عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:34 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ (41) وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال ونادى نوحٌ ابنه وكان في معزلٍ يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (42)
المعنى وقال نوح- حين أمر بالحمل في السفينة- لمن آمن معه: اركبوا فيها فأنث الضمير، إذ هي سفينة لأن الفلك المذكور مذكر.
وفي مصحف أبيّ «على اسم الله». وقوله: بسم اللّه يصح أن يكون في موضع الحال من الضمير الذي في قوله: اركبوا كما تقول: خرج زيد بثيابه وبسلاحه، أي اركبوا متبركين بالله تعالى، ويكون قوله: مجراها ومرساها ظرفين، أي وقت إجرائها وإرسائها. كما تقول العرب: الحمد لله سرارك وإهلالك وخفوق النجم ومقدم الحاج، فهذه ظرفية زمان، والعامل في هذا الظرف ما في بسم اللّه من معنى الفعل، ويصح أن يكون قوله: بسم اللّه في موضع خبر ومجراها ومرساها ابتداء مصدران كأنه قال: اركبوا فيها فإن ببركة الله إجراءها وإرساءها، وتكون هذه الجملة- على هذا- في موضع حال من الضمير في قوله فيها، ولا يصح أن يكون حالا من الضمير في قوله: اركبوا لأنه لا عائد في الجملة يعود عليه: وعلى هذا التأويل قال الضحاك: إن نوحا كان إذا أراد جري السفينة قال: بسم اللّه، فتجري وإذا أراد وقوفها قال: بسم اللّه فتقف.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- في رواية أبي بكر وابن عامر: «مجراها ومرساها» بضم الميمين على معنى إجرائها وإرسائهما، وهي قراءة مجاهد وأبي رجاء والحسن والأعرج وشيبة وجمهور الناس، ومنه قول لبيد: [الكامل]
وعمرت حرسا قبل مجرا داحس = لو كان للنفس اللجوج خلود
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: «مجراها» بفتح الميم وكسر الراء، وكلهم ضم الميم من «مرساها» وقرأ الأعمش وابن مسعود «مجراها ومرساها» بفتح الميمين، وذلك من الجري والرسو وهذه ظرفية مكان، ومن ذلك قول عنترة: [الكامل]
فصبرت نفسا عند ذلك حرة = ترسو إذا نفس الجبان تطلع
واختار الطبري قراءة «مجراها» بفتح الميم الأولى وضم الثانية، ورجحها بقوله تعالى: وهي تجري، ولم يقرأ أحد، «تجري» وهي قراءة ابن مسعود أيضا رواها عنه أبو وائل ومسروق. وقرأ ابن وثاب وأبو رجاء العطاري والنخعي والجحدري والكلبي والضحاك بن مزاحم ومسلم بن جندب وأهل الشام: «مجريها ومرسيها» وهما على هذه القراءة صفتان لله تعالى عائدتان على ذكره في قوله بسم اللّه.
وقوله سبحانه إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ تنبيه لهم على قدر نعم الله عليهم ورحمته لهم وستره عليهم وغفرانه ذنوبهم بتوبتهم وإنابتهم). [المحرر الوجيز: 4/ 578-580]

تفسير قوله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وهي تجري بهم الآية، روي أن السماء أمطرت بأجمعها حتى لم يكن في الهواء جانب لا مطرفيه، وتفجّرت الأرض كلها بالنبع، فهكذا كان التقاء الماء، وروي أن الماء علا على الجبال وأعلى الأرض أربعين ذراعا وقيل خمسة عشرة ذراعا وأشار الزجاج وغيره إلى أن الماء انطبق: ماء الأرض وماء السماء فصار الكل كالبحر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وأين كان الموج كالجبال على هذا؟ وكيف استقامت حياة من في السفينة على هذا؟.
وقرأت فرقة: «ابنه» على إضافة الابن إلى نوح، وهذا قول من يقول: هو ابنه لصلبه، وقد قال قوم: إنه ابن قريب له ودعاه بالنبوة حنانا منه وتلطفا، وقرأ ابن عباس «ابنه» بسكون الهاء، وهذا على لغة لأزد السراة ومنه قول الشاعر: [الطويل]
... ... ... ... = مطواي مشتاقان له أرقان
وقرأ السدي «ابناه» قال أبو الفتح: ذلك على النداء وذهبت فرقة إلى أن ذلك على جهة الندبة محكية، وقرأ عروة بن الزبير وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنها وتأولوا على أنه دعا ابن امرأته الكافرة إذ قد تقدم ذكرها في قوله: {وأهلك}، وعلى هذه القراءة يدخل تأويل من قال: كانت خائنة فيه، وسيأتي ذكر هذا بعد، وقرأ علي بن أبي طالب أيضا وأبو جعفر وجعفر بن محمد «ابنه» على تقدير ابنها، فحذف الألف تخفيفا وهي لغة ومنها قول الشاعر: [البسيط]
أما تقود به شاة فتأكلها = أو أن تبيعه في نقض الأزاكيب
وأنشد ابن الأعرابي على هذا:
فلست بمدرك ما فات مني = بلهف ولا بليت ولا لواني
يريد: بلهفا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وخطأ النحاس أبا حاتم في حذف هذه الألف وليس كما قال.
وقرأ وكيع بن الجراح: «ونادى نوح ابنه» بضم التنوين، قال أبو حاتم: وهي لغة سوء لا تعرف.
وقوله: في معزلٍ أي في ناحية، فيمكن أن يريد في معزل في الدين، ويمكن أن يريد في معزل في بعده عن السفينة، واللفظ يعمهما: وقال مكي في المشكل: ومن قال: «معزل» - بكسر الزاي- أراد الموضع، ومن قال: «معزل» - بفتحها- أراد المصدر: فلم يصرح بأنها قراءة ولكن يقتضي ذلك لفظه.
وقرأ السبعة «يا بنيّ» بكسر الياء المشددة، وهي ثلاث ياءات: أولاها ياء التصغير، وحقها السكون والثانية لام الفعل، وحقها أن تكسر بحسب ياء الإضافة إذ ما قبل ياء الإضافة مكسور: والثالثة: ياء الإضافة فحذفت ياء الإضافة إما لسكونها وسكون الراء، وإما إذ هي بمثابة التنوين في الإعلام وهو يحذف في النداء فكذلك ياء الإضافة والحذف فيها كثير في كلام العرب، تقول: يا غلام، ويا عبيد، وتبقى الكسرة دالة، ثم أدغمت الياء الساكنة في الياء المكسورة، وقد روى أبو بكر وحفص عن عاصم أيضا «يا بنيّ» بفتح الياء المشددة، وذكر أبو حاتم: أن المفضل رواها عن عاصم، ولذلك وجهان: أحدهما: أن يبدل من ياء الإضافة ألفا وهي لغة مشهورة تقول: يا غلاما، ويا عينا، فانفتحت الياء قبل الألف ثم حذفت الألف استخفافا ولسكونها وسكون الراء من قوله اركب.
والوجه الثاني: أن الياءات لما اجتمعت استثقل اجتماع المماثلة فخفف ذلك الاستثقال بالفتح إذ هو أخف الحركات، هذا مذهب سيبويه، وعلى هذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم: «وحواري الزبير».
وروي عن ابن كثير أنه قرأ في سورة لقمان: يا بنيّ لا تشرك باللّه [لقمان: 13] بحذف ياء الإضافة ويسكن الياء خفيفة، وقرأ الثانية: يا بنيّ إنّها [لقمان: 16] كقراءة الجماعة وقرأ الثالثة: يا بنيّ أقم ... [لقمان: 17] ساكنة كالأولى.
وقوله: ولا تكن مع الكافرين يحتمل أن يكون نهيا محضا مع علمه أنه كافر، ويحتمل أن يكون خفي عليه كفره فناداه ألا يبقى- وهو مؤمن- مع الكفرة فيهلك بهلاكهم، والأول أبين). [المحرر الوجيز: 4/ 580-582]


تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قال سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلاّ من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (43) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعداً للقوم الظّالمين (44)
ظن ابن نوح أن ذلك المطر والماء على العادة، وقوله: لا عاصم قيل فيه: إنه على لفظة فاعل
وقوله: إلّا من رحم يريد إلا الله الراحم، ف من كناية عن اسم الله تعالى، المعنى: لا عاصم اليوم إلا الذي رحمنا ف من في موضع رفع، وقيل: قوله: إلّا من رحم استثناء منقطع كأنه قال: لا عاصم اليوم موجود، لكن من رحم الله موجود، وحسن هذا من جهة المعنى، أن نفي العاصم يقتضي نفي المعصوم. فهو حاصل بالمعنى. وأما من جهة اللفظ، ف من في موضع نصب على حد قول النابغة: إلا الأواري. ولا يجوز أن تكون في موضع رفع على حد قول الشاعر: [الرجز].
وبلدة ليس بها أنيس = إلا اليعافير وإلا العيس
إذ هذان أنيس ذلك الموضع القفر، والمعصوم هنا ليس بعاصم بوجه، وقيل عاصم معناه ذو اعتصام، ف عاصم على هذا في معنى معصوم، ويجيء الاستثناء مستقيما، ومن في موضع رفع، واليوم ظرف، وهو متعلق بقوله: من أمر اللّه، أو بالخير الذي تقديره: كائن اليوم، ولا يصح تعلقه ب عاصم لأنه كان يجيء منونا: لا عاصما اليوم يرجع إلى أصل النصب لئلا يرجع ثلاثة أشياء واحدا، وإنما القانون أن يكون الشيئان واحدا: لا وما عملت فيه، ومثال النحويين في هذه المسألة: لا أمرا يوم الجمعة لك، فإن أعلمت في يوم لك قلت: لا أمر.
وبينهما يريد بين نوح وابنه، فكان الابن ممن غرق). [المحرر الوجيز: 4/ 583-584]

تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وقيل يا أرض ابلعي ماءك الآية، بناء الفعل للمفعول أبلغ في التعظيم والجبروت، وكذلك بناء الأفعال بعد ذلك في سائر الآية وروي أن أعرابيا سمع هذه الآية فقال: هذا كلام القادرين، و «البلع» هو تجرع الشيء وازدراده، فشبه قبض الأرض للماء وتسربه فيها بذلك، وأمرت بالتشبيه وأضاف الماء إليها إذ عليها وحاصل فيها، و «السماء» في هذه الآية، إما السماء المظلة، وإما السحب، و «الإقلاع» عن الشيء تركه، والمعنى: أقلعي عن الإمطار، وغيض معناه نقص، وأكثر ما يجيء فيما هو بمعنى جفوف كقوله: وغيض الماء، وكقوله: وما تغيض الأرحام وما تزداد [الرعد: 8] وأكثر المفسرين على أن ذلك في الحيض، وكذلك قول الأسود بن يعفر:
... ... ... ... = ما غيض من بصري ومن أجلادي
وذلك أن الإنسان الهرم إنما تنقصه بجفوف وقضافة وقوله وقضي الأمر إشارة إلى جميع القصة: بعث الماء وإهلاك الأمم وإنجاء أهل السفينة.
وروي أن نوحا عليه السّلام ركب في السفينة من عين وردة بالشام أول يوم من رجب،
وقيل: في العاشر منه،
وقيل: في الخامس عشر،
وقيل: في السابع عشر،
واستوت السفينة في ذي الحجة، وأقامت على الجوديّ شهرا، وقيل له: اهبط في يوم عاشوراء فصامه وصامه من معه من ناس ووحوش: وذكر الطبري عن ابن إسحاق ما يقتضي أنه أقام على الماء نحو السنة، وذكر أيضا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب، وصام الشهر أجمع، وجرت بهم السفينة إلى يوم عاشوراء، ففيه أرست على الجودي، فصامه نوح ومن معه».
وروي أن نوحا لما طال مقامه على الماء بعث الغراب ليأتيه بخبر كمال الغرق فوجد جيفة طافية فبقي عليها فلم يرجع بخبر، فدعا عليه نوح فسود لونه وخوف من الناس، فهو لذلك مستوحش، ثم بعث نوح الحمام فجاءته بورق زيتونة في فمها ولم تجد ترابا تضع رجليها عليه، فبقي أربعين يوما ثم بعثها فوجدت الماء قد انحسر عن موضع الكعبة، وهي أول بقعة انحسر الماء عنها، فمست الطين برجليها وجاءته، فعلم أن الماء قد أخذ في النضوب، ودعا لها فطوقت وأنست. فهي لذلك تألف الناس ثم أوحى الله إلى الجبال أن السفينة ترسي على واحد منها فتطاولت كلها وبقي الجودي- وهو جبل بالموصل في ناحية الجزيرة- لم يتطاول تواضعا لله، فاستوت السفينة بأمر الله عليه، وبقيت عليه أعوادها، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقد بقي منها شيء أدركه أوائل هذه الأمة». وقال الزجاج: الجوديّ هو بناحية آمد.
وقال قوم: هو عند باقردى. وروي أن السفينة لما استقلت من عين وردة جرت حتى جاءت الكعبة فوجدتها قد نشزت من الأرض فلم ينلها غرق فطافت بها أسبوعا ثم مضت إلى اليمن ورجعت إلى الجودي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والقصص في هذه المعاني كثير صعب أن يستوفي، فأشرت منه إلى نبذ ويدخله الاختلاف كما ترى في أمر الكعبة والله أعلم كيف كان. واستوت معناه: تمكنت واستقرت.
وقرأ جمهور الناس: «على الجوديّ» بكسر الياء وشدها، وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة «على الجودي» بسكون الياء، وهما لغتان. وقوله وقيل: بعداً يحتمل أن يكون من قول الله تعالى عطفا على وقيل الأول ويحتمل أن يكون من قول نوح والمؤمنين، والأول أظهر وأبلغ). [المحرر الوجيز: 4/ 584-586]


رد مع اقتباس