عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:37 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أتأمرون النّاس} خرج مخرج الاستفهام، ومعناه التوبيخ، و «البر» يجمع وجوه الخير والطاعات ويقع على كل واحد منها اسم بر، {وتنسون} بمعنى تتركون كما قال الله تعالى: {نسوا اللّه فنسيهم} [التوبة: 67].
واختلف المتأولون في المقصود بهذه الآية، فقال ابن عباس: «كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلديهم باتباع التوراة، وكانوا هم يخالفونها في جحدهم منها صفة محمد صلى الله عليه وسلم».
وقالت فرقة: كان الأحبار إذا استرشدهم أحد من العرب في اتباع محمد دلوه على ذلك، وهم لا يفعلونه.
وقال ابن جريج: «كان الأحبار يحضون الناس على طاعة الله، وكانوا هم يواقعون المعاصي».
وقالت فرقة: كانوا يحضون على الصدقة ويبخلون.
وقوله تعالى: {وأنتم تتلون} معناه: تدرسون وتقرءون، ويحتمل أن يكون المعنى تتبعون أي في الاقتداء به، والكتاب التوراة وهي تنهاهم عما هم عليه من هذه الصفة الذميمة.
وقوله تعالى: {أفلا تعقلون} معناه: أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المردية لكم؟
والعقل: الإدراك المانع من الخطأ مأخوذ منه عقال البعير، أي يمنعه من التصرف، ومنه المعقل أي موضع الامتناع). [المحرر الوجيز: 1 / 199 -200]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} قال مقاتل: «معناه على طلب الآخرة».
وقال غيره: المعنى استعينوا بالصبر عن الطاعات وعن الشهوات على نيل رضوان الله، وبالصلاة على نيل الرضوان وحط الذنوب، وعلى مصائب الدهر أيضا، ومنه الحديث: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر فزع إلى الصلاة»، ومنه ما روي أن عبد الله بن عباس نعي إليه أخوه قثم، وهو في سفر، فاسترجع وتنحى عن الطريق وصلى ثم انصرف إلى راحلته، وهو يقرأ واستعينوا بالصّبر والصّلاة.
وقال مجاهد: «الصبر في هذه الآية الصوم»، ومنه قيل لرمضان شهر الصبر، وخص الصوم والصلاة على هذا القول بالذكر لتناسبهما في أن الصيام يمنع الشهوات ويزهد في الدنيا، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتخشع. ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر بالآخرة.
وقال قوم: «الصبر» على بابه، والصّلاة الدعاء، وتجيء هذه الآية على هذا القول مشبهة لقوله تعالى: {إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه} [الأنفال: 45] لأن الثبات هو الصبر، وذكر الله هو الدعاء.
واختلف المتأولون في قوله تعالى: {وإنّها لكبيرةٌ} على أي شيء يعود الضمير؟ فقيل على الصّلاة، وقيل على الاستعانة التي يقتضيها قوله واستعينوا، وقيل على العبادة التي يتضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة.
وقالت فرقة: على إجابة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا ضعف، لأنه لا دليل له من الآية عليه.
وقيل: يعود الضمير على الكعبة، لأن الأمر بالصلاة إنما هو إليها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أضعف من الذي قبله.
و «كبيرة» معناه ثقيلة شاقة، والخاشعون المتواضعون المخبتون، والخشوع هيئة في النفس يظهر منها على الجوارح سكون وتواضع). [المحرر الوجيز: 1 / 200 -201]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ( ويظنّون في هذه الآية قال الجمهور: معناه يوقنون.
وحكى المهدوي وغيره: أن الظن هنا يصح أن يكون على بابه، ويضمر في الكلام بذنوبهم، فكأنهم يتوقعون لقاءه مذنبين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تعسف، والظن في كلام العرب قاعدته الشك مع ميل إلى أحد معتقديه، وقد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة، لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس، لا تقول العرب في رجل مرئي حاضر أظن هذا إنسانا وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحسن بعد، كهذه الآية، وكقوله تعالى: {فظنّوا أنّهم مواقعوها} [الكهف: 53] وكقول دريد بن الصمة:

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ....... سراتهم بالفارسي المسرد

وقوله تعالى: {أنّهم ملاقوا ربّهم} أن وجملتها تسد مسد مفعولي الظن، والملاقاة هي للعقاب أو الثواب، ففي الكلام حذف مضاف، ويصح أن تكون الملاقاة هنا بالرؤية التي عليها أهل السنة، وورد بها متواتر الحديث.
وحكى المهدوي: أن الملاقاة هنا مفاعلة من واحد، مثل عافاك الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ضعيف، لأن لقي يتضمن معنى لاقى، وليست كذلك الأفعال كلها، بل فعل خلاف فاعل في المعنى.
وملاقو أصله ملاقون، لأنه بمعنى الاستقبال فحذفت النون تخفيفا، فلما حذفت تمكنت الإضافة لمناسبتها للأسماء، وهي إضافة غير محضة، لأنها لا تعرف.
وقال الكوفيون: ما في اسم الفاعل الذي هو بمعنى المجيء من معنى الفعل يقتضي إثبات النون وإعماله، وكونه وما بعده اسمين يقتضي حذف النون والإضافة.
وراجعون قيل: معناه بالموت وقيل بالحشر والخروج إلى الحساب والعرض، وتقوي هذا القول الآية المتقدمة قوله تعالى: {ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون} [البقرة: 28، الحج: 66، الروم: 40] والضمير في إليه عائد على الرب تعالى، وقيل على اللقاء الذي يتضمنه ملاقو). [المحرر الوجيز: 1 / 201 -203]

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين (47) واتّقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً ولا يقبل منها شفاعةٌ ولا يؤخذ منها عدلٌ ولا هم ينصرون (48) وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ (49)}
قد تكرر هذا النداء والتذكير بالنعمة، وفائدة ذلك أن الخطاب الأول يصح أن يكون للمؤمنين، ويصح أن يكون للكافرين منهم، وهذا المتكرر إنما هو للكافرين، بدلالة ما بعده، وأيضا فإن فيه تقوية التوقيف وتأكيد الحض على ذكر أيادي الله وحسن خطابهم بقوله: فضّلتكم على العالمين لأن تفضيل آبائهم وأسلافهم تفضيل لهم، وفي الكلام اتساع.
قال قتادة وابن زيد وابن جريج وغيرهم: المعنى على عالم زمانهم الذي كانت فيه النبوءة المتكررة والملك، لأن الله تعالى يقول لأمة محمد صلى الله عليه وسلم: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} ). [المحرر الوجيز: 1 / 203]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله عز وجل: {واتّقوا يوماً} نصب يوما «باتقوا» على السعة، والتقدير عذاب يوم، أو هول يوم، ثم حذف ذلك وأقام اليوم مقامه، ويصح أن يكون نصبه على الظرف لا للتقوى، لأن يوم القيامة ليس بيوم عمل، ولكن معناه: جيئوا متقين يوما. ولا تجزي معناه: لا تغني.
وقال السدي: معناه لا تقضي، ويقويه قوله شيئاً وقيل المعنى: لا تكافئ، ويقال: جزى وأجزأ بمعنى واحد، وقد فرق بينهما قوم، فقالوا: جزى بمعنى: قضى وكافأ، وأجزأ بمعنى أغنى وكفى.
وقرأ أبو السمال «تجزىء» بضم التاء والهمز، وفي الكلام حذف.
وقال البصريون: التقدير لا تجزي فيه، ثم حذف فيه.
وقال غيرهم: حذف ضمير متصل ب تجزي تقديره لا تجزيه، على أنه يقبح حذف هذا الضمير في الخبر، وإنما يحسن في الصلة.
وقال بعض البصريين: التقدير لا تجزي فيه، فحذف حرف الجر واتصل الضمير، ثم حذف الضمير بتدريج.
وقوله تعالى: {ولا يقبل شفاعة} قرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالتاء، وقرأ الباقون: بالياء من تحت على المعنى إذ تأنيث الشفاعة ليس بحقيقي، والشفاعة مأخوذة من الشفع وهما الاثنان لأن الشافع والمشفوع له شفع، وكذلك الشفيع فيما لم يقسم.
وسبب هذه الآية أن بني إسرائيل قالوا: نحن أبناء الله وأبناء أنبيائه وسيشفع لنا آباؤنا، فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا تقبل فيه الشفاعة، ولا تجزي نفسٌ عن نفسٍ، وهذا إنما هو في الكافرين، للإجماع وتواتر الحديث بالشفاعة في المؤمنين.
وقوله تعالى: {ولا يؤخذ منها عدلٌ}، قال أبو العالية: «العدل الفدية».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعدل الشيء هو الذي يساويه قيمة وقدرا وإن لم يكن من جنسه، «والعدل» بكسر العين هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جرمه.
وحكى الطبري أن من العرب من يكسر العين من معنى الفدية، فأما واحد الأعدال فبالكسر لا غير، والضمير في قوله ولا هم عائد على الكافرين الذين اقتضتهم الآية، ويحتمل أن يعود على النفسين المتقدم ذكرهما، لأن اثنين جمع، أو لأن النفس للجنس وهو جمع، وحصرت هذه الآية المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا، فإن الواقع في شدة مع آدمي لا يتخلص إلا بأن يشفع له أو ينصر أو يفتدى). [المحرر الوجيز: 1 / 204 -205]


رد مع اقتباس