عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:21 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون (6) كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين (7)
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بعد الأمر بقتال المشركين بأن يكون متى طلب مشرك عهدا يأمن به يسمع القرآن ويرى حال الإسلام أن يعطيه ذلك، وهي الإجارة وهو من الجوار، ثم أمر بتبليغه المأمن إذا لم يرض الإسلام ولم يهد إليه، قال الحسن: هي محكمة سنة إلى يوم القيامة، وقال مجاهد وقال الضحاك والسدي: هذا منسوخ بقوله فاقتلوا المشركين [التوبة: 5]، وقال غيرهما: هذه الآية إنما كان حكمها مدة الأربعة الأشهر التي ضربت لهم أجلا، وقوله سبحانه: حتّى يسمع كلام اللّه يعني القرآن وهي إضافة صفة إلى موصوف لا إضافة خلق إلى خالق، والمعنى ويفهم أحكامه وأوامره ونواهيه، فذكر السماع بالأذان إذ هو الطريق إلى الفهم وقد يجيء السماع في كلام العرب مستعملا بمعنى الفهم كما تقول لمن خاطبته فلم يقبل منك أنت لم تسمع قولي تريد لم تفهمه، وذلك في كتاب الله تعالى في عدة مواضع، وأحدٌ في هذه الآية مرتفع بفعل يفسره قوله استجارك ويضعف فيه الابتداء لولاية الفعل، لأن قوله تعالى: ذلك إشارة إلى هذا اللطف في الإجارة والإسماع وتبليغ المأمن ولا يعلمون نفي علمهم بمراشدهم في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 4/ 263]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه.
الآية لفظ استفهام وهو على جهة التعجب والاستبعاد، أي على أي وجه يكون للمشركين عهد وهم قد نقضوا وجاهروا بالتعدي ثم استثنى من عموم المشركين القوم الذين عوهدوا عند المسجد الحرام أي في ناحيته وجهته، وقال ابن عباس فيما روي عنه: المعني بهذا قريش، وقال السدي: المعني بنو خزيمة بن الديل، وقال ابن إسحاق: هي قبائل بني بكر كانوا دخلوا وقت الحديبية في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فلم يكن نقض إلا قريش وبنو الديل من بني بكر فأمر المسلمون بإتمام العهد لمن لم يكن نقض، وقال قوم: المعني خزاعة قاله مجاهد وهو مردود بإسلام خزاعة عام الفتح، وقال بعض من قال إنهم قريش إن هذه الآية نزلت فلم يستقيموا بل نقضوا فنزل تأجيلهم أربعة أشهر بعد ذلك، وحكى الطبري هذا القول عن ابن زيد وهو ضعيف متناقض، لأن قريشا وقت الأذان بالأربعة الأشهر لم يكن منهم إلا مسلم، وذلك بعد فتح مكة بسنة وكذلك خزاعة، قاله الطبري وغيره، وقوله إنّ اللّه يحبّ المتّقين يريد به الموفين بالعهد من المؤمنين، فلذلك جاء بلفظ مغترق الوفاء بالعهد متضمن الإيمان). [المحرر الوجيز: 4/ 264]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون (8) اشتروا بآيات اللّه ثمناً قليلاً فصدّوا عن سبيله إنّهم ساء ما كانوا يعملون (9) لا يرقبون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمّةً وأولئك هم المعتدون (10)
بعد كيف في هذه الآية فعل مقدر ولا بد، يدل عليه ما تقدم، فيحسن أن يقدر كيف يكون لهم عهد ونحوه قول الشاعر: [الطويل]
وخير تماني إنما الموت في القرى = فكيف وهاتا هضبة وكثيب
وفي كيف هنا تأكيد للاستبعاد الذي في الأولى، ولا يرقبوا معناه لا يراعوا ولا يحافظوا وأصل الارتقاب بالبصر، ومنه الرقيب في الميسر وغيره، ثم قيل لكل من حافظ على شيء وراعاه راقبه وارتقبه، وقرأ جمهور الناس «إلّا» وقرأ عكرمة مولى ابن عباس بياء بعد الهمزة خفيفة اللام «إيلا»، وقرأت فرقة «ألا» بفتح الهمزة، فأما من قرأ «إلا» فيجوز أن يراد به الله عز وجل قاله مجاهد وأبو مجلز، وهو اسمه بالسريانية، ومن ذلك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع كلام مسيلمة فقال هذا كلام لم يخرج من إل، ويجوز أن يراد به العهد والعرب تقول للعهد والخلق والجوار ونحو هذه المعاني إلا، ومنه قول أبي جهل: [الطويل]
لإل علينا واجب لا نضيعه = متين فواه غير منتكث الحبل
ويجوز أن يراد به القرابة، فإن القرابة في لغة العرب يقال له إل، ومنه قول ابن مقبل: [الرمل]
أفسد الناس خلوف خلّفوا = قطعوا الإل وأعراق الرحم
أنشده أبو عبيدة على القرابة، وظاهره أنه في العهود، ومنه قول حسان: [الوافر]
لعمرك أن إلّك في قريش = كإل السقب من رال النعام
وأما من قرأ «ألا» بفتح الهمزة فهو مصدر من فعل للإل الذي هو العهد، ومن قرأ «إيلا» فيجوز أن يراد به الله عز وجل، فإنه يقال أل وأيل، وفي البخاري قال جبر، وميك، وسراف: عبد بالسريانية، وأيل الله عز وجل، ويجوز أن يريد إلًّا المتقدم فأبدل من أحد المثلين ياء كما فعلوا ذلك في قولهم أما وأيما، ومنه قول سعد بن قرط يهجو أمه: [البسيط]
يا ليت أمنا شالت نعامتها = أيما إلى جنة أيما إلى نار
ومنه قول عمر بن أبي ربيعة: [الطويل]
رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت = فيضحي وأما بالعشي فيخصر
وقال آخر: [الرجز]
لا تفسدوا آبا لكم = أيما لنا أيما لكم
قال أبو الفتح ويجوز أن يكون مأخوذا من آل يؤول إذا ساس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كما قال عمر بن الخطاب: قد ألنا وإيل علينا فكان المعنى على هذا لا يرقبون فيكم سياسة ولا مداراة ولا ذمة، وقلبت الواو ياء لسكونها والكسرة قبلها، و «الذمة» أيضا بمعنى المتات والحلف والجوار، ونحوه قول الأصمعي الذمة كل ما يجب أن يحفظ ويحمى، ومن رأى الإل أنه العهد جعلها لفظتين مختلفتين لمعنى واحد أو متقارب، ومن رأى الإل لغير ذلك فهما لفظان لمعنيين، وتأبى قلوبهم معناه تأبى أن تذعن لما يقولونه بالألسنة، وأبى يأبى شاذ لا يحفظ فعل يفعل بفتح العين في الماضي والمستقبل، وقد حكي ركن يركن، وقوله وأكثرهم يريد به الكل أو يريد استثناء من قضى له بالإيمان كل ذلك محتمل).[المحرر الوجيز: 4/ 264-267]

تفسير قوله تعالى: {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: اشتروا بآيات اللّه الآية، اللازم من ألفاظ هذه الآية أن هذه الطائفة الكافرة الموصوفة بما تقدم لما تركت آيات الله ودينه وآثرت الكفر وحالها في بلادها كل ذلك كالشراء والبيع، لما كان ترك قد مكنوا منه وأخذ لما يمكن نبذه، وهذه نزعة مالك رحمه الله في منع اختيار المشتري فيما تختلف آحاد جنسه ولا يجوز التفاضل فيه، وقد تقدم ذكر ذلك في سورة البقرة وقوله فصدّوا عن سبيله يريد صدوا أنفسهم وغيرهم، ثم حكم عليهم بأن عملهم سيء، وساء في هذه الآية إذ لم يذكر مفعولها يحتمل أن تكون مضمنة كبئس، فأما إذا قلت ساءني فعل زيد فليس تضمين بوجه، وإن قدرت في هذه الآية مفعولا زال التضمين، وروي أن أبا سفيان بن حرب جمع بعض العرب على طعام وندبهم إلى وجه من وجوه النقض فأجابوا إلى ذلك فنزلت الآية، وقال بعض الناس: هذه في اليهود.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القول وإن كانت ألفاظ هذه الآية تقتضيه فما قبلها وما بعدها يرده ويتبرأ منه، ويختل أسلوب القول به). [المحرر الوجيز: 4/ 267-268]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: لا يرقبون الآية، وصف لهذه الطائفة المشترية يضعف ما ذهب إليه من قال إن قوله اشتروا بآيات اللّه هو في اليهود، وقوله تعالى: في مؤمنٍ إعلام بأن عداوتهم إنما هي بحسب الإيمان فقط، وقوله أولا فيكم كان يحتمل أن يظن ظان أن ذلك للإحن التي وقعت فزال هذا الاحتمال بقوله في مؤمنٍ، ثم وصفهم تعالى بالاعتداء والبداءة بالنقض للعهود والتعمق في الباطل). [المحرر الوجيز: 4/ 268]


رد مع اقتباس