عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 07:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 19 إلى آخر السورة]

{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أولو الألباب} أي ذوو العقول، واحدها لبّ وأولو: واحدها ذو). [مجاز القرآن: 1/329]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أولو الألباب}: العقول). [غريب القرآن وتفسيره: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقولهم: وأين قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ} من قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} .
ولم يرد الله في هذا الموضع معنى الصبر والشكر خاصة، وإنما أراد: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن.
والصبر والشكر أفضل ما في المؤمن من خلال الخير، فذكره الله عز وجل في هذا الموضع بأفضل صفاته.
وقال في موضع آخر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وفي موضع آخر: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} و{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} و{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} يعني المؤمنين.
ومثله قوله تعالى في قصة سبإ: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. وهذا كما تقول: أن في ذلك لآية لكل موحّد مصلّ، ولكلّ فاصل تقيّ.
وإنما تريد المسلمين). [تأويل مشكل القرآن: 75] (م)
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الأَلْبَابِ}: العقول). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)}

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)}

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويدرءون بالحسنة السّيّئة} أي يدفعون السيئة بالحسنة،
درأته عني أي دفعته). [مجاز القرآن: 1/330-329]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يدرءون}: يدفعون، درأته عني أي دفعته). [غريب القرآن وتفسيره: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويدرءون بالحسنة السّيّئة} أي يدفعون السيئة بالحسنة، كأنهم إذا سفه عليهم حلموا. فالسّفه سيئة والحلم حسنة.
ونحوه {ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ}
ويقال: درأ اللّه عنّي شرّك: أي دفعه. فهو يدرؤه درءا). [تفسير غريب القرآن: 227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ {والّذين صبروا ابتغاء وجه ربّهم وأقاموا الصّلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّا وعلانية ويدرءون بالحسنة السّيّئة أولئك لهم عقبى الدّار }
{ويدرءون بالحسنة السّيّئة} أي يدفعون، يقال: درأته إذا دفعته). [معاني القرآن: 3/147-146]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وَيَدْرءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي: يدفعون بالتوبة والطاعة). [ياقوتة الصراط: 281]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ويدرءون} أي يدفعون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَيَدْرَءون}: يدفعون). [العمدة في غريب القرآن: 166]

تفسير قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم مّن كلّ بابٍ...}
{سلامٌ عليكم...}
يقولون: سلام عليكم. القول مضمر؛ كقوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم ربّنا} أي يقولون: ربنا ثم تركت). [معاني القرآن: 2/62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أولئك لهم عقبى الدّار * جنّات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب}
(جنّات) بدل من (عقبى).
وعدن: إقامة، يقال: عدن بالمكان إذا أقام فيه.
{يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم}.
موضع " من " رفع، عطف على الواو في قوله: {يدخلونها} وجائز أن يكون نصبا، كما تقول قد دخلوا وزيدا أي مع زيد.
أعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن الأنساب لا تنفع بغير أعمال صالحة فقال: يدخلونها ومن صلح ممن جرى ذكره). [معاني القرآن: 3/147]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم}
أي من كان صالحا
لا يدخلونها بالأنساب
ثم قال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} أي تكرمة من الله لهم). [معاني القرآن: 3/491]

تفسير قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {عقبي الدّار} عاقبة الدار.
(سلامٌ عليكم) مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: يقولون سلام عليكم). [مجاز القرآن: 1/330]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {جنّات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم والملائكة يدخلون عليهم مّن كلّ بابٍ سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار}
وقال: {يدخلون عليهم مّن كلّ بابٍ * سلامٌ عليكم} أي: يقولون {سلامٌ عليكم} ). [معاني القرآن: 2/57]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {عقبى الدار}: عاقبة). [غريب القرآن وتفسيره: 194]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يدخلون عليهم من كلّ بابٍ سلامٌ عليكم} أي يقولون: سلام عليكم. فحذف اختصارا). [تفسير غريب القرآن: 227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار }أي يقولون سلام عليكم بما صبرتم.
هذه مكرمة من الله عزّ وجل لأهل الجنّة.
والمعنى يدخلون عليهم من كل باب يقولون {سلام عليكم}.
فأضمر القول ههنا لأن في الكلام دليلا عليه). [معاني القرآن: 3/147]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {سلام عليكم بما صبرتم} أي يقولون سلام عليكم بما صبرتم
ثم قال جل وعز: {فنعم عقبى الدار}
قال أبو عمران الجوني فنعم عقبى الدار الجنة من النار). [معاني القرآن: 3/491-492]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عُقْبَى}: عاقبة). [العمدة في غريب القرآن: 167]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {اللّه يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر...}
أي يوسّع ويقدر (أي يقدر ويقتّر) ويقال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر له في ذلك أي يخير له.
قال ابن عباس: إنّ الله عزّ وجلّ خلق الخلق وهو بهم عالم، فجعل الغنى لبعضهم صلاحاً والفقر لبعضهم صلاحاً، فذلك الخيار للفريقين). [معاني القرآن: 2/63-62]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وما الحياة الدّنيا في الآخرة إلاّ متاعٌ} إلاّ متعة وشيء طفيف حقير). [مجاز القرآن: 1/330]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع}
قال مجاهد أي تذهب). [معاني القرآن: 3/492]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من أناب} من تاب). [مجاز القرآن: 1/330]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {من أناب}: أي تاب). [غريب القرآن وتفسيره: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويقول الّذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربّه قل إنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي إليه من أناب}
{ويهدي إليه من أناب} يعني من رجع إلى الحق). [معاني القرآن: 3/147]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قوله عز وجل: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} أناب إذا رجع إلى الطاعة). [معاني القرآن: 3/492]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَنَابَ}: تاب ورجع). [العمدة في غريب القرآن: 167]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر اللّه ألا بذكر اللّه تطمئنّ القلوب}
{الّذين آمنوا}في موضع نصب ردّا على (من)، المعنى يهدي إليه الذين آمنوا {وتطمئن قلوبهم بذكر اللّه}، أي إذا ذكر الله بوحدانيته آمنوا به غير شاكين.
{ألا بذكر اللّه تطمئنّ القلوب} " ألا " حرف تنبيه وابتداء.
ومعنى {ألا بذكر اللّه تطمئنّ القلوب} أي التي هي قلوب المؤمنين لأن الكافر غير مطمئن القلب). [معاني القرآن: 3/148-147]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله}أي بتوحيده والثناء عليه
ثم قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}أي التي هي قلوب المؤمنين
قال مجاهد يعني أصحاب محمد). [معاني القرآن: 3/493]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {طوبى لهم وحسن مآبٍ...}
رفع. وعليه القراءة. ولو نصب طوبى والحسن كان صواباً ما تقول العرب: الحمد لله والحمد لله. وطوبى وإن كانت اسماً فالنصب يأخذها؛ كما يقال في السبّ: التراب له والتراب له. والرفع في الأسماء الموضوعة أجود من النصب). [معاني القرآن: 2/63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {طوبى لهم وحسن مآبٍ} أي منقلب). [مجاز القرآن: 1/330]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات طوبى لهم وحسن مآبٍ}
وقال: {طوبى لهم وحسن مآبٍ} فـ(طوبى) في موضع رفع يدلك على ذلك رفع (وحسن مآبٍ) وهو يجري مجرى "ويلٌ لزيدٍ" لأنك قد تضيفها بغير لام تقول "طوباك" ولو لم تضفها لجرت مجرى "تعساً لزيدٍ".
وإن قلت: "لك طوبى" لم يحسن كما لا تقول: "لك ويلٌ"). [معاني القرآن: 2/58-57]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({طوبى لهم}: نعم ما لهم. وقال المفسرون {طوبى لهم} شجرة في الجنة و{وطوبى لهم} خير لهم.
{مآب}: مرجع). [غريب القرآن وتفسيره: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات طوبى لهم وحسن مآب}
القراءة بالرفع في {وحسن مآب}. عطف على (طوبى) كما تقول:
الحمد للّه والكرامة وإن شئت كان نصبا على {طوبى لهم وحسن مآب}.
أي جعل اللّه لهم طوبى وحسن مآب.
(طوبى) عند النحويين فعلى من الطيب.
المعنى العيش الطيب لهم.
وجاء في التفسير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن (طوبى) شجرة في الجنة، وقيل (طوبى) لهم حسنى لهم، وقيل طوبى لهم خير لهم.
وقيل (طوبى) لهم اسم الجنة بالهندية. وقيل (طوبى) لهم خيرة لهم، وهذا التفسير كله يشبهه قول النحويين أنها فعلى من الطّيب). [معاني القرآن: 3/148]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم}
قال ابن عباس وأبو أمامة طوبى شجرة في الجنة
وكذلك قال عبيد بن عمير
وقال مجاهد هي الجنة
وقال عكرمة أي نعم ما لهم
وقال إبراهيم طوبى أي خير وكرامة وهذه الأقوال متقاربة لأن طوبى فعلى من الطيب أي من العيش الطيب لهم وهذه الأشياء ترجع إلى الشيء الطيب
ثم قال تعالى: {وحسن مآب} قال مجاهد أي مرجع). [معاني القرآن: 3/494-493]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {طُوبَى}: شجرة
{مَآبٍ}: مآب). [العمدة في غريب القرآن: 167]

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خلت من قبلها أممٌ} أي مضت قرون من قبلها وملل.
{وإليه متاب} مصدر تبت إليه، وتوبتي إليه سواء). [مجاز القرآن: 1/330]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال...}
لم يأت بعده جواب للو فإن شئت جعلت جوابها متقدّماً: وهم يكفرون - ولو أنزلنا عليهم الذي سألوا. وإن شئت كان جوابه متروكا لأن أمره معلوم: والعرب تحذف جواب الشيء إذا كان معلوماً إرادة الإيجاز،
كما قال الشاعر:

وأقسم لو شيء أتانا رسوله =سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
وقوله: {بل للّه الأمر جميعاً أفلم ييأس الّذين آمنوا} قال المفسّرون: ييأس: يعلم. وهو في المعنى على تفسيرهم لأن الله قد أوقع إلى المؤمنين أنه لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً فقال: أفلم ييأسوا علماً. يقول: يؤيسهم العلم، فكان فيهم العلم مضمرا كما تقول في الكلام: قد يئست منك ألاّ تفلح علماً كأنك قلت: علمته علماً.
وقال الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس قال: ييأس في معنى يعلم لغة للنخع. قال الفراء: ولم نجدها في العربية إلاّ على ما فسّرت.
وقول الشاعر:
حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا = غضفاً دواجن قافلا أعصامها
معناه حتى إذا يئسوا من كل شيء ممّا يمكن إلا الذي ظهر لهم أرسلوا. فهو معنى حتى إذا علموا أن ليس وجه إلا الذي رأوا أرسلوا. كان ما وراءه يأساً.
وقوله: {ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ} القارعة: السريّة من السرايا (أو تحلّ) أنت يا محمد بعسكرك {قريباً مّن دارهم}). [معاني القرآن: 2/64-63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى} مجازه مجاز المكفوف عن خبره، ثم استؤنف فقال: {بل لله الأمر جميعاً} فمجازه: لو سيّرت به الجبال لسارت، أو قطّعت به الأرض لتقطعت، ولو كلّم به الموّتى لنشرت، والعرب قد تفعل مثل هذا لعلم المستمع به استغناءً عنه واستخفافاً في كلامهم،
قال الأخطل:
خلا أنّ حيّاً من قريشٍ تفضّلوا= على الناس أو أنّ الأكارم نهشلا
وهو آخر قصيدة، ونصبه وكفّ عن خبره واختصره وقال عبد مناف ابن ربع الهذليّ:

الطّعن شغشغةٌ والضّرب هيقعةٌ= ضرب المعوّل تحت الأّيمة العضدا
وللقسىّ أزاميلٌ وغمغمةٌ= حسن الجنوب تسوق الماء والبردا
حتى إذا اسلكوهم في قتائدةٍ= شلاّ كما تطرد الجمّالة الشردا
وهو آخر قصيدة، وكف عن خبره. وقوله شغشغة: أي يدخله ويخرجه؛ والهيقعة أن يضرب بالحد من فوق والمعول: صاحب العالة وهي ظلة يتخذها رعاة البهم بالحجاز إذا خافت البرد على بهمها. فيقول: فيعتضد العضد من الشجر لبهمه أي يقطعه؛ والدّيمة المطر الضعيف الدائم؛ والأزاميل: الأصوات واحدها أزمل وجمعها أزامل زاد الياء اضطراراً؛
والغماغم: الأصوات التي لم تفهم؛ حسّ الجنوب: صوتها؛ قتائدة طريق. أسلكوهم وسلكوهم واحد.
{أفلم ييئس الّذين آمنوا} مجازه: ألم يعلم ويتبين،
قال سحيم بن وثيل اليربوعيّ:
أقول لهم بالشّعب إذ يأسرونني= ألم تيئسوا أنّي ابن فارس زهدم
(قارعةٌ) أي داهية مهلكة، ويقال: قرعت عظمه، أي صدعته). [مجاز القرآن: 1/333-331]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى} أراد لكان هذا القرآن. فحذف اختصارا.
{أفلم ييأس الّذين آمنوا} أي أفلم يعلم. ويقال: هي لغة للنخع.
وقال الشاعر:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني =ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم
أي ألم تعلموا.
{قارعةٌ} داهية تقرع أو مصيبة تنزل. وأراد أن ذاك لا يزال يصيبهم من سرايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم). [تفسير غريب القرآن: 228-227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أفلم ييأس}: يعلم في التفسير.[غريب القرآن وتفسيره: 194]
{قارعة}: داهية مهلكة). [غريب القرآن وتفسيره: 195]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(يئست) بمعنى: (علمت) من قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}،
لأنّ في علمك الشيء وتيقّنك له يأسك من غيره.
قال لبيد:
حتّى إذا يَئِسَ الرّماة فأرسلوا = غضفاً دواجنَ قافلاً أعصامُها
أي: علموا ما ظهر لهم فيئسوا من غيره.
وقال آخر:
أقول لهم بالشِّعب إِذْ يأسرونني: = ألم تيئسوا أنِّي ابنُ فارس زهدم
أي: ألم تعلموا). [تأويل مشكل القرآن: 192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}، أراد لكان هذا القرآن، فحذف). [تأويل مشكل القرآن: 305] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله سبحانه: {ولو أنّ قرآنا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى بل للّه الأمر جميعا أفلم ييأس الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعا ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحلّ قريبا من دارهم حتّى يأتي وعد اللّه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد}
ترك جواب " لو " لأن في الكلام دليلا عليه، وكان المشركون سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفسح لهم في مكة ويباعد بين جبالها حتى يتخذوا فيها قطائع وبساتين وأن يحيي لهم قوما سمّوهم له، فأعلمهم اللّه - عزّ وجلّ - أن لو فعل ذلك بقرآن لكان يفعل بهذا القرآن.
والذي أتوهّمه - واللّه أعلم - وقد قاله بعض أهل اللغة، أن المعنى: لو أنّ قرآنا سيّرت به الأرض أو كلّم به الموتى لما آمنوا به.
ودليل هذا القول قوله: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلّا أن يشاء اللّه}.
وقوله - عزّ وجلّ: {أفلم ييأس الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعا}.
قيل إنها لغة للنخع، ييأس في معنى يعلم.
وأنشدوا
أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني= ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
وقرئت: أفلم يتبين الذين آمنوا.
وقال بعض أهل اللغة: أفلم يعلم الذين آمنوا علما ييأسوا معه من أن يكون غير ما علموه.
والقول عندي واللّه أعلم أن معناه: أفلم ييأس الّذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم اللّه بأنهم لا يؤمنون لأنه قال:
{لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعا} ، جميعا: منصوب على الحال.
{ولا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة} قيل سريّة، ومعنى قارعة في اللغة نازلة شديدة تزل بأمر عظيم). [معاني القرآن: 3/149-148]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى}
قال ابن عباس قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم سير لنا الجبال قطع لنا الأرض أحيي لنا الموتى
وقال مجاهد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم بعد لنا هذه الجبال وادع لنا أن يكون لنا زرع وقرب منا الشام فإنا نتجر إليه وأحيي لنا الموتى
قال قتادة قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم أحيي لنا الموتى حتى نسألهم عن الذي جئت به أحق هو فأنزل الله: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى}
قال لو فعل هذا بأهل الكتاب لفعل بكم
وهذه الأقوال كلها توجب أن الجواب محذوف لعلم السامع لأنهم سألوا فكان سؤالهم دليلا على جواب لو ونظيره لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد
وقال الشاعر:
فلو لأنها نفس تموت سوية = ولكنها نفس تساقط أنفسا
فحذف جواب لو أي لتسلت
وفي الحذف من الآية قولان:
أكثر أهل اللغة يذهب إلى أن المعنى ولو أن قرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكان هذا القرآن
وقال بعضهم المعنى لو فعل بهم هذا لما آمنوا كما قال تعالى: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله}
قال أبو جعفر وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أي وهم يكفرون ولو وقع هذا
وقوله جل وعز: {أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا}
قال أبو جعفر في هذه الآية اختلاف كثير
روى جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم وعكرمة عن ابن عباس أنه قرأ أفلم يتبين الذين آمنوا مختصر
وفي كتاب خارجة أن ابن عباس قرأ أفلم يتبين للذين آمنوا
وروى المنهال بن عمير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أفلم ييأس الذين آمنوا أي أفلم يعلم
وأكثر أهل اللغة على هذا القول
وممن قال به أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة قال سحيم بن وثيل:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني = الم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
ويروى إذ يأسرونني
فمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا ألم يعلموا
وروى معاوية بن صالح بن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {أفلم ييأس الذين آمنوا قال} أفلم يعلم وفي الآية قول آخر
قال الكسائي لا أعرف هذه اللغة ولا سمعت من يقول يئست بمعنى علمت ولكنه عندي من اليأس بعينه والمعنى إن الكفار لما سألوا تسيير الجبال بالقرآن وتقطيع الأرض وتكليم الموتى اشرأب لذلك المؤمنون وطمعوا في أن يعطى الكفار ذلك فيؤمنوا فقال الله أفلم ييأس الذين آمنوا أي أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لعلمهم أن الله لو أراد أن يهديهم لهداهم كما تقول قد يئست من فلان أن يفلح والمعنى لعلمي به
وقوله تعالى: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة}
قال ابن عباس يعني السرايا
وكذلك قال عكرمة وعطاء الخراساني إلا أن أبا عاصم روى عن شبيب عن عكرمة عن ابن عباس قال النكبة
وقال مجاهد قارعة أي سرية ومصيبة تصيبهم
والقارعة في اللغة المصيبة العظيمة
ثم قال جل وعز: {أو تحل قريبا من دارهم}
قال مجاهد وعكرمة وقتادة أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم
حدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا مخلد بن مالك
عن محمد بن سلمة عن خصيف قال القارعة السرايا التي كان يبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم
قال الحسن أو تحل القارعة قريبا من دارهم
ثم قال تعالى: {حتى يأتي وعد الله}
قال مجاهد وقتادة أي فتح مكة). [معاني القرآن: 3/500-494]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً}
قال ثعلب: هذا محذوف الجواب،
والمعنى: لكان هذا القرآن. وقال أبو عمر: سألت المبرد عنه، فقال: صحيح فصيح من كلام العرب). [ياقوتة الصراط: 282-281]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {قَارِعَةٌ} أي: داهية). [ياقوتة الصراط: 282]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أَوْ تَحُلّ} أنت بجيشك. (قريبا) منهم، وليست تحل القارعة). [ياقوتة الصراط: 282]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أفلم ييأس الذين} أي يعلم.
{قارعة} داهية تقرع رؤوسهم، وجمعها دواه، وهي خطوة الزمن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَيْأَسِ}: من اليأس
{قَارِعَةٌ}: داهية). [العمدة في غريب القرآن: 167]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأمليت} أي أطلت لهم، ومنه المليّ والملاوة من الدهر، ومنه تمليت حيناً، ويقال: لليل والنهار الملوان لطولهما،
وقال ابن مقبل:
ألا يا ديار الحيّ بالسّبعان= ألّح عليها بالبلى الملوان
ويقال: للخرق الواسع من الأرض ملاً مقصور،
قال:
حلاً لا تخطّاه العيون رغيب
وقال:
أمضى الملا بالشاحب المتبدّل). [مجاز القرآن: 1/333]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأمليت للّذين كفروا} أي أمهلتهم وأطلت لهم). [تفسير غريب القرآن: 228]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت...}
ترك جوابه ولم يقل: ككذا وكذا لأن المعنى معلوم. وقد بيّنه ما بعده إذ قال: {وجعلوا للّه شركاء} كأنه في المعنى قال: كشركائهم الذين اتّخذوهم،
ومثله قول الشاعر:

تخيّري خيّرت أمّ عال =بين قصير شبره تنبال
أذاك أم منخرق السربال= ولا يزال آخر الليالي
* متلف مال ومفيد مال *
تخيّري بين كذا وبين منخرق السربال. فلمّا أن أتى به في الذكر كفى من إعادة الإعراب عليه.
وقوله: {في الأرض أم بظاهرٍ مّن القول} باطل المعنى، أي أنه ظاهر في القول باطل المعنى.
ويقرأ: {وصدّوا عن السّبيل} وبعضهم (وصدّوا) يجعلهم فاعلين). [معاني القرآن: 2/65-64]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ} أي دائم قوامٌ عدلٌ). [مجاز القرآن: 1/333]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت وجعلوا للّه شركاء قل سمّوهم أم تنبّئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهرٍ مّن القول بل زيّن للّذين كفروا مكرهم وصدّوا عن السّبيل ومن يضلل اللّه فما له من هادٍ}
وقال: {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت وجعلوا للّه شركاء} فهذا في المعنى "أفمن هو قائم على كل نفس مثل شركائهم"، وحذف فصار {وجعلوا لله شركاء} يدل عليه).
[معاني القرآن: 2/58]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت}. هو اللّه القائم على كل نفس بما كسبت يأخذها بما جنت ويثيبها بما أحسنت.
وقد بينت [معنى] القيام في مثل هذا في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 228]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} أي آخذ لها بما كسبت). [تأويل مشكل القرآن: 182]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}
قال قتادة هو الله جل جلاله
وقال الضحاك يعني نفسه جل وعز وهو القائم على عباده من كان منهم برا ومن كان منهم فاجرا يرزقهم ويطعمهم وقد جعلوا لله شركاء
قال الله: {قل سموهم} ولو سموهم لكذبوا وأنبؤه بما لا يعلمه وذلك قوله تعالى: {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} ). [معاني القرآن: 3/501-500]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولعذاب الآخرة أشقّ} أي أشدّ.
{للّذين استجابوا لربّهم الحسنى} ثم قال: {مثل الجنّة الّتي وعدّ المتّقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائمٌ وظلّها تلك عقبى الّذين اتّقوا وعقبى الكافرين النّار} مجازه مجاز المكفوف عن خبره، والعرب تفعل ذلك في كلامها، وله موضع آخر مجازه: للذين استجابوا لربهم الحسنى مثل الجنة، موصول صفة لها على الكلام الأول). [مجاز القرآن: 1/334-333]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّثل الجنّة الّتي وعد المتّقون...}
يقول: صفات الجنة
قال الفراء: وحدثني بعض المشيخة عن الكلبيّ عن أبي عبد الرحمن السّلمي أن عليّاً قرأها: (أمثال الجنّة) قال الفراء: أظن دون أبي عبد الرحمن رجلا قال: وجاء عن أبي عبد الرحمن ذلك والجماعة على كتاب المصحف.
وقوله: {تجري من تحتها الأنهار} هو الرافع. وإن شئت للمثل الأمثال في المعنى كقولك: حلية فلان أسمر وكذا وكذا. فليس الأسمر بمرفوع بالحلية، إنما هو ابتداء أي هو أحمر أسمر، هو كذا.
ولو دخل في مثل هذا أنّ كان صواباً. ومثله في الكلام مثلك أنك كذا وأنك كذا. وقوله: {فلينظر الإنسان إلى طعامه إنّا} من وجه {مّثل الجنّة الّتي وعد المتّقون تجري من تحتها الأنهار} ومن قال {أنّا صببنا الماء} بالفتح أظهر الاسم؛ لأنه مردود على الطعام بالخفض أو مستأنف أي طعامه أنا صببنا ثم فعلنا). [معاني القرآن: 2/65]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}، ولم يأت بالشيء الذي جعل له الجنة مثلا- فإن أصل المثل ما ذهبوا إليه من معنى المثل، تقول: هذا مثل الشيء ومثله، كما تقول: هذا شبه الشيء وشبهه.
ثم قد يصير المثل بمعنى الشيء وصفته، وكذلك المثال والتّمثال، يقال للمرأة الرّائقة: كأنها مثال، وكأنها تمثال، أي صورة، كما يقال: كأنها دمية، أي صورة، وإنما هي مثل، وقد مثّلت لك كذا، أي صوّرته ووصفته.
فأراد الله بقوله: مثل الجنّة، أي صورتها وصفتها.
وروي أن عليّا رحمه الله كان يقرأ: مثال الجنة أو أمثال الجنة، وهو بمنزلة مثل، إلا أنه أوضح وأقرب في أفهام الناس إلى المعنى الذي تأوّلناه في مثل.
ونحوه قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} أي ذلك وصفهم، لأنه لم يضرب لهم مثلا في أوّل الكلام، فيقول: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ} وإنما وصفهم وحلّاهم، ثم قال: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ} أي وصفهم.
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}، ولم يأت بالمثل، لأن في الكلام معناه،
كأنه قال: يا أيها الناس، مثلكم مثل من عبد آلهة اجتمعت لأن تخلق ذبابا لم تقدر عليه، وسلبها الذباب شيئا فلم تستنقذه منه.
ومثل هذا في القرآن وكلام العرب أشياء قد اقتصصناها في (أبواب المجاز) ). [تأويل مشكل القرآن: 83-84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلّها تلك عقبى الّذين اتّقوا وعقبى الكافرين النّار}
قال سيبويه: المعنى فيما يقص عليكم مثل الجنّة، أو مثل الجنّة فيما يقصّ عليكم، فرفعه عنده على الابتداء.
وقال غيره: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون} مرفوع على الابتداء.
وخبره {تجري من تحتها الأنهار}
كما تقول:
صفة فلان أسمر كقولك: فلان أسمر.
وقالوا معناها صفة الجنة التي وعد المتقون.
وكلا القولين حسن جميل.
والذي عندي - واللّه أعلم - أن اللّه عزّ وجلّ، عرفنا أمور الجنة التي لم نرها. ولم نشاهدها بما شاهدناه من أمور الدنيا وعاينّاه.
فالمعنى {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون} جنة {تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلّها} ). [معاني القرآن: 3/150-149]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون}
روى النضر بن شميل عن الخليل قال مثل بمعنى صفة فالمعنى على هذا صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار كما تقول صفة فلان أسمر لأن معناه فلان أسمر
وقال أبو إسحاق مثل الله لنا ما غاب بما نراه وكذلك كلام العرب فالمعنى مثل الجنة التي وعد المتقون جنة تجري من تحتها الأنهار). [معاني القرآن: 3/501]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مَثَلُ الْجَنَّةِ} أي: صفة الجنة). [ياقوتة الصراط: 283]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {وإليه مآب}
قال قتادة أي إليه مصير كل عبد). [معاني القرآن: 3/502]

تفسير قوله تعالى: {وكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حكماً عربياً} أي ديناً عربياً أنزل على رجل عربي). [مجاز القرآن: 1/334]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لكلّ أجلٍ كتابٌ...}
جاء التفسير: لكل كتاب أجل. ومثله {وجاءت سكرة الموت بالحقّ} وذلك عن أبي بكر الصّديق رحمه الله: {وجاءت سكرة الموت بالحقّ} لأن الحقّ أتى بها وتأتّى به.
فكذلك تقول: لكل أجلٍ مؤجّل ولكل مؤجّل أجل والمعنى واحد والله أعلم). [معاني القرآن: 2/66-65]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لكلّ أجلٍ كتابٌ} أي وقت قد كتب). [تفسير غريب القرآن: 228]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لكل أجل كتاب} أي وقت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 120]

تفسير قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {يمحو اللّه ما يشاء ويثبت...}
(ويثبّت) مشدّد قراءة أصحاب عبد الله وتقرأ و(يثبت) خفيف. ومعنى تفسيرها أنه - عزّ وجلّ - ترفع إليه أعمال العبد صغيرها وكبيرها، فيثبت ما كان فيه عقاب أو ثواب ويمحو ما سوى ذلك). [معاني القرآن: 2/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يمحوا الله ما يشاء} محوت تمحو، وتمحي: لغة). [مجاز القرآن: 1/334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يمحو اللّه ما يشاء} أي ينسخ من القرآن ما يشاء {ويثبت} أي يدعه ثابتا فلا ينسخه، وهو المحكم {وعنده أمّ الكتاب} أي جملته وأصله.
وفي رواية أبي صالح: أنه يمحو من كتب الحفظة ما تكلم به الإنسان مما ليس له ولا عليه، ويثبت ما عليه وما له). [تفسير غريب القرآن: 229-228]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب}
أي يمحو الله ما يشاء مما يكتبه الحفظة على العباد ويثبت.
قال بعضهم: يمحو الله ما يشاء ويثبت، أي من أتى أجله محي، ومن لم يأت أجله أثبت.
وقيل يمحو اللّه ما يشاء ويثبت أي ينسخ مما أمر به ما يشاء ويثبت أي ويبقي من أمره ما يشاء.
{وعنده أمّ الكتاب} أي أصل الكتاب.
وقيل يمحو الله ما يشاء ويثبت أي من قدّر له رزقا وأجلا محا ما يشاء من ذلك وأثبت ما يشاء). [معاني القرآن: 3/150]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت}
وقرأ ابن عباس ويثبت
روي عنه يحكم الله جل وعز أمر السنة في شهر رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت إلا الحياة والموت والشقوة والسعادة
وفي رواية أبي صالح يمحو الله مما كتب الحفظة ما ليس للإنسان وليس عليه ويثبت ما له وعليه
وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يمحو الله ما يشاء} يقول يبدل الله من القرآن ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله
وعنده أم الكتاب يقول جملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وكذلك قال قتادة
وقال ابن جريج يمحو الله ما يشاء أي ينسخ وكأن معنى ويثبت عنده لا ينسخه فيكون محكما
ويثبت بالتشديد على التكثير
قال أبو جعفر ويثبت بالتخفيف أجمع لهذه الأقوال من يثبت
وكان أبو عبيد قد اختار ويثبت على أن أبا حاتم قد أومأ إلى أن معناهما واحد
وروى عوف عن الحسن قال يمحو من جاء أجله ويثبت من لم يجيء أجله بعد إلى أجله). [معاني القرآن: 3/503-502]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أم الكتاب}: اللوح الحفوظ). [ياقوتة الصراط: 283]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن مّا نرينّك بعض الّذي نعدهم...}وأنت حيّ.
{أو نتوفّينّك} يكون بعد موتك {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب}). [معاني القرآن: 2/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإمّا نرينّك بعض الّذي نعدهم أو نتوفّينّك} ألف إما مكسورة لأنه في موضع أحد الأمرين). [مجاز القرآن: 1/334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}.
فإنه لم يرد أن عليك البلاغ بعد الوفاة كما ظنّوا، وإنما أراد: إن أريناك بعض الذي نعدهم في حياتك، أو توفيناك قبل أن نريك ذلك- فليس عليك إلا أن تبلّغ، وعلينا أن نجازي.
ومثل هذا: رجل بعثته واليا وقلت له: سر إلى بلد كذا فادعهم، فإن استجابوا لك فأحسن فيهم السيرة، وابسط المعدلة، وإن عصوك فعظهم وحذّرهم عقاب المعصية، فإن أقاموا على الغَواية أعلمتني ليأتيهم النّكير؛ فصار إليهم فمانعوه، ووعظهم فخالفوه، وأقام حينا مستبطئا ما أوعدتهم به، فقلت: إن أريناك ما وعدناهم من العقوبة أو عزلناك قبل أن نريك ذلك- فليس لك أن تستبطئنا، إنما عليك التّبليغ والعظة، وعلينا الجزاء والمكافأة). [تأويل مشكل القرآن: 84-85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {وإن ما نرينّك بعض الّذي نعدهم أو نتوفّينّك فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب }
" إن " أدخلت عليها (ما) لتوكيد الشرط.
دخلت النون مؤكدة للفعل.
{أو نتوفّينّك}.
عطف على (نرينّك) وجواب الجزاء: {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} أي علينا الحساب لنجزي كل نفس بما عملت.
والمعنى إما أريناك بعض الذي وعدناهم من إظهار دين الإسلام على الدين كله، أو توفيناك قبل ذلك، فليس عليك إلّا البلاغ - كفروا هم به أو آمنوا). [معاني القرآن: 3/151-150]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قوله عز وجل: {وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}
أي إما نرينك بعض ما وعدناك من إظهار دين الإسلام على الدين كله أو نتوفينك قبل ذلك فإنما عليك أن تبلغهم وعلينا أن نحاسبهم فنجازيهم بأعمالهم). [معاني القرآن: 3/504]

تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها...}
جاء: أولم ير أهل مكّة أنا نفتح لك ما حولها. فذلك قوله (ننقصها) أي أفلا يخافون أن تنالهم. وقيل {ننقصها من أطرافها} بموت العلماء.
وقوله: {لا معقّب لحكمه} يقول: لا رادّ لحكمه إذا حكم شيئا والمعقّب الذي يكرّ على الشيء.
وقول لبيد:
حتّى تهجّر في الرّواح وهاجه =طلب المعقّب حقّه المظلوم
من ذلك لأن (المعقّب صاحب الدين يرجع على صاحبه فيأخذه منه، أو من أخذ منه شيء فهو راجع ليأخذه) ). [معاني القرآن: 2/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ننقصها من أطرافها} مجازه: ننقص من في الأرض ومن في نواحيها من العلماء والعباد،
وفي آية أخرى: (وسل القرية) مجازه: وسل من في القرية.
{لا معقّب لحكمه} أي لا رادّ له ولا مغيّر له عن الحق). [مجاز القرآن: 1/334]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا معقب لحكمه}: أي لا راد ولا مغير). [غريب القرآن وتفسيره: 195]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ننقصها من أطرافها} أي بموت العلماء والعبّاد ويقال: بالفتوح على المسلمين. كأنه ينقص المشركين مما في أيديهم.
{لا معقّب لحكمه} أي لا يتعقبه أحد بتغيير ولا نقص). [تفسير غريب القرآن: 229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم اللّه أن بيان ما وعدوا به قد ظهر وتبيّن فقال عزّ وجلّ:
{أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها واللّه يحكم لا معقّب لحكمه وهو سريع الحساب }أي أو لم يروا أنا قد فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم.
ودليل هذا القول قوله عزّ وجلّ في موضع آخر:
{أفلا يرون أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون}
وقيل في تفسير هذه الآية ما وصفنا، وقيل غير قول.
قيل نقصها من أطرافها موت أهلها، ونقص ثمارها.
وقيل ننقصها من أطرافها بموت العلماء.
والقول الأول بين). [معاني القرآن: 3/151]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم بين جل وعز أنه كان ما وعد
فقال: {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها}
يظهر الإسلام بإخراج ما في يد المشركين وإظهار المسلمين عليهم
وفي هذه الآية أقوال هذا أشبهها بالمعنى
ومن الدليل على صحته قوله جل وعز: {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} وهذا القول مذهب الضحاك
وروى سلمة بن نبيط عنه أنه قال في قول الله تعالى: {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} قال هو ما تغلب عليه من بلادهم
وروى عكرمة عن ابن عباس قال هو خراب الأرض حتى يكون في ناحية منها أي حتى يكون العمران في ناحية منها
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد ننقصها من أطرافها قال الموت موت الفقهاء والعلماء
ثم قال تعالى: {والله يحكم لا معقب لحكمه}
قال الخليل لا راد لقضائه
قال أبو جعفر والمعنى ليس أحد يتعقب حكمه بنقض ولا تغيير). [معاني القرآن: 3/506-504]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ننقصها من أطرافها} قيل: موت العلماء والعباد.
{لا معقب لحكمه} أي لا يتعقبه أحد بتغيير ولا نقص). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 120]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لاَ مُعَقِّبَ}: لا مغير). [العمدة في غريب القرآن: 168]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وسيعلم الكفّار...}
على الجمع وأهل المدينة (الكافر) ). [معاني القرآن: 2/67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وقد مكر الّذين من قبلهم فللّه المكر جميعا يعلم ما تكسب كلّ نفس وسيعلم الكفّار لمن عقبى الدّار}
{وسيعلم الكفّار لمن عقبى الدّار}.
وقرئت: وسيعلم الكافر، ومعنى الكفار والكافر ههنا واحد.
الكافر اسم للجنس، كما تقول قد كثرت الدراهم في أيدي الناس.
وقد كثر الدّرهم في أيدي الناس..
وقرأ بعضهم وسيعلم الكافرون، وبعضهم وسيعلم الذين كفروا.
وهاتان القراءتان لا تجوزان لمخالفتهما المصحف المجمع عليه.
لأن القراءة سنّة). [معاني القرآن: 3/151]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ( وقوله: {ومن عنده علم الكتاب...}
يقال عبد الله بن سلام. و(من عنده) خفض مردود على الله عزّ وجل...
- وحدثني شيخ عن الزّهري رفعه إلى عمر بن الخطاب أنه لما جاء يسلم سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتلو {ومن عنده علم الكتاب}...
- وحدثني شيخ عن رجل عن الحكم بن عتيبة {ومن عنده علم الكتاب} ويقرأ (ومن عنده علم الكتاب) بكسر الميم من (من) ). [معاني القرآن: 2/67]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويقول الّذين كفروا لست مرسلا قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}
{قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم}.
الباء في موضع رفع مع الاسم، المعنى كفى الله شهيدا، وشهيدا منصوب على التمييز.
{ومن عنده علم الكتاب}.
و " من " يعود على الله عزّ وجلّ، وقيل في التفسير يعنى به عبد الله بن سلام وقيل ابن يامين، والذي يدل على أنه راجع إلى اللّه عزّ وجلّ – قراءة من قرأ (ومن عنده) علم الكتاب، ومن عنده علم الكتاب لأن الأشبه، واللّه أعلم - أن اللّه لا يستشهد على خلقه بغيره.
وذلك التفسير جائز لأن البراهين إذا قامت مع اعتراف من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن فهو أمر مؤكد). [معاني القرآن: 3/152-151]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}
قال ابن جريج عن مجاهد عبد الله بن سلام
وقال شعبة عن الحكم عن مجاهد ومن عنده علم الكتاب هو الله تبارك وتعالى
وقال سليمان التيمي هو عبد الله بن سلام
وقال قتادة منهم عبد الله بن سلام فإنه قال نزل في قرآن ثم تلا ومن عنده علم الكتاب
وأذكر هذا القول الشعبي وعكرمة
قال الشعبي نزلت هذه الآية قبل أن يسلم عبد الله بن سلام
وقال سعيد بن جبير وعكرمة هذه الآية نزلت بمكة فكيف نزلت في عبد الله بن سلام
وقال الحسن أي كفى بالله شهيدا وبالله مرتين يذهب إلى أن من تعود على اسم الله
قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية من وجهات
إحداها أنه يبعد أن يستشهد الله بأحد من خلقه
ومنها ما أنكره الشعبي وعكرمة
ومنها أنه قرئ {ومن عنده علم الكتاب} بكسر الميم والدال والعين روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان في الرواية ضعف روى ذلك سليمان بن الأرقم عن الزهري بن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ومن عنده علم وكذلك روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قرآ
ولا اختلاف بين المفسرين أن المعنى ومن عند الله فأن يكون معنى القراءتين واحدا أحسن
وروى محبوب عن إسماعيل بن محمد اليماني أنه قرأ ومن عنده علم الكتاب بضم العين ورفع الكتاب
قال أبو جعفر وقول من قال هو عبد الله بن سلام وغيره يحتمل أيضا لأن البراهين إذا صحت وعرفها من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن كان أمرا مؤكدا
والله أعلم بحقيقة ذلك). [معاني القرآن: 3/509-506]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( دوَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قال مجاهد: هو عبد الله بن سلام، وذلك أنه وقف اليهود على صفة محمد
- صلى الله عليه وسلم - في التوراة، وقطعهم بالحجج). [ياقوتة الصراط: 283]


رد مع اقتباس