عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 8 ذو الحجة 1431هـ/14-11-2010م, 12:49 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي مقدمة كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة

معنى القرآن
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (القرآن: اسم كتاب الله خاصة، ولا يسمّى به شيء من سائر الكتب غيره، وإنما سمّي قرآناً لأنه يجمع السور فيضمها، وتفسير ذلك في آية من القرآن؛ قال الله جلّ ثناؤه: {إنّ علينا جمعه وقرآنه} مجازه: تأليف بعضه إلى بعض؛ ثم قال: {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه}, مجازه: فإذا ألّفنا منه شيئاً، فضممناه إليك فخذ به، واعمل به وضمّه إليك؛ وقال عمرو ابن كلثوم في هذا المعنى:

ذراعى حرّةٍ أدماء بكرٍ= هجان اللّون لم تقرأ جنينا
أي: لم تضمّ في رحمها ولداً قط، ويقال: للتى لم تحمل قط: ما قرأت سلىً قط.
وفي آية أخرى: {فإذا قرأت القرآن}, مجازه: إذا تلوت بعضه في إثر بعض، حتى يجتمع وينضمّ إلى بعض؛ ومعناه: يصير إلى معنى التأليف والجمع, وإنما سمّى القرآن فرقاناً؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين المسلم والكافر، وخرج تقديره على تقدير: رجل قنعان، والمعنى : أنه يرضى الخصمان والمختلفان في الأمر بحكمه بينهما, ويقنعان به).

معنى السورة
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (والسورة من القرآن: يهمزها بعضهم، وبعضهم لا يهمزها؛
- وإنما سمّيت سورة في لغة من لا يهمزها، لأنه يجعل مجازها مجاز منزلة إلى منزلة أخرى، كمجاز سورة البناء، قال النابغة الذبياني:
ألم تر أن الله أعطاك سورة= ترى كل ملكٍ دونها يتذبذب
أي: منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك، غير أن جمع سورة القرآن خالف جمع سورة البناء في لغة من همز سورة القرآن.
- وفي لغة من لم يهمزها؛ قالوا جميعاً في جمع سورة القرآن (سور) الواو مفتوحة, كما قال: لا يقرأن بالسور , فخرج جمعها مخرج جمع ظلمة والجميع ظلم ونحو ذلك، وقالوا جميعاً في جمع سورة البناء سور الواو ساكنة، فخرج جمعها مخرج جمع بسرة والجميع بسر
قال العجّاج:
فربّ ذي سرادقٍ محجور= سرت إليه في أعالي السور
الواو ساكنة، السرادق: الفسطاط وهو البلق؛ ومجاز سورة في لغة من همزها: مجاز قطعة من القرآن على حدة وفضلة منه, لأنه يجعلها من قولهم: أسأرت سؤراً منه، أي: أبقيت, وأفضلت منه فضلةً.

معنى الآية
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (والآية من القرآن: إنما سّميت آية لأنها كلام متصل إلى انقطاعه، وانقطاع معناه: قصة ثم قصة.


أسماء سور القرآن
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (ولسور القرآن أسماء:
- فمن ذلك أن {الحمد الله} تسمّى (أم الكتاب)، لأنه يبدأ بها في أول القرآن, وتعاد قراءتها, فيقرأ بها في كل ركعة قبل السورة؛ ولها اسم آخر يقال لها: فاتحة الكتاب؛ لأنه يفتتح بها في المصاحف, فتكتب قبل القرآن، ويفتتح بقراءتها في كل ركعة قبل قراءة ما يقرأ به من السور في كل ركعة.
- ومن ذلك اسم جامع لما بلغ عددهن مائة آية أو فويق ذلك أو دوينه فهو المئون، وقد فرغنا من ذلك في الرجز الذي بعد هذا.
- ومن ذلك اسم جامع للآيات وهو: المثاني، وقد فرغنا من ذلك في الرجز الذي بعد هذا.
- ومن ذلك اسم لقوله: {قل يا أيها الكافرون}, ولقوله: {قل هو الله أحد}, يقال لهما: (المقشقشتان)، ومعناه: المبرّئتان من الكفر, والشكّ, والنفاق, كما يقشقش الهناء الجرب فيبرئه.
- ومن ذلك اسم جامع لسبع سور من أول القرآن، يقال للبقرة (2)، وآل عمران (3)، والنساء (4)، والمائدة (5)، والأنعام (6)، والأعراف (7)، والأنفال (8): (السبع الطول)
قال سليمان:

نشدتكم بمنزل الفرقان=أم الكتاب السبع من مثاني
تنّين من آيٍ من القرآن= والسبع سبع الطول الدّواني

وقال في جمع أسمائها:

حلفت بالسبع اللواتى طوّلت= وبمئين بعدها قد امئيت
وبمثانٍ ثنّيت فكرّرت= وبالطواسيم التي قد ثلّثت
وبالحواميم اللواتي سبّعت= وبالمفصّل اللواتي فصّلت

وقال الشاعر فيما يدل على أن الحمد هي السبع المثاني:

الحمد لله الذي أعفاني
=
وكلّ خير صالح أعطاني
=
رب المثاني الآي والقرآن



أنواع مجاز القرآن
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قالوا: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، وتصداق ذلك في آية من القرآن، وفي آية أخرى: {وما أرسلنا من رسولٍ إلاّ بلسان قومه}, فلم يحتج السلف, ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوا عن معانيه؛ لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه، وعما فيه مما في كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص, وفي القرآن مثل ما في الكلام العربي من وجوه الإعراب، ومن الغريب، والمعاني.
ومن المحتمل من مجاز ما اختصر وفيه مضمر: قال: {وانطلق الملأ منهم أن أمشوا واصبروا}, فهذا مختصر فيه ضمير مجازه: {وانطلق الملأ منهم}, ثم اختصر إلى فعلهم وأضمر فيه: وتواصوا أن أمشوا, أو تنادوا أن أمشوا, أو نحو ذلك, وفي آية أخرى: {ماذا أراد الله بهذا مثلاً}, فهذا من قول الكفار، ثم اختصر إلى قول الله، وأضمر فيه: قل يا محمد: {يضلّ به كثيراً}, فهذا من كلام الله.
ومن مجاز ما حذف وفيه مضمر: قال: {وسل القرية التي كنّا فيها والعير التي أقبلنا فيها}, فهذا محذوف فيه ضمير مجازه: وسل أهل القرية، ومن في العير.
ومن مجاز ما كفّ عن خبره استغناءً عنه وفيه ضميرٌ: قال:{حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم طبتمفادخلوها خالدين} , ثم كفّ عن خبره.
ومن مجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد الذي له جماع منه , ووقع معنى هذا الواحد على الجميع: قال: {يخرجكم طفلاً} في موضع: (أطفالا), وقال:{إنما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بين أخويكم}, فهذا وقع معناه على قوله: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}, وقال:{والملك على أرجائها}, في موضع: (والملائكة).
ومن مجاز ما جاء من لفظ خبر الجميع على لفظ الواحد: قال:{والملائكة بعد ذلك ظهير}في موضع: ظهراء.
ومن مجاز ما جاء لفظه الجميع الذي له واحد منه، ووقع معنى هذا الجميع على الواحد: قال: {الذين قال لهم النّاس إن النّاس قد جمعوا لكم}, والناس جميع، وكان الذي قال رجلا واحداً {أنا رسول ربّك}, وقال: {إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدر}, والخالق الله وحده لا شريك له.
ومن مجاز ما جاء لفظه الجميع الذي له واحد منه , ووقع معنى هذا الجميع على الاثنين: قال: {فإن كان له إخوةٌ}, فالإخوة جميع , ووقع معناه على أخوين، وقال: {إنّما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بين أخويكم}, وقال: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} في موضع يديهما.
ومن مجاز ما جاء لا جماع له من لفظه فلفظ الواحد منه ولفظ الجميع سواء: قال: {حتّى إذا كنتم في الفلك}, الفلك جميع وواحد، وقال: {ومن الشّياطين من يغوصون له}جميع وواحد، وقال: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} جميع وواحد.
ومن مجاز ما جاء من لفظ خبر الجميع المشرك بالواحد الفرد على لفظ خبر الواحد: قال الله: {أن السّموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما}, جاء فعل السموات على تقدير لفظ الواحد لما أشركن بالأرض.
ومن مجاز ما جاء من لفظ الإثنين، ثم جاء لفظ خبرهما على لفظ خبر الجميع: قال:{ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين}
ومن مجاز ما ختر عن اثنين مشركين, أو عن أكثر من ذلك, فجعل لفظ الخبر لبعض دون بعض, وكفّ عن خبر الباقي: قال: {والذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله} .
ومن مجاز ما جعل في هذا الباب الخبر للأول منهما أو منهم: قال: {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها}
ومن مجاز ما جعل في هذا الباب الخبر للآخر منهما أو منهم: قال: {ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً}
ومن مجاز ما جاء من لفظ خبر الحيوان , والموات على لفظ خبر الناس: قال: {رأيت أحد عشر كوكباً والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}, وقال: {قالتا أتينا طائعين}, وقال للأصنام: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}, وقال: {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده}, وقال: {إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً} .
ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الغائب ومعناها للشاهد: قال: {آلم ذلك الكتاب}, مجازه: آلم هذا القرآن.
ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد، ثم تركت, وحوّلت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب: قال الله: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}, أي : بكم.
ومن مجاز ما جاء خبره عن غائب ثم خوطب الشاهد: قال: {ثمّ ذهب إلى أهله يتمطّى أولي لك فأولى}
ومن مجاز ما يزاد في الكلام من حروف الزوائد: قال الله:{إنّ الله لا يستحيى أن يضرب مثلاً مّا بعوضةً فما فوقها}, وقال: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين}, وقال: {وشجرةً تخرج من طور سيناء تنبت بالدّهن وصبغٍ للآكلين}, وقال: {وإذ قال ربّك للملائكة}, وقال: {ما منعك ألاّ تسجد}, مجاز هذا أجمع إلقاؤهن.
ومن مجاز المضمر فيه استغناءً عن إظهاره: قال: {بسم الله}, ففيه ضمير مجازه: هذا بسم الله. أو بسم الله أول كل شيء ونحو ذلك.
ومن مجاز المكرر للتوكيد: قال:{رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}, أعاد الرؤية, وقال:{أولى لك فأولى}, أعاد اللفظ. وقال: {فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذاً رجعتم تلك عشرةٌ كاملة}, وقال:{تبّت يدا أبي لهبٍ وتبّ} .
ومن مجاز المجمل استغناءً عن التكرير: قال: (....) (؟).
ومن مجاز المقدم والمؤخر: قال: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت}, أراد ربت واهتزت, وقال: {لم يكد يراها}, أي: لم يرها, ولم يكد.
ومن مجاز ما يحوّل خبره إلى شيء من سببه، ويترك خبره هو: قال: {فظلّت أعناقهم لها خاضعين}, حوّل الخبر إلى الكناية التي في آخر الأعناق.
ومن مجاز ما يحوّل فعل الفاعل إلى المفعول أو إلى غير المفعول: قال: {ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة}, والعصبة هي التي تنوء بالمفاتح.
ومن مجاز ما وقع المعنى على المفعول وحوّل إلى الفاعل: قال: {كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع}, والمعنى: على الشاء المنعوق به, وحوّل على الراعى الذي ينعق بالشاء.
ومن مجاز المصدر الذي في موضع الاسم أو الصفة: قال: {ولكن البرّ من آمن بالله}, روج المعنى البارّ, وقال: { أنّ السّموات والأرض كانتا رتقاً}, والرتق: مصدر, وهو في موضع مرتوقتين، وقال:{أنا رسول ربّك}, أي: رسالة ربك.
ومجاز ما قرأته الأئمة بلغاتها, فجاء لفظه على وجهين أو أكثر: من ذلك قرأ أهل المدينة: {فبم تبشّرون}, فأضافوا بغير نون المضاف بلغتهم، وقال أبو عمرو: لا تضاف تبشّرون إلاّ بنون الكناية, كقولك تبشّرونني.
ومن مجاز ما جاءت له معانٍ غير واحد، مختلفة, فتأولته الأئمة بلغاتها, فجاءت معانيه على وجهين أو أكثر من ذلك: قال: {وغدوا على حردٍ قادرين}, ففسروه على ثلاثة أوجه؛ قال بعضهم: على قصدٍ، وقال بعضهم: على منع، وقال آخرون: على غضبٍ وحقد.
ومن مجاز ما جاء على لفظين وذلك لاختلاف قراآت الأئمة، فجاء تأويله شتى؛ فقرأ بعضهم: قوله: {إن جاءكم فاسقٌ بنبإٍ فتبيّنوا أ ن تصيبوا قوماً بجهالة}, وقرأها آخرون: {فتثّبتوا}, وقرأ بعضهم قوله:{أإذا صللنا في الأرض}, وقرأها آخرون: {أإذا ضللنا في الأرض}, صللنا: أنتنا من صلّ اللحم يصل؛ وقرأ بعضهم: {وادّكر بعد أمّة}, وقرأها آخرون: {بعد أمه}: أي: نسيان, وقرأ بعضهم: {في لوحٍ محفوظٌ}, وقرأ آخرون {في لوحٍ محفوظٍ}: أي: الهواء.
ومن مجاز الأدوات اللواتي لهن معانٍ في مواضع شتى، فتجئ الأداة منهن في بعض تلك المواضع لبعض تلك المعاني: قال: {أن يضرب مثلاً مّا بعوضةً فما فوقها}, معناه: فما دونها، وقال: {والأرض بعد ذلك دحاها}, معناه مع ذلك، وقال: {لأصلّبنّكم في جذوع النّخل}, معناه: على جذوع النّخل، وقال:{إذا أكتالوا على النّاس يستوفون}, معناه: من الناس، وقال: {هذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين}, معناه: بل أنا خير.
ومن مجاز ما جاء على لفظين فأعملت فيه الأداة في موضع، وتركت منه في موضع: قال: {ويلٌ للمطفّفين الذين إذا أكتالوا على النّاس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}, معناه: وإذا كالوا لهم ,أو وزنوا لهم.
ومن مجاز ما جاء على ثلاثة ألفاظ , فأعملت فيه أداتان في موضعين , وتركتا منه في موضع: قال: {اهدنا الصّراط المستقيم}, وإلى الصراط , وللصراط.
ومن مجاز ما جاء فيه على لفظين , فأعلمت فيه أداة في موضع، وتركت منه في موضع: قال: {وإذا قرأت القرآن}, وقال: {اقرأ باسم ربّك}.
ومن مجاز ما فيه لغتان , فجاء بإحداهما: قال: {وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونه}, فالأنعام , يذكر ويؤنث، وقال: {كذّبت قوم نوحٍ المرسلين}, يقال: هذه قومك، وجاء قومك.
ومن مجاز ما أظهر من لفظ المؤنث, ثم جعل بدلاً من المذكر , فوصف بصفة المذكر بغير الهاء؛ كذلك، قال: {السّماء منفطرٌ به}, جعلت السماء بدلاً من السقف بمنزله تذكير سماء البيت.
ومن مجاز ما جاء من الكنايات في مواضع الأسماء بدلا منهن: قال: {إنّما صنعوا كيد ساحر}, فمعنى (ما) معنى الاسم، مجازه : إنّ صنيعهم كيد ساحرٍ.
ومن مجاز الاثنين المشتركين وهما من شتّى أو من غير شتّى، ثم خبّر عن شيءٍ لا يكون إلا في أحدهما دون الآخر, فجعل فيهما, أو لهما لمّا أشرك بينهما في الكلام: قال: {مرج البحرين يلتقيان}, {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}, وإنما يخرج اللؤلؤ من البحر دون الفرات العذب.
ومن مجاز ما جاء من مذاهب وجوه الإعراب: قال: {سورةٌ أنزلناها}, رفعٌ ونصب، وقال:{والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما}, رفعٌ ونصبٌ، وقال: {والزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدة}, رفع ونصب.
ومجاز المحتمل من وجوه الإعراب , كما قال: {إنّ هذان لساحران}
قال: وكل هذا جائز معروف قد يتكلمون به).


الاسم والمسمى
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (
بسم الله الرّحمن الرّحيم
{بسم الله}: إنما هو بالله؛ لأن اسم الشيء هو الشيء بعينه، قال لبيد:
إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما= ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
{إنّ علينا جمعه وقرآنه}: أي: تأليفه؛ {فإذا قرأناه}: أي: إذا جمعناه؛ ومجازه مجاز قول عمرو بن كلثوم:
... = جان اللون لم تقرأ جنين
أي: لم تضمّ في رحمها، ويقال للتي لم تلد: ما قرأت سلًى قطّ.
نزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن {طه} بالنّبطيّة, فقد أكبر، وإن لم يعلم ما هو، فهو افتتاح كلام, وهو اسم للسورة, وشعار لها, وقد يوافق اللفظ اللفظ, ويقارن به, ومعناهما واحد, وأحدهما بالعربية, والآخر بالفارسية أو غيرها؛ فمن ذلك الإستبرق بالعربية: وهو الغليظ من الدّيباج، والفرند: وهو بالفارسية إستبره؛ وكوز, وهو بالعربية جوز؛ وأشباه هذا كثيير, ومن زعم أن {حجارةً من سجّيل} بالفارسية, فقد أعظم، من قال: إنه سنك, وكل، إنما السجيل: الشديد.
والقرآن: اسم كتاب الله، لا يسمّى به غيره من الكتب، وذلك لأنه جمع وضمّ السور؛ ومجازه من قوله: {إنّ علينا جمعه وقرآنه} [75: 18]، أي تأليف بعضه إلى بعض، {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه}؛ وسمّى الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر.
ففي القرآن ما في الكلام العربيّ من الغريب والمعاني، ومن المحتمل من مجاز ما اختصر، ومجاز ما حذف، ومجاز ما كفّ عن خبره، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد ووقع على الجميع، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الجميع ووقع معناه على الاثنين، ومجاز ما جاء لفظه خبر الجميع على لفظ خبر الواحد، ومجاز ما جاء الجميع في موضع الواحد إذا أشرك بينه وبين آخر مفرد، ومجاز ما خبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للواحد أو للجميع وكفّ عن خبر الآخر، ومجازما خبّر عن اثنين أو أكثر من ذلك، فجعل الخبر للأول منهما، ومجاز ما خبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك، فجعل الخبر للأخر منهما، ومجاز ما جاء من لفظ خبر الحيوان والموات على لفظ خبر الناس؛ والحيوان كل ما أكل من غير الناس وهي الدواب كلّها، ومجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الغائب, ومعناه: مخاطبة الشاهد، ومجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد، ثم تركت وحوّلت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب، ومجاز ما يزاد من حروف الزوائد, ويقع مجاز الكلام على إلقائهن، ومجاز المضمر استغناءً عن إظهاره، ومجاز المكرر للتوكيد، ومجاز المجمل استغناءً عن كثرة التكرير، ومجاز المقدّم والمؤخّر، ومجاز ما يحوّل من خبره إلى خبر غيره بعد أن يكون من سببه، فيجعل خبره للذي من سببه ويترك هو, وكل هذا جائز قد تكلموا به). [مجاز القرآن: 1/1-19]


رد مع اقتباس