عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:22 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون (6) }
يقول تعالى لنبيّه، صلوات اللّه وسلامه عليه: {وإن أحدٌ من المشركين} الّذين أمرتك بقتالهم، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم، {استجارك} أي: استأمنك، فأجبه إلى طلبته {حتّى يسمع كلام اللّه} أي: [القرآن] تقرؤه عليه وتذكر له شيئًا من [أمر] الدّين تقيم عليه به حجّة اللّه، {ثمّ أبلغه مأمنه} أي: وهو آمنٌ مستمرّ الأمان حتّى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه، {ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون} أي: إنّما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين اللّه، وتنتشر دعوة اللّه في عباده.
وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في تفسير هذه الآية، قال: إنسانٌ يأتيك يسمع ما تقول وما أنزل عليك، فهو آمنٌ حتّى يأتيك فيسمع كلام اللّه، وحتّى يبلغ مأمنه، حيث جاء.
ومن هذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعطي الأمان لمن جاءه، مسترشدًا أو في رسالةٍ، كما جاءه يوم الحديبية جماعةٌ من الرّسل من قريشٍ، منهم: عروة بن مسعودٍ، ومكرز بن حفصٍ، وسهيل بن عمرٍو، وغيرهم واحدًا بعد واحدٍ، يتردّدون في القضيّة بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملكٍ ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم بذلك، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم.
ولهذا أيضًا لمّا قدم رسول مسيلمة الكذّاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أتشهد أنّ مسيلمة رسول اللّه؟ " قال: نعم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لولا أنّ الرّسل لا تقتل لضربت عنقك" وقد قيّض اللّه له ضرب العنق في إمارة ابن مسعودٍ على الكوفة، وكان يقال له: ابن النّوّاحة، ظهر عنه في زمان ابن مسعودٍ أنّه يشهد لمسيلمة بالرّسالة، فأرسل إليه ابن مسعودٍ فقال له: إنّك الآن لست في رسالةٍ، وأمر به فضربت عنقه، لا رحمه اللّه ولعنه.
والغرض أنّ من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالةٍ أو تجارةٍ، أو طلب صلحٍ أو مهادنةٍ أو حمل جزيةٍ، أو نحو ذلك من الأسباب، فطلب من الإمام أو نائبه أمانًا، أعطي أمانًا ما دام متردّدًا في دار الإسلام، وحتّى يرجع إلى مأمنه ووطنه. لكن قال العلماء: لا يجوز أن يمكّن من الإقامة في دار الإسلام سنةً، ويجوز أن يمكّن من إقامة أربعة أشهرٍ، وفيما بين ذلك فيما زاد على أربعة أشهرٍ ونقص عن سنةٍ قولان، عن الإمام الشّافعيّ وغيره من العلماء، رحمهم الله). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 113-114]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين (7) }
يبيّن تعالى حكمته في البراءة من المشركين ونظرته إيّاهم أربعة أشهرٍ، ثمّ بعد ذلك السّيف المرهف أين ثقفوا، فقال تعالى: {كيف يكون للمشركين عهدٌ} وأمانٌ ويتركون فيما هم فيه وهم مشركون باللّه كافرون به وبرسوله، {إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} يعني يوم الحديبية، كما قال تعالى: {هم الّذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفًا أن يبلغ محلّه} الآية [الفتح: 25]، {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} أي: مهما تمسّكوا بما عاقدتموهم عليه وعاهدتموهم من ترك الحرب بينكم وبينهم عشر سنين {فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين} وقد فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك والمسلمون، استمرّ العقد والهدنة مع أهل مكّة من ذي القعدة في سنة ستٍّ، إلى أن نقضت قريشٌ العهد ومالئوا حلفاءهم بني بكرٍ على خزاعة أحلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقتلوهم معهم في الحرم أيضًا، فعند ذلك غزاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في رمضان سنة ثمانٍ، ففتح اللّه عليه البلد الحرام، ومكّنه من نواصيهم، وللّه الحمد والمنّة، فأطلق من أسلم منهم بعد القهر والغلبة عليهم، فسمّوا الطّلقاء، وكانوا قريبًا من ألفين، ومن استمرّ على كفره وفرّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث إليه بالأمان والتّسيير في الأرض أربعة أشهرٍ، يذهب حيث شاء: منهم صفوان بن أميّة، وعكرمة بن أبي جهلٍ وغيرهما، ثمّ هداهم اللّه بعد ذلك إلى الإسلام التّامّ، واللّه المحمود على جميع ما يقدّره ويفعله). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 114]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون (8) }
يقول تعالى محرّضًا للمؤمنين على معاداة المشركين والتّبرّي منهم، ومبيّنًا أنّهم لا يستحقّون أن يكون لهم عهدٌ لشركهم باللّه وكفرهم برسول اللّه ولو أنّهم إذ ظهروا على المسلمين وأديلوا عليهم، لم يبقوا ولم يذروا، ولا راقبوا فيهم إلًّا ولا ذمّةً.
قال عليّ بن أبي طلحة، وعكرمة، والعوفيّ عن ابن عبّاسٍ: "الإلّ": القرابة، "والذّمّة": العهد. وكذا قال الضّحّاك والسّدّيّ، كما قال تميم بن مقبل:
أفسد النّاس خلوفٌ خلفوا = قطعوا الإلّ وأعراق الرّحم
وقال حسّان بن ثابتٍ، رضي اللّه عنه:
وجدناهم كاذبًا إلّهم = وذو الإلّ والعهد لا يكذب
وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلا} قال: اللّه. وفي روايةٍ: لا يرقبون اللّه ولا غيره.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، عن سليمان، عن أبي مجلزٍ في قوله تعالى: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمّةً} مثل قوله: "جبرائيل"، "ميكائيل"، "إسرافيل"، [كأنّه يقول: يضيف "جبر"، و"ميكا"، و"إسراف"، إلى "إيل"، يقول عبد اللّه: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلا}] كأنّه يقول: لا يرقبون اللّه.
والقول الأوّل أشهر وأظهر، وعليه الأكثر.
وعن مجاهدٍ أيضًا: "الإلّ": العهد. وقال قتادة: "الإلّ": الحلف). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 115]

تفسير قوله تعالى: {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلًا فصدّوا عن سبيله إنّهم ساء ما كانوا يعملون (9) لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً وأولئك هم المعتدون (10) فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فإخوانكم في الدّين ونفصّل الآيات لقومٍ يعلمون (11) }
يقول تعالى ذمًّا للمشركين وحثًّا للمؤمنين على قتالهم: {اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلا} يعني: أنّهم اعتاضوا عن اتّباع آيات اللّه بما التهوا به من أمور الدّنيا الخسيسة، {فصدّوا عن سبيله} أي: منعوا المؤمنين من اتّباع الحقّ، {إنّهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمّةً} تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 115-116]


رد مع اقتباس