عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 7 ربيع الأول 1440هـ/15-11-2018م, 02:54 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) :(وقوله تعالى: "ألم يأن" الآية ابتداء معنى مستأنف، وروي أنه كثر الضحك والمزاح في بعض تلك المدة في قوم من شبان المسلمين فنزلت هذه الآية، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: مل الصحابة ملة فنزلت الآية. ومعنى "ألم يأن" ألم يحن، يقال: أن الشيء يأني إذا حان، ومنه قول الشاعر:
تمخضت المنون له بيوم ... أنى ولكل حاملة تمام
وقرأ الحسن بن أبي الحسن: "الما يأن" وروي عنه أنه قرأ: "ألم يئن"، وهذه الآية على معنى الحض والتقريع، قال ابن عباس رضي الله عنهما: عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، وسمع الفضل بن موسى قارئا يقرأ هذه الآية والفضل يحاول معصية فكانت الآية سبب توبته، وحكى الثعلبي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه فإذا به قد نطق بهذه الآية فتاب ابن المبارك وكسر العود وجاءه التوفيق.
و"الخشوع": الإخبات والتطامن، وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب، فلذلك خص تعالى القلب بالذكر، وروى شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أول ما يرفع من الناس الخشوع"، وقوله تعالى: "لذكر الله" أي: لأجل ذكر الله ووحيه الذي بين أظهرهم، ويحتمل أن يكون المعنى: لأجل تذكير الله إياهم وأمره فيهم، وقرأ عاصم في رواية حفص: "وما نزل" مخفف الزاي، وقرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم: "وما نزل" بتشديد الزاي، على معنى: نزل الله من الحق، وقرأ أبو عمرو -في رواية عياش- وهي قراءة الجحدري، وابن القعقاع: "وما نزل" بكسر الزاي وشدها. وقرأ نافع، وأبو عمرو، والأعرج، وأبو جعفر: "ولا يكونوا" بالياء على ذكر الغائب، وقرأ حمزة -فيما روى عنه سليم- "ولا تكونوا" على مخاطبة الحضور.
والإشارة في قوله تبارك تعالى: {كالذين أوتوا الكتاب} إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى عليه الصلاة والسلام، وذلك قال: "من قبل"، وإنما شبه أهل عصر نبي بأهل عصر نبي آخر. و"الأمد" قيل: معناه انتظار الفتح، وقيل: انتظار القيامة، وقيل: أمد الحياة، و"قست" معناه: صلبت وقل خيرها وانفعالها للطاعات وسكنت إلى معاصي الله تعالى ففعلوا من العصيان والمخالفة ما هو مأثور عنهم.
وقوله تعالى: {اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها} الآية مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين ندبوا إلى الخشوع، وهذا ضرب مثل واستدعاء إلى الخير برفق وتقريب بليغ، أي: لا يبعد عنكم أيها التاركون للخشوع رجوعكم إليه وتلبسكم به، فإن الله يحيي الأرض بعد موتها، وكذلك يفعل بالقلوب، ويردها إلى الخشوع بعد بعدها عنه، وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابة والتكسب من العبد بعد نفورها منه كما يحيي الأرض بعد أن كانت ميتة غبراء، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 8/ 231-232]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم * والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}
قرأ جمهور القراء: "إن المصدقين" بتشديد الصاد المفتوحة، على معنى المتصدقين، وكذا هي في مصحف أبي بن كعب رضي الله عنه: "إن المتصدقين"، بالتاء، وهو يؤيد هذه القراءة، وأيضا فيجيء قوله تعالى: {وأقرضوا الله قرضا حسنا} ملائما في الكلام للصدقة، وقرأ ابن كثر، وأبو بكر عن عاصم "إن المصدقين" بتخفيف الصاد، على معنى الذين صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن الله تعالى، وآمنوا به، ويؤيد هذه القراءة أنها أكثر تناولا ممن لا يتصدق يعمه اللفظة في التصديق، ثم إن تقييدهم بقوله تعالى: "وأقرضوا الله" يرد مقصد القراءتين بعضه من بعض.
وقوله تعالى: {وأقرضوا الله قرضا حسنا} معطوف على المعنى; لأن معنى قوله سبحانه: {إن المصدقين والمصدقات}: إن الذين تصدقوا، ولا يصح هنا عطف لفظي، قاله أبو علي في الحجة، وقد تقدم معنى "القرض" ومعنى "المضاعفة" التي وعد الله تعالى بها هذه الأمة، تقدم معنى وصف الأجر بالكرم، كل ذلك في هذه السورة.
ويؤيد عندي قراءة من قرأ: "إن المصدقين" بشد الصاد أن الله تعالى حض في هذه السورة على الإنفاق وفي سبيل الله، ثم ذكر في هذه أهل الصدقة ووعدهم، ثم ذكر أهل الإيمان والتصديق في قوله تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسله}، وعلى قراءة من قرأ: "إن المصدقين" بتخفيف الصاد فذكر المؤمنين مكرر في اللفظ، وكون الأصناف مفردة بأحكامها من الوعد أبين، والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يقتضي الإيمان بجميع الرسل عليهم السلام، فلذلك قال تعالى: "ورسله".
و"الصديقون" بناء مبالغة من الصدق، أو من التصديق على ما ذكر الزجاج: "وفعيل لا يكون -فيما أحفظه- إلا من فعل ثلاثي، وقد أشار بعض الناس إلى أنه يجيء من غير الثلاثي، وقال: "مسيك" من "أمسك"، وأقول إنه يقال: مسك الرجل، وقد حكى: مسك الشيء، وفي هذا نظر.
وقوله تعالى: {والشهداء عند ربهم}، اختلف الناس في تأويل ذلك، فقال ابن مسعود، ومجاهد، وجماعة: "والشهداء" معطوف على قوله تعالى: "الصديقون" والكلام متصل، ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاتصال، فقال بعضها: وصف الله المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء، فكل مؤمن شهيد، قاله مجاهد، وروى البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مؤمنو أمتي شهداء"، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، وإنما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الشهداء السبعة تشريفا، ولأنهم في أعلى رتب الشهادة، ألا ترى أن المقتول في سبيل الله مخصوص أيضا من السبعة بتشريف ينفرد به، وقال بعضها: وصف الله تعالى المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء لكن من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد، وذلك نحو قوله تعالى: {وتكونوا شهداء على الناس}، فكأنه تبارك وتعالى قال في هذه الآية: هم أهل الصدق والشهادة على الأمم عند ربهم، وقال ابن عباس، ومسروق، والضحاك: الكلام تام في قوله تعالى: {أولئك هم الصديقون}، وقوله تعالى: "والشهداء" ابتداء مستأنف، ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاستئناف، فقال بعضها: معنى الآية: والشهداء بأنهم صديقون حاضرون عند ربهم. وعنى بـ"الشهداء" الأنبياء عليهم السلام، فكأن الأنبياء عليهم السلام يشهدون للمؤمنين بأنهم صديقون، وهذا يفسره قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}، وقال بعضها: قوله تعالى: "والشهداء" ابتداء يريد به الشهداء في سبيل الله، واستأنف الخبر عنهم بأنهم عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، فكأنه تعالى جعلهم صنفا مذكورا وحده، وفي الحديث: "إن أهل الجنة العليا يراهم من دونهم كما ترون الكوكب الدري، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما".
وقوله تعالى: {لهم أجرهم ونورهم} خبر عن الشهداء فقط على الأخير من الأقوال، وهو خبر عن المؤمنين المذكورين في أول الآية على الأقوال الثلاثة الأول، وقوله تعالى: "ونورهم" قال جمهور المفسرين هو حقيقة حسب ما روي مما تقدم ذكره في هذه السورة، وقال مجاهد وغيره: هو مجازى عبارة عن الهدى والكرامة والبشرى التي حصلوا فيها.
ولما فرع ذكر المؤمنين وأهل الكرامة عقب تعالى بذكر الكفرة المكذبين ليبين الفرق، فذكرهم تعالى بأنهم أصحاب الجحيم وسكانه).[المحرر الوجيز: 8/ 232-234]

رد مع اقتباس