الموضوع: سورة البقرة
عرض مشاركة واحدة
  #40  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 03:36 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى {وَلاَ تَنْكِحُوْا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوْا الْمُشْرِكِيْنَ حَتَّى يُؤْمِنُوْا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُوْنَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُوْنَ.(221)}


قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال:
وقال تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم}. فنسخ منها ما أحل من المشركات من نساء أهل الكتاب من اليهود والنصارى في النكاح. ). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية التاسعة عشرة: قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} [231 / البقرة] وليس في هذه شيء منسوخ إلا بعض حكم المشركات وجميعها محكم وذلك أن المشركات يعم الكتابيات والوثنيات ثم استثنى من جميع المشركات الكتابيات فقط وناسخها قوله تعالى: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم...}[5 مدنية / المائدة / 5] يعني بذلك اليهوديات والنصرانيات ثم مع الإباحة عفتهن فإن كن عواهر لم يجز) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} [البقرة: 221] فيها ثلاثة أقوالٍ
من العلماء من قال هي منسوخةٌ ومنهم من قال هي ناسخة ومنهم من قال هي محكمةٌ لا ناسخةٌ ولا منسوخةٌ
فممّن قال إنّها منسوخةٌ ابن عبّاسٍ
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} [البقرة: 221] قال: " ثمّ استثنى نساء أهل الكتاب فقال جلّ ثناؤه: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب} [المائدة: 5] حلٌّ لكم {إذا آتيتموهنّ أجورهنّ} [المائدة: 5] يعني مهورهنّ {محصناتٍ غير مسافحاتٍ} [النساء: 25] يقول: عفائف غير زوانٍ "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/4]
قال أبو جعفرٍ: هكذا في الحديث حلٌّ لكم وليس هو في التّلاوة وهكذا قال {محصناتٍ غير مسافحاتٍ} [النساء: 25] وفي التّلاوة «محصنين غير مسافحين» فهذه قراءةٌ على التّفسير وهكذا كلّ قراءةٍ خالفت المصحف المجمع عليه
وممّن قال إنّ الآية منسوخةٌ أيضًا مالك بن أنسٍ وسفيان بن سعيدٍ، وعبد الرّحمن بن عمرٍو، فأمّا من قال إنّها ناسخةٌ فقوله شاذّ
حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربيّ، يقول «فيه وجهٌ ذهب إليه قومٌ جعلوا الّتي في البقرة هي الناسخة والّتي في المائدة هي المنسوخة يعني فحرّموا نكاح كلّ مشركةٍ كتابيّةٍ أو غير كتابيّةٍ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/5]
قال أبو جعفرٍ: ومن الحجّة لقائل هذا ممّا صحّ سنده
ما حدّثناه محمّد بن زبّان، قال حدّثنا محمّد بن رمحٍ، قال أخبرنا اللّيث بن سعدٍ، عن نافعٍ، أنّ عبد اللّه بن عمر، " كان إذا سئل عن نكاح الرّجل النّصرانيّة، أو اليهوديّة قال: " حرّم اللّه عزّ وجلّ المشركات على المسلمين ولا أعرف شيئًا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة: ربّها عيسى أو عبدٌ من عباد اللّه جلّ وعزّ "
والقول الثّالث قال به جماعةٌ من العلماء
كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} [البقرة: 221] قال «المشركات من غير نساء أهل الكتاب وقد تزوّج حذيفة نصرانيّةً أو يهوديّةً»
قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال حدّثنا وكيعٌ، قال حدّثنا سفيان، عن حمّادٍ، قال: سألت سعيد بن جبيرٍ عن قول اللّه، جلّ وعزّ {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} [البقرة: 221] قال: «هم أهل الأوثان»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/6]
قال أبو جعفرٍ: وهذا أحد قولي الشّافعيّ رحمه اللّه أن تكون الآية عامّةً يراد بها الخاصّ فتكون المشركات هاهنا أهل الأوثان والمجوس
فأمّا من قال إنّها ناسخةٌ للّتي في المائدة وزعم أنّه لا يجوز نكاح نساء أهل الكتاب، فقوله خارجٌ عن قول الجماعة الّذين تقوم بهم الحجّة؛ لأنّه قد قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصّحابة والتّابعين جماعةٌ منهم عثمان وطلحة، وابن عبّاسٍ، وجابرٌ، وحذيفة ومن التّابعين سعيد بن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/7]
المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، ومجاهدٌ، وطاووسٌ، وعكرمة، والشّعبيّ، والضّحّاك، وفقهاء الأمصار عليه
وأيضًا فيمتنع أن تكون هذه الآية من سورة البقرة ناسخةٌ للآية الّتي في سورة المائدة لأنّ البقرة من أوّل ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل وإنّما الآخر ينسخ الأوّل
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/8]

وأمّا حديث ابن عمر فلا حجّة فيه؛ لأنّ ابن عمر رحمه اللّه كان رجلًا متوقّفًا فلمّا سمع الآيتين، في واحدةٍ التّحليل وفي الأخرى التّحريم ولم يبلغه النّسخ توقّف ولم يؤخذ عنه ذكرٌ للنّسخ وإنّما تؤوّل عليه وليس يؤخذ النّاسخ والمنسوخ بالتّأويل
وأبين ما في الآية أن تكون منسوخةً على قول من قال ذلك من العلماء وهو أيضًا أحد قولي الشّافعيّ وذلك أنّ الآية إذا كانت عامّةً لم تحمل على الخصوص إلّا بدليلٍ قاطعٍ فإن قال قائلٌ فقد قال قومٌ من العلماء إنّه لا يقال لأهل الكتاب مشركون وإنّما المشرك من عبد وثنًا مع اللّه جلّ وعزّ فأشرك به
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/9]
قال أبو جعفرٍ: وممّن يروى عنه هذا القول أبو حنيفة وزعم أنّ قول اللّه تعالى: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28]أنّه يراد به أهل الأوثان وأنّ لليهود والنّصارى أن يقربوا المسجد الحرام [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/11]
قال أبو جعفرٍ: " وهذا قولٌ خارجٌ عن قول الجماعة من أهل العلم واللّغة وأكثر من هذا أنّ في كتاب اللّه جلّ وعزّ نصًّا تسمّيه اليهود والنّصارى بالمشركين، قال اللّه جلّ وعزّ: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلّا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلّا هو سبحانه عمّا يشركون}[التوبة: 31]
فهذا نصّ القرآن فمن أشكل عليه أن قيل له اليهود والنّصارى لم يشركوا أجيب عن هذا بجوابين
أحدهما أن يكون هذا اسمًا إسلاميًّا ولهذا نظائر قد بيّنها من يحسن الفقه واللّغة من ذلك مؤمنٌ أصله من آمن إذا صدّق ثمّ صار لا يقال مؤمنٌ إلّا لمن آمن بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ تبع ذلك العمل ومن الأسماء الإسلاميّة المنافق ومنها على قول بعض العلماء الخمر سمّي ما أسكر كثيره خمرًا على لسان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
والجواب الآخر وهو عن أبي إسحاق بن إبراهيم بن السّرّيّ قال: كلّ من كفر بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم فهو مشركٌ، قال وهذا من اللّغة؛ لأنّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم قد جاء من البراهين بما لا يجوز أن يأتي به بشرٌ إلّا من عند اللّه جلّ وعزّ فإذا كفر بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم فقد زعم أنّ ما لا يأتي به إلّا اللّه قد جاء به غير اللّه جلّ وعزّ فجعل للّه جلّ وعزّ شريكًا [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/12]
قال أبو جعفرٍ: وهذا من لطيف العلم وحسنه
فأمّا نكاح إماء أهل الكتاب فحرامٌ عند العلماء إلّا أبا حنيفة وأصحابه، فإنّهم أجازوه واحتجّ لهم محتجٌّ بشيءٍ قاسه قال: لمّا أجمعوا على أنّ قوله جلّ وعزّ: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: 221] يدخل فيه الأحرار والإماء وجب في القياس أن يكون قوله {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب} [المائدة: 5] داخلًا فيه الحرائر والإماء لتكون الناسخة مثل المنسوخة
قال أبو جعفرٍ: وهذا الاحتجاج خطأٌ من غير جهةٍ فمن ذلك أنّه لم يجمع على أنّ الآية الّتي في البقرة منسوخةٌ ومن ذلك أنّ القياسات والتّمثيلات لا يؤخذ بها في النّاسخ والمنسوخ، وإنّما يؤخذ النّاسخ والمنسوخ بالتّيقّن والتّوقيف
وأيضًا فقد قال اللّه جلّ وعزّ نصًّا {ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} [النساء: 25] فكيف يقبل ممّن قال من فتياتكم الكافرات؟
وأمّا نكاح الحربيّات فروي عن ابن عبّاسٍ وإبراهيم النّخعيّ أنّهما منعا من ذلك وغيرهما من العلماء يجيز ذلك، ونصّ الآية يوجب جوازه وهو قول مالكٍ والشّافعيّ إلّا أنّهما كرها ذلك مخافة تنصير الولد أو الفتنة [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/13]
وأمّا نكاح الإماء المجوسيّات والوثنيّات فالعلماء على تحريمه إلّا ما رواه يحيى بن أيّوب، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، وعمرو بن دينارٍ، " أنّهما سئلا عن نكاح الإماء المجوسيّات، فقالا لا بأس بذلك وتأوّلا قول اللّه جلّ وعزّ: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: 221]
فهذا عندهما على عقد النّكاح لا على الأمة المشتراة، واحتجّا بسبي أوطاسٍ وأنّ الصّحابة نكحوا الإماء منهنّ بملك اليمين
" قال أبو جعفرٍ: وهذا قولٌ شاذٌّ، أما سبي أوطاسٍ فقد يجوز أن يكون الإماء أسلمن فجاز نكاحهنّ [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/14]
وأمّا الاحتجاج بقوله جلّ وعزّ: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} [البقرة: 221] فغلطٌ لأنّهم حملوا النّكاح على العقد والنّكاح في اللّغة يقع على العقد وعلى الوطء، فلمّا قال جلّ وعزّ: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: 221] حرّم كلّ نكاحٍ يقع على المشركات من نكاحٍ ووطءٍ، وفي هذا من اللّغة شيءٌ بيّنٌ
حدّثني من أثق به قال: سمعت أحمد بن يحيى يقول: " أصل النّكاح في اللّغة الوطء وإنّما يقع للعقد مجازًا قال: والدّليل على هذا أنّ العرب تقول أنكحت الأرض البرّ إذا أدخلت البرّ في الأرض
قال أبو جعفرٍ: وهذا من حسن اللّغة والاستخراج اللّطيف
ووجب من هذا أن يكون قوله جلّ وعزّ: {فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} [البقرة: 230] حتّى يطأها وبذلك جاءت السّنّة أيضًا [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/15]
وقد أدخلت الآية الّتي تلي هذه في النّاسخ والمنسوخ وهي الآية الحادية والعشرون [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/16]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّانية والعشرون قوله تعالى {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمن} هذا عام في جميع أنواع الكفر فنسخ الله تعالى بعض أحكامها من اليهوديات والنصرانيات بالآية الّتي في سورة المائدة وهي قوله تعالى {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} إلى والطّعام الذّبائح فقط وهو عمومالآية لأن الشّرك يعم الكتابيات والوثنيات لأن المفسّرين أجمعوا على نسخ الآية الّتي في سورة البقرة المذكورة وعلى إحكام الآية الّتي في المائدة غير عبد الله بن عمر فإنّه يقول الآية الّتي في سورة البقرة محكمة والآية الّتي في سورة المائدة منسوخة وما تابعه على هذا القول أحد فإن كانت المرأة الكتابيّة عاهرة لم يجز نكاحها وإن كانت عفيفة جاز). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} الآية:
الظاهر في هذه الآية أنها محكمةٌ مخصّصةٌ مبيّنةٌ بآية المائدة في جواز نكاح الكتابيّات. وقد تقدّم ذكر هذا وقاله قتادة وابن جبير.
وعن ابن عباس: أنّها في المشركات من الكتابيّات وغيرهنّ اللواتي في دار الحرب، لا يحل نكاح كتابيةٍ مقيمةٍ في دار الحرب لأنّها ليست من أهل ذمّة المسلمين، وهو قول أكثر العلماء. فالآية محكمةٌ على هذا القول غير عامّة وغير منسوخةٍ ولا مخصّصةٍ.
وآية المائدة في الكتابيّات من أهل الذمّة ذوات العهد المقيمات مع المسلمين.
فالآية مخصوصةٌ في غير الكتابيّات اللواتي بدار الإسلام، فهي محكمةٌ غير منسوخةٍ وغير مخصّصةٍ.
وقد روي عن مالك أنه قال: هي في غير أهل الكتاب، قال مالكٌ: قال الله جلّ ذكره: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10]، فهي عنده محكمةٌ لم ينسخ منها شيءٌ، إلا أنّها غير عامة، أريد بها الخصوص في كل مشركةٍ من غير أهل الكتاب، وبيّن تخصيصها آية المائدة في تحليل نكاح الكتابيّات.
وروي عن ابن عمر أنه قال: هذه الآية محكمةٌ، لا يجوز نكاح مشركةٍ كتابيةٍ ولا غيرها. وقيل عنه: إنه إنّما كره ذلك ولم يحرّمه. ولا يصحّ عنه تحريم نكاح الكتابيات ذوات الذّمّة؛ لأنّ نصّ القرآن يدلّ على تحليل الكتابية ذميّةً كانت أو غير ذمّيّةٍ.
وعن مالك: أنه كره نكاح الكتابيّة التي في دار الحرب، ولم يحرّمه.
وعلى تحريمه جماعةٌ من العلماء، جعلوا آية المائدة في الكتابيّات ذوات الذمّة خاصةً.
وهي عامّة في كلّ كتابيةٍ - عند مالكٍ وغيره، وعليه أكثر الصّحابة والعلماء؛ لقوله: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ} [المائدة: 5] فعمّ.
فآية المائدة محكمةٌ غير منسوخةٍ، لكنّها مخصّصةٌ ومبيّنةٌ لآية البقرة.
وقد روي عن ابن عباسٍ أنه قال: آية البقرة منسوخةٌ بآية المائدة. وهو أيضًا مرويٌ عن مالك، وسفيان بن سعيد وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.
قال أبو محمد: وهذا إنما يجوز على أن تكون آية البقرة في الكتابيات خاصة ثم نسختها آية المائدة، ويكون تحريم نكاح المشركات من غير أهل الكتاب بالسنّة.

وحمل آية البقرة على العموم في كل المشركات ثم خصّصتها وبيّنتها آية المائدة أولى وأحسن؛ ليكون تحريم نكاح المشركات من غير أهل الكتاب بنصّ القرآن.
وعن ابن عباس أيضًا أنه قال: استثنى الله منها نساء أهل الكتاب فأحلّهنّ بآية المائدة، وهذا معنى مفهومٌ من قوله، وإن كان بغير لفظ الاستثناء، فهو تخصيصٌ وبيان، كما أن الاستثناء بيانٌ أيضًا.
وقد قال الحسن وعكرمة في آية البقرة: نسخ الله منها نساء أهل الكتاب فأحلّ نكاحهنّ. وقد ذكرنا هذه الآية فيما تقدّم.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّابعة والعشرين: قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ}.
اختلف المفسّرون في المراد بالمشركات هاهنا على قولين:
أحدهما: أنّهنّ الوثنيّات.
أخبرنا أبو بكر بن حبيبٍ العامريّ قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا محمّد بن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن
أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا قبيصة عن سفيان عن حماد، قال: سألت إبراهيم عن تزويج اليهوديّة والنّصرانيّة، قال: لا بأس به فقلت: أليس اللّه تعالى يقول: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} ؟ قال: إنّما ذلك المجوسيّات وأهل الأوثان.
قال عبد الحميد: حدّثنا يونس عن سفيان عن قتادة {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} قال: المشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه قال سعيد بن جبيرٍ: هنّ المجوسيّات وعابدات الأوثان.
والثّاني: أنّه عامٌّ في الكتابيّات وغيرهنّ من الكافرات، فالكلّ مشركاتٌ، وافترق أرباب هذا القول على قولين:
[أحدهما] (أنّ هذا القدر من الآية نسخ بقوله تعالى: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}.
فأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحق الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: أبنا إبراهيم بن إسحق الطالقاني، قال بنا ابن مباركٍ عن يونس عن الزّهريّ {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} ثمّ أحلّ نكاح المحصنات من أهل الكتاب فلم ينسخ من هذه الآية غير ذلك فنكاح كلّ مشركٍ سوى نساء أهل الكتاب حرامٌ.
والثّاني: أنّ قوله: {ولا تنكحوا المشركات} لفظٌ عامٌّ خصّ منه الكتابيّات بآية المائدة وهذا تخصيصٌ لا نسخٌ. وعلى هذا الفقهاء وهو الصّحيح.
وقد زعم قومٌ أنّ أهل الكتاب ليسوا مشركين، وهذا فاسد، لأنهم قالوا عزير بن الله) والمسيح بن الله فهم بذلك مشركون.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (التاسعة عشرة: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} هذا اللفظ عام خص منه أهل الكتاب والتخصيص ليس بنسخ وقد غلط من سماه نسخا.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21] .
(قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ):(قوله عز وجل: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} الآية [البقرة: 221] قيل: سبب نزولها أن مرثد بن أبي مرثد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليخرج ناسا من المسلمين، فقالت له عناق، وهي امرأة كان يخلو بها في الجاهلية: هل لك في الخلوة، فقال: حال بيننا الإسلام.
قالت له: فتزوج بي، فقال: أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمره، فنزلت هذه الآية، فالآية على هذا محكمة؛ لأن نكاح الكفار غير أهل الكتاب محرم، وقيل: هي محكمة محرمة لنكاح المشركات والكتابيات اللواتي في دار الحرب، ويروى ذلك عن ابن عباس.
وقاله قتادة وابن جبير وأكثر العلماء، وعن ابن عمر أنها محكمة عامة في كل مشركة كتابية، حربية وغير حربية.
وقيل: إنه إنما كره ذلك ولم يحرمه؛ لأن آية المائدة أباحت نكاح الكتابيات كلهن الحربيات والذميات، وقيل: هي عامة في الكتابيات كلهن، وهي منسوخة بآية المائدة، وكره بعض العلماء نكاح الحربيات ولم يحرمه، وروي مثل ذلك عن مالك، وحرمه جماعة منهم، وخصوا آية المائدة بالذميات.
وآية المائدة عن أكثر العلماء عامة في كل كتابية، وعلى ذلك أكثر الصحابة والعلماء.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس