عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 1 ذو القعدة 1433هـ/16-09-2012م, 09:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

ما ورد في أسباب نزولها :
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة عن عكرمة قال كان أصحاب الكهف أبناء ملوك الروم فضرب الله على صماخاتهم ورزقهم الله الإسلام فتعوذوا بدينهم واعتزلوا قومهم حتى انتهوا إلى الكهف فضرب الله على صماخاتهم فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمتهم وجاءت أمة مسلمة وكان ملكهم مسلما فاختلفوا في الروح والجسد فقال قائل تبعث الروح والجسد جميعا وقال قائل تبعث الروح فأما الجسد فتأكله الأرض ولا يكون شيئا فشق على ملكهم اختلافهم فانطلق فلبس المسوح وجلس على الرماد ثم دعا الله فقال أي رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث إليهم آية تبين لهم فبعث الله أصحاب الكهف فبعثوا أحدهم ليشتري لهم طعاما فدخل السوق فجعل ينكر الوجوه ويعرف الطرق ورأى الإيمان بالمدينة ظاهرا فانطلق وهو مستخف حتى أتى رجلا ليشتري منه طعاما فلما نظر الرجل إلى الورق أنكرها وقال حسبت أنه قال كأنها أخفاف الربع يعني الإبل الصغار فقال الفتى أليس ملككم فلان فقال الرجل بل ملكنا فلان فلم يزل ذلك بينهما حتى رفعه إلى الملك فأخبره الفتى خبر أصحابه فبعث الملك في الناس فجمعهم فقال إنكم قد اختلفتم في الروح والجسد وإن الله قد بعث لكم آية فهذا رجل من قوم فلان يعني ملكهم الذي مضى فقال الفتى انطلقوا بي إلى أصحابي فركب الملك وركب معه الناس حتى انتهى إلى الكهف فقال الفتى دعوني أدخل إلى أصحابي فلما بصروه وأبصرهم ضرب على آذانهم فلما استبطؤوه دخل الملك ودخل الناس معه فإذا أجساد لا ينكر منها شيئا غير أنها لا أرواح فيها فقال الملك هذه آية بعثها الله لكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/395-396]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (وأخرج ابن إسحاق، وَابن جَرِير، وَابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في "الدلائل" عن ابن عباس قال: (بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم، بقوله: فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء.
فخرجا حتى أتيا المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره وبعض قوله وقالا: إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالوا لهما: سلوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فإنه نبي فاتبعوه وإلا فهو متقول.
فأقبل النضر وعقبة حتى قدما قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور - فأخبراهم بها - فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا - فسألوه عما أمروهم به - فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخبركم غدا بما سألتم عنه)) - ولم يستثن - فانصرفوا عنه ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة، وأحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاء جبريل من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف وقول الله: {ويسألونك عن الروح} الآية)). [الدر المنثور: 9/479-480]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (وأخرج أبو نعيم في "الدلائل" من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: (أن قريشا بعثوا خمسة رهط - منهم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث - يسألون اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم صفته فقالوا لهم: نجد نعته وصفته ومبعثه في التوراة فإن كان كما وصفتم لنا فهو نبي مرسل وأمره حق فاتبعه ولكن سلوه عن ثلاث خصال فإنه يخبركم بخصلتين ولا يخبركم بالثالثة، إن كان نبيا فإنا قد سألنا مسيلمة الكذاب عن هؤلاء الثلاث فلم يدر ما هي، فرجعت الرسل إلى قريش بهذا الخبر من اليهود فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا عن ذي القرنين الذي بلغ المشرق والمغرب وأخبرنا عن الروح وأخبرنا عن أصحاب الكهف، فقال: ((أخبركم بذلك غدا))، ولم يقل: إن شاء الله، فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يوما فلم يأته لترك الاستثناء فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه جبريل عليه السلام بما سألوه فقال: يا جبريل أبطأت علي، فقال: بتركك الاستثناء ألا تقول: إن شاء الله قال: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}ثم أخبره عن حديث ذي القرنين وخبر الروح وأصحاب الكهف ثم أرسل إلى قريش فأتوه فأخبرهم عن حديث ذي القرنين وقال لهم: {الروح من أمر ربي} يقول: من علم ربي لا علم لي به، فلما وافق قول اليهود أنه لا يخبركم بالثالث {قالوا سحران تظاهرا} تعاونا - يعني التوراة والفرقان - {وقالوا: إنا بكل كافرون} وحدثهم بحديث أصحاب الكهف)). [الدر المنثور: 9/481]
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وسبب نزولها ما ذكره كثيرٌ من المفسّرين، وبسطه ابن إسحاق في "سيرته" بدون سندٍ، وأسنده الطّبريّ إلى ابن عبّاسٍ بسندٍ فيه رجلٌ مجهولٌ: (أنّ المشركين لمّا أهمّهم أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وازدياد المسلمين معه وكثر تساؤل الوافدين إلى مكّة من قبائل العرب عن أمر دعوته، بعثوا النّضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيطٍ إلى أحبار اليهود بالمدينة (يثرب) يسألونهم رأيهم في دعوته، وهم يطمعون أن يجد لهم الأحبار ما لم يهتدوا إليه ممّا يوجّهون به تكذيبهم إيّاه، قالوا: فإنّ اليهود أهل الكتاب الأوّل وعندهم من علم الأنبياء (أي: صفاتهم وعلاماتهم) علمٌ ليس عندنا، فقدم النّضر وعقبة إلى المدينة ووصفا لليهود دعوة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخبراهم ببعض قوله، فقال لهم أحبار اليهود: سلوه عن ثلاثٍ؟ فإن أخبركم بهنّ فهو نبي وإن لم يفعل فالرّجل متقوّلٌ، سلوه عن فتيةٍ ذهبوا في الدّهر الأوّل ما كان أمرهم، وسلوه عن رجلٍ طوّافٍ قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وسلوه عن الرّوح ما هي. فرجع النّضر وعقبة فأخبرا قريشًا بما قاله أحبار اليهود، فجاء جمعٌ من المشركين إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسألوه عن هذه الثّلاثة فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ((أخبركم بما سألتم عنه غدًا)) (وهو ينتظر وقت نزول الوحي عليه بحسب عادةٍ يعلمها). ولم يقل: إن شاء اللّه. فمكث رسول اللّه ثلاثة أيّامٍ لا يوحى إليه)،

وقال ابن إسحاق: خمسة عشر يومًا، (فأرجف أهل مكّة وقالوا: وعدنا محمّدٌ غدًا وقد أصبحنا اليوم عدّة أيّامٍ لا يخبرنا بشيءٍ ممّا سألناه عنه، حتّى أحزن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وشقّ عليه، ثمّ جاءه جبريل -عليه السّلام- بسورة الكهف وفيها جوابهم عن الفتية وهم أهل الكهف، وعن الرّجل الطّوّاف وهو ذو القرنين. وأنزل عليه فيما سألوه من أمر الرّوح
{ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلّا قليلًا}).
قال السّهيليّ: وفي روايةٍ عن ابن إسحاق من غير طريق البكّائيّ (أي زياد بن عبد اللّه البكّائيّ الّذي يروي عنه ابن هشامٍ) أنّه قال في هذا الخبر: (فناداهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ((هو (أي الرّوح) جبريل))).
وهذا خلاف ما روى غيره: (أنّ يهود قالت لقريشٍ: سلوه عن الرّوح فإن أخبركم به فليس بنبي وإن لم يخبركم به فهو نبي) اهـ.
وأقول: قد يجمع بين الرّوايتين بأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد أن أجابهم عن أمر الرّوح بقوله تعالى: {قل الرّوح من أمر ربّي} بحسب ما عنوه بالرّوح عدل بهم إلى الجواب عن أمرٍ كان أولى لهم العلم به وهو الرّوح الّذي تكرّر ذكره في القرآن مثل قوله: {نزل به الرّوح الأمين} [الشّعراء: 193] وقوله: {والرّوح فيها} (وهو من ألقاب جبريل) على طريقة الأسلوب الحكيم مع ما فيه من الإغاظة لليهود؛ لأنّهم أعداء جبريل كما أشار إليه قوله تعالى: {قل من كان عدوًّا لجبريل} الآية.
ووضّحه حديث عبد اللّه بن سلامٍ في قوله للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين ذكر جبريل -عليه السّلام- (ذاك عدوّ اليهود من الملائكة) فلم يترك النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لهم منفذًا قد يلقون منه التّشكيك على قريشٍ إلّا سدّه عليهم.
وقد يعترضك هنا أنّ: الآية الّتي نزلت في أمر الرّوح هي من سورة الإسراء فلم تكن مقارنةً للآية النّازلة في شأن الفتية وشأن الرّجل الطّوّاف فماذا فرّق بين الآيتين، وأنّ سورة الإسراء يروى أنّها نزلت قبل سورة الكهف فإنّها معدودةٌ سادسةً وخمسين في عداد نزول السّور، وسورة الكهف معدودةٌ ثامنةً وستّين في النّزول.
وقد يجاب عن هذا بأنّ: آية الرّوح قد تكون نزلت على أن تلحق بسورة الإسراء فإنّها نزلت في أسلوب سورة الإسراء وعلى مثل فواصلها؛ ولأنّ الجواب فيها جوابٌ بتفويض العلم إلى اللّه، وهو مقامٌ يقتضي الإيجاز، بخلاف الجواب عن أهل الكهف وعن ذي القرنين فإنّه يستدعي بسطًا وإطنابًا ففرّقت آية الرّوح عن القصّتين.
على أنّه يجوز أن يكون نزول سورة الإسراء مستمرًّا إلى وقت نزول سورة الكهف، فأنزل قرآنٌ موزّعٌ عليها وعلى سورة الكهف. وهذا على أحد تأويلين في معنى كون {الرّوح من أمر ربّي} كما تقدّم في سورة الإسراء.
والّذي عليه جمهور الرّواة أن: آية {ويسألونك عن الرّوح} مكّيّةٌ إلّا ما روي عن ابن مسعودٍ. وقد علمت تأويله في سورة الإسراء.
فاتّضح من هذا أنّ أهمّ غرضٍ نزلت فيه سورة الكهف هو بيان قصّة أصحاب الكهف، وقصّة ذي القرنين. وقد ذكرت أولاهما في أوّل السّورة وذكرت الأخرى في آخرها.
كرامةٌ قرآنيّةٌ
لوضع هذه السّورة على هذا التّرتيب في المصحف مناسبةٌ حسنةٌ ألهم اللّه إليها أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا رتّبوا المصحف فإنّها تقارب نصف المصحف إذ كان في أوائلها موضعٌ،
قيل: هو نصف حروف القرآن وهو (التّاء) من قوله تعالى: {وليتلطّف}.
وقيل: نصف حروف القرآن هو (النّون) من قوله تعالى: {لقد جئت شيئاً نكراً} في أثنائها، وهو نهاية خمسة عشر جزءًا من أجزاء القرآن وذلك نصف أجزائه، وهو قوله تعالى: {قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبراً}، فجعلت هذه السّورة في مكان قرابة نصف المصحف.
وهي مفتتحةٌ بالحمد حتّى يكون افتتاح النّصف الثّاني من القرآن بـ {الحمد للّه} [الكهف: 1]، كما كان افتتاح النّصف الأوّل بـ{الحمد للّه} [الفاتحة: 2]، وكما كان أوّل الرّبع الرّابع منه تقريبًا بـ {الحمد للّه فاطر السّماوات والأرض}). [التحرير والتنوير: 15/242-245]


رد مع اقتباس