عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 11:14 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
لما أشار قوله: {فهل على الرسل إلا البلاغ المبين} إلى إقامة الحجة حسب ما ذكرناه بين ذلك في هذه الآية، أي إنه بعث الرسل آمرا بعبادته وتجنب عبادة غيره. و"الطاغوت" في اللغة كل ما عبد من دون الله من آدمي راض بذلك أو حجر أو خشب، ثم أخبر أن منهم من اعتبر وهداه الله ونظر ببصيرته، ومنهم من أعرض وكفر فحقت عليه الضلالة، وهي مؤدية إلى النار حتما، ومنهم من أدته إلى عذاب الله في الدنيا، ثم أحالهم في علم ذلك على الطلب في الأرض، واستقراء الأمم، والوقوف على عواقب الكافرين المكذبين). [المحرر الوجيز: 5/352]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إن تحرص} الآية، الحرص: أبلغ الإرادة في الشيء، وهذه تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام، أي أن حرصك لا ينفع، فإنها أمور محتومة. وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، والحسن، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، ومجاهد، وشبل، ومزاحم الخراساني، وأبو رجاء العطاردي، وابن سيرين: "لا يهدى" بضم الياء وفتح الدال، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: "لا يهدي" بفتح الياء وكسر
[المحرر الوجيز: 5/352]
الدال، وهي قراءة ابن مسعود، وابن المسيب، وجماعة، وذلك على معنيين: أي أن الله لا يهدي من قضى بإضلاله، والمعنى الآخر أن العرب تقول: "يهدي الرجل" بمعنى "اهتدى"، حكاه الفراء، وفي القرآن: لا يهدي إلا أن يهدى، وجعله أبو علي وغيره بمعنى "يهتدي"، وقرأت فرقة بفتح الياء وكسر الهاء والدال، وقرأت فرقة: "يهدي" بضم الياء وكسر الدال، وهي ضعيفة، وفي مصحف أبي بن كعب "فإن الله لا هادي لمن أضل"، وحكاها أبو حاتم: "فإنه لا هادي لمن أضل"، قال أبو علي: "الراجع إلى اسم "إن" مقدر في "يضل" على كل قراءة إلا قراءة "يهدي" بفتح الياء وكسر الدال، أي: يهدي الله، فإن الراجع مقدر في "يهدي". وقوله: {وما لهم من ناصرين} ضمير على معنى "من"، وتقول العرب: حرص يحرص وحرص يحرص، والكسر في المستقبل لغة أهل الحجاز. وقرأ الحسن، وإبراهيم، وأبو حيوة بفتح الراء في قوله: "حرص" وقرأ إبراهيم: "وإن تحرص" بزيادة الواو). [المحرر الوجيز: 5/353]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في قوله: "وأقسموا" لكفار قريش، وذكر أن رجلا من المسلمين جاور رجلا من المشركين، فقال في حديثه: "لا والذي أرجوه بعد الموت"، فقال له الكافر: "أو بعث بعد الموت"؟ قال: "نعم"، فأقسم الكافر مجتهدا في يمينه أن الله لا يبعث أحدا بعد الموت، فنزلت الآية بسبب ذلك، و"جهد" مصدر، ومعناه: بغاية جهدهم، ثم رد الله تعالى عليهم بقوله: "بلى" فأوجب بذلك البعث. وقوله: {وعدا عليه حقا} مصدران مؤكدان، وقرأ الضحاك: "بلى وعد عليه حق" بالرفع في المصدرين،
[المحرر الوجيز: 5/353]
وأكثر الناس في هذه الآية الكفار المكذبون بالبعث، والبعث من القبور مما يجوزه العقل، وأثبته خبر الشريعة على لسان جميع النبيين، وقال بعض الشيعة: إن الإشارة بهذه الآية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإن الله سيبعثه في الدنيا، وهذا هو القول بالرجعة، وقولهم هذا باطل وافتراء على الله، وبهتان من القول رده ابن عباس رضي الله عنهما، وغيره). [المحرر الوجيز: 5/354]

تفسير قوله تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}
اللام في قوله: "ليبين" متعلقة بما في ضمن قوله: "بلى"، لأن التقدير: "بلى يبعث ليبين"، وقيل: هي متعلقة بقوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا}، والأول أصوب في المعنى، لأن به يتصور كذب الكفار في إنكار البعث). [المحرر الوجيز: 5/354]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {إنما قولنا} الآية. "إنما" في كلام العرب هي للمبالغة وتحقيق تخصيص المذكورين، فقد تكون -مع هذا- حاصرة إذا دل على ذلك المعنى، كقوله تعالى: {إنما الله إله واحد}، وأما قول النبي عليه الصلاة والسلام: "إنما الربا في النسيئة"، وقول العرب: "إنما الشجاع عنترة " فبقي فيها معنى المبالغة فقط. و"إنما" في هذه الآية هي للحصر، وقاعدة القول في هذه الآية أن نقول: إن الإرادة والأمر اللذين هما صفتان من صفات الله تبارك وتعالى القديمة هما قديمان أزليان، وإن ما في ألفاظ هذه الآية من معنى الاستقبال والاستئناف إنما هو راجع إلى المراد لا إلى الإرادة، وذلك أن الأشياء المرادة المكونة في وجودها استئناف واستقبال، لا في إرادة ذلك، ولا في الأمر به، لأن ذينك قديمان، فمن أجل المراد عبر بـ "إذا" و"نقول". ونرجع الآن على هذه الألفاظ فتوضح الوجه فيها واحدة واحدة: أما قوله: "لشيء" فيحتمل وجهين: أحدهما أن الأشياء التي هي مرادة وقيل لها: "كن" معلوم أن
[المحرر الوجيز: 5/354]
الوجود يأتي على جميعها بطول الزمن وتقدير الله تعالى، فلما كان وجودها حتما جاز أن تسمى "أشياء" وهي في حالة عدم، والوجه الثاني أن يكون قوله: "لشيء" تنبيها لنا على الأمثلة التي تنظر فيها، أي إن كل ما تأخذونه من الأشياء الموجودة فإنما سبيله أن يكون مرادا وقيل له: "كن" فكان، ويكون ذلك الشيء المأخوذ من الموجودات مثالا لما يتأخر من الأمور وما تقدم، فبهذا نتخلص من تسمية المعدوم شيئا، وقوله: {إذا أردناه} منزل منزلة مراد، ولكنه أتى بهذه الألفاظ المستأنفة بحسب أن الموجودات تجيء وتظهر شيئا بعد شيء فكأنه قال: "إذا ظهر المراد منه"، وعلى هذا الوجه يخرج قوله تعالى: {فسيرى الله عملكم ورسوله}، وقوله تعالى: {وليعلم الله الذين آمنوا}، ونحو هذا مما معناه: ويقع منكم ما رآه الله تعالى في الأزل كله وعلمه. وقوله: {أن نقول} نزل منزلة المصدر، كأنه قال: "قولنا"، ولكن "أن" مع الفعل تعطي استئنافا ليس في المصدر في أغلب أمرها، وقد تجيء في مواضع لا يلحظ فيها الزمن كهذه الآية، وكقوله تعالى: {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} وغير ذلك. وقوله: "له" ذهب أكثر الناس إلى أن الشيء هو الذي يقال له كالمخاطب، وكأن الله تبارك وتعالى قال في الأزل لجميع ما خلق: "كن" بشرط الوقت والصفة، وقال الزجاج: "له" بمعنى: من أجله، وهذا يمكن أن يريد بالمعنى إلى الأول، وذهب قوم إلى أن قوله: "أن نقول" مجاز، كما تقول: قال برأسه فرفعه، وقال بيده فضرب فلانا، ورد على هذا المنزع أبو منصور، وذهب إلى أن الأول هو الأول. وقرأ الجمهور: "فيكون" برفع النون، وقرأ ابن عامر، والكسائي هنا وفي "يس" "فيكون" بنصبها، وهي قراءة ابن محيصن.
[المحرر الوجيز: 5/355]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأول أبعد على التعقيب الذي يصحب الفاء في أغلب حالها، فتأمله.
وفي هذه النبذة ما يطلع منه على عيون هذه المسألة، وشرط الإيجاز منع من بسط الاعتراضات والانفصالات، والمقصود بهذه الآية إعلام منكري البعث بهوان أمره على الله تعالى وقربه في قدرته، لا رب غيره). [المحرر الوجيز: 5/356]

رد مع اقتباس