عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:14 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا واللّه يريد الآخرة واللّه عزيزٌ حكيمٌ (67) لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ (68) فكلوا ممّا غنمتم حلالا طيّبًا واتّقوا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (69)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، عن حميدٍ، عن أنسٍ، رضي اللّه عنه، قال: استشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّاس في الأسارى يوم بدرٍ، فقال: "إنّ اللّه قد أمكنكم منهم" فقام عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول اللّه، اضرب أعناقهم. فأعرض عنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ عاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "يا أيّها النّاس، إنّ اللّه قد أمكنكم منهم، وإنّما هم إخوانكم بالأمس". فقام عمر فقال: يا رسول اللّه، اضرب أعناقهم. فأعرض عنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ عاد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال للنّاس مثل ذلك، فقام أبو بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه، فقال: يا رسول اللّه، نرى أن تعفو عنهم، وأن تقبل منهم الفداء. قال: فذهب عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان فيه من الغمّ، فعفا عنهم، وقبل منهم الفداء. قال: وأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} الآية
وقد سبق في أوّل السّورة حديث ابن عبّاسٍ في صحيح مسلمٍ بنحو ذلك.
وقال الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه قال: لمّا كان يوم بدرٍ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟ " قال: فقال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، قومك وأهلك، استبقهم واستتبهم، لعلّ اللّه أن يتوب عليهم. قال: وقال عمر: يا رسول اللّه، أخرجوك، وكذّبوك، فقدّمهم فاضرب أعناقهم. قال: وقال عبد اللّه بن رواحة: يا رسول اللّه، أنت في وادٍ كثير الحطب، فأضرم الوادي عليهم نارًا، ثمّ ألقهم فيه. [قال: فقال العبّاس: قطعت رحمك] قال: فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يردّ عليهم شيئًا، ثمّ قام فدخل فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكرٍ. وقال ناسٌ: يأخذ بقول عمر. وقال ناسٌ: يأخذ بقول عبد اللّه بن رواحة. ثمّ خرج عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "إنّ اللّه ليلين قلوب رجالٍ حتّى تكون ألين من اللّبن، وإنّ اللّه ليشدّد قلوب رجالٍ فيه حتّى تكون أشدّ من الحجارة، وإنّ مثلك يا أبا بكرٍ كمثل إبراهيم، عليه السّلام، قال: {فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌرحيمٌ} [إبراهيم: 36]،وإنّ مثلك يا أبا بكرٍ كمثل عيسى، عليه السّلام، قال: {إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118]، وإنّ مثلك يا عمر مثل موسى عليه السّلام، قال: {ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88]،وإنّ مثلك يا عمر كمثل نوحٍ عليه السّلام، قال: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا} [نوحٍ: 26]،أنتم عالةٌ فلا ينفلتنّ أحدٌ منهم إلّا بفداءٍ أو ضربة عنقٍ". قال ابن مسعودٍ: قلت: يا رسول اللّه، إلّا سهيل بن بيضاء، فإنّه يذكر الإسلام، فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فما رأيتني في يومٍ أخوف أن تقع عليّ حجارةٌ من السّماء منّي في ذلك اليوم، حتّى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إلا سهيل بن بيضاء" فأنزل اللّه تعالى: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى} إلى آخر الآية.
رواه الإمام أحمد والتّرمذيّ، من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه، عن عبد اللّه بن عمر، وأبي هريرة، رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه وفي الباب عن أبي أيّوب الأنصاريّ.
وروى ابن مردويه أيضًا -واللّفظ له -والحاكم في مستدركه، من حديث عبيد اللّه بن موسى: حدّثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر قال: لمّا أسر الأسارى يوم بدرٍ، أسر العبّاس فيمن أسر، أسره رجلٌ من الأنصار، قال: وقد أوعدته الأنصار أن يقتلوه. فبلغ ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي لم أنم اللّيلة من أجل عمّي العبّاس، وقد زعمت الأنصار أنّهم قاتلوه" فقال له عمر: فآتهم؟ قال: "نعم" فأتى عمر الأنصار فقال لهم: أرسلوا العبّاس فقالوا: لا واللّه لا نرسله. فقال لهم عمر: فإن كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رضًى؟ قالوا: فإن كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رضًى فخذه. فأخذه عمر فلمّا صار في يده قال له: يا عبّاس، أسلم، فواللّه لأن تسلم أحبّ إليّ من أن يسلم الخطّاب، وما ذاك إلّا لمّا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعجبه إسلامك، قال: فاستشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبا بكرٍ، فقال أبو بكرٍ: عشيرتك. فأرسلهم، فاستشار عمر، فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} الآية.
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه
وقال سفيان الثّوريّ، عن هشامٍ -هو ابن حسّان -عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ فقال: خيّر أصحابك في الأسارى: إن شاءوا الفداء، وإن شاؤوا القتل على أن يقتل منهم مقبلًا مثلهم. قالوا: الفداء ويقتل منّا.
رواه التّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن حبّان في صحيحه من حديث الثّوريّ، به وهذا حديث غريب جدًّا.
وقال ابن عونٍ [عن محمّد بن سيرين] عن عبيدة، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في أسارى يوم بدرٍ: "إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء، واستشهد منكم بعدّتهم". قال: فكان آخر السّبعين ثابت بن قيسٍ، قتل يوم اليمامة، رضي اللّه عنه
ومنهم من روى هذا الحديث عن عبيدة مرسلًا فاللّه أعلم.
وقال محمّد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى} فقرأ حتّى بلغ: {عذابٌ عظيمٌ} قال: غنائم بدرٍ، قبل أن يحلّها لهم، يقول: لولا أنّي لا أعذّب من عصاني حتّى أتقدّم إليه، لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ.
وكذا روى ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ.
وقال الأعمش: سبق منه ألّا يعذّب أحدًا شهد بدرًا. وروي نحوه عن سعد بن أبي وقّاصٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٍ.
وقال شعبة، عن أبي هاشمٍ عن مجاهدٍ: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} أي: لهم بالمغفرة ونحوه عن سفيان الثّوريّ، رحمه اللّه.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} يعني: في أمّ الكتاب الأوّل أنّ المغانم والأسارى حلالٌ لكم، {لمسّكم فيما أخذتم} من الأسارى {عذابٌ عظيمٌ} قال اللّه تعالى: {فكلوا ممّا غنمتم} الآية. وكذا روى العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ. وروي مثله عن أبي هريرة، وابن مسعودٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، والحسن البصريّ، وقتادة والأعمش أيضًا: أنّ المراد {لولا كتابٌ من اللّه سبق} لهذه الأمّة بإحلال الغنائم وهو اختيار ابن جريرٍ، رحمه اللّه.
ويستشهد لهذا القول بما أخرجاه في الصّحيحين، عن جابر بن عبد اللّه، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أعطيت خمسًا، لم يعطهنّ أحدٌ من الأنبياء قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهرٍ، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه وبعثت إلى النّاس عامّةً"
وقال الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لم تحل الغنائم لسود الرؤوس غيرنا"
ولهذا قال اللّه تعالى: {فكلوا ممّا غنمتم حلالا طيّبًا واتّقوااللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} فعند ذلك أخذوا من الأسارى الفداء.
وقد روى الإمام أبو داود في سننه: حدّثنا عبد الرّحمن بن المبارك العيشيّ، حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، حدّثنا شعبة، عن أبي العنبس، عن أبي الشّعثاء، عن ابن عبّاسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل فداء أهل الجاهليّة يوم بدرٍ أربعمائةٍ
وقد استقرّ الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء: أنّ الإمام مخيّرٌ فيهم: إن شاء قتل -كما فعل ببني قريظة -وإن شاء فادى بمالٍ -كما فعل بأسرى بدرٍ -أو بمن أسر من المسلمين -كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في تلك الجارية وابنتها اللّتين كانتا في سبي سلمة بن الأكوع، حيث ردّهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الّذين كانوا عند المشركين، وإن شاء استرقّ من أسر. هذا مذهب الإمام الشّافعيّ وطائفةٍ من العلماء، وفي المسألة خلافٌ آخر بين الأئمّة مقرّرٌ في موضعه من كتب الفقه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 88-91]


رد مع اقتباس