عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 10:25 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن أظلم} استفهام بمعنى التقرير، وهذا من أفصح التقرير، أن يوقف المرء على ما لا جواب له فيه إلا الذي يريد خصمه، فالمعنى: لا أحد أظلم ممن
[المحرر الوجيز: 5/625]
هذه صفته، أن يعرض عن الآيات بعد الوقوف عليها بالتذكير، وينسى ويطرح كبائره التي أسلفها، هذه غاية الإهمال. ونسب السيئات إلى اليدين من حيث كانت اليدان آلة التكسب في الأمور الجرمية، فجعلت كذلك في المعاني استعارة.
ثم أخبر الله تعالى عنهم وعن فعله بهم جزاء على اعتراضهم وتكسبهم القبيح بأن الله تعالى جعل على قلوبهم أكنة، وهي جمع كنان، وهو الغلاف الساتر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واختلف الناس في هذا وما أشبهه من الختم والطبع ونحوه، هل هو حقيقة أو مجاز؟ والحقيقة في هذا غير مستحيلة، والتجوز أيضا فصيح، أي: لما كانت هذه المعاني مانعة في الأجسام وحائلة استعيرت للقلوب التي قد أنساها الله تعالى وأقصاها عن الخير. وأما "الوقر في الآذان" فاستعارة بينة لأن الكفرة يسمعون الدعاء إلى الشرع سماعا تاما، ولكن لما كانوا لا يؤثر ذلك فيهم إلا كما يؤثر في الذي به وقر فلا يسمع، شبهوا به، وكذلك العمى والصمم والبكم كلها استعارات، وإنما الخلاف في أوصاف القلب، هل هي حقيقة أو مجاز؟ و"الوقر": الثقل في السمع.
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم وإن دعوا إلى الهدى فإنهم لا يهتدون أبدا، وهذا يخرج على أحد تأويلين: أحدهما أن يكون هذا اللفظ العام يراد به الخاص ممن حتم الله عليه أنه لا يؤمن ولا يهتدي أبدا، ويخرج عن العموم كل من قضى الله بهداه في ثاني حال، والآخر أن يريد: وإن تدعهم إلى الهدى جميعا فلن يؤمنوا جميعا أبدا، أي: أنهم ربما آمن منهم الأفراد، ويضطرنا إلى أحد هذين التأويلين أنا نجد المخبر عنهم بهذا الخبر قد آمن منهم واهتدى كثير). [المحرر الوجيز: 5/626]

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا}
لما أخبر تعالى عن القوم الذين حتم بكفرهم أنهم لا يهتدون أبدا، عقب ذلك
[المحرر الوجيز: 5/626]
بأنه للمؤمنين الغفور ذو الرحمة، ويتحصل للكفار من صفته تبارك تعالى بالغفران والرحمة ترك المعاجلة، ولو أخذوا بحسب ما يستحقونه لبادرهم بالعذاب الميسر لهم، ولكنه تعالى أخرهم إلى موعد لا يجدون منه منجى، قالت فرقة: هو أجل الموت، وقالت فرقة: هو عذاب الآخرة، وقال الطبري: هو يوم بدر والحشر، و"الموئل": المنجى، يقال: وأل الرجل يئل إذا نجا. ومنه قول الشاعر:
لا وألت نفسك خليتها ... للعامريين ولم تكلم
ومنه قول الأعشى:
فقد أخالس رب البيت غفلته ... وقد يحاذر مني ثم ما يئل). [المحرر الوجيز: 5/627]

تفسير قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم عقب تعالى توعدهم بذكر الأمثلة من القرى التي نزل بها ما توعد هؤلاء بمثله. وفي قوله تعالى: {وتلك القرى} حذف مضاف، تقديره: وتلك أهل القرى، و"القرى": المدن، وهذه الإشارة إلى عاد وثمود ومدين وغيرهم، و"تلك" ابتداء،
[المحرر الوجيز: 5/627]
و"القرى" صفة، و"أهلكناهم" خبر، ويصح أن تكون "تلك" منصوبا بفعل يدل عليه "أهلكناهم".
وقرأ الجمهور: "لمهلكهم" بضم الميم وفتح اللام، وهو من: "أهلك"، ومفعل في مثل هذا يكون لزمن الشيء، ومكانه، ويكون مصدرا، فالمصدر - على هذا- مضاف إلى المفعول. وقرأ عاصم -في رواية أبي بكر -: "لمهلكهم" بفتح الميم واللام، وقرأ - في رواية حفص -: "لمهلكهم" بفتح الميم وكسر اللام، وهو مصدر من: "هلك"، وهو في مشهور اللغة غير متعد، فالمصدر -على هذا- مضاف إلى الفاعل، لأنه بمعنى: وجعلنا لأن هلكوا موعدا، وقالت فرقة: إن "هلك" يتعدى، تقول: أهلكت الرجل وهلكته بمعنى واحد، وأنشد أبو علي في ذلك:
ومهمه هالك من تعرجا
فعلى هذا يكون المصدر في كل وجه مضافا إلى المفعول). [المحرر الوجيز: 5/628]

رد مع اقتباس