عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18 رجب 1434هـ/27-05-2013م, 05:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر أنّ اللّه يسبّح له من في السّموات والأرض والطّير صافّاتٍ كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه واللّه عليمٌ بما يفعلون (41) وللّه ملك السّموات والأرض وإلى اللّه المصير}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألم تنظر يا محمّد بعين قلبك فتعلم أنّ اللّه يصلّي له من في السّماوات والأرض من ملكٍ وإنسٍ وجنٍّ. {والطّير صافّاتٍ} في الهواء أيضًا تسبّح له {كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه}.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} والتّسبيح عندك صلاةٌ؟ فيقال: قيل: إنّ الصّلاة لبني آدم، والتّسبيح لغيرهم من الخلق، ولذلك فصل فيما بين ذلك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يسبّح له من في السّموات والأرض والطّير صافّاتٍ كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} قال: والصّلاة للإنسان، والتّسبيح لما سوى ذلك من الخلق.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ألم تر أنّ اللّه يسبّح له من في السّموات والأرض والطّير صافّاتٍ كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} قال: {صلاته}: للنّاس، و{تسبيحه}: عامّةٌ لكلّ شيءٍ ويتوجّه قوله: {كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} لوجوهٍ: أحدها: أن تكون الهاء الّتي في قوله: {صلاته وتسبيحه} من ذكر {كلٌّ}، فيكون تأويل الكلام: كلٌّ مصلٍّ ومسبّحٌ منهم، قد علم اللّه صلاته وتسبيحه، ويكون (الكلّ) حينئذٍ مرتفعًا بالعائد من ذكره في قوله: {كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} وهو الهاء الّتي في الصّلاة.
والوجه الآخر: أن تكون الهاء في الصّلاة والتّسبيح أيضًا لـ (الكلّ)، ويكون (الكلّ) مرتفعًا بالعائد من ذكره عليه في {علم} ويكون {علم} فعلاً لـ (الكلّ)، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ: قد علم كلّ مصلٍّ ومسبّحٌ منهم صلاة نفسه، وتسبيحه الّذي كلّفه، وألزمه.
والوجه الآخر أن تكون الهاء في الصّلاة والتّسبيح من ذكر اللّه، والعلم لـ (الكل)، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ: قد علم كلّ مسبّحٍ ومصلٍّ صلاة اللّه الّتي كلّفه إيّاها، وتسبيحه.
وأظهر هذه المعاني الثّلاثة على هذا الكلام المعنى الأوّل، وهو أن يكون المعنى: كلّ مصلٍّ منهم ومسبّحٌ، قد علم اللّه صلاته وتسبيحه.
وقوله: {واللّه عليمٌ بما يفعلون} يقول تعالى ذكره: واللّه ذو علمٍ بما يفعل كلّ مصلٍّ ومسبّحٌ منهم، لا يخفى عليه شيءٌ من أفعالهم، طاعتها ومعصيتها، محيطٌ بذلك كلّه، وهو مجازيهم على ذلك كلّه). [جامع البيان: 17/333-334]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألم تر أنّ اللّه يسبّح له من في السّماوات والأرض والطّير صافّاتٍ كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه واللّه عليمٌ بما يفعلون (41)
قوله: ألم تر أنّ اللّه يسبّح له.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: يسبّح له يقول: يصلّي له.
قوله: يسبّح له من في السماوات والأرض.
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: ألم تر أنّ اللّه يسبّح له من في السماوات والأرض قال: المؤمن يسجد طائعًا والكافر يسجد كارهًا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيدٌ عن قتادة يعنى قوله: يسبّح له من في السماوات والأرض قال: لم يدع شيئًا من خلقه إلا عبّده له طائعًا وكارهًا.
قوله: والطّير صافّاتٍ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: والطّير صافّاتٍ بسط أجنحتهنّ.
- حدّثنا محمد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد ابن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: والطّير صافّاتٍ بأجنحتها.
قوله تعالى: كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه فالصّلاة للإنسان، والتّسبيح لما سوى ذلك من خلقه.
- ذكر عن سهل بن أبي سهل بن زنجلة، أنبأ سفيان بن عيينة عن مسعرٍ قال: قال اللّه عزّ وجلّ كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه قال: فهذه الطّير لا تركع ولا تسجد.
قوله: والله عليم بما يفعلون
تقدم تفسيره عليم بمعنى عالم). [تفسير القرآن العظيم: 8/2615-2616]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه قال الصلاة للإنس والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه). [تفسير مجاهد: 2/443-444]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون * لله ملك السموات والأرض وإلى الله المصير.
أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله {ألم تر أن الله يسبح له} إلى قوله {كل قد علم صلاته وتسبيحه} قال: الصلاة للانسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه). [الدر المنثور: 11/91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {والطير صافات} قال: بسط أجنحتهن). [الدر المنثور: 11/91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {والطير صافات} قال: صافات بأجنحتها). [الدر المنثور: 11/91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن مسعر في قوله {والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه} قال: قد سمى لها صلاة ولم يذكر ركوعا ولا سجودا). [الدر المنثور: 11/91]

تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وللّه ملك السّموات والأرض} يقول جلّ ثناؤه: وللّه سلطان السّماوات والأرض وملكها، دون كلّ من هو دونه من سلطانٍ وملكٍ، فإيّاه فارهبوا أيّها النّاس، وإليه فارغبوا لا إلى غيره، فإنّ بيده خزائن السّماوات والأرض، لا يخشى بعطاياكم منها فقرًا. {وإلى اللّه المصير} يقول: وأنتم إليه بعد وفاتكم، مصيركم، ومعادكم، فيوفّيكم أجور أعمالكم الّتي عملتموها في الدّنيا، فأحسنوا عبادته، واجتهدوا في طاعته، وقدّموا لأنفسكم الصّالحات من الأعمال). [جامع البيان: 17/335]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وللّه ملك السّماوات والأرض وإلى اللّه المصير (42)
قوله ولله ملك السماوات والأرض وإلى اللّه المصير
تقدّم تفسيره.
- حدّثنا أبي، ثنا نصر بن عليٍّ، أنبأ الأصمعيّ، ثنا النمر ابن هلالٍ عن قتادة عن أبي الجلد قال: الأرض أربعةٌ وعشرون ألف فرسخٍ، فالسّودان اثنا عشر، والروم ثمانية، والفارسي ثلاثة، وللعرب ألف). [تفسير القرآن العظيم: 8/2616]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يكاد سنا برقه قال لمحان البرق يكاد يذهب بالأبصار). [تفسير عبد الرزاق: 2/61-62]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {من خلاله} [النور: 43] : «من بين أضعاف السّحاب» ، {سنا برقه} [النور: 43] : «وهو الضّياء»). [صحيح البخاري: 6/99]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (من خلاله من بين أضعاف السّحاب هو قول أبي عبيدة ولفظة أضعافٍ أو بين مزيدةٌ فإنّ المعنى ظاهرٌ بأحدهما وروى الطّبريّ من طريق بن عبّاسٍ أنّه قرأ يخرج من خلله قال هارون أحد رواته فذكرته لأبي عمرٍو فقال أنّها لحسنة ولكن خلاله أعم.
قوله سنا برقه وهو الضّياء قال أبو عبيدة في قوله يكاد سنا برقه مقصورٌ أي ضياء والسّناء ممدودٌ في الحسب وروى الطّبريّ من طريق بن عبّاس في قوله يكاد سنا برقه يقول ضوء برقه ومن طريق قتادة قال لمعان البرق). [فتح الباري: 8/446]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (من خلاله من بين أضعاف السّحاب
أشار به إلى قوله تعالى: {فترى الودق يخرج من خلاله} (النّور: 43) وفسره بقوله: (من بين أضعاف السّحاب) ، وهكذا فسره أبو عبيدة. والخلال جمع خلل وهو الوسط، ويقال: الخلل موضع المطر، والودق المطر.
سنا برقه الضّياء
أشار به إلى قوله تعالى: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} (النّور: 43) من شدّة ضوئه وبرقه). [عمدة القاري: 19/72]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (من خلاله) في قوله تعالى: {فترى الودق يخرج من خلاله} [النور: 43] أي فترى المطر يخرج (من بين أضعاف السحاب) وخلال مفرد كحجاب أو جمع كجبال جمع جبل.
(سنا برقه وهو الضياء) يقال: سنا يسنو سنا أي أضاء يضيء قال امرؤ القيس:
يضيء سناه أو مصابيح راهب
والسناء بالمد الرفعة والمعنى هنا يكاد ضوء برق السحاب يذهب بالأبصار من شدة ضوئه والبرق الذي صفته كذلك لا بد وأن يكون نارًا عظيمة خالصة والنار ضد الماء والبرد فظهوره يقتضي ظهور الضد من الضد وذلك لا يمكن إلا بقدرة قادر حكيم وسقط لغير أبي ذر قوله وهو من قوله وهو الضياء). [إرشاد الساري: 7/249]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابًا ثمّ يؤلّف بينه ثمّ يجعله ركامًا فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار (43) يقلّب اللّه اللّيل والنّهار إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ألم تر} يا محمّد {أنّ اللّه يزجي} يعني يسوق {سحابًا} حيث يريد. {ثمّ يؤلّف بينه} يقول: ثمّ يؤلّف بين السّحاب.
وأضاف (بين) إلى السّحاب، ولم يذكر مع غيره، و(بين) لا تكون مضافةً إلاّ إلى جماعةٍ أو اثنين، لأنّ السّحاب في معنى جمعٍ، واحده سحابةٌ، كما يجمع النّخلة: نخلٌ، والتّمرة تمرٌ، فهو نظير قول قائلٍ: جلس فلانٌ بين النّخل.
وتأليف اللّه السّحاب: جمعه بين متفرّقها.
وقوله: {ثمّ يجعله ركامًا} يقول: ثمّ يجعل السّحاب الّذي يزجيه ويؤلّف بعضه إلى بعضٍ {ركامًا} يعني: متراكمًا بعضه على بعضٍ.
- وقد حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا خالدٌ، قال: حدّثنا فطرٌ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن عبيد بن عميرٍ اللّيثيّ، قال: الرّياح أربعٌ: يبعث اللّه الرّيح الأولى فتقمّ الأرض قمًّا، ثمّ يبعث الثّانية فتنشيء سحابًا، ثمّ يبعث الثّالثة فتؤلّف بينه فتجعله ركامًا، ثمّ يبعث الرّابعة فتمطره.
وقوله: {فترى الودق يخرج من خلاله} يقول: فترى المطر يخرج من بين السّحاب، وهو الودق قال الشّاعر:
فلا مزنةٌ ودقت ودقها = ولا أرض أبقل إبقالها
والهاء في قوله: {من خلاله} من ذكر السّحاب، والخلال: جمع خللٍ.
وذكر عن ابن عبّاسٍ وجماعةٍ أنّهم كانوا يقرءون ذلك: من خلله.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا حرميّ بن عمارة، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا قتادة، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، أنّه قرأ هذا الحرف: {فترى الودق يخرج من خلاله} من خلله.
- قال: حدّثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن رجلٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قرأ هذا الحرف: {فترى الودق يخرج من خلاله} من خلله.
- حدّثنا أحمد بن يوسف قال: حدّثنا القاسم قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون قال: أخبرني عمارة بن أبي حفصة، عن رجلٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قرأها: من خلله بفتح الخاء، من غير ألفٍ.
قال هارون: فذكرت ذلك لأبي عمرٍو، فقال: إنّها لحسنةٌ، ولكنّ خلاله أعمّ.
وأمّا قرّاء الأمصار، فإنّهم على القراءة الأخرى: {من خلاله} وهي الّتي نختار، لإجماع الحجّة من القرّاء عليها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فترى الودق يخرج من خلاله} قال: الودق القطر، والخلال: السّحاب.
وقوله: {وينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ} قيل في ذلك قولان: أحدهما: أنّ معناه: وأنّ اللّه ينزّل من السّماء من جبالٍ في السّماء من بردٍ، مخلوقةٌ هنالك خلقه. كأنّ الجبال على هذا القول، هي من بردٍ، كما يقال: جبالٌ من طينٍ.
والقول الآخر: أنّ اللّه ينزّل من السّماء قدر جبالٍ، وأمثال جبالٍ من بردٍ إلى الأرض، كما يقال: عندي بيتان تبنًا، والمعنى: قدر بيتين من التّبن، والبيتان ليسا من التّبن.
وقوله: {فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء} يقول: فيعذّب بذلك الّذي ينزل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ من يشاء فيهلكه، أو يهلك به زروعه وماله. {ويصرفه عن من يشاء} من خلقه، يعني عن زروعهم وأموالهم.
وقوله: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} يقول: يكاد شدّة ضوء برق هذا السّحاب يذهب بأبصار من لاقى بصره. والسّنا: مقصورٌ، وهو ضوء البرق.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يكاد سنا برقه} قال: ضوء برقه.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {يكاد سنا برقه} يقول: لمعان البرق يذهب بالأبصار.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} قال: سناه: ضوءٌ يذهب بالأبصار.
وقرأت قرّاء الأمصار {يكاد سنا برقه يذهب} بفتح الياء من {يذهب}، سوى أبي جعفرٍ القارئ، فإنّه قرأه بضمّ الياء: (يذهب بالأبصار).
والقراءة الّتي لا أختار غيرها هي فتحها، لإجماع الحجّة من القرّاء عليها، وأنّ العرب إذا أدخلت الباء في مفعول (ذهبت)، لم يقولوا: إلاّ ذهب به، دون أذهبت به. وإذا أدخلوا الألف في (أذهبت)، لم يكادوا أن يدخلوا الباء في مفعوله، فيقولون: أذهبته، وذهبت به). [جامع البيان: 17/335-339]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابًا ثمّ يؤلّف بينه ثمّ يجعله ركامًا فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار (43)
قوله: ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابًا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: يزجي سحابًا يقول: يجري الفلك.
قوله: سحابًا.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عقبة حدّثني أسامة بن زيدٍ، حدّثني معاذ بن عبد اللّه بن خبيب الجهنيّ قال: رأيت ابن عبّاسٍ مرّ به تبيعٌ ابن امرأة كعبٍ فسلّم عليه فسأله ابن عبّاسٍ هل سمعت كعبًا يقول في السّحاب شيئًا؟ قال: نعم سمعته يقول: إنّ السّحاب غربال المطر، لولا السّحاب حين ينزل الماء من السّماء لفسد ما يقع عليه، قال: سمعت كعبًا يقول: في الأرض تنبت العام نبات، وعام قابلٍ غيره، قال:
نعم سمعته يقول: إنّ البذر ينزل من السّماء، قال ابن عبّاسٍ: وسمعت ذلك من كعبٍ يقوله.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل عن جابرٍ، عن عطاءٍ قال: السّحاب يخرج من الأرض ثمّ تلا: اللّه الّذي يرسل الرّياح فتثير سحابًا.
- حدّثنا أحمد بن الفضل العسقلانيّ، ثنا بشر بن بكرٍ، حدّثتني أمّ عبد اللّه بنت خالد بن معدان، عن أبيها قال: إنّ في الجنّة شجرةً تثمر السّحاب، فأمّا السّوداء منها فالثّمرة الّتي قد نضجت فهي الّتي تحمل المطر، وأمّا البيضاء فهي الّتي لم تنضج، لم تحمل المطر.
قوله تعالى: ثمّ يؤلّف بينه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا إسحاق بن سليمان، قال: سمعت أبا سنانٍ الشّيبانيّ الرّازيّ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن عبيد بن عميرٍ قال: يبعث اللّه المثيرة فتقمّ الأرض قمًّا، ثمّ يبعث اللّه النّاشئة فتنشئ السّحاب، ثمّ يبعث اللّه المؤلّفة فيؤلّف بينه، ثمّ يبعث اللّواقح فتلقم السّحاب أو الشّجر، شك أبو يحي.
قوله: ثم يجعله ركاما
بياض.
قوله: فترى الودق.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا هاني بن سعيد، وأبو عبد الرحمن الحارثي، عن جويبرٍ عن الضّحّاك قوله: فترى الودق قال: الودق المطر.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن نصرٍ، ثنا عمرو بن عاصمٍ، ثنا أبو الأشهب، حدّثني أبو تميلة رجلٌ من بني جمانٍ عن أبيه فترى الودق يخرج قال: البرق.
قوله: يخرج من خلاله.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ يقول في قول اللّه: فترى الودق يخرج من خلاله قال: الخلال السحاب.
قوله: وينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا اليمان بن عدي الحمصي، ثنا يافع بن عامرٍ، عن قتادة، عن كعبٍ قال: لولا أنّ الجليد ينزل من السّماء الرّابعة ما مرّ بشيءٍ إلا أهلكه.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا أبو معشرٍ عن عبد الجليل عن شهر بن حوشبٍ، أنّ كعبًا سأل عبد اللّه بن عمرٍو عن البرق، قال: هو ما يسبق من البرد، وقال اللّه عزّ وجلّ: جبالٍ فيها من برد يكاد سنا برقه يذهب بالابصار.
قوله تعالى: فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان قال: سمعت عمرو بن دينارٍ يقول: فيصيب به من يشاء فهي تصيب.
قوله: ويصرفه عن من يشاء.
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن عونٍ، ثنا عبد السّلام بن حربٍ عن زياد بن خثيمة عن أبي جعفرٍ قال: الصّاعقة تصيب المؤمن والكافر، ولا تصيب ذاكرا لله عز وجل.
قوله: يكاد سنا برقه.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام بن يوسف عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ: يكاد سنا برقه ضوء برقه.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قراءةً عليه، أخبرني محمّد بن شعيبٍ حدّثني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه: يكاد سنا برقه فيقال: يكاد ضوء برقه يذهب بالأبصار.
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: يكاد سنا برقه قال: لمعان البرق يكاد يذهب بالأبصار.
قوله: يذهب بالأبصار.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ في قوله: يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار قال: لم أر أحدًا ذهب البرق ببصره ولكن يرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا الحسين بن عليّ بن مهران، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقول: فضوء برقه يلمع البصر منه). [تفسير القرآن العظيم: 8/2617-2619]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا أحمد بن عمران الأخنسيّ، ثنا ابن فضيلٍ، ثنا الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما في قوله عزّ وجلّ: {يرسل الرّياح فتثير سحابًا فيبسطه في السّماء كيف يشاء ويجعله كسفًا} يقول: قطعًا: يجعل بعضها فوق بعضٍ، {فترى الودق} - يعني المطر - {يخرج من خلاله}: من بينه). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/72]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار * يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {فترى الودق} قال: المطر). [الدر المنثور: 11/91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {فترى الودق} قال: القطر). [الدر المنثور: 11/92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بجيلة عن أبيه قال: {الودق} البرق). [الدر المنثور: 11/92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {من خلاله} قال: السحاب). [الدر المنثور: 11/92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس انه قرأها (من خلله) بفتح الخاء من غير ألف). [الدر المنثور: 11/92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن كعب قال: لو أن الجليد ينزل من السماء الرابعة لم يمر بشيء إلا أهلكه). [الدر المنثور: 11/92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {يكاد سنا برقه} يقول: ضوء برقه). [الدر المنثور: 11/92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس ان نافع بن الازرق قال له: أخبرني عن قوله: {يكاد سنا برقه} قال: السنا الضوء، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث وهو يقول: يدعو إلى الحق لا ينبغي به بدلا * يجلو بضوء سناه داجي الظلم). [الدر المنثور: 11/92-93]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة {يكاد سنا برقه} قال: لمعان البرق). [الدر المنثور: 11/93]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب ان كعبا سأل عبد الله بن عمرو عن البرق قال: هو ما يسبق من البرد، وقرأ (جبال فيها من برد يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) ). [الدر المنثور: 11/93]

تفسير قوله تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {يقلّب اللّه اللّيل والنّهار} يقول: يعقّب اللّه بين اللّيل والنّهار ويصرّفهما، إذا أذهب هذا جاء هذا، وإذا أذهب هذا جاء هذا. {إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار} يقول: إنّ في إنشاء اللّه السّحاب، وإنزاله منه الودق، ومن السّماء البرد، وفي تقليبه اللّيل والنّهار، لعبرةً لمن اعتبر به، وعظةً لمن اتّعظ به ممّن له فهمٌ وعقلٌ؛ لأنّ ذلك ينبيء، ويدلّ على أنّ له مدبّرًا ومصرّفًا ومقلّبًا، لا يشبهه شيءٌ). [جامع البيان: 17/339]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يقلّب اللّه اللّيل والنّهار إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار (44)
قوله: يقلّب اللّه اللّيل والنّهار.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ يقلّب اللّه اللّيل والنّهار أمّا يقلّب اللّه اللّيل والنّهار فإنّه يأتي باللّيل ويذهب بالنّهار ويأتي بالنّهار ويذهب باللّيل.
قوله تعالى: إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الرّبيع قوله: إن في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار، يقول: لقد كان في هؤلاء عبرةٌ ومتفكّرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/2619]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {يقلب الله الليل والنهار} قال: يأتي الليل ويذهب بالنهار ويأتي بالنهار ويذهب بالليل). [الدر المنثور: 11/93]

تفسير قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه خلق كلّ دابّةٍ من ماءٍ فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربعٍ يخلق اللّه ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {واللّه خلق كلّ دابّةٍ من ماءٍ} فقرأته عامّة قرّاء الكوفة غير عاصمٍ: (واللّه خالق كلّ دابّةٍ) وقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة وعاصمٌ: {واللّه خلق كلّ دابّةٍ} بنصب كلّ، و{خلق} على مثال (فعل). وهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، وذلك أنّ الإضافة في قراءة من قرأ ذلك (خالق) تدلّ على أنّ معنى ذلك المضيّ، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
وقوله: {خلق كلّ دابّةٍ من ماءٍ} يعني: من نطفةٍ {فمنهم من يمشي على بطنه} كالحيّات وما أشبهها. وقيل: إنّما قيل: {فمنهم من يمشي على بطنه} والمشي لا يكون على البطن؛ لأنّ المشي إنّما يكون لما له قوائم، على التّشبيه، وأنّه لمّا خالط ما له قوائم ما لا قوائم له، جاز، كما قال: {ومنهم من يمشي على رجلين} كالطّير، {ومنهم من يمشي على أربعٍ} كالبهائم.
فإن قال قائلٌ: فكيف قيل: فمنهم من يمشي، و(من) للنّاس، وكلّ هذه الأجناس أو أكثرها لغيرهم؟
قيل: لأنّه تفريق ما هو داخلٌ في قوله: {واللّه خلق كلّ دابّةٍ} وكان داخلاً في ذلك النّاس وغيرهم، ثمّ قال: {فمنهم} لاجتماع النّاس والبهائم وغيرهم في ذلك واختلاطهم، فكنّى عن جميعهم كنايته عن بني آدم، ثمّ فسّرهم بـ (من)، إذ كان قد كنّى عنهم كناية بني آدم خاصّةً.
{يخلق ما يشاء} يقول: يحدث اللّه ما يشاء من الخلق. {إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} يقول: إنّ اللّه على إحداث ذلك وخلقه وخلق ما يشاء من الأشياء غيره، ذو قدرةٍ لا يتعذّر عليه شيءٌ أراد). [جامع البيان: 17/339-340]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (واللّه خلق كلّ دابّةٍ من ماءٍ فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربعٍ يخلق اللّه ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (45)
قوله: واللّه خلق كلّ دابةٍ من ماءٍ.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قول اللّه: واللّه خلق كلّ دابةٍ من ماءٍ قال: الماء النّطفة من الفحول.
قوله: فمنهم من يمشي على بطنه إلى قوله: أربعٍ.
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع عمّه وهب بن منبّهٍ قال: يقول عزيرٌ: يا ربّ خلقت من الماء دوابّ الماء وطير السّماء فخلقت منها أعمى أعينٍ أبصرته، ومنها أصمّ أذانٍ أسمعته، ومنها ميّت نفسٍ أحييته، خلقت ذلك كلّه بكلمةٍ واحدةٍ، منه ما عيشه الماء، ومنها ما لا صبر له على الماء، خلقًا مختلفًا في الأجسام والألوان، جنّسته أجناسًا، وزوّجته أزواجًا وخلقت أصنافًا، وألهمته الّذي له خلقته، ثمّ خلقت من التّراب والماء دوابّ الأرض وماشيتها وسباعها، فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربعٍ، ومنهم العظيم والصّغير.
قوله: يخلق اللّه ما يشاء.
- وبه عن وهب بن منبّهٍ قال: قال عزيرٌ: يا ربّ اللّهمّ بكلمتك خلقت جميع خلقك، فأتى على مشيئتك لم تأت فيه مؤنةً ولم تنصب فيه نصبًا، كان عرشك على الماء والظّلمة على الهواء، والملائكة يحملون عرشك ويسبّحون بحمدك، والخلق مطيعٌ لك خاشعٌ من خوفك، لا يرى في نورٌ إلا نورك، ولا يسمع فيه صوتٌ إلّا سمعك، ثمّ فتحت خزانة النّور وطريق الظّلمة فكانا ليلا ونهارًا يختلفان بأمرك.
قوله تعالى: إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال قال محمّد بن إسحاق: إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ أي أنّ اللّه على ما أراد بعباده من نقمةٍ أو عفوٍ قديرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/2620]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير * لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد {والله خلق كل دابة من ماء} قال: النطفة). [الدر المنثور: 11/93]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن مغفل انه قرأ (والله خالق كل دابة من ماء) ). [الدر المنثور: 11/93-94]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس قال: كل شيء يمشي على أربع إلا الإنسان والله أعلم). [الدر المنثور: 11/94]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد أنزلنا آياتٍ مبيّناتٍ واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}.
يقول تعالى ذكره: لقد أنزلنا أيّها النّاس علاماتٍ واضحاتٍ، دالاّتٍ على طريق الحقّ، وسبيل الرّشاد. {واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}: يقول: واللّه يرشد من يشاء من خلقه بتوفيقه، فيهديه إلى دين الإسلام، وهو الصّراط المستقيم والطّريق القاصد الّذي لا اعوجاج فيه). [جامع البيان: 17/340]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لقد أنزلنا آياتٍ مبيّناتٍ واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ (46)
قوله: لقد أنزلنا آيات.
- حثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله: لقد أنزلنا آياتٍ هو هذا القرآن فيه حلاله وحرامه.
قوله: مبيّناتٍ.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله:
لقد أنزلنا آياتٍ مبيّناتٍ يعنى ما فرض عليهم في هذه السّورة من أوّلها إلى آخرها.
قوله: واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ
تقدّم تفسيره غير مرّةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/2621]


رد مع اقتباس