الموضوع: سورة البقرة
عرض مشاركة واحدة
  #43  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 06:13 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {وَٱلْمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٍۢ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِىٓ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوٓا۟ إِصْلَٰحًۭا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌۭ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(228)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (وقال تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهم أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً}.
وذلك أن الرجل كان إذا طلق زوجته كان أحق بردها إن كان قد طلقها ثلاثاً. فلما أنزل الله عز وجل: {الطلاق مرتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}. فضرب الله حينئذٍ أجلاً لمن مات أو لمن طلق. فقال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ}. فنسخها بآية الميراث التي فرض لهن فيها الربع والثمن.
). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله جل وعز: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فجعل عدة المطلقة ثلاث حيض ثم أنه نسخ منها عدة المطلقة التي طلقت ولم يدخل بها زوجها قال الله عز وجل في سورة الأحزاب : {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا} فهذه ليس عليها عدة إن شاءت تزوجت من يومها
وقد نسخ من الثلاثة قروء اثنان : {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} فهذه العجوز قد قعدت من الحيض {واللائي لم يحضن} فهذه البكر التي لم تبلغ الحيض فعدتها ثلاثة أشهر وليس الحيض من أمرهما في شيء
ثم نسخ من الثلاثة قروء الحامل فقال : {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فهذه أيضا ليست من القروء في شيء إنما أجلها أن تضع حملها
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله عز وجل {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} أي في القروء الثلاثة فنسخ منها المطلقة ثلاثا قال الله جل وعز: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} ). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية العشرون: قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [228 مدنية / البقرة / 2] هذه الآية جميعها محكم إلا كلاما في وسطها وهو قوله تعالي: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} الآية [228 مدنية / البقرة / 2] وناسخها قوله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان...} الآية [229 مدنية / البقرة / 2]) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] الآية قال أبو جعفرٍ: فممّن جعلها في النّاسخ والمنسوخ الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، وقتادة إلّا أنّ لفظ ابن عبّاسٍ أن قال: استثنى، ولفظ قتادة نسخ قال:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/27]
قال اللّه تبارك وتعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] ثمّ نسخ من الثّلاث الحيّض المطلّقات اللّواتي لم يدخل بهنّ في سورة الأحزاب فقال جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها} [الأحزاب: 49]، ونسخ الحيض عن أولات الحمل فقال جلّ وعزّ: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطلاق: 4]
قال أبو جعفرٍ: وقال غيرهما من العلماء ليس هذا بنسخٍ ولكنّه تبيينٌ بيّن جلّ وعزّ بهاتين الآيتين أنّه لم يرد بالأقراء الحوامل ولا اللّواتي لم يدخل بهنّ
ثمّ اختلف العلماء في الأقراء فقالوا فيها ثلاثة أقوالٍ
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا محمود بن حسّان، قال حدّثنا عبد الملك بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبو زيدٍ الأنصاريّ، قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء، يقول: «العرب تسمّي الطّهر قرءًا، وتسمّي الحيض قرءًا،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/28]
وتسمّي الطّهر مع الحيض جميعًا قرءًا»
وقال الأصمعيّ: «أصل القرء الوقت يقال أقرأت النّجوم إذا طلعت لوقتها»
قال أبو جعفرٍ: فلمّا صحّ في اللّغة أنّ القرء الطّهر، والقرء الحيض وأنّه لهما جميعًا وجب أن يطلب الدّليل على المراد بقوله {ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] من غير اللّغة إلّا أنّ بعض العلماء يقول: هي الأطهار ويردّه إلى اللّغة من جهة الاشتقاق وسنذكر قوله بعد ذكر ما في ذلك عن الصّحابة والتّابعين وفقهاء الأمصار
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/29]
فممّن قال الأقراء الأطهار عائشة بلا اختلافٍ عنها
كما قرئ على إسحاق بن إبراهيم بن جابرٍ، عن سعيد بن الحكم بن محمّد بن أبي مريم، قال حدّثنا عبد اللّه بن عمر بن حفصٍ، قال أخبرني عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «إنّما الأقراء الأطهار»
قال أبو جعفرٍ: وقد رواه الزّهريّ عن عروة وعمرة عن عائشة
وممّن روي عنه الأقراء الأطهار باختلافٍ ابن عمر، وزيد بن ثابتٍ
قال أبو جعفرٍ كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه كان يقول: «إذا طلّق الرّجل امرأته فرأت الدّم من الحيضة الثّالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/30]
وإنّما وقع الخلاف فيه عن ابن عمر
لأنّ بكر بن سهلٍ حدّثنا، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر، أنّه كان يقول: «إذا طلّق العبد امرأته اثنتين حرّمت عليه حتّى تنكح زوجًا غيره حرّةً كانت أو أمةً، وعدّة الأمة حيضتان وعدّة الحرّة ثلاث حيضٍ»
قال أبو جعفرٍ: والحديثان جميعًا في الموطّأ، فأمّا حديث زيدٍ ففيه روايتان
إحداهما من حديث الزّهريّ، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال «عدّة الأمة حيضتان، وعدّة الحرّة ثلاث حيضٍ»
والمخالف له
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/31]
ما حدّثنا إبراهيم بن شريكٍ، قال: حدّثنا أحمد يعني ابن عبد اللّه بن يونس، قال حدّثنا ليثٌ، عن نافعٍ، أنّ سليمان بن يسارٍ، حدّثه " أنّ الأحوص وهو ابن حكيمٍ طلّق امرأته بالشّام فهلك وهي في آخر حيضتها يعني الثّالثة فكتب معاوية إلى زيد بن ثابتٍ يسأله فكتب إليه لا ترثه ولا يرثها وقد برئت منه وبرئ منها، قال نافعٌ: فقال عبد اللّه بن عمر مثل ذلك "
وقرئ على بكر بن سهلٍ، عن سعيد بن منصورٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن عمرة، عن عائشة، وعن سليمان بن يسارٍ، عن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/32]
زيد بن ثابتٍ، قالا «يبينها من زوجها إذا طعنت في الحيضة الثّالثة»
قال أبو جعفرٍ: فهؤلاء الصّحابة الّذين روي عنهم أنّ الأقراء الأطهار وهم ثلاثةٌ
فأمّا التّابعون وفقهاء الأمصار ففيهم القاسم، وسالم، وسليمان بن يسارٍ، وأبو بكر بن عبد الرّحمن، وأبان بن عثمان، ومالك بن أنسٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/33]
والشّافعيّ، وأبو ثورٍ
وأمّا الّذين قالوا الأقراء الحيض فأحد عشر من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بلا اختلافٍ عنهم وزيادة اثنين باختلافٍ
كما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال: وحدّثنا خالد بن إسماعيل، ووكيع بن الجرّاح، قالا: حدّثنا عيسى بن أبي عيسى، عن الشّعبيّ، قال أحد عشر من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أو اثنا عشر الخير فالخير منهم عمر وزاد وكيعٌ وأبو بكرٍ قالا وعليٌّ، وابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ: «إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقةً أو تطليقتين فله عليها الرّجعة ما لم تغتسل من القرء الثّالث وقال وكيعٌ في حديثه ما لم تغتسل من حيضتها الثّالثة»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/34]
قال أبو جعفرٍ: «الأحد عشر أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٌّ وابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ، ومعاذٌ وعبادة وأبو الدّرداء، وأبو موسى وأنسٌ والاثنان بالاختلاف ابن عمر، وزيدٌ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/35]
قرئ على بكر بن سهلٍ، عن سعيد بن منصورٍ، قال حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، في الرّجل يطلّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين قال: قال عليٌّ: «هو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة»
قال سفيان، حدّثنا منصورٌ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر، وابن مسعودٍ أنّهما قالا: «هو أحقّ بها ما لم تغتسل»
قال سفيان: وحدّثنا أيّوب، عن الحسن عن أبي موسى الأشعريّ،: مثل ذلك
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/36]
ومن التّابعين وفقهاء الأمصار سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، وطاووسٌ، وعطاءٌ والضّحّاك ومحمّد بن سيرين، والشّعبيّ، والحسن، وقتادة، والأوزاعيّ، والثّوريّ، وأبو حنيفة وأصحابه،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/37]
وإسحاق، وأبو عبيدٍ
وحكى الأثرم عن أحمد بن حنبلٍ أنّه كان يقول الأقراء الأطهار ثمّ وقف فقال: وكان الأكابر من أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم يقولون غير هذا
قال أبو جعفرٍ: فهذا ما جاء عن العلماء بالرّوايات ونذكر ما في ذلك من النّظر واللّغة من احتجاجاتهم إذ كان الخلاف قد وقع، فمن أحسن ما احتجّ به من قال الأقراء الأطهار قوله جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] فأخبر جلّ وعزّ أنّ القروء هي العدد، والعدد عقيبة الطّلاق
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/38]
وإنّما يكون الطّلاق في الطّهر فلو كانت الأقراء هي الحيّض كان بين الطّلاق والعدّة فصلٌ واحتجّوا بالحديث
حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر " أنّه طلّق امرأته وهي حائضٌ فسأل عمر بن الخطّاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: «مره فليراجعها ثمّ ليمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر ثمّ إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ فتلك العدّة الّتي أمر اللّه جلّ وعزّ أن يطلّق لها النّساء» قال المحتجّ فتلك إشارةٌ إلى الطّهر
وفي حديث أبي الزّبير، عن ابن عمر، وتلا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: فطلّقوهنّ في قبل عدّتهنّ قال: «فقبل عدّتهنّ هو الطّهر»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/39]
قال أبو جعفرٍ: ومخالفه يحتجّ عليه بالحديث بعينه وسيأتي ذلك
واحتجّ بعضهم بأنّه من قريت الماء أي حبسته فكذا القرء: احتباس الحيض وهذا غلطٌ بيّنٌ لأنّ قريت الماء غير مهموزٍ وهذا مهموزٌ فاللّغة تمنع أخذ هذا من هذا
واحتجّ بعضهم بأنّ الآية ثلاثة قروءٍ بالهاء فوجب أن تكون للطّهر لأنّ الطّهر مذكّرٌ وعدد المذكّر يدخل فيه الهاء ولو كان للحيضة لقيل ثلاثٌ
قال أبو جعفرٍ: وهذا غلطٌ في العربيّة لأنّ الشّيء يكون له اسمان مذكّرٌ ومؤنّثٌ فإذا جئت بالمؤنّث أنّثته وإذا جئت بالمذكّر ذكّرته كما تقول رأيت ثلاث أدؤرٍ ورأيت ثلاثة منازل لأنّ الدّار مؤنّثةٌ والمنزل مذكّرٌ والمعنى واحدٌ
وأمّا احتجاج الّذين قالوا الأقراء الحيض فبشيءٍ من القرآن ومن الإجماع ومن السّنّة ومن القياس قالوا قال اللّه جلّ وعزّ {واللّائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ} [الطلاق: 4] فجعل الميئوس منه الحيض فدلّ على أنّه هو العدّة وجعل العوض منه الأشهر إذا كان معدومًا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/40]
وقال اللّه جلّ وعزّ: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1] وبيّن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ معنى {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1] أن يطلّق في طهرٍ لم يجامع فيه ولا تخلو لعدّتهنّ من أن يكون معناه ليعتددن في المستقبل أو يكون للحال أو للماضي، ومحالٌ أن تكون العدّة قبل الطّلاق أو أن يطلّقها في حال عدّتها فوجب أن تكون للمستقبل
قال أبو جعفرٍ: والطّهر كلّه جائزٌ أن يطلّق فيه وليس بعد الطّهر إلّا الحيض
وقال جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] قالوا: فإذا طلّقها في الطّهر ثمّ احتسبت به قرءًا فلم تعتدّ إلّا قرئين وشيئًا وليس هكذا نصّ القرآن وقد احتجّ محتجٌّ في هذا فقال: التّثنية جمعٌ واحتجّ بقوله جلّ وعزّ: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} [البقرة: 197] وإنّما ذلك شهران وأيّامٌ فهذا الاحتجاج غلطٌ لأنّه لم يقل جلّ وعزّ ثلاثة أشهرٍ فيكون مثل ثلاثة قروءٍ وإنّما هذا مثل قوله جلّ وعزّ: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] فلا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/41]
يجوز أن يكون أقلّ منها وكذا فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم
فأمّا من السّنّة:
فحدّثنا الحسن بن غليبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن عبد اللّه، قال أخبرني اللّيث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشجّ، عن المنذر بن المغيرة، عن عروة بن الزّبير، أنّ فاطمة ابنة أبي حبيشٍ أخبرته أنّها، أتت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فشكت إليه الدّم فقال: «إنّما ذلك عرقٌ فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلّي وإذا مرّ القرء فتطهّري ثمّ صلّي من القرء إلى القرء»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/42]
وهذا لفظ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم سمّى الحيض قرءًا في أربعة مواضع
وأمّا الإجماع: فأجمع المسلمون على الاستبراء بحيضةٍ
وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه بحضرة أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عدّة الأمة حيضتان نصف عدّة الحرّة ولو قدرت على أن أجعلها حيضةً ونصفًا لفعلت وهذا يدخل في باب الإجماع لأنّه لم ينكره عليه أحدٌ من الصّحابة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/43]
وقالوا قد أجمع العلماء على أنّ المطلّقة ثلاثًا إذا ولدت فقد خرجت من العدّة لا اختلاف في ذلك وإنّما اختلفوا في المتوفّى عنها زوجها قالوا فالقياس أن يكون الحيض بمنزلة الولد؛ لأنّهما جميعًا يخرجان من الجوف وفي سياق الآية أيضًا دليلٌ، قال اللّه جلّ وعزّ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} [البقرة: 228] فللعلماء في هذا قولان:
قال ابن عبّاسٍ «الحبل»
وقال الزّهريّ «الحيض»، وليس ثمّ دليلٌ يدلّ على اختصاص أحدهما فوجب أن يكون لهما جميعًا، وإنّما حظر عليها كتمان الحيض والحبل لأنّ زوجها إذا طلّقها طلاقًا يملك معه الرّجعة كان له أن يراجعها من غير أمرها ما لم تنقض عدّتها فإذا كرهته قالت قد حضت الحيضة الثّالثة أو قد ولدت لئلّا يراجعها فنهيت عن ذلك
قال جلّ وعزّ: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228]
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/44]
حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228] قال: «هو أحقّ بردّها في العدّة»
قال أبو جعفرٍ: التّقدير في العربيّة في ذلك الأجل وأمّا {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} [البقرة: 228]
فقال فيه ابن زيدٍ «عليه أيضًا أن يتّقي اللّه فيها» وأمّا {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} [البقرة: 228] ففيه أقوالٌ: فقال ابن زيدٍ: «عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها» قال الشّعبيّ: «إذا قذفها لاعن ولم يحدّ وإذا قذفته حدّت» ومن أحسن ما قيل فيه ما رواه عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: «ما أريد أن أستنظف حقوقي على زوجتي»
قال أبو جعفرٍ: ومعنى هذا أنّ اللّه تبارك وتعالى ندب الرّجال إلى أن يتفضّلوا على نسائهم وأن تكون لهم عليهنّ درجةٌ في العفو والتّفضل
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/45]
والاحتمال؛ لأنّ معنى: درجةٌ في اللّغة زيادةٌ وارتفاعٌ
قال أبو العالية: «واللّه عزيزٌ في انتقامه حكيمٌ في تدبيره» قال أبو جعفرٍ: وهذا قولٌ حسنٌ أي عزيزٌ في انتقامه ممّن خالف أمره وحدوده في أمر الطّلاق والعدّة حكيمٌ فيما دبّر لخلقه
واختلف العلماء في الآية الّتي تلي هذه فمنهم من جعلها ناسخةً ومنهم من جعلها منسوخةً ومنهم من جعلها محكمةً وهي الآية الثّالثة والعشرون
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/46]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (
الآية الثّالثة والعشرون قوله تعالى {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء} الآية أجمع النّاس على إحكام أولها وآخرها إلّا كلمات في وسطها وذلك أن الله تعالى جعل عدّة المطلقة ثلاثة قروء إذا كانت ممّن تحيض وإن كانت آيسة فثلاثة أشهر وإن كانت ممّن لم تحض فمثل ذلك والحوامل وضع حملهنّ فجميع ذلك محكم وهو أي المنسوخ من الآية قوله تعالى {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} وذلك أن الرجل كان يطلق المرأة وهي حامل وكان يخيّر في مراجعها ما لم تضع نزلت في رجل من غفار أو من أشجع يعرف بإسماعيل بن عبد الله جنى على امرأته فطلقها وهي حامل ثمّ لم يطلّ حكمها كما طال في حكم المنسوخ فكان أحق برجعتها ما لم تضع يقال أنه لم تضع امرأته حتّى نسخت وناسخها الآية
الّتي تلتها وبعض الثّالثة وهي قوله تعالى {الطلاق مرّتان} فإن قال قائل فأين الثّالثة قيل هي قوله تعالى {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} يروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون بل نسخها الله تعالى بالآية الّتي تليها وهي قوله تعالى {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره}
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية التّاسعة والعشرين: قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}.
قد ذهب جماعةٌ من القدماء إلى أنّ في هذه الآية منسوخًا ثمّ اختلفوا في المنسوخ منها على قولين:
أحدهما: أنّه قوله: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}.
قالوا: فكان يجب على كلّ مطلّقةٍ أن تعتدّ ثلاثة قروءٍ فنسخ من ذلك حكم الحامل بقوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}. ونسخ
حكم (الآيسة) والصّغيرة من ذلك بقوله: {واللاّئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ واللاّئي لم يحضن} ونسخ حكم المطلّقة قبل الدّخول بقوله: {إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها}.
وهذا مرويٌّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما وقتادة إلا أنّ ابن عبّاسٍ استثنى ولفظ قتادة [نسخ].
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذيّ، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة، {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} قال: فجعل عدّة المطلّقة ثلاث حيضٍ، ثمّ نسخ منها الّتي لم يدخل بها فقال: {إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها} فهذه ليس لها عدّةٌ، وقد نسخ من الثّلاثة قروءٍ، امرأتان، فقال: {واللاّئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم} فهذه العجوز الّتي لا تحيض عدّتها ثلاثة أشهرٍ، ونسخ من الثّلاثة قروءٍ الحامل فقال: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}.
والقول الثّاني: أنّ أوّل الآية محكمٌ وإنّما المنسوخ منها قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ}.
قالوا: فكان الرّجل إذا طلّق ارتجع،، سواءً كان الطلاق ثلاثًا أو دون ذلك فنسخ هذا بقوله {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره}.
واعلم: أنّ القول الصّحيح المعتمد عليه أنّ هذه الآية كلّها محكمةٌ، لأنّ أوّلها عامٌّ في المطلّقات، وما ورد في الحامل والآيسة والصّغيرة فهو مخصوصٌ من جملة العموم وليس على سبيل النسخ. وأما الارتجاع فإن الرجعية زوجة، ولهذا قال: {وبعولتهنّ} ثمّ بيّن الطّلاق الّذي يجوز منه الرّجعة، فقال: {الطّلاق مرّتان} إلى قوله {فإن طلّقها} يعني: الثلاثة {فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره
}.). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (التاسعة عشرة: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} هذا اللفظ عام خص منه أهل الكتاب والتخصيص ليس بنسخ وقد غلط من سماه نسخا. وكذلك العشرون وذلك قوله {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} عام خص منه الحامل والآيس والصغير لا على وجه النسخ0.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقوله عز وجل: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} الآية [البقرة: 228] قالوا: هي عامة في كل مطلقة، فنسخ منها غير المدخول بها والتي يئست من المحيض والحامل، قال ذلك قتادة، وليس كما ذكروا، وإنما أريد بالمطلقات المدخول بهن اللواتي يحضن، الخاليات عن الحمل، يدلك على ذلك قوله عز وجل: {ثلاثة قروء}.). [جمال القراء: 1/249-271]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس