عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:35 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ (41) وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال ونادى نوحٌ ابنه وكان في معزلٍ يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (42) قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (43)}
يقول تعالى إخبارًا عن نوحٍ، عليه السّلام، أنّه قال للّذين أمر بحملهم معه في السّفينة: {اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها} أي: بسم اللّه يكون جريها على وجه الماء، وبسم اللّه يكون منتهى سيرها، وهو رسوها.
وقرأ أبو رجاءٍ العطاردي: "بسم الله مجريها ومرسيها".
وقال اللّه تعالى: {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد للّه الّذي نجّانا من القوم الظّالمين وقل ربّ أنزلني منزلا مباركًا وأنت خير المنزلين} [المؤمنون:28، 29]؛ ؛ ولهذا تستحبّ التّسمية في ابتداء الأمور: عند الرّكوب على السّفينة وعلى الدّابّة، كما قال تعالى: {والّذي خلق الأزواج كلّها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثمّ تذكروا نعمة ربّكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون} [الزّخرف:12 -14]، وجاءت السّنّة بالحثّ على ذلك، والنّدب إليه، كما سيأتي في سورة "الزّخرف"، إن شاء اللّه وبه الثّقة.
وقال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا إبراهيم بن هاشمٍ البغويّ، حدّثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ -وحدّثنا زكريّا بن يحيى السّاجيّ، حدّثنا محمّد بن موسى الحرشي -قالا حدّثنا عبد الحميد بن الحسن الهلاليّ، عن نهشل بن سعيدٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أمان أمّتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا: بسم اللّه الملك، {وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون} [الزّمر: 67]، {بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ}.
وقوله: {إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ} مناسبٌ عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين ذكر أنّه غفورٌ رحيمٌ، كما قال: {إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ} [الأعراف: 167]، وقال: {وإنّ ربّك لذو مغفرةٍ للنّاس على ظلمهم وإنّ ربّك لشديد العقاب} [الرّعد: 6]، إلى غير ذلك من الآيات الّتي يقرن فيها بين انتقامه ورحمته). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 322-323]

تفسير قوله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال} أي: السّفينة سائرةٌ بهم على وجه الماء، الّذي قد طبّق جميع الأرض، حتّى طفت على رءوس الجبال، وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعًا، وقيل: بثمانين ميلًا وهذه السّفينة على وجه الماء سائرةٌ بإذن اللّه وتحت كنفه وعنايته وحراسته وامتنانه كما قال تعالى: {إنّا لمّا طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرةً وتعيها أذنٌ واعيةٌ} [الحاقّة: 11، 12]، وقال تعالى: {وحملناه على ذات ألواحٍ ودسرٍ * تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر * ولقد تركناها آيةً فهل من مدّكرٍ} [القمر: 13 -15].
وقوله: {ونادى نوحٌ ابنه وكان في معزلٍ يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} هذا هو الابن الرّابع، واسمه "يامٌ"، وكان كافرًا، دعاه أبوه عند ركوب السّفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 323]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء} وقيل: إنّه اتّخذ له مركبًا من زجاج، وهذا من الإسرائيليّات، واللّه أعلم بصحّته. والّذي نصّ عليه القرآن أنّه قال: {قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء} اعتقد بجهله أنّ الطّوفان لا يبلغ إلى رءوس الجبال، وأنّه لو تعلّق في رأس جبلٍ لنجّاه ذلك من الغرق، فقال له أبوه نوحٌ، عليه السّلام: {لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم} أي: ليس شيءٌ يعصم اليوم من أمر اللّه. وقيل: إنّ عاصمًا بمعنى معصومٍ، كما يقال: "طاعمٌ وكاسٍ"، بمعنى مطعومٍ ومكسوّ، {وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 323]

تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدًا للقوم الظّالمين (44)}
يخبر تعالى أنّه لمّا غرق أهل الأرض إلّا أصحاب السّفينة، أمر الأرض أن تبلع ماءها الّذي نبع منها واجتمع عليها، وأمر السّماء أن تقلع عن المطر، {وغيض الماء} أي: شرع في النّقص، {وقضي الأمر} أي: فرغ من أهل الأرض قاطبةً، ممّن كفر باللّه، لم يبق منهم ديّار، {واستوت} السّفينة بمن فيها {على الجوديّ} قال مجاهدٌ: وهو جبلٌ بالجزيرة، تشامخت الجبال يومئذٍ من الغرق وتطاولت، وتواضع هو للّه عزّ وجلّ، فلم يغرق، وأرست عليه سفينة نوحٍ عليه السّلام.
وقال قتادة: استوت عليه شهرًا حتّى نزلوا منها، قال قتادة: قد أبقى اللّه سفينة نوحٍ، عليه السّلام، على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وآيةً حتّى رآها أوائل هذه الأمّة، وكم من سفينةٍ قد كانت بعدها فهلكت، وصارت رمادًا.
وقال الضّحّاك: الجوديّ: جبلٌ بالموصل: وقال بعضهم: هو الطّور.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن رافعٍ، حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، عن توبة بن سالمٍ قال: رأيت زرّ بن حبيش يصلّي في الزّاوية حين يدخل من أبواب كندة على يمينك فسألته إنّك لكثير الصّلاة هاهنا يوم الجمعة:! قال: بلغني أنّ سفينة نوحٍ أرست من هاهنا.
وقال علباء بن أحمد، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان مع نوحٍ في السّفينة ثمانون رجلًا معهم أهلوهم، وإنّهم كانوا في السّفينة مائةً وخمسين يومًا، وإنّ اللّه وجّه السّفينة إلى مكّة فدارت بالبيت أربعين يومًا، ثمّ وجّهها اللّه إلى الجوديّ فاستقرّت عليه، فبعث نوحٌ الغراب ليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزّيتون، ولطّخت رجليها بالطّين، فعرف نوحٌ، عليه السّلام، أنّ الماء قد نضب، فهبط إلى أسفل الجوديّ، فابتنى قريةً وسمّاها ثمانين، فأصبحوا ذات يومٍ وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغةً، إحداها اللّسان العربيّ. فكان بعضهم لا يفقه كلام بعضٍ، وكان نوحٌ عليه السّلام يعبّر عنهم.
وقال كعب الأحبار: إنّ السّفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن تستقرّ على الجوديّ.
وقال قتادة وغيره: ركبوا في عاشر شهر رجبٍ فساروا مائةً وخمسين واستقرّت بهم على الجوديّ شهرًا، وكان خروجهم من السّفينة في يوم عاشوراء من المحرّم. وقد ورد نحو هذا في حديثٍ مرفوعٍ رواه ابن جريرٍ. وأنّهم صاموا يومهم ذاك، فاللّه أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو جعفرٍ، حدّثنا عبد الصّمد بن حبيب الأزديّ، عن أبيه حبيب بن عبد اللّه، عن شبيل، عن أبي هريرة قال: مرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأناسٍ من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال: ما هذا الصّوم؟ قالوا: هذا اليوم الّذي نجّى اللّه موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يومٌ استوت فيه السّفينة على الجوديّ، فصامه نوحٌ وموسى، عليهما السّلام، شكرًا للّه عزّ وجلّ. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنا أحقّ بموسى، وأحقّ بصوم هذا اليوم". فصام، وقال لأصحابه: "من كان أصبح منكم صائمًا فليتمّ صومه، ومن كان أصاب من غذاء أهله، فليتمّ بقيّة يومه"
وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، ولبعضه شاهدٌ في الصّحيح.
وقوله: {وقيل بعدًا للقوم الظّالمين} أي: هلاكًا وخسارًا لهم وبعدًا من رحمة اللّه، فإنّهم قد هلكوا عن آخرهم، فلم يبق لهم بقيّةٌ.
وقد روى الإمام أبو جعفر بن جريرٍ والحبر أبو محمّد بن أبي حاتمٍ في تفسيريهما من حديث موسى بن يعقوب الزّمعيّ، عن قائدٍ -مولى عبيد اللّه بن أبي رافعٍ -أنّ إبراهيم بن عبد الرّحمن بن أبي ربيعة أخبره: أنّ عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبرته: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لو رحم اللّه من قوم نوحٍ أحدًا لرحم أمّ الصّبيّ"، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كان نوحٌ، عليه السّلام، مكث في قومه ألف سنةٍ [إلّا خمسين عامًا]، يعني وغرس مائة سنةٍ الشّجر، فعظمت وذهبت كلّ مذهبٍ، ثمّ قطعها، ثمّ جعلها سفينةً ويمرّون عليه ويسخرون منه ويقولون: تعمل سفينةً في البرّ، فكيف تجري؟ قال: سوف تعلمون. فلمّا فرغ ونبع الماء، وصار في السّكك خشيت أمّ الصّبيّ عليه، وكانت تحبّه حبًّا شديدًا، فخرجت إلى الجبل، حتّى بلغت ثلثه فلمّا بلغها الماء [ارتفعت حتّى بلغت ثلثيه، فلمّا بلغها الماء] خرجت به حتّى استوت على الجبل، فلمّا بلغ رقبتها رفعته بيديها فغرقا فلو رحم اللّه منهم أحدًا لرحم أمّ الصّبيّ".
وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، وقد روي عن كعب الأحبار، ومجاهد بن جبرٍ قصة هذا الصّبيّ وأمّه بنحوٍ من هذا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 323-325]


رد مع اقتباس