عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:29 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره أفلا تتّقون}.
يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى عادٍ أخاهم هودًا، ولذلك نصب (هودًا)، لأنّه معطوفٌ به على نوحٍ عليهما السّلام. {قال} هودٌ: {يا قوم اعبدوا اللّه} فأفردوا له العبادة، ولا تجعلوا معه إلهًا غيره، فإنّه ليس لكم إلهٌ غيره. {أفلا تتّقون} ربّكم فتحذرونه وتخافون عقابه بعبادتكم غيره، وهو خالقكم ورازقكم دون كلّ ما سواه؟). [جامع البيان: 10/ 264]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره أفلا تتّقون (65)}
قوله تعالى: {وإلى عادٍ أخاهم هودًا}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا ابن مفضّلٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {وإلى عادٍ أخاهم هودًا} إنّ عادًا كانوا باليمن بالأحقاف والأحقاف هي الرّمال، فأتاهم فوعظهم، وذكّرهم بما قصّ اللّه في القرآن، فكذّبوه وكفروا، وسألوه أن يأتيهم بالعذاب.
قوله تعالى: {يا قوم اعبدوا اللّه}
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، حدّثني محمّد بن إسحاق قال: وكان من حديث عادٍ فيما بلغني واللّه أعلم.
أنّهم كانوا قومًا عربًا، فبعث اللّه إليهم هوداً وهو من أوسطهم نسبًا، وأفضلهم موضعًا، فأمرهم أن يوحّدوا اللّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: {ما لكم من إله غيره}
- وبه حدّثنا محمّد بن إسحاق قال: وكان من حديث عادٍ فيما بلغني واللّه أعلم أنّهم كانوا قومًا عربًا، وكانوا أصحاب أوثانٍ يعبدونها من دون اللّه صنمٌ يقال له صداءٌ وآخر يقال له صمودٌ، وصنمٌ يقال له الهباء ، فبعث اللّه عزّ وجلّ لهم هودًا فأمرهم أن يوحّدوا اللّه، ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يكفّوا، عن ظلم النّاس، ولم يأمرهم فيما يذكرون واللّه أعلم بغير ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: {وإلى عاد أخاهم هودا}، قال: ليس بأخيهم في الدين ولكنه أخوهم في النسب فلذلك جعله أخاه لأنه منهم.
- وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن الشرفي بن قطامى قال: هود اسمه عابر بن شالخ بن أرفشخد بن سام بن نوح.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: يزعمون أن هودا من بني عبد الضخم من حضرموت.
- وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس قال: كان هود أول من تكلم بالعربية وولد لهود أربعة: قحطان ومقحط وقاحط وفالغ فهو أبو مضر وقحطان أبو اليمن والباقون ليس لهم نسل.
- وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس: ومن طريق ابن إسحاق عن رجال سماهم ومن طريق الكلبي قالوا جميعا: إن عادا كانوا أصحاب أوثان يعبدونها اتخذوا أصناما على مثال ود وسواع ويغوث ونسر فاتخذوا صنما يقال له: صمود وصنما يقال له: الهتار فبعث الله إليهم هودا وكان هود من قبيلة يقال لها الخلود وكان من أوسطهم نسبا وأصبحهم وجها وكان في مثل أجسادهم أبيض بعد أبادي العنفقة طويل اللحية فدعاهم إلى الله وأمرهم أن يوحدوه وأن يكفوا عن ظلم الناس ولم يأمرهم بغير ذلك ولم يدعهم إلى شريعة ولا إلى صلاة فأبوا ذلك وكذبوه وقالوا: من أشد منا قوة فذلك قوله تعالى: {وإلى عاد أخاهم هودا} كان من قومهم ولم يكن أخاهم في الدين {قال يا قوم اعبدوا الله} يعني وحدوا الله، {ولا تشركوا به شيئا} ما لكم يقول: ليس لكم، {من إله غيره أفلا تتقون} يعني فكيف لا تتقون، {واذكروا إذ جعلكم خلفاء} يعني سكانا في الأرض، {من بعد قوم نوح} فكيف لا تعتبرون فتؤمنوا وقد علمتم ما نزل بقوم نوح من النقمة حين عصوه، {فاذكروا آلاء الله} يعني هذه النعم، {لعلكم تفلحون} أي كي تفلحوا وكانت منازلهم بالأحقاف والأحقاف: الرمل. فيما بين عمان إلى حضرموت باليمن وكانوا مع ذلك قد أفسدوا في الأرض كلها وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن خثيم قال: كانت عاد ما بين اليمن إلى الشام مثل الذر). [الدر المنثور: 6/ 445-447]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال الملأ الّذين كفروا من قومه إنّا لنراك في سفاهةٍ وإنّا لنظنّك من الكاذبين (66) قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عمّا أجاب هودًا به قومه الّذين كفروا باللّه: {قال الملأ الّذين كفروا} يعني الّذين جحدوا توحيد اللّه، وأنكروا رسالة هودٍ إليهم: {إنّا لنراك} يا هود {في سفاهةٍ} يعنون في ضلالةٍ عن الحقّ والصّواب، بتركك ديننا وعبادة آلهتنا. {وإنّا لنظنّك من الكاذبين} في قيلك إنّي رسولٌ من ربّ العالمين). [جامع البيان: 10/ 264]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال الملأ الّذين كفروا من قومه إنّا لنراك في سفاهةٍ وإنّا لنظنّك من الكاذبين (66)}
قوله تعالى: {قال الملأ الّذين كفروا}
- وبه حدّثني محمّد بن إسحاق قال: وكان من حديث عادٍ أنّ اللّه بعث إليهم هوداً فأمرهم أن يوحّدوا اللّه، ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يكفّوا، عن ظلم النّاس، لم يأمرهم فيما يذكر واللّه أعلم بغير ذلك، فأبوا عليه وكذّبوه، وقالوا: من أشدّ منّا قوّةً، واتّبعه منهم إناسٌ، وهم يسير مكتتمون بإيمانهم، فكان ممّن آمن به وصدّقه رجلٌ من عادٍ يقال له مزيد بن مسعد بن عفيرٍ، وكان يكتم إيمانه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1509]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ} يقول: أي ضلالةٌ عن الحقّ والصّواب. {ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين} أرسلني، فأنا أبلّغكم رسالات ربّي وأؤدّيها إليكم كما أمرني أن أؤدّيها). [جامع البيان: 10/ 264]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين (67)}
قوله تعالى: {رسولٌ من ربّ العالمين}
- حدّثنا كثير بن شهابٍ، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {ربّ العالمين}؛ قال: الجنّ عالمٌ، والإنس عالمٌ وسوى ذلك ثمانية عشر ألف عالمٍ من الملائكة، وعلى الأرض في كلّ زاويةٍ منها أربعة آلافٍ وخمسمائة عالمٍ خلقهم لعبادته تبارك وتعالى). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1509]

تفسير قوله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أبلّغكم رسالات ربّي وأنا لكم ناصحٌ أمينٌ (68) أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من رّبّكم على رجلٍ منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ وزادكم في الخلق بسطةً فاذكروا آلاء اللّه لعلّكم تفلحون}.
يعني بقوله: {أبلّغكم رسالات ربّي}: أؤدّي ذلك إليكم أيّها القوم. {وأنا لكم ناصحٌ} يقول: وأنا لكم في أمري إيّاكم بعبادة اللّه دون ما سواه من الأنداد والآلهة، ودعائكم إلى تصديقي فيما جئتكم به من عند اللّه، ناصحٌ، فاقبلوا نصيحتي، فإنّي أمينٌ على وحي اللّه وعلى ما ائتمنني اللّه عليه من الرّسالة، لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدّل، بل أبلّغ ما أمرت به كما أمرت). [جامع البيان: 10/ 262]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أبلّغكم رسالات ربّي وأنا لكم ناصحٌ أمينٌ (68)}
قوله تعالى: {أبلّغكم رسالات ربّي وأنا لكم ناصحٌ أمينٌ}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: فأتاهم يعني هودا فوعظهم وذكّرهم بما قصّ اللّه في كتابه فكذّبوه وكفروا، وسألوه أن يأتيهم بالعذاب فقال لهم: إنّما العلم عند اللّه وأبلّغكم ما أرسلت به). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1509]

تفسير قوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أبلّغكم رسالات ربّي وأنا لكم ناصحٌ أمينٌ (68) أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من رّبّكم على رجلٍ منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ وزادكم في الخلق بسطةً فاذكروا آلاء اللّه لعلّكم تفلحون}.
...
{أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم على رجلٍ منكم لينذركم}، يقول: أوعجبتم أن أنزل اللّه وحيه بتذكيركم وعظتكم على ما أنتم عليه مقيمون من الضّلالة، على رجلٍ منكم، لينذركم بأس اللّه ويخوّفكم عقابه. {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ}، يقول: فاتّقوا اللّه في أنفسكم، واذكروا ما حلّ بقوم نوحٍ من العذاب إذ عصوا رسولهم وكفروا بربّهم، فإنّكم إنّما جعلكم ربّكم خلفاء في الأرض منهم، لمّا أهلكهم أبدلكم منهم فيها، فاتّقوا اللّه أن يحلّ بكم نظير ما حلّ بهم من العقوبة فيهلككم ويبدّل منكم غيركم، سنّته في قوم نوحٍ قبلكم على معصيتكم إيّاه وكفركم به.
{وزادكم في الخلق بسطةً}: زاد في أجسامكم طولاً وعظمًا على أجسام قوم نوحٍ، وفي قوامكم على قوامهم، نعمةً منه بذلك عليكم، فاذكروا نعمه وفضله الّذي فضّلكم به عليهم في أجسامكم وقوامكم، واشكروا اللّه على ذلك بإخلاص العبادة له وترك الإشراك به وهجر الأوثان والأنداد. {لعلّكم تفلحون} يقول: كي تفلحوا، فتدركوا الخلود والبقاء في النّعم في الآخرة، وتنجحوا في طلباتكم عنده.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ}. قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ} يقول: ذهب بقوم نوحٍ واستخلفكم من بعدهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ}: أي ساكني الأرض بعد قوم نوحٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وزادكم في الخلق بسطةً}، قال: ما لقوام قوم عادٍ.
وأمّا الآلاء فإنّها جمعٌ، واحدها: (إلًى) بكسر الألف في تقدير (معًى)، ويقال: (ألًى) في تقدير (قفًا) بفتح الألف، وقد حكي سماعًا من العرب (إليٌ) مثل (حسيٍ). والآلاء: النّعم وكذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فاذكروا آلاء اللّه}: أي نعم اللّه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {آلاء اللّه}: فنعم اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فاذكروا آلاء اللّه}، قال: آلاؤه: نعمه.
قال أبو جعفرٍ: وعادٌ هؤلاء القوم الّذين وصف اللّه صفتهم وبعث إليهم هودًا يدعوهم إلى توحيد اللّه واتّباع ما أتاهم به من عنده هم فيما:
- حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوحٍ.
وكانت مساكنهم الشّحر من أرض اليمن، وما والى بلاد حضرموتٍ إلى عمان.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: إنّ عادًا قومٌ كانوا باليمن بالأحقاف.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، عن محمّد بن عبد اللّه بن أبي سعيدٍ الخزاعيّ، عن أبي الطّفيل عامر بن واثلة قال: سمعت عليّ بن أبي طالبٍ، عليه السّلام يقول لرجلٍ من حضرموتٍ:
«هل رأيت كثيبًا أحمر يخالطه مدرةٌ حمراء ذا أراكٍ وسدرٍ كثيرٍ بناحية كذا وكذا من أرض حضرموتٍ، هل رأيته؟»، قال: نعم يا أمير المؤمنين، واللّه إنّك لتنعته نعت رجلٍ قد رآه. قال: «لا، ولكنّي قد حدّثت عنه». فقال الحضرميّ: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال:«فيه قبر هودٍ صلوات اللّه عليه».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كانت منازل عادٍ وجماعتهم حين بعث اللّه فيهم هودًا الأحقاف، قال: والأحقاف: الرّمل فيما بين عمان إلى حضرموتٍ باليمن، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلّها، وقهروا أهلها بفضل قوّتهم الّتي آتاهم اللّه، وكانوا أصحاب أوثانٍ يعبدونها من دون اللّه: صنمٌ يقال له: صداءٌ، وصنمٌ يقال له: صمودٌ، وصنمٌ يقال له: الهباء. فبعث اللّه إليهم هودًا، وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم موضعًا، فأمرهم أن يوحّدوا اللّه ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يكفّوا عن ظلم النّاس، ولم يأمرهم فيما يذكر واللّه أعلم بغير ذلك. فأبوا عليه وكذّبوه، وقالوا: من أشدّ منّا قوّةً؟ واتّبعه منهم ناسٌ وهم يسيرٌ، يكتمون إيمانهم، وكان ممّن آمن به وصدّقه رجلٌ من عادٍ يقال له مرثد بن سعد بن عفيرٍ، وكان يكتم إيمانه، فلمّا عتوا على اللّه وكذّبوا نبيّهم، وأكثروا في الأرض الفساد، وتجبّروا وبنوا بكلّ ريعٍ آيةً عبثًا بغير نفعٍ، كلّمهم هودٌ فقال: {أتبنون بكلّ ريعٍ آيةً تعبثون وتتّخذون مصانع لعلّكم تخلدون. وإذا بطشتم بطشتم جبّارين فاتّقوا اللّه وأطيعون}، {قالوا يا هود ما جئتنا ببيّنةٍ وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ}: أي ما هذا الّذي جئتنا به إلاّ جنونٌ أصابك به بعض آلهتنا هذه الّتي تعيب، قال: {إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ ممّا تشركون من دونه فكيدوني جميعًا ثمّ لا تنظرون}، إلى قوله: {صراطٍ مستقيمٍ}، فلمّا فعلوا ذلك أمسك اللّه عنهم المطر من السّماء ثلاث سنين فيما يزعمون، حتّى جهدهم ذلك. وكان النّاس في ذلك الزّمان إذا نزل بهم بلاءٌ أو جهدٌ، فطلبوا إلى اللّه الفرج منه، كانت طلبتهم إلى اللّه عند بيته الحرام بمكّة، مسلمهم ومشركهم، فيجتمع بمكّة ناسٌ كثيرٌ شتّى مختلفةٌ أديانهم، وكلّهم معظّمٌ لمكّة يعرف حرمتها ومكانها من اللّه.
قال ابن إسحاق: وكان البيت في ذلك الزّمان معروفًا مكانه، والحرم قائمًا فيما يذكرون، وأهل مكّة يومئذٍ العماليق، وإنّما سمّوا العماليق لأنّ أباهم عمليق بن لاوذ بن سام بن نوحٍ، وكان سيّد العماليق إذ ذاك بمكّة فيما يزعمون رجلاً يقال له: معاوية بن بكرٍ، وكان أبوه حيًّا في ذلك الزّمان ولكنّه كان قد كبر، وكان ابنه يرأس قومه، وكان السّؤدد والشّرف من العماليق فيما يزعمون في أهل ذلك البيت، وكانت أمّ معاوية بن بكرٍ كلهدة ابنة الخيبريّ رجلٍ من عادٍ. فلمّا قحط المطر عن عادٍ وجهدوا، قالوا: جهّزوا منكم وفدًا إلى مكّة، فليستسقوا لكم، فإنّكم قد هلكتم، فبعثوا قيل بن عيرٍ، ولقيم بن هزّالٍ من هذيلٍ، وعقيل بن ضدّ بن عادٍ الأكبر، ومرثد بن سعد بن عفيرٍ، وكان مسلمًا يكتم إسلامه، وجلهمة بن الخيبريّ خال معاوية بن بكرٍ أخو أمّه، ثمّ بعثوا لقمان بن عاد بن فلان بن فلان بن ضدّ بن عادٍ الأكبر. فانطلق كلّ رجلٍ من هؤلاء القوم معه رهطٌ من قومه حتّى بلغ عدّة وفدهم سبعين رجلاً. فلمّا قدموا مكّة، نزلوا على معاوية بن بكرٍ وهو بظاهر مكّة خارجًا من الحرم، فأنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره. فلمّا نزل وفد عادٍ على معاوية بن بكرٍ، أقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر وتغنّيهم الجرادتان، قينتان لمعاوية بن بكرٍ، وكان مسيرهم شهرًا ومقامهم شهرًا. فلمّا رأى معاوية بن بكرٍ طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوّثون بهم من البلاء الّذي أصابهم، شقّ ذلك عليه، فقال: هلك أخوالي وأصهاري، وهؤلاء مقيمون عندي وهم ضيفي نازلون عليّ، واللّه ما أدري كيف أصنع بهم، إن أمرتهم بالخروج إلى ما بعثوا له فيظنّوا أنّه ضيقٌ منّي بمقامهم عندي، وقد هلك من وراءهم من قومهم جهدًا وعطشًا. أو كما قال. فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين، فقالتا: قل شعرًا نغنّيهم به لا يدرون من قاله، لعلّ ذلك أنّ يحرّكهم. فقال معاوية بن بكرٍ حين أشارتا عليه بذلك:
ألا يا قيل ويحك قم فهينم ....... لعلّ اللّه يسقينا غماما
فيسقي أرض عادٍ إنّ عادًا ....... قد امسوا لا يبينون الكلاما

من العطش الشّديد فليس نرجو ....... به الشّيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهم بخيرٍ ....... فقد أمست نساؤهم عيامى
وإنّ الوحش يأتيهم جهارًا
....... ولا يخشى لعاديٍّ سهاما
وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم
....... نهاركم وليلكم التّماما
فقبّح وفدكم من وفد قومٍ
....... ولا لقّوا التّحيّة والسّلاما
فلمّا قال معاوية ذلك الشّعر، غنّتهم به الجرادتان، فلمّا سمع القوم ما غنّتا به قال بعضهم لبعضٍ: يا قوم، إنّما بعثكم قومكم يتغوّثون بكم من هذا البلاء الّذي نزل بهم، وقد أبطأتم عليهم، فادخلوا هذا الحرم واستسقوا لقومكم، فقال لهم مرثد بن سعد بن عفيرٍ: إنّكم واللّه لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيّكم وأنبتم إليه سقيتم. فأظهر إسلامه عند ذلك، فقال لهم جلهمة بن الخيبريّ خال معاوية بن بكرٍ حين سمع قوله وعرف أنّه قد اتّبع دين هودٍ وآمن به:
أبا سعدٍ فإنّك من قبيلٍ ....... ذوي كرمٍ وأمّك من ثمود.
فإنّا لا نطيعك ما بقينا
....... ولسنا فاعلين لما تريد
أتأمرنا لنترك دين رفدٍ
....... ورملٍ والصّداء مع الصّمود
ونترك دين آباءٍ كرامٍ
....... ذوي رأي ونتبع دين هود
ثمّ قالوا لمعاوية بن بكرٍ وأبيه بكرٍ: احبسا عنّا مرثد بن سعدٍ، فلا يقدمنّ معنا مكّة، فإنّه قد اتّبع دين هودٍ وترك ديننا، ثمّ خرجوا إلى مكّة يستسقون بها لعادٍ، فلمّا ولّوا إلى مكّة، خرج مرثد بن سعدٍ من منزل معاوية بن بكرٍ، حتّى أدركهم بها، فقال: لا أدعو اللّه بشيءٍ ممّا خرجوا له، فلمّا انتهى إليهم، قام يدعو اللّه بمكّة، وبها وفد عادٍ قد اجتمعوا يدعون يقول: اللّهمّ أعطني سؤلي وحدي، ولا تدخلني في شيءٍ ممّا يدعوك به وفد عادٍ، وكان قيل بن عيرٍ رأس وفد عادٍ، وقال وفد عادٍ: اللّهمّ أعط قيلاً ما سألك، واجعل سؤلنا مع سؤله. وكان قد تخلّف عن وفد عادٍ حين دعا لقمان بن عادٍ وكان سيّد عادٍ، حتّى إذا فرغوا من دعوتهم قام فقال: اللّهمّ إنّي جئتك وحدي في حاجتي، فأعطني سؤلي، وقال قيل بن عيرٍ حين دعا: يا إلهنا، إن كان هودٌ صادقًا فاسقنا، فإنّا قد هلكنا، فأنشأ اللّه لهم سحائب ثلاثًا: بيضاء وحمراء وسوداء، ثمّ ناداه منادٍ من السّحاب: يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذه السّحائب، فقال: اخترت السّحابة السّوداء فإنّها أكثر السّحاب ماءً، فناداه منادٍ: اخترت رمادًا رمددًا، لا تبق من آل عادٍ أحدًا، لا والدًا تترك ولا ولدًا، إلاّ جعلته همّدًا، إلاّ بني اللّوذيّة المهدّى. وبني اللّوذيّة بنو لقيم بن هزّال بن هزيلة بن بكرٍ، وكانوا سكّانًا بمكّة مع أخوالهم، ولم يكونوا مع عادٍ بأرضهم، فهم عادٌ الآخرة ومن كان من نسلهم الّذين بقوا من عادٍ. وساق اللّه السّحابة السّوداء فيما يذكرون الّتي اختارها قيل بن عيرٍ بما فيها من النّقمة إلى عادٍ، حتّى خرجت عليهم من وادٍ يقال له: المغيث، فلمّا رأوها استبشروا بها، وقالوا: {هذا عارضٌ ممطرنا}، يقول اللّه: {بل هو ما استعجلتم به ريحٌ فيها عذابٌ أليمٌ تدمّر كلّ شيءٍ بأمر ربّها}، أي كلّ شيءٍ أمرت به.
وكان أوّل من أبصر ما فيها وعرف أنّها ريحٌ فيما يذكرون امرأةٌ من عادٍ يقال لها مهدد. فلمّا تيقّنت ما فيها، صاحت ثمّ صعقت، فلمّا أن أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مهدد؟ قالت: رأيت ريحًا فيها كشهب النّار، أمامها رجالٌ يقودونها. فسخّرها اللّه عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيّامٍ حسومًا، كما قال اللّه، والحسوم: الدّائمة فلم تدع من عادٍ أحدًا إلاّ هلك. فاعتزل هودٌ فيما ذكر لي ومن معه من المؤمنين في حظيرةٍ، ما يصيبه ومن معه من الرّيح إلاّ ما تلين عليه الجلود وتلتذّ به الأنفس، وإنّها لتمرّ على عادٍ بالظّعن بين السّماء والأرض وتدمغهم بالحجارة. وخرج وفد عادٍ من مكّة، حتّى مرّوا بمعاوية بن بكرٍ وابنه، فنزلوا عليه، فبينما هم عنده إذ أقبل رجلٌ على ناقةٍ له في ليلةٍ مقمرةٍ مساء ثالثةٍ من مصاب عادٍ، فأخبرهم الخبر، فقالوا له: أين فارقت هودًا وأصحابه؟ قال: فارقتهم بساحل البحر، فكأنّهم شكّوا فيما حدّثهم به، فقالت هذيلة بنت بكرٍ: صدق وربّ الكعبة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، قال: حدّثنا عاصمٌ، عن الحارث بن حسّان البكريّ، قال: قدمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فمررت على امرأةٍ بالرّبذة، فقالت: هل أنت حاملي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قلت: نعم. فحملتها حتّى قدمت المدينة، فدخلت المسجد، فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المنبر، وإذا بلالٌ متقلّدٌ السّيف، وإذا راياتٌ سودٌ، قال: قلت: ما هذا؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من غزوته. فلمّا نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من على منبره أتيته فاستأذنت فأذن لي، فقلت: يا رسول اللّه، إنّ بالباب امرأةً من بني تميمٍ، وقد سألتني أن أحملها إليك. قال:«يا بلال ائذن لها
»، قال: فدخلت، فلمّا جلست قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هل بينكم وبين تميمٍ شيءٌ؟» قلت: نعم، وكانت لنا الدّائرة عليهم، فإن رأيت أن تجعل الدّهناء بيننا وبينهم حاجزًا فعلت. قال تقول المرأة: فإلى أين يضطرّ مضطرّك يا رسول اللّه؟ قال:«قلت: إنّ مثلي مثل ما قال الأوّل: معزًى حملت حتفها». قال: قلت: وحملتك تكونين عليّ خصمًا؟ أعوذ باللّه أن أكون كوافد عادٍ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «وما وافد عادٍ؟» قال: قلت: على الخبير سقطت، إنّ عادًا قحطت، فبعثت من يستسقي لها، فبعثوا رجالاً، فمرّوا على بكر بن معاوية فسقاهم الخمر وتغنّتهم الجرادتان شهرًا، ثمّ فصلوا من عنده حتّى أتوا جبال مهرة، فدعوا، فجاءت سحاباتٌ، قال: وكلّما جاءت سحابةٌ قال: اذهبي إلى كذا، حتّى جاءت سحابةٌ، فنودي: خذها رمادًا رمددًا، لا تدع من عادٍ أحدًا. قال فسمعه وكلّمهم، حتّى جاءهم العذاب.
قال أبو كريبٍ: قال أبو بكرٍ بعد ذلك في حديث عادٍ، قال: فأقبل الّذين أتاهم فأتى جبال مهرة، فصعد فقال: اللّهمّ إنّي لم أجئك لأسيرٍ فأفاديه، ولا لمريضٍ فأشفيه، فاسق عادًا ما كنت مسقيه قال: فرفعت له سحاباتٌ، قال: فنودي منها: اختر قال: فجعل يقول: اذهبي إلى بني فلانٍ، اذهبي إلى بني فلانٍ. قال فمرّت آخرها سحابةٌ سوداء، فقال: اذهبي إلى عادٍ. فنودي منها: خذها رمادًا رمددًا لا تدع من عادٍ أحدًا. قال: وكلّمهم، والقوم عند بكر بن معاوية يشربون، قال: وكره بكر بن معاوية أن يقول لهم من أجل أنّهم عنده وأنّهم في طعامه. قال: فأخذ في الغناء وذكّرهم.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا زيد بن الحباب قال: حدّثنا سلاّمٌ أبو المنذر النّحويّ قال: حدّثنا عاصمٌ، عن أبي وائلٍ، عن الحارث بن يزيد البكريّ قال: خرجت لأشكو العلاء بن الحضرميّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فمررت بالرّبذة، فإذا عجوزٌ منقطعٌ بها من بني تميمٍ، فقالت: يا عبد اللّه، إنّ لي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حاجةً، فهل أنت مبلّغي إليه؟ قال: فحملتها فقدمت المدينة.
قال: فإذا راياتٌ، قلت: ما شأن النّاس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهًا، قال: فجلست حتّى فرغ. قال: فدخل منزله أو قال: رحله فاستأذنت عليه، فأذن لي فدخلت، فقعدت، فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«هل كان بينكم وبين تميمٍ شيءٌ؟» قلت: نعم، وكانت لنا الدّائرة عليهم، وقد مررت بالرّبذة فإذا عجوزٌ منهم منقطعٌ بها، فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب. فأذن لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فدخلت فقلت: يا رسول اللّه، اجعل بيننا وبين تميمٍ الدّهناء حاجزًا، فحميت العجوز واستوفزت وقالت: إلى أين يضطرّ مضطرّك يا رسول اللّه؟ قال: قلت: أنا كما قال الأوّل: معزًى حملت حتفها، حملت هذه ولا أشعر أنّها كانت لي خصمًا، أعوذ باللّه ورسوله أن أكون كوافد عادٍ، قال:«وما وافد عادٍ؟» قال: على الخبير سقطت، قال: وهو يستطعمني الحديث، قلت: إنّ عادًا قحطوا فبعثوا قيلاً وافدًا، فنزل على بكرٍ، فسقاه الخمر شهرًا، وغنّته جاريتان يقال لهما الجرادتان، فخرج إلى جبال مهرة، فنادى: إنّي لم أجئ لمريضٍ فأداويه، ولا لأسيرٍ فأفاديه، اللّهمّ اسق عادًا ما كنت مسقيه، فمرّت به سحاباتٌ سودٌ، فنودي منها: خذها رمادًا رمددًا، لا تبق من عادٍ أحدًا.
قال: فكانت المرأة تقول: لا تكن كوافد عادٍ، ففيما بلغني أنّه ما أرسل عليهم من الرّيح يا رسول اللّه إلاّ قدر ما يجري في خاتمي قال أبو وائلٍ: فكذلك بلغني.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره}، إنّ عادًا أتاهم هودٌ، فوعظهم وذكّرهم بما قصّ اللّه في القرآن. فكذّبوه وكفروا، وسألوه أن يأتيهم العذاب، فقال لهم: {إنّما العلم عند اللّه وأبلّغكم ما أرسلت به}، وإنّ عادًا أصابهم حين كفروا قحوط المطر، حتّى جهدوا لذلك جهدًا شديدًا، وذلك أنّ هودًا دعا عليهم، فبعث اللّه عليهم الرّيح العقيم، وهي الرّيح الّتي لا تلقح الشّجر، فلمّا نظروا إليها قالوا: {هذا عارضٌ ممطرنا}، فلمّا دنت منهم نظروا إلى الإبل والرّجال تطير بهم الرّيح بين السّماء والأرض، فلمّا رأوها تنادوا: البيوت فلمّا دخلوا البيوت دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثمّ أخرجتهم من البيوت، فأصابتهم في يوم نحسٍ، والنّحس: هو الشّؤم، ومستمرٌّ استمرّ عليهم العذاب سبع ليالٍ وثمانية أيّامٍ حسومًا، حسمت كلّ شيءٍ مرّت به.
فلمّا أخرجتهم من البيوت قال اللّه: {تنزع النّاس} من البيوت، {كأنّهم أعجاز نخلٍ منقعرٍ}، انقعر من أصوله، خاويةٌ: خوت فسقطت. فلمّا أهلكهم اللّه، أرسل إليهم طيرًا سودًا، فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه، فذلك قوله: {فأصبحوا لا يرى إلاّ مساكنهم}، ولم تخرج ريحٌ قطّ إلاّ بمكيالٍ إلاّ يومئذٍ، فإنّها عتت على الخزنة فغلبتهم، فلم يعلموا كم كان مكيالها، وذلك قوله: {فأهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ}، والصّرصر: ذات الصّوت الشّديد). [جامع البيان: 10/ 262-279]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم على رجلٍ منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ وزادكم في الخلق بسطةً فاذكروا آلاء اللّه لعلّكم تفلحون (69)}
قوله تعالى: {أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم على رجلٍ منكم لينذركم}:
وبه، عن السّدّيّ يعني قوله: لينذركم قال: فأتاهم يعني هودًا فوعظهم وذكّرهم.
قوله تعالى: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ}:
وبه، عن السّدّيّ قوله: واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ أما خلفاء فذهب بقوم نوحٍ واستخلفكم بعدهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ إلى ساكن الأرض من بعد قوم نوحٍ
قوله تعالى: {وزادكم في الخلق بصطة}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وزادكم في الخلق بصطة}، قال: شده.
- أخبرنا أبو زيدٍ القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وزادكم في الخلق بصطة}، قال: في القوّة قوّة عادٍ.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباط، عن السّدّيّ قوله: {وزادكم في الخلق بصطة} في الطّول.
قوله تعالى: {فاذكروا آلاء اللّه}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله:
{فاذكروا آلاء اللّه}؛ يقول: اذكروا نعم اللّه عليكم من الآلاء- وروي، عن مجاهدٍ، وقتادة، والسّدّيّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم نحو ذلك.
قوله تعالى: {لعلّكم تفلحون}؛
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أنبأ أبو صخرٍ المدنيّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ أنّه كان يقول في هذه الآية: {لعلّكم تفلحون}؛ يقول: لعلّكم تفلحون غدًا إذا لقيتموني). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1509-1510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن عاد كانوا باليمن بالأحقاف والأحقاف: هي الرمال. وفي قوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح}؛ قال: ذهب بقوم نوح واستخلفكم بعدهم، {وزادكم في الخلق بسطة}؛ قال: في الطول.
- وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: كان الرجل من عاد ستين ذراعا بذراعهم وكان هامة الرجل مثل القبة العظيمة وكان عين الرجل ليفرخ فيها السباع وكذلك مناخرهم.
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة: {وزادكم في الخلق بسطة}؛ قال: ذكرلنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعا طوالا.
- وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال: كان الرجل ممن كان قبلكم بين منكبيه ميل.
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس قال: كان الرجل في خلقه ثمانون باعا وكانت البرة فيهم ككلية البقر والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس: {وزادكم في الخلق بسطة}؛ قال: شدة.
- وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال:«
إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراع من الحجارة لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن ينقلوه وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها».
- وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ثور بن زيد الديلمي قال: قرأت كتابا: أنا شداد بن عاد أنا الذي رفعت العماد وأنا الذي سددت بدرا عن بطن واد وأنا الذي كنزت كنزا في البحر على تسع أذرع لا يخرجه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
- وأخرج ابن بكار عن ثور بن زيد قال: جئت اليمن فإذا أنا برجل لم أر أطول منه قط فعجبت. قالوا: تعجب من هذا قلت: والله ما رأيت أطول من ذا قط، قالوا: فو الله لقد ساقا أو ذراعا فذرعناها بذراع هذا فوجدناها ست عشرة ذراعا.
- وأخرج الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم قال: كان في الزمن الأول تمضي أربعمائة سنة ولم يسمع فيها بجنازة.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {آلاء الله} قال: نعم الله. وفي قوله: {رجس}؛ قال: سخط). [الدر المنثور: 6/ 448-450]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا أجئتنا لنعبد اللّه وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين}.
يقول تعالى ذكره: قالت عادٌ لهودٍ: أجئتنا تتوعّدنا بالعقاب من اللّه على ما نحن عليه من الدّين كي نعبد اللّه وحده وندين له بالطّاعة خالصًا ونهجر عبادة الآلهة والأصنام الّتي كان آباؤنا يعبدونها ونتبرّأ منها؟ فلسنا فاعلي ذلك ولا متّبعيك على ما تدعونا إليه، فأتنا بما تعدنا من العقاب والعذاب على تركنا إخلاص التّوحيد للّه، وعبادتنا ما نعبد من دونه من الأوثان إن كنت من أهل الصّدق على ما تقول وتعد). [جامع البيان: 10/ 279]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قالوا أجئتنا لنعبد اللّه وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين (70)}
قوله تعالى: {أجئتنا لنعبد اللّه وحده ونذر ما كان يعبد أباؤنا إلى الصّادقين}.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة في قوله: {من الصّادقين}؛ قال: الصّدق في النّيّة والصّدق في العمل، والصّدق في اللّيل والنّهار، والصّدق في السّرّ والعلانية). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1510-1511]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال قد وقع عليكم من ربّكم رجسٌ وغضبٌ أتجادلونني في أسماءٍ سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما نزّل اللّه بها من سلطانٍ فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين}.
يقول تعالى ذكره: قال هودٌ لقومه: قد حلّ بكم عذابٌ وغضبٌ من اللّه.
وكان أبو عمرو بن العلاء فيما ذكر لنا عنه، يزعم أنّ الرّجز والرّجس بمعنًى واحدٍ، وأنّها مقلوبةٌ، قلبت السّين زايًا، كما قلبت شئزٌ وهي من شئسٍ بسينٍ، وكما قالوا قربوسٌ وقربوزٌ، وكما قال الرّاجز:
ألا لحى اللّه بني السّعلات ....... عمرو بن يربوعٍ لئام النّات
ليسوا بأعفافٍ ولا أكيات
يريد النّاس وأكياس، فقلبت السّين تاءً، كما قال رؤبة:
كم قد رأينا من عديد مبزي ....... حتّى وقمنا كيده بالرّجز
روي عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول: الرّجز: السّخط.
- حدّثني بذلك المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن عليّ بن أبى طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قد وقع عليكم من ربّكم رجسٌ}، يقول: سخطٌ.
وأمّا قوله: {أتجادلونني في أسماءٍ سمّيتموها أنتم وآباؤكم}، فإنّه يقول: أتخاصمونني في أسماءٍ سمّيتموها أصنامًا لا تضرّ ولا تنفع أنتم وآباؤكم {ما نزّل اللّه بها من سلطانٍ}، يقول: ما جعل اللّه لكم في عبادتكم إيّاها من حجّةٍ تحتجّون بها ولا معذرةٍ تعتذرون بها، لأنّ العبادة إنّما هي لمن ضرّ ونفع، وأثاب على الطّاعة وعاقب على المعصية، ورزق ومنع، فأمّا الجماد من الحجارة والحديد والنّحاس فإنّه لا نفع فيه ولا ضرّ، إلاّ أن تتّخذ منه آلةً، ولا حجّة لعابدٍ عبده من دون اللّه في عبادته إيّاه، لأنّ اللّه يأذن بذلك، فيعذر من عبده بأنّه يعبده اتّباعًا منه أمر اللّه في عبادته إيّاه، ولا هو إذ كان اللّه لم يأذن في عبادته ممّا يرجى نفعه أو يخاف ضرّه في عاجلٍ أو آجلٍ، فيعبد رجاء نفعه أو دفع ضرّه. {فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين}، يقول: فانتظروا حكم اللّه فينا وفيكم، إنّي معكم من المنتظرين حكمه وفصل قضائه فينا وفيكم). [جامع البيان: 10/ 279-281]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال قد وقع عليكم من ربّكم رجسٌ وغضبٌ أتجادلونني في أسماءٍ سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما نزّل اللّه بها من سلطانٍ فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين (71)}
قوله تعالى: {قد وقع عليكم من ربّكم رجسٌ وغضبٌ}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {قد وقع عليكم من ربكم رجس}؛ يقول سخطٌ.
- أخبرنا أبو يزيد فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت ابن زيدٍ يقول: في قوله: {قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب}؛ قال: جاءهم منهم عذابٌ وغضبٌ، قال: سمّي الرّجس هاهنا عذابٌ، وقال: الرّجس كلّه، عذابٌ في القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1511]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {آلاء الله} قال: نعم الله. وفي قوله {رجس} قال: سخط.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {قد وقع عليكم من ربكم رجس}، قال: جاءهم منه عذاب والرجس: كله عذاب في القرآن.
- وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {رجس وغضب}؛ قال: الرجس: اللعنة والغضب: العذاب. قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر وهو يقول:
إذا سنة كانت بنجد محيطة ....... وكان عليهم رجسها وعذابها). [الدر المنثور: 6/ 450]

تفسير قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأنجيناه والّذين معه برحمةٍ منّا وقطعنا دابر الّذين كذّبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: فأنجينا نوحًا والّذين معه من أتباعه على الإيمان به والتّصديق به وبما عاد إليه من توحيد اللّه وهجر الآلهة والأوثان {برحمةٍ منّا وقطعنا دابر الّذين كذّبوا بآياتنا}، يقول: وأهلكنا الّذين كذّبوا من قوم هودٍ بحججنا جميعًا عن آخرهم، فلم نبق منهم أحدًا.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وقطعنا دابر الّذين كذّبوا بآياتنا}، قال: استأصلناهم.
وقد بيّنّا فيما مضى معنى قوله: {فقطع دابر القوم الّذين ظلموا} بشواهده بما أغنى عن إعادته. {وما كانوا مؤمنين} يقول: لم يكونوا مصدّقين باللّه ولا برسوله هودٍ). [جامع البيان: 10/ 281]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فأنجيناه والّذين معه برحمةٍ منّا وقطعنا دابر الّذين كذّبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين (72)}
قوله تعالى: {فأنجيناه والّذين معه}
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال: واعتزل هو- فيما ذكر لي- ومن معه من المؤمنين في حظيرةٍ ما يصيبه ومن معه إلا ما تلين عليه الجلود، وتلتذّ الأنفس، وأنّها تمرّ من عادٍ بالظّعن ما بين السّماء والأرض وندمغهم بالحجارة.
قوله تعالى: {وقطعنا دابر الّذين كذّبوا بآياتنا}
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ، قال: سمعت ابن زيدٍ يقول في قول اللّه: {وقطعنا دابر الّذين كذّبوا بآياتنا}؛ قال: استأصلناهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1511]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لما أوحى الله إلى العقيم أن تخرج على قوم عاد فتنتقم له منهم فخرجت بغير كيل على قدر منخر ثور حتى رجفت الأرض ما بين المشرق والمغرب فقال الخزان: رب لن نطيقها ولو خرجت على حالها لأهلكت ما بين مشارق الأرض ومغاربها فأوحى الله إليها: أن ارجعي. فرجعت فخرجت على قدر خرق الخاتم وهي الحلقة فأوحى الله إلى هود: أن يعتزل بمن معه من المؤمنين في حظيرة فاعتزلوا وخط عليهم خطا وأقبلت الريح فكانت لا تدخل حظيرة هود ولا تجاوز الخط إنما يدخل عليهم منها بقدر ما تلذ به أنفسهم وتلين عليه الجلود وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة وأوحى الله إلى الحيات والعقارب: أن تأخذ عليهم الطرق فلم تدع عاديا يجاوزهم.
- وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: لما أرسل الله الريح على عاد اعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلتذه الأنفس وإنها لتمر بالعادي فتحمله بين السماء والأرض وتدمغه بالحجارة.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وقطعنا دابر الذين كذبوا}، قال: استأصلناهم.
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن هزين بن حمزة قال: سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ربه أن يريه رجلا من قوم عاد فكشف الله له عن الغطاء فإذا رأسه بالمدينة ورجلاه بذي الحليفة أربعة أميال طوله.
- وأخرج ابن عساكر من طريق سالم بن أبي الجعد عن عبد الله قال: ذكر الأنبياء عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلما ذكر هود قال:«ذاك خليل الله».
- وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي عسفان فقال: «لقد مر به هود وصالح على بكرات حمر خطمهن الليف ازرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون ويحجون البيت العتيق».
- وأخرج ابن عساكر عن ابن سابط قال: بين المقام والركن وزمزم قبر تسعة وسبعون نبيا وإن قبر نوح وهود وشعيب وصالح واسمعيل في تلك البقعة.
- وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال: ما يعلم قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة. قبر إسمعيل فإنه تحت الميزاب بين الركن والبيت وقبر هود فإنه في حقف تحت جبل من جبال اليمن عليه شجرة وموضعه أشد الأرض حرا وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذه قبورهم حق.
- وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير، وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال: قبر هود بحضرموت في كثيب أحمر عند رأسه سدرة.
- وأخرج ابن عساكر عن عثمان بن أبي العاتكة قال: قبلة مسجد دمشق قبر هود عليه السلام.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال: كان عمر هود أربعمائة واثنتين وسبعين سنة.
- وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: عجائب الدنيا أربعة. مرآة كانت معلقة بمنارة الإسكندرية فكان يجلس الجالس تحتها فيبصر من بالقسطنطينية وبينهما عرض البحر وفرس كان من نحاس بأرض الأندلس قائلا بكفه كذا باسطا يده أي ليس خلفي مسلك فلا يطأ تلك البلاد أحد إلا أكلته النمل ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض عاد فإذا كانت الأشهر الحرم هطل منه الماء فشرب الناس وسقوا وصبوا في الحياض فإذا انقطعت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء وشجرة من نحاس عليها سودانية من نحاس بأرض رومية إذا كان أوان الزيتون صفرت السودانية التي من نحاس فتجيء كل سودانية من الطيارات بثلاث زيتونات زيتونتين برجليها وزيتونة بمنقارها حتى تلقيه على تلك السودانية النحاس فيعصر أهل رومية ما يكفيهم لأدامهم وسرجهم شتويتهم إلى قابل). [الدر المنثور: 6/ 451-454]


رد مع اقتباس