عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 14 جمادى الآخرة 1435هـ/14-04-2014م, 02:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم بل اللّه يزكّي من يشاء ولا يظلمون فتيلا (49) انظر كيف يفترون على اللّه الكذب وكفى به إثمًا مبينًا (50) ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا (51) أولئك الّذين لعنهم اللّه ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرًا (52)}.
قال الحسن وقتادة: نزلت هذه الآية، وهي قوله: {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} في اليهود والنّصارى، حين قالوا: {نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه}
وقال ابن زيدٍ: نزلت في قولهم: {نحن أبناء الله وأحبّاؤه} [المائدة:18]، وفي قولهم: {وقالوا لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة:111].
وقال مجاهدٌ: كانوا يقدّمون الصّبيان أمامهم في الدّعاء والصّلاة يؤمّونهم، ويزعمون أنّهم لا ذنب لهم.
وكذا قال عكرمة، وأبو مالكٍ. روى ذلك ابن جريرٍ.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} وذلك أنّ اليهود قالوا: إنّ أبناءنا توفّوا وهم لنا قربةٌ، وسيشفعون لنا ويزكّوننا، فأنزل اللّه على محمّدٍ [صلّى اللّه عليه وسلّم] {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم بل اللّه يزكّي من يشاء ولا يظلمون فتيلا} رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن مصفّى، حدّثنا ابن حميرٍ، عن ابن لهيعة، عن بشر بن أبي عمرٍو عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت اليهود يقدّمون صبيانهم يصلّون بهم، ويقرّبون قربانهم ويزعمون أنّهم لا خطايا لهم ولا ذنوب. وكذبوا. قال اللّه [تعالى] إنّي لا أطهّر ذا ذنبٍ بآخر لا ذنب له" وأنزل اللّه: {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم}
ثمّ قال: وروي عن مجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، وعكرمة، والضّحّاك -نحو ذلك.
وقال الضّحّاك: قالوا: ليس لنا ذنوبٌ، كما ليس لأبنائنا ذنوبٌ. فأنزل اللّه ذلك فيهم.
وقيل: نزلت في ذمّ التّمادح والتّزكية.
وقد جاء في الحديث الصّحيح عند مسلمٍ، عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن نحثو في وجوه المدّاحين التّراب.
وفي الحديث الآخر المخرّج في الصّحيحين من طريق خالدٍ الحذاء، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سمع رجلًا يثني على رجلٍ، فقال: "ويحك. قطعت عنق صاحبك". ثمّ قال: "إن كان أحدكم مادحًا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسبه كذا ولا يزكّي على اللّه أحدًا".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه، عن نعيم بن أبي هندٍ قال: قال عمر بن الخطّاب: من قال: أنا مؤمنٌ، فهو كافرٌ. ومن قال: هو عالمٌ، فهو جاهلٌ. ومن قال: هو في الجنّة، فهو في النار
ورواه ابن مردويه، من طريق موسى بن عبيدة، عن طلحة بن عبيد اللّه بن كريزٍ، عن عمر أنّه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال: إنّه مؤمنٌ، فهو كافرٌ، ومن قال: إنّه عالمٌ فهو جاهلٌ، ومن قال: إنّه في الجنّة، فهو في النّار.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدثنا شعبة وحجّاجٌ، أنبأنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن معبدٍ الجهنيّ قال: كان معاوية قلّما يحدّث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: وكان قلّما يكاد أن يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدّث بهنّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول: "من يرد اللّه به خيرًا يفقّهه في الدّين، وإنّ هذا المال حلوٌ خضرٌ، فمن يأخذه بحقّه يبارك له فيه، وإيّاكم والتّمادح فإنّه الذّبح".
وروى ابن ماجه منه: "إيّاكم والتّمادح فإنّه الذّبح" عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندرٍ، عن شعبة به.
ومعبدٌ هذا هو ابن عبد اللّه بن عويمٍ البصريّ القدريّ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: إنّ الرّجل ليغدو بدينه، ثمّ يرجع وما معه منه شيءٌ، يلقى الرّجل ليس يملك له نفعًا ولا ضرًّا فيقول له: واللّه إنّك كيت وكيت فلعلّه أن يرجع ولم يحلّ من حاجته بشيءٍ وقد أسخط اللّه. ثمّ قرأ {ألم تر إلى الّذين يزكّون أنفسهم} الآية.
وسيأتي الكلام على ذلك مطوّلًا عند قوله تعالى: {فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى} [النّجم:32]. ولهذا قال تعالى: {بل اللّه يزكّي من يشاء} أي: المرجع في ذلك إلى اللّه، عزّ وجلّ لأنّه عالمٌ بحقائق الأمور وغوامضها.
ثمّ قال تعالى: {ولا يظلمون فتيلا} أي: ولا يترك لأحدٍ من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل.
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وعطاءٌ، والحسن، وقتادة، وغير واحدٍ من السّلف: هو ما يكون في شقّ النّواة.
وعن ابن عبّاسٍ أيضًا: هو ما فتلت بين أصابعك. وكلا القولين متقارب). [تفسير القرآن العظيم: 2/332-333]

تفسير قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {انظر كيف يفترون على اللّه الكذب} أي: في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنّهم أبناء اللّه وأحبّاؤه وقولهم: {لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة:111] وقولهم: {لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} [البقرة:80] واتّكالهم على أعمال آبائهم الصّالحة، وقد حكم الله أن أعمال
[تفسير القرآن العظيم: 2/333]
الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئًا، في قوله: {تلك أمةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم [ولا تسألون عمّا كانوا يعملون]} [البقرة:141].
ثمّ قال: {وكفى به إثمًا مبينًا} أي: وكفى بصنعهم هذا كذبًا وافتراءً ظاهرًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/333-334]


رد مع اقتباس