معناه: مبصرا. ثم وقفهم على قوله لهم: {إني أعلم من الله ما لا تعلمون}، وهذا -والله أعلم- هو انتظاره لتأويل الرؤيا، ويحتمل أن يشير إلى حسن ظنه بالله تعالى فقط. وروي: أنه قال للبشير: على أي دين تركت يوسف؟ قال: على الإسلام، قال: الحمد لله، الآن تمت النعمة. وفي مصحف ابن مسعود رضي الله عنه: "فلما أن جاء البشير من بين يدي العير، وحكى الطبري عن بعض النحويين أنه قال: "أن" في قوله: {فلما أن جاء البشير} زائدة، والعرب تزيدها أحيانا في الكلام بعد "لما" وبعد (حتى) فقط، تقول: لما جئت كان كذا، ولما أن جئت، وكذلك تقول: ما قام زيد حتى قمت، وحتى أن قمت). [المحرر الوجيز: 5/150]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين}.
روي أن يوسف عليه السلام لما غفر لإخوته وتحققوا أيضا أن يعقوب يغفر لهم قال بعضهم لبعض: ما يغني عنا هذا إن لم يغفر الله لنا، فطلبوا حينئذ من يعقوب أن يطلب لهم المغفرة من الله تعالى، واعترفوا بالخطأ، فقال لهم يعقوب: {سوف أستغفر لكم ربي}). [المحرر الوجيز: 5/150]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : ({سوف أستغفر لكم ربي}، قالت فرقة: سوفهم إلى السحر، وروي عن محارب بن دثار أنه قال: كان عم لي يأتي المسجد، فسمع إنسانا يقول: "اللهم دعوتني فأجبت، وأجبتني فأطعت، وهذا سحر فاغفر لي"، فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود، فسئل عبد الله بن مسعود عن ذلك فقال: إن يعقوب عليه السلام أخر بنيه إلى السحر، ويقوي هذا التأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا كل ليلة إذا كان الثلث الآخر إلى سماء الدنيا فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له" الحديث، ويقويه قوله تبارك
[المحرر الوجيز: 5/150]
وتعالى: {والمستغفرين بالأسحار}. وقالت فرقة: إنما سوفهم يعقوب إلى قيام الليل، وقالت فرقة -منهم سعيد بن جبير -: سوفهم يعقوب إلى الليالي البيض، فإن الدعاء فيهن يستجاب، وقيل: إنما أخرهم إلى ليلة الجمعة، وروى ابن عباس هذا التأويل عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أخرهم يعقوب حتى تأتي له الجمعة".
ثم رجاهم يعقوب عليه السلام بقوله: {إنه هو الغفور الرحيم}). [المحرر الوجيز: 5/151]


رد مع اقتباس