عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 11:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (75) وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلا بعضهم إلى بعضٍ قالوا أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم ليحاجّوكم به عند ربّكم أفلا تعقلون (76) أولا يعلمون أنّ اللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون (77)}
يقول تعالى: {أفتطمعون} أيّها المؤمنون {أن يؤمنوا لكم} أي: ينقاد لكم بالطّاعة، هؤلاء الفرقة الضّالّة من اليهود، الّذين شاهد آباؤهم من الآيات البيّنات ما شاهدوه ثمّ قست قلوبهم من بعد ذلك {وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه} أي: يتأوّلونه على غير تأويله {من بعد ما عقلوه} أي: فهموه على الجليّة ومع هذا يخالفونه على بصيرةٍ {وهم يعلمون} أنّهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله؟ وهذا المقام شبيهٌ بقوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسيةً يحرّفون الكلم عن مواضعه} [المائدة: 13].
- قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «ثمّ قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولمن معه من المؤمنين يؤيّسهم منهم: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه}، وليس قوله: {يسمعون كلام اللّه} يسمعون التّوراة. كلّهم قد سمعها. ولكن الّذين سألوا موسى رؤية ربّهم فأخذتهم الصّاعقة فيها».
- قال محمّد بن إسحاق: «فيما حدّثني بعض أهل العلم أنّهم قالوا لموسى: يا موسى، قد حيل بيننا وبين رؤية اللّه تعالى، فأسمعنا كلامه حين يكلّمك. فطلب ذلك موسى إلى ربّه تعالى فقال: نعم، مرهم فليتطهّروا، وليطهّروا ثيابهم ويصوموا ففعلوا، ثمّ خرج بهم حتّى أتوا الطّور، فلمّا غشيهم الغمام أمرهم موسى أن يسجدوا، فوقعوا سجودًا، وكلّمه ربّه تعالى، فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم، حتّى عقلوا عنه ما سمعوا. ثمّ انصرف بهم إلى بني إسرائيل، فلمّا جاءوهم حرّف فريقٌ منهم ما أمرهم به، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل: إنّ اللّه قد أمركم بكذا وكذا. قال ذلك الفريق الّذين ذكرهم اللّه: إنّما قال كذا وكذا خلافًا لما قال اللّه عزّ وجلّ لهم، فهم الّذين عنى اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم».
- وقال السّدّيّ: {وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه} قال: «هي التّوراة، حرّفوها».
وهذا الذي ذكره السّدّيّ أعمّ ممّا ذكره ابن عبّاسٍ وابن إسحاق، وإن كان قد اختاره ابن جريرٍ لظاهر السّياق. فإنّه ليس يلزم من سماع كلام اللّه أن يكون منه كما سمعه الكليم موسى بن عمران، عليه الصّلاة والسّلام، وقد قال اللّه تعالى: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه} [التّوبة: 6]، أي: مبلّغًا إليه؛ ولهذا قال قتادة في قوله: {ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} قال: «هم اليهود كانوا يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه ووعوه».
- وقال مجاهدٌ: «الّذين يحرّفونه والّذين يكتمونه هم العلماء منهم».
- وقال أبو العالية: «عمدوا إلى ما أنزل اللّه في كتابهم، من نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فحرّفوه عن مواضعه».
- وقال السّدّيّ: «{وهم يعلمون} أي: أنّهم أذنبوا».
- وقال ابن وهبٍ: قال ابن زيدٍ في قوله: {يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه} قال: «التّوراة التي أنزلها اللّه عليهم يحرّفونها يجعلون الحلال فيها حرامًا، والحرام فيها حلالًا والحقّ فيها باطلًا والباطل فيها حقًا؛ إذا جاءهم المحقّ برشوةٍ أخرجوا له كتاب اللّه، وإذا جاءهم المبطل برشوةٍ أخرجوا له ذلك الكتاب، فهو فيه محقٌّ، وإن جاءهم أحدٌ يسألهم شيئًا ليس فيه حقٌّ، ولا رشوةٌ، ولا شيء، أمروه بالحقّ، فقال اللّه لهم: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} [البقرة: 44]»). [تفسير ابن كثير: 1/ 307-308]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا} الآية.
- قال محمّد بن إسحاق: حدّثنا محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: «{وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا} أي: بصاحبكم رسول اللّه، ولكنّه إليكم خاصّةً. {وإذا خلا بعضهم إلى بعضٍ قالوا} لا تحدّثوا العرب بهذا، فإنّكم قد كنتم تستفتحون به عليهم، فكان منهم. فأنزل اللّه: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلا بعضهم إلى بعضٍ قالوا أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم ليحاجّوكم به عند ربّكم} أي: تقرّون بأنّه نبيٌّ، وقد علمتم أنّه قد أخذ له الميثاق عليكم باتّباعه، وهو يخبرهم أنّه النّبيّ الذي كنّا ننتظر، ونجد في كتابنا. اجحدوه ولا تقرّوا به. يقول اللّه تعالى: {أولا يعلمون أنّ اللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون}».
- وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: آمنّا».
- وقال السّدّيّ: «هؤلاء ناسٌ من اليهود آمنوا ثمّ نافقوا».
- وكذا قال الرّبيع بن أنسٍ، وقتادة وغير واحدٍ من السّلف والخلف، حتّى قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، فيما رواه ابن وهبٍ عنه: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قال:«لا يدخلنّ علينا قصبة المدينة إلّا مؤمنٌ». فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنّفاق: اذهبوا فقولوا: آمنّا، واكفروا إذا رجعتم إلينا، فكانوا يأتون المدينة بالبكر، ويرجعون إليهم بعد العصر. وقرأ قول اللّه تعالى: {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون} [آل عمران: 72] ، وكانوا يقولون، إذا دخلوا المدينة: نحن مسلمون. ليعلموا خبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمره. فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر. فلمّا أخبر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون. وكان المؤمنون يظنّون أنّهم مؤمنون فيقولون: أليس قد قال اللّه لكم كذا وكذا؟ فيقولون: بلى. فإذا رجعوا إلى قومهم [يعني الرّؤساء] قالوا: {أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم} الآية.
- وقال أبو العالية: «{أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم} يعني: بما أنزل اللّه عليكم في كتابكم من نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- وقال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة: {أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم ليحاجّوكم به عند ربّكم} قال: «كانوا يقولون: سيكون نبيٌّ. فخلا بعضهم ببعضٍ فقالوا: {أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم}».
قولٌ آخر في المراد بالفتح:
- قال ابن جريج: حدّثني القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله تعالى: {أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم} قال: قام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم قريظة تحت حصونهم، فقال: «يا إخوان القردة والخنازير، ويا عبدة الطّاغوت»، فقالوا: من أخبر بهذا الأمر محمّدًا؟ ما خرج هذا القول إلّا منكم {أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم} بما حكم اللّه، للفتح، ليكون لهم حجّةً عليكم. قال ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: «هذا حين أرسل إليهم عليّا فآذوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم».
- وقال السّدّيّ: «{أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم} من العذاب {ليحاجّوكم به عند ربّكم} هؤلاء ناسٌ من اليهود آمنوا ثمّ نافقوا وكانوا يحدّثون المؤمنين من العرب بما عذّبوا به. فقال بعضهم لبعضٍ: {أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم} من العذاب، ليقولوا: نحن أحبّ إلى اللّه منكم، وأكرم على اللّه منكم».
- وقال عطاءٌ الخراساني: «{أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم} يعني: بما قضى [اللّه] لكم وعليكم».
- وقال الحسن البصريّ: «هؤلاء اليهود، كانوا إذا لقوا الّذين آمنوا قالوا: آمنّا، وإذا خلا بعضهم إلى بعضٍ، قال بعضهم: لا تحدّثوا أصحاب محمّدٍ بما فتح اللّه عليكم ممّا في كتابكم، فيحاجّوكم به عند ربّكم، فيخصموكم»). [تفسير ابن كثير: 1 /308-309]

تفسير قوله تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أولا يعلمون أنّ اللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون}
- قال أبو العالية: «يعني ما أسرّوا من كفرهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وتكذيبهم به، وهو يجدونه مكتوبًا عندهم». وكذا قال قتادة.
- وقال الحسن: {أنّ اللّه يعلم ما يسرّون} قال: «كان ما أسرّوا أنّهم كانوا إذا تولّوا عن أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وخلا بعضهم إلى بعضٍ، تناهوا أن يخبر أحدٌ منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح اللّه عليهم ممّا في كتابهم، خشية أن يحاجّهم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بما في كتابهم عند ربّهم. {وما يعلنون} يعني: حين قالوا لأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: آمنّا». وكذا قال أبو العالية، والرّبيع، وقتادة). [تفسير ابن كثير: 1/ 310]


رد مع اقتباس