عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 04:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلّا ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد وأنتم حرمٌ إنّ اللّه يحكم ما يريد (1) يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلًا من ربّهم ورضوانًا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، حدّثنا مسعر، حدّثني معن وعوف -أو: أحدهما-أنّ رجلًا أتى عبد اللّه بن مسعودٍ [رضي اللّه عنه] فقال: اعهد إليّ. فقال: إذا سمعت اللّه يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنّه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه.
وقال: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم -دحيم-حدّثنا الوليد، حدّثنا الأوزاعيّ، عن الزّهريّ قال: إذا قال اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا} افعلوا، فالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم منهم.
وحدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا محمّد بن عبيد حدّثنا الأعمش، عن خيثمة قال: كلّ شيءٍ في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فهو في التّوراة: "يا يها المساكين".
فأمّا ما رواه عن زيد بن إسماعيل الصّائغ البغداديّ، حدّثنا معاوية -يعني: ابن هشامٍ-عن عيسى بن راشدٍ، عن عليّ بن بذيمة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: ما في القرآن آية: {يا أيّها الّذين آمنوا} إلّا أنّ عليًّا سيّدها وشريفها وأميرها، وما من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أحدٌ إلّا قد عوتب في القرآن إلّا عليّ بن أبي طالبٍ، فإنّه لم يعاتب في شيءٍ منه. فهو أثرٌ غريبٌ ولفظه فيه نكارةٌ، وفي إسناده نظرٌ.
قال البخاريّ: عيسى بن راشدٍ هذا مجهولٌ، وخبره منكرٌ. قلت: وعليّ بن بذيمة -وإن كان ثقةً-إلّا أنّه شيعيٌّ غالٍ، وخبره في مثل هذا فيه تهمة فلا يقبل. وقوله: "ولم يبق أحدٌ من الصّحابة إلّا عوتب في القرآن إلّا عليًّا" إنّما يشير به إلى الآية الآمرة بالصّدقة بين يدي النّجوى، فإنّه قد ذكر غير واحدٍ أنّه لم يعمل بها أحدٌ إلّا عليٌّ، ونزل قوله: {أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقاتٍ فإذ لم تفعلوا وتاب اللّه} الآية [سورة المجادلة: 13] وفي كون هذا عتابًا نظرٌ؛ فإنّه قد قيل: إنّ الأمر كان ندبًا لا إيجابًا، ثمّ قد نسخ ذلك عنهم قبل الفعل، فلم ير من أحدٍ منهم خلافه. وقوله عن عليٍّ: "إنّه لم يعاتب في شيءٍ من القرآن" فيه نظرٌ أيضًا؛ فإنّ الآية الّتي في الأنفال الّتي فيها المعاتبة على أخذ الفداء عمّت جميع من أشار بأخذه، ولم يسلم منها إلّا عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، فعلم بهذا، وبما تقدّم ضعف هذا الأثر، واللّه أعلم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني المثنّى، حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، حدّثنا اللّيث، حدّثني يونس قال: قال محمّد بن مسلمٍ: قرأت كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزمٍ، فيه: هذا بيانٌ من اللّه ورسوله: {يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود} فكتب الآيات منها حتّى بلغ: {إنّ اللّه سريع الحساب}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا محمّد بن إسحاق، حدّثني عبد اللّه بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ، عن أبيه قال: هذا كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عندنا، الّذي كتبه لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلّمهم السّنّة، ويأخذ صدقاتهم. فكتب له كتابًا وعهدًا، وأمره فيه بأمره، فكتب: " بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، هذا كتابٌ من اللّه ورسوله: {يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود} عهدٌ من محمّدٍ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعمرو بن حزمٍ، حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى اللّه في أمره كلّه، فإنّ اللّه مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون".
قوله تعالى {أوفوا بالعقود} قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وغير واحدٍ: يعني بالعقود: العهود. وحكى ابن جريرٍ الإجماع على ذلك قال: والعهود ما كانوا يتعاهدون عليه من الحلف وغيره. وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله {يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود} يعني بالعهود: يعني ما أحلّ اللّه وما حرّم، وما فرض وما حد في القرآن كلّه، فلا تغدروا ولا تنكثوا، ثمّ شدّد في ذلك فقال: {والّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل} إلى قوله: {سوء الدّار} [الرّعد: 25].
وقال الضّحّاك: {أوفوا بالعقود} قال: ما أحلّ اللّه وما حرّم وما أخذ اللّه من الميثاق على من أقرّ بالإيمان بالنّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] والكتاب أن يوفوا بما أخذ اللّه عليهم من الفرائض من الحلال والحرام.
وقال زيد بن أسلم: {أوفوا بالعقود} قال: هي ستّةٌ: عهد اللّه، وعقد الحلف، وعقد الشّركة، وعقد البيع، وعقد النّكاح، وعقد اليمين.
وقال محمّد بن كعبٍ: هي خمسةٌ منها: حلف الجاهليّة، وشركة المفاوضة.
وقد استدلّ بعض من ذهب إلى أنّه لا خيار في مجلس البيع بهذه الآية: {أوفوا بالعقود} قال: فهذا يدلّ على لزوم العقد وثبوته، فيقتضي نفي خيار المجلس، وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالكٍ. وخالفهما الشّافعيّ وأحمد بن حنبلٍ والجمهور، والحجّة في ذلك ما ثبت في الصّحيحين، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا" وفي لفظ للبخاريّ: "إذا تبايع الرّجلان فكلّ واحدٍ منهما بالخيار ما لم يتفرّقا" وهذا صريحٌ في إثبات خيار المجلس المتعقّب لعقد البيع، وليس هذا منافيًا للزوم العقد، بل هو من مقتضياته شرعًا، فالتزامه من تمام الوفاء بالعقد.
وقوله تعالى: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام} هي: الإبل والبقر، والغنم. قاله الحسن وقتادة وغير واحدٍ. قال ابن جريرٍ: وكذلك هو عند العرب. وقد استدلّ ابن عمر، وابن عبّاسٍ، وغير واحدٍ بهذه الآية على إباحة الجنين إذا وجد ميّتًا في بطن أمّه إذا ذبحت، وقد ورد في ذلك حديثٌ في السّنن، رواه أبو داود والتّرمذيّ وابن ماجه، من طريق مجالد، عن أبي الودّاك جبر بن نوف، عن أبي سعيدٍ، قال: قلنا: يا رسول اللّه، ننحر النّاقة، ونذبح البقرة أو الشّاة في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ فقال: "كلوه إن شئتم؛ فإنّ ذكاته ذكاة أمّه". وقال التّرمذيّ: حديثٌ حسنٌ.
[و] قال أبو داود: حدّثنا محمّد بن يحيى بن فارسٍ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، حدّثنا عبيد اللّه بن أبي زيادٍ القدّاح المكّيّ، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " ذكاة الجنين ذكاة أمّه". تفرّد به أبو داود.
وقوله: {إلا ما يتلى عليكم} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: يعني بذلك: الميتة، والدّم، ولحم الخنزير.
وقال قتادة: يعني بذلك الميتة، وما لم يذكر اسم اللّه عليه.
والظّاهر -واللّه أعلم-أنّ المراد بذلك قوله: {حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع} فإنّ هذه وإن كانت من الأنعام إلّا أنّها تحرم بهذه العوارض؛ ولهذا قال: {إلا ما ذكّيتم وما ذبح على النّصب} يعني: منها. فإنّه حرامٌ لا يمكن استدراكه، وتلاحقه؛ ولهذا قال تعالى: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} أي: إلّا ما سيتلى عليكم من تحريم بعضها في بعض الأحوال.
وقوله: {غير محلّي الصّيد وأنتم حرمٌ} قال بعضهم: هذا منصوبٌ على الحال. والمراد من الأنعام: ما يعمّ الإنسيّ من الإبل والبقر والغنم، وما يعمّ الوحشيّ كالظّباء والبقر والحمر، فاستثنى من الإنسيّ ما تقدّم، واستثنى من الوحشيّ الصّيد في حال الإحرام.
وقيل: المراد [أحللنا لكم الأنعام إلّا ما استثني لمن التزم تحريم الصّيد وهو حرامٌ، كقوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} أي: أبحنا تناول الميتة للمضطرّ بشرط أن يكون غير باغٍ ولا عادٍ، أي: كما] أحللنا الأنعام لكم في جميع الأحوال، فحرّموا الصّيد في حال الإحرام، فإنّ اللّه قد حكم بهذا وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه؛ ولهذا قال: {إنّ اللّه يحكم ما يريد} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/6-9]

رد مع اقتباس