عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 5 شوال 1435هـ/1-08-2014م, 10:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فما آمن لموسى إلاّ ذرّيّةٌ من قومه على خوفٍ من فرعون وملائهم أن يفتنهم وإنّ فرعون لعالٍ في الأرض وإنّه لمن المسرفين (83) وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم باللّه فعليه توكّلوا إن كنتم مسلمين (84) فقالوا على اللّه توكّلنا ربّنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظّالمين (85) ونجّنا برحمتك من القوم الكافرين (86)
المعنى فما صدق موسى، ولفظة آمن تتعدى بالباء، وتتعدى باللام وفي ضمن المعنى الباء، واختلف المتأولون في عود الضمير الذي في قومه قالت فرقة: هو عائد على موسى، وقالت فرقة هو عائد على فرعون، فمن قال إن العود على موسى قال معنى الآية وصف حال موسى في أول مبعثه أنه لم يؤمن به إلا فتيان وشباب أكثرهم أولو آباء كانوا تحت خوف من فرعون وملأ بني إسرائيل، فالضمير في «الملأ» عائد على «الذرية» وتكون الفاء على هذا التأويل عاطفة جملة على جملة لا مرتبة، وقال بعض القائلين بعود الضمير على موسى: إن معنى الآية أن قوما أدركهم موسى ولم يؤمنوا به وإنما آمن ذريتهم بعد هلاكهم لطول الزمان، قاله مجاهد والأعمش، وهذا قول غير واضح، وإذا آمن قوم بعد موت آبائهم فلا معنى لتخصيصهم باسم الذرية، وأيضا فما روي من أخبار بني إسرائيل لا يعطي هذا، وهيئة قوله فما آمن يعطي تقليل المؤمنين به لأنه نفى الإيمان ثم أوجبه للبعض ولو كان الأكثر مؤمنا لأوجب الإيمان أولا ثم نفاه عن الأقل، وعلى هذا الوجه يترجح قول ابن عباس في الذرية إنه القليل لا أنه أراد أن لفظة الذرية هي بمعنى القليل كما ظن مكي وغيره، وقالت فرقة إنما سماهم ذرية لأن أمهاتهم كانت من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط، فكان يقال لهم الذرية كما قيل لفرس اليمن الأبناء وهم الفرس المنتقلون مع وهرزبسعاية سيف بن ذي يزن، والأمر بكماله في السير، وقال السدي كانوا سبعين أهل بيت من قوم فرعون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومما يضعف عود الضمير على «موسى» أن المعروف من أخبار بني إسرائيل أنهم كانوا قوما قد تقدمت فيهم النبوات وكانوا في مدة فرعون قد نالهم ذل مفرط وقد رجوا كشفه على يد مولود يخرج فيهم يكون نبيا، فلما جاءهم موسى عليه السلام أصفقوا عليه واتبعوه ولم يحفظ قط أن طائفة من بني إسرائيل كفرت به فكيف تعطي هذه الآية أن الأقل منهم كان الذي آمن، فالذي يترجح بحسب هذا أن الضمير عائد على «فرعون» ويؤيد ذلك أيضا ما تقدم من محاورة موسى ورده عليهم وتوبيخهم على قولهم هذا سحر، فذكر الله ذلك عنهم، ثم قال فما آمن لموسى إلّا ذرّيّةٌ من قوم فرعون الذين هذه أقوالهم، وروي في ذلك أنه آمنت زوجة فرعون وخازنه وامرأة خازنه وشباب من قومه، قاله ابن عباس، والسحرة أيضا فإنهم معدودون في قوم فرعون وتكون القصة على هذا التأويل بعد ظهور الآية والتعجيز بالعصا، وتكون الفاء مرتبة للمعاني، التي عطفت، ويعود الضمير في ملائهم على «الذرية»، ولاعتقاد الفراء وغيره عود الضمير على موسى تخبطوا في عود الضمير في ملائهم، فقال بعضهم: ذكر فرعون وهو الملك يتضمن الجماعة والجنود، كما تقول جاء الخليفة وسافر الملك وأنت تريد جيوشه معه، وقال الفراء: المعنى على خوف من آل فرعون وملئهم وهو من باب وسئل القرية [يوسف: 82].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا التنظير غير جيد لأن إسقاط المضاف في قوله وسئل القرية [يوسف: 82] هو سائغ بسبب ما يعقل من أن «اسأل القرية» لا تسأل، ففي الظاهر دليل على ما أضمر، وأما هاهنا فالخوف من فرعون متمكن لا يحتاج معه إلى إضمار، إما أنه ربما احتج أن الضمير المجموع في ملائهم يقتضي ذلك والخوف إنما يكون من الأفعال والأحداث التي للجثة ولكن لكثرة استعماله ولقصد الإيجاز أضيف إلى الأشخاص، وقوله أن يفتنهم بدل من فرعون وهو بدل الاشتمال، ف أن في موضع خفض، ويصح أن تكون في موضع نصب على المفعول من أجله، وقرأ الحسن والجراح، ونبيح «أن يفتنهم» بضم الياء، ثم أخبر عن فرعون بالعلو في الأرض والإسراف في الأفعال والقتل والدعاوى ليتبين عذر الخائفين). [المحرر الوجيز: 4/ 512-515]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وقال موسى - إلى- الكافرين، ابتداء حكاية قول موسى لجماعة بني إسرائيل المؤمنين منهم مؤنسا لهم ونادبا إلى التوكل على الله الذي بيده النصر ومسألة التوكل متشعبة للناس فيها خوضات، والذي أقول: إن التوكل الذي أمرنا له هو مقترن بتسبب جميل على مقتضى الشرع، وهو الذي في قوله صلى الله عليه وسلم «قيدها وتوكل» فقد جعله متوكلا مع التقييد، والنبي صلى الله عليه وسلم رأس المتوكلين وقد تسبب عمره كله، وكذلك السلف كله، فإن شذ متوكل فترك التسبب جملة فهي رتبة رفيعة ما لم يسرف بها إلى حد قتل نفسه وإهلاكها، كمن يدخل غارا خفيا يتوكل فيه فهذا ونحوه مكروه عند جماعة من العلماء، وما روي من إقدام عامر بن قيس على الأسد ونحو ذلك كله ضعيف، وللصحيح منه قرائن تسهله، وللمسلمين أجمعين قال الله تعالى ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربّكم [البقرة: 198]، ولهم قال وعلى ربّهم يتوكّلون [الأنفال: 2] ليس فيه أنهم يتركون التسبب جملة واحدة ولا حفظ عن عكاشة أنه ترك التسبب بل كان يغزو ويأخذ سهمه، وأعني بذلك ترك التسبب في الغذاء، وأما ترك التسبب في الطب فسهل وكثير من الناس جبل عليه دون نية وحسبة، فكيف بمن يحتسب، وقال لهم: إن كنتم آمنتم مع علمه بإيمانهم على جهة إقامة الحجة وتنبيه الأنفس وإثارة الأنفة كما تقول، إن كنت رجلا فقاتل، تخاطب بذلك رجلا تريد إقامة نفسه، وقوله إن كنتم مسلمين، يريد أهل طاعة منضافة إلى الإيمان المشروط، فذكر الإسلام فيه زيادة معنى). [المحرر الوجيز: 4/ 515-516]

تفسير قوله تعالى: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم ذكر أنه أجاب بنو إسرائيل بنية التوكل على الله والنطق بذلك، ثم دعوا في أن لا يجعلهم فتنة للظلمة، والمعنى لا تنزل بنا بلاء بأيديهم أو بغير ذلك مدة مجاورتنا لهم فيفتنون ويعتقدون أن إهلاكنا إنما هو بقصد منك لسوء ديننا وصلاح دينهم وأنهم أهل الحق، قاله مجاهد وغيره.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذا الدعاء على هذا التأويل يتضمن دفع فصلين، أحدهما القتل والبلاء الذي توقعه المؤمنون، والآخر ظهور الشرك باعتقاد أهله أنهم أهل الحق، وفي ذلك فساد الأرض، ونحو هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم، «ليس الميت أبو امامة اليهود والمشركين يقولون: لو كان نبيا لم يمت صاحبه»، ويحتمل اللفظ من التأويل وقد قالته فرقة: إن المعنى لا تفتنهم وتبتلهم بقتلنا فتعذبهم على ذلك في الآخرة وفي هذا التأويل قلق، وباقي الآية بيّن). [المحرر الوجيز: 4/ 516]


رد مع اقتباس