الموضوع: كتابة المصاحف
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1440هـ/25-02-2019م, 11:18 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

كتابة المصاحف حال الاعتكاف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا ريب أن كتابة المصاحف عمل من أعمال البر وباب من أبواب القرب وضرب من ضروب العبادات لا سيما إذا قام بها فاعلها محتسبا، لكن لما كان الاعتكاف مقتضيا لترك الاشتغال بغير العبادات المختصة به فقد اختلف أهل العلم في مسألة الاشتغال بكتابة المصاحف حال الاعتكاف، فمنهم من منع ذلك مطلقا، ومنهم من قيد المنع بما كان حرفة وتكسبا، ومنهم من لم ير بكتابة المصاحف حال الاعتكاف بأسا ولو كان ذلك على سبيل الاحتراف والتكسب لكون النفع في كتابة المصاحف متعديا وجانب التعبد فيه غالبا، ومنهم من صرح بكون ذلك مستحبا. وقد ذهب إلى القول الأول الإمام مالك في المشهور عنه، وذكره بعض أصحابنا الحنابلة تخريجا.
وذهب إلى القول الثاني جمهور الحنفية، وهو اختيار طائفة من الشافعية منهم الغزالي والرافعي، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو مقتضى قول أبي بكر الخلال من أصحابنا الحنابلة.
وذهب إلى القول الثالث جمهور الشافعية والحنابلة، وهو أشهر الروايتين عن الإمام أحمد.. وهاك بيان ما كان مجملا.
صرح غير واحد من شراح الهداية للمرغيناني الحنفي: أن للمعتكف أن يكتب الأمور الدينية وليس له كتابة المصحف بأجر. وقال الإمام مالك عن المعتكف: يكتب المصحف إن أحب. قال ابن رشد: (" قوله ويكتب المصحف إن أحب" معناه ويكتب المصاحف قبل أن يدخل إن أحب، وهذا على مذهب ابن القاسم، وروايته
[681]
عن مالك الذي يرى أن الاعتكاف يختص من أعمال البر بذكر الله تعالى وقراءته القرآن والصلاة، وأما على مذهب ابن وهب الذي يبيح للمعتكف جميع أعمال البر المختصة بالآخرة، فيجوز له أن يكتب المصاحف للثواب لا ليتمولها، ولا على أجرة يأخذها، إلا ليقرأ فيها وينتفع بها من احتاج إليها.
وعد خليل في مكروهات الاعتكاف: اشتغاله بعلم، وكتابته مصحفا إن كثر.
قال الخرشي: (أما اليسير من العلم والكتابة فلا بأس به لكن الأولى الترك وبالغ على المصحف لئلا يتوهم أن كتابته كتلاوته).
وقيد العدوي الكراهة بما لم يكن لمعاشه، ووافقه الزرقاني.
ونقل المناوي نحوا مما ذكر ابن رشد ثم قال: (وهو يدل على أن كتب المصحف لا يباح للمعتكف على المشهور).
وفي الإفصاح للوزير ابن هبيرة عن الإمام مالك: (لا بأس أن يكتب المعتكف).
وعند الشافعية يباح للمعتكف كتابة العلم ولو حرفة، وله المطالعة في مباح على ما اختاره النووي، والأنصاري والسيوطي، والهيتمي، خلافا لما ذكره الغزالي والرافعي.
[682]
وعند الحنابلة تجوز الكتابة للمعتكف على الصحيح من المذهب، وقيده بعضهم بما لم يكن تكسبا.
قال حرب: (سئل الإمام أحمد عن العمل في المسجد نحو الخياط وغيره، فكأنه كرهه ليس بذلك التشديد).
وقال المروزي: (سألته عن الرجل يكتب بالأجرة فيه؟ قال: أما الخياط وشبهه فلا يعجبني، إنما بني لذكر الله تعالى. وقال في رواية الأثرم: ما يعجبني مثل الخياط والإسكاف وشبهه، وسهل في الكتابة. قال الحارثي: خص الكتابة لأنه نوع تحصيل علم، فهي في معنى الدراسة، وهذا يوجب التقيد بما لا يكون تكسبا، وإليه أشار بقوله: فليس ذلك كل يوم).
قال المرداوي: (وظاهر ما نقل الأثرم – وقد قطع المصنف في باب الاعتكاف أنه لا يجوز للمعتكف أن يتكسب بالصنعة- التسهيل في الكتابة مطلقا). ونقل ابن مفلح في الاعتكاف قول أبي بكر: (لا يقرأ ولا يكتب الحديث واقتصر عليه).
وحكاه المرداوي في الإنصاف، ثم نقل قول أبي الخطاب: (يستحب إذا قصد به الطاعة). واختاره المجد وغيره.
وذكر الآمدي وغيره في استحباب ذلك روايتين، فعلى المذهب: فعله لذلك أفضل من الاعتكاف لتعدي نفعه..
قال المجد بن تيمية: (ويتخرج على أصلنا في كراهة أن يقضي القاضي بين الناس وهو معتكف إذا كان يسيرا: وجهان، بناء على الإقراء، وتدريس العلم فإنه في معناه).
وجزم البهوتي بعدم استحباب كتابة الحديث للمعتكف، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف
[683]
فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به، ولأن الاعتكاف عبادة من شروطها المسجد فلم يستحب فيها ذلك كالطواف...ثم ذكر اختيار أبي الخطاب السابق ووجهه..والله أعلم بالصواب.
[684]

رد مع اقتباس