عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 11 جمادى الأولى 1435هـ/12-03-2014م, 01:23 AM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

بيان ما تعالَج به العين

قالَ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم (ت: 1420هـ): (مسألةُ بيانِ ما تُعَالَجُ به العَيْنُ:
لَمَّا كانَ الحَسَدُ أضَرَّ ما يكونُ على الإنسانِ، والإصابةُ بالعينِ حَقٌّ لا شَكَّ فيها، وجاءَ فيها: ((لَوْ أَنَّ شَيْئاً يَسْبِقُ القَدَرَ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ))، وحديثُ: ((إِنَّ العَيْنَ لَحَقٌّ))، فقد فَصَّلَتِ السُّنَّةُ كيفيَّةَ اتِّقائِها قَبْلَ وُقوعِها، والعلاجَ منها إذا وَقَعَتْ.
وذلك فيما رَوَاهُ مالِكٌ في (المُوَطَّأِ) وغيرِه مِن الصِّحَاحِ، في حديثِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، وبَوَّبَ البُخارِيُّ في صحيحِه بابَ رُقْيَةِ العَيْنِ، وذكَرَ حديثَ عائشةَ أنَّها قالَتْ: أمَرَنِي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، أو أمَرَ أنْ يُسْتَرْقَى مِن العَيْنِ.
وعَقَدَ مالِكٌ في (المُوَطَّأِ) باباً بعُنوانِ: الوُضوءُ مِن العَيْنِ، وباباً آخَرَ بعدَه بعُنوانِ: الرُّقْيَةُ مِن العَيْنِ، وساقَ حديثَ سَهْلٍ بتَمامِه، وفيه بيانُ كَيْفِيَّةِ اتِّقَائِها وعِلاجِها؛ ولذا نَكْتَفِي بإيرادِه لِشُمولِه.
قالَ: عن مُحَمَّدِ بنِ أبي أُسامةَ بنِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، أنَّه سَمِعَ أباه يقولُ: اغْتَسَلَ أبي سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ بالخَرَّارِ، فنَزَعَ جُبَّةً كانَ‍تْ عليه، وعامِرُ بنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ. قالَ: وكانَ سَهْلٌ رَجُلاً أبيضَ حَسَنَ الجِلْدِ. قالَ: فقالَ له عامِرُ بنُ رَبيعةَ: ما رأيتُ كاليومِ ولا جِلْدَ عَذْرَاءَ. قالَ: فوُعِكَ سَهْلٌ مكانَه واشْتَدَّ وَعْكُه.
فأُتِيَ رسولُ اللَّهِ فأَخْبَرُوهُ أنَّ سَهْلاً وُعِكَ، وأنه غيرُ رائحٍ معَكَ يا رسولَ اللَّهِ. فأتاهُ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، فأَخْبَرَه سَهْلٌ بالذي كانَ مِن أمْرِ عامِرٍ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟! أَلا بَرَّكْتَ، إِنَّ العَيْنَ حَقٌّ، تَوَضَّأْ لَهُ)) فتَوَضَّأَ له عامِرٌ، فرَاحَ سَهْلٌ معَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ ليسَ به بَأْسٌ.
وساقَه مَرَّةً أُخْرَى وفيه: فقالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَداً؟)). قالوا: نَتَّهِمُ عامرَ بنَ رَبِيعَةَ. قالَ: فدَعَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ عامراً فتَغَيَّظَ عليه، وقالَ: ((عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟! أَلا بَرَّكْتَ، اغْتَسِلْ لَهُ)). فغَسَلَ عامرٌ وجْهَه ويَدَيْهِ ومِرْفَقَيْهِ ورُكْبَتَيْهِ وأطرافَ رِجْلَيهِ، وداخِلَ إزارِه في قَدَحٍ، ثم صَبَّ عليه، فرَاحَ سَهْلٌ معَ الناسِ ليسَ به بأْسٌ.
فهذه القِصَّةُ تُثْبِتُ قَطْعاً وُقوعَ العَيْنِ، وهذا أمْرٌ مُجْمَعٌ عليه مِن أهْلِ السُّنَّةِ وسَلَفِ الأُمَّةِ، كما أنَّها تُرْشِدُ إلى أنَّ مَن بَرَّكَ - أي: قالَ: تَبَارَكَ اللَّهُ. وفي بعضِ الرواياتِ لغيرِ مالِكٍ: ((هَلاَّ كَبَّرْتَ)). أي: يقولُ: اللَّهُ أكْبَرُ. ثلاثاً- فإنَّ ذلك يَرُدُّ عينَ العائِنِ، كما جاءَ في السُّنَّةِ أنَّ الدعاءَ يَرُدُّ البلاءَ، فإذا لم تُدْفَعْ عندَ صُدُورِها وأَصَابَتْ، فإنَّ العِلاجَ منها كما جاءَ هنا: ((تَوَضَّأْ لَهُ))، واللفْظُ الآخَرُ: ((اغْتَسِلْ لَهُ)).
وقد فَصَّلَ المُرادَ بالغَسْلِ له أنَّه غَسْلُ الوجْهِ واليَدَينِ؛ أي الكَفَّيْنِ فقطْ، والمِرْفَقَيْنِ والرُّكبتيْنِ والقَدَميْنِ وطَرَفِ الإزارِ الداخلِيِّ، ويكونُ ذلك في إناءٍ لا يُسْقِطُ الماءَ على الأَرْضِ، ويُفْرَغُ هذا الماءُ على المُصابِ مِن الخَلْفِ ويُكْفَأُ الإناءُ خَلْفَهُ.
وقد ذَكَرَها مُفَصَّلَةً القاضي البَاجِيُّ في شَرْحِ (المُوَطَّأِ) فقالَ: ورُوِيَ عن يَحْيَى بنِ يَحْيَى، عن ابنِ نافِعٍ في معنَى الوُضوءِ الذي أمَرَ به رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ فقالَ:
يَغْسِلُ الذي يُتَّهَمُ بالرَّجُلِ وَجْهَهُ ويدَيْهِ ومِرْفَقَيْهِ ورُكبتَيْهِ ورِجْلَيهِ ودَاخِلَةَ إِزَارِه. وقالَ: ولا يَغْسِلُ ما بينَ اليدِ والمِرْفَقِ. أيْ: لا يَغْسِلُ الساعِدَ مِن اليَدِ.
ورُوِيَ عن الزُّهْرِيِّ أنَّه قالَ: الغُسْلُ الذي أدْرَكْنَا عُلماءَنا يَصِفُونَه أنْ يُؤْتَى العائِنُ بقَدَحٍ فيه ماءٌ، فيُمْسَكُ مُرْتَفِعاً مِن الأَرْضِ، فيُدْخِلُ فيه كَفَّهُ فيُمَضْمِضُ، ثم يَمُجُّه في القَدَحِ، ثم يَغْسِلُ وَجهَه في القَدَحِ صَبَّةً واحدةً، ثم يُدْخِلُ يدَه اليُسرَى فيَصُبُّ بها على كَفِّه اليُمْنَى، ثم يُدْخِلُ يَدَه اليُمْنَى فيَصُبُّ بها على ظَهْرِ كَفِّه اليُسرى صَبَّةً واحدةً، ثم يُدْخِلُ يَدَه اليُسرَى فيَصُبُّ بها على مِرْفَقِه الأَيْمَنِ، ثم يُدْخِلُ يَدَه اليُمْنَى فيَصُبُّ على مِرْفَقِه الأَيْسَرِ، ثم يُدْخِلُ يَدَه اليُسرى فيَصُبُّ بها على قَدَمِه اليُمْنَى، ثم يُدْخِلُ يَدَهُ اليُمْنَى فيَصُبُّ بها على قَدَمِه اليُسْرَى، ثم يُدْخِلُ يَدَه اليُسرى فيَصُبُّ بها على رُكبتِه اليُمنَى، ثم يُدْخِلُ يَدَه اليُمنى فيَصُبُّ بها على رُكبتِه اليُسرى، كلُّ ذلك في قدَحٍ، ثم يُدْخِلُ دَاخلةَ إزارِه في القَدَحِ، ولا يُوضَعُ القَدَحُ في الأرضِ، فيُصَبُّ على رأسِ المَعِينِ مِن خَلْفِه صَبَّةً واحدةً، وقِيلَ: يُغْتَفَلُ ويُصَبُّ عليه؛ أي: في حالةِ غَفْلَتِه، ثم يُكْفَأُ القَدَحُ على ظَهْرِ الأرضِ ورَاءَهُ.
وأمَّا داخِلَةُ إزارِه فهو الطرَفُ المُتَدَلِّي الذي يُفْضِي مِن مِئْزَرِه إلى جِلْدِه مكانَه، إنَّما يَمُرُّ بالطرَفِ الأيمنِ على الأَيْسَرِ، حتى يَشُدَّه بذلك الطرَفِ المُتَدَلِّي الذي يكونُ مِن دَاخِلُ. اهـ.
ومِمَّا يُرْشِدُ إليه هذا الحديثُ تَغَيُّظُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ على عامِرِ بنِ رَبيعةَ، وقولُه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟!)) مِمَّا يُبَيِّنُ شَناعةَ هذا العمَلِ، وأنَّه قد يَقْتُلُ.
ومِمَّا يَنْبَغِي مُراعاتُه مِن كُلٍّ مِن الطَّرَفَيْنِ: مَن ابْتُلِيَ بالعينِ فلْيُبَارِكْ عنْدَ رُؤيتِه ما يُعْجِبُه؛ لِئَلاَّ يُصِيبَ أحَداً بعَيْنِه، ولئلا تَسْبِقُه عَيْنُه.
وكذلك مَن اتَّهَمَ أحَداً بالعينِ، فلْيُكَبِّرْ ثلاثاً عندَ تَخَوُّفِه منه؛ فإنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ العينَ بذلك. والحمْدُ للهِ). [تتمة أضواء البيان: 9/3480350]


رد مع اقتباس