عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 22 ذو القعدة 1439هـ/3-08-2018م, 04:12 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}
هذه الآية وما بعدها إلى ست عشرة آية أنزلت في عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وما اتصل بذلك من أمر الإفك، وفي البخاري في غزوة بني المصطلق عن عائشة رضي الله عنها قالت: وأنزل الله تعالى العشر الآيات، ثم أنزل الله هذا في براءتي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فكأنها عدت ما تختص بها.
و "الإفك": الزور والكذب، والأفاك الكذاب، و"الإفك" قلب الحقيقة عن حالها بالأقوال وصرفها عن جهة الصواب، وبذلك شبه الكذب.
واختصار حديث "الإفك" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بعائشة رضي الله عنها معه في غزوة بني المصطلق، وهي غزوة المريسيع، قال ابن إسحاق: كانت سنة ست، وقال موسى بن عقبة: كانت سنة أربع، فضاع لها هناك عقد، فلما انصرفت إلى الرحل شعرت بضياعه فرجعت تطلبه، وسار الناس حينئذ، فوجدته وانصرفت فلم تجد أحدا، وكانت شابة قليلة اللحم رفع الرجال هودجها ولم يشعروا بزوالها، فلما لم تجد أحدا اضطجعت في مكانها رجاء أن تفتقد فيرجع إليها، فنامت في الموضع ولم يوقظها إلا قول صفوان بن المعطل: إنا لله وإنا إليه راجعون، وذلك أنه تخلف وراء الجيش لحفظ
[المحرر الوجيز: 6/351]
الساقة، وقيل: اتفاقا، فلما مر بسوادها قرب منها فعرفها فاسترجع وقال: ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفت هاهنا؟ ونزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة رضي الله عنها، وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش في نحر الظهيرة، فوقع أهل الإفك في مقالتهم، وكان الذي يجتمع إليه فيه ويستوشيه ويشعله عبد الله بن أبي بن سلول المنافق، وكان من أهل قالته حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، هذا اختصار الحديث، وهو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم، وهو في مسلم أكمل.
وكان صفوان صاحب ساقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته لشجاعته، وكان من خيار الصحابة، قال لما سمع ما قال الناس فيه: سبحان الله، والله ما كشفت كنف أنثى قط، أراد: بزنى، ويدل على ذلك حديثه المروي مع امرأته، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في ابنيه: لهما أشبه به من الغراب بالغراب، وقيل: كان حصورا لا يأتي النساء، ذكره
[المحرر الوجيز: 6/352]
ابن إسحاق من طريق عائشة رضي الله عنها، وقتل شهيدا رضي الله عنه في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في زمن عمر رضي الله عنه، وقيل: في بلاد الروم سنة ثمان وخمسين في زمن معاوية.
وقوله تعالى: "عصبة" رفع على البدل من الضمير في "جاءوا"، وخبر "إن" في قوله سبحانه: "لا تحسبوه"، والتقدير: إن فعل الذين، وهذا أنسق في المعنى وأكثر فائدة من أن تكون "عصبة" خبرا، و"العصبة": الجماعة من العشرة إلى الأربعين، قاله يعقوب وغيره، ولا يقال عصبة لأقل من عشرة، ولم يسم من أهل الإفك إلا حسان، ومسطح، وحمنة، وعبد الله، وجهل الغير، قاله عروة بن الزبير وقد سأله عن ذلك عبد الملك بن مروان، وقال: إلا إنهم كانوا عصبة كما قال الله تعالى.
وقوله تعالى: "لا تحسبوه" خطاب لكل من ساءه من المؤمنين، وقوله: {بل هو خير لكم} يريد أنه تبرئة في الدنيا، وترفيع من الله تبارك وتعالى في أن نزل وحيه بالبراءة من ذلك، وأجر جزيل في الآخرة، وموعظة للمؤمنين في غابر الزمن، ونقمة من المفترين في الدنيا والآخرة ففي ذلك شفاء وخير، وهذه خمسة وجوه. وقوله: "منهم" عائد على العصبة المذكورة، و"اكتسب" مستعملة في المآثم ونحوها لأنها تدل على اعتمال وقصد فهو أبلغ في الترتيب، و"كسب" مستعمل في الخير، وذلك أن حصوله مغن عن الدلالة على اعتمال فيه، وقد تستعمل "كسب" في الوجهين، ومثله:
... ... ... ... ... .... فحملت برة واحتملت فجار
[المحرر الوجيز: 6/353]
والإشارة بقوله: {والذي تولى كبره} إلى عبد الله بن أبي بن سلول، والعذاب المتوعد به هو عذاب الآخرة، وهذا قول الجمهور، وهو ظاهر الحديث، وروي عن عائشة رضي الله عنها أن حسان بن ثابت دخل عليها يوما وقد عمي فأنشدها مدحه فيها:
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت له عائشة رضي الله عنها: لكنك لست كذلك، تريد أنه وقع في الغوافل فأنشد:
فإن كان ما قد قيل عني قلته ... فلا رفعت سوطي إلي أناملي
فلما خرج قال لها مسروق: أيدخل هذا عليك وقد قال ما قال وتوعده الله بالعذاب على توليه كبر الإفك؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: أي عذاب أشد من العمى وضرب الحد؟ وفي رواية: وضربة بالسيف؟
[المحرر الوجيز: 6/354]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فأما قوله عن الحد فإن حسان ومسطحا وحمنة حدوا، ذكر ذلك ابن إسحاق، وذكره الترمذي، وفي تفسير ابن عباس رضي الله عنهما أن ابن أبي حد، وهذا عندي لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنه لم يحفظ عن عبد الله الرمي، قال عروة في البخاري: "أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه".
وأما ضربه بالسيف فإن صفوان بن المعطل لما بلغه قول حسان في الإفك جاء فضربه بالسيف ضربة على رأسه، وقال:
تلق ذباب السيف عني فإنني ... غلام إذا هوجيت لست بشاعر
فأخذ جماعة صفوان ولببوه وجاؤوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح حسان واستوهبه إياه، وهذا يقتضي أن حسان ممن تولى الكبر.
وقد قال قوم: الإشارة بـ "الذي" إلى البادئ بهذه الفرية والذي اختلقها، فلكل واحد منهم ما اكتسب، وللبادئ المفتري عذاب عظيم، وهو -على هذا- غير معين، وهذا قول الضحاك، والحسن، وقال أبو زيد وغيره: هو عبد الله بن أبي.
وقرأ جمهور الناس: "كبره" بكسر الكاف، وقرأ حميد الأعرجر، ويعقوب الزهري، وأبو رجاء، والأعمش، وابن أبي عبلة: "كبره" بضم الكاف، وهما
[المحرر الوجيز: 6/355]
مصدران، من كبر الشيء وعظمه، ولكن استعملت العرب ضم الكاف في السن، تقول: هذا كبر القوم، أي كبيرهم سنا ومكانة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة حويصة ومحيصة: الكبر ومن استعماله في المعنى الثاني قول ابن الحطيم:
تنام عن كبر شأنها فإذا ... قامت رويدا تكاد تنغرف). [المحرر الوجيز: 6/356]

تفسير قوله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}
الخطاب بهاتين الآيتين لجميع المؤمنين حاشا من تولى الكبر، ويحتمل دخولهم في الخطاب، وفي هذا عتاب للمؤمنين، أي: كان الإنكار واجبا عليهم، والمعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم، فإذا كان ذلك يبعد فيهم فكانوا يقضون بأنه في صفوان وعائشة أبعد لفضلهما رضي الله عنهما، وروي أن هذا النظر السديد وقع من أبي أيوب الأنصاري وامرأته، وذلك أنه دخل عليها فقالت
[المحرر الوجيز: 6/356]
له: يا أبا أيوب أسمعت ما قيل؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكنت أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك؟ فقالت: لا والله، قال: فعائشة والله أفضل منك، قالت أم أيوب: نعم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فذلك الفعل ونحوه هو الذي عاتب الله المؤمنين [عليه] إذ لم يفعله جميعهم). [المحرر الوجيز: 6/357]

تفسير قوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في قوله: "جاءوا" لأولئك الذين تولوا الكبر، وإذا كانوا عند الله كذبة فهي الحقيقة فيهم، وعند هذا حدوا، ولم يرو في شهير الدواوين أن عبد الله بن أبي حد، ويشبه أن ذلك لم يكن لأنه لم تقم عليه بالمقالة بينة لنفاقه وتستره، وإنما كان يخوض فيه مع من يذيعه ولا يسأل عن شهادته كما قال عروة في البخاري: وأخبرت أنه كان يقره ويستوشيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولكن صلى الله عليه وسلم استعذر منه على المنبر، ووقذه بالقول، ووقع في أمره بين الأوس والخزرج ما هو مطول في مسلم في جملة حديث الإفك). [المحرر الوجيز: 6/357]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم}
هذا عتاب من الله تعالى بليغ، ذكر أن حالتهم التي وقع فيها جميعهم من تعاطيهم الحديث وإن لم يكن المخبر ولا المخبر مصدقين، ولكن نفس التعاطي والتلقي من لسان إلى لسان والإفاضة في الحديث هو الذي وقع العتاب فيه). [المحرر الوجيز: 6/358]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ محمد بن السميفع: "إذ تلقونه" بضم التاء وسكون اللام وضم القاف، ومن الإلقاء، وهذه قراءة بينة، وقرأ أبي بن كعب، وابن مسعود: "إذ تتلقونه" من التلقي بتاءين، وقرأ جمهور السبعة: "إذ تلقونه" بحذف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام، وهو أيضا من التلقي، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: "إذ تلقونه" بإدغام الذال في التاء، وقرأ ابن كثير: "إذ تلقونه" بإظهار الذال وإدغام التاء في التاء، وهذه قراءة قلقة لأنها تقتضي اجتماع ساكنين، وليس كالإدغام في قراءة من قرأ: "فلا تناجوا" "ولا تنابزوا" لأن لدونة الألف الساكنة وكونها حرف لين حسنت هنالك ما لا يحسن مع سكون الذال، وقرأ ابن يعمر وعائشة رضي الله عنها -وهي أعلم الناس بهذا الأمر-: "إذ تلقونه" بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف، ومعنى هذه القراءة من قول العرب: "ولق الرجل ولقا" إذا كذب، قال ابن سيده في "المحكم": قرئ: "إذ تلقونه"، وحكى أهل اللغة أنها من ولق إذا كذب، فجاؤوا بالمتعدي شاهدا على غير المتعدي، وعندي أنه أراد: إذ تلقون فيه، فحذف حرف الجر ووصل بالضمير،
[المحرر الوجيز: 6/358]
وحكى الطبري وغيره أن هذه اللفظة مأخوذة من الولق الذي هو إسراعك بالشيء بعد الشيء، كعدو في إثر عدو، وكلام في إثر كلام، يقال: ولق في سيره إذا أسرع، ومنه قول الشاعر:
جاءت به عنس من الشأم تلق
وقوله تعالى: {وتقولون بأفواهكم} مبالغة وإلزام وتأكيد، والضمير في قوله: "وتحسبونه" للحديث والخوض فيه والإذاعة له). [المحرر الوجيز: 6/359]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولولا إذ سمعتموه} إلى {والله عليم حكيم} عتاب لجميع المؤمنين، أي: كان ينبغي عليكم أن تنكروه ولا يتعاطاه بعضكم من بعض على جهة الحكاية والنقل، وأن تنزهوا الله تعالى عن أن يقع هذا من زوج نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن تحكموا على هذه المقالة بأنها بهتان، وحقيقة البهتان أن يقال في الإنسان ما ليس فيه، والغيبة أن يقال في الإنسان ما فيه). [المحرر الوجيز: 6/359]

تفسير قوله تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم وعظهم تعالى في العودة إلى مثل هذه الحالة، و"أن" مفعول من أجله بتقدير: "كراهية أن" ونحوه. وقوله: {إن كنتم مؤمنين} توقيف وتأكيد، كما تقول: ينبغي لك أن تفعل كذا وكذا إن كنت رجلا. وسائر الآية بين). [المحرر الوجيز: 6/359]

تفسير قوله تعالى: {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و" عليم حكيم " صفتان تقتضيهما الآية). [المحرر الوجيز: 6/359]

رد مع اقتباس