عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 12:05 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس} الآية. "يوآخذ" هو يفاعل من أخذ، كأن أحد المؤاخذين يأخذ من الآخر مأخذا كما هي في حق الله تعالى، أو بإذاية في جهة المخلوقين، فيأخذ الآخر من الأول بالمعاقبة والجزاء، وهي لغتان: واخذ، وآخذ، ويؤاخذ يصح أن تكون من آخذ، وأما كونها من واخذ فبين، والضمير في "عليها" عائد على الأرض، ويمكن ذلك مع أنه لم يجر لها ذكر لشهرتها، ويمكن الإشارة لها كما قال لبيد في الشمس:
حتى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجن عورات البلاد ظلامها
ومنه قوله تعالى: {حتى توارت بالحجاب}، ولم يجر للشمس ذكر. وقوله: {من دابة}، "من" دخلت لاستغراق الجنس، وظاهر الآية أن الله تعالى أخبر أنه لو آخذ الناس بعقاب يستحقونه بظلمهم في كفرهم ومعاصيهم لكان ذلك العقاب يهلك منه جميع ما يدب على الأرض من حيوان، فكأنه بالقحوط أو بأمر يصيبهم من الله تعالى، وعلى هذا التأويل قال بعض العلماء: كاد الجعل أن يهلك بذنوب بني آدم، ذكره الطبري، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى ليهزل الحوت في الماء والطير في الهواء بذنوب العصاة"، وسمع أبو هريرة رجلا يقول: "إن الظالم لا يهلك إلا
[المحرر الوجيز: 5/373]
نفسه"، فقال أبو هريرة: "إن الله ليهلك الحبارى في وكورها هزلا بذنوب الظلمة"، وقد نطقت الشريعة في أخبارها بأن الله أهلك الأمم برها وعاصيها بذنوب العصاة منهم. وقالت فرقة: قوله: {من دابة}، يريد: من أولئك الظلمة فقط، ويدل على هذا التخصيص أن الله تعالى لا يعاقب أحدا بذنب أحد، واحتجت بقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، وهذا كله لا حجة فيه; وذلك أن الله تعالى لا يجعل العقوبة تقصد أحدا بسبب إذناب غيره، ولكن إذا أرسل عذابا على أمة عاصية لم يمكن البريء التخلص من ذلك العذاب، فأصابه العذاب لا بأنه له مجازاة، ونحو هذا قوله: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث". ثم لا بد من تعلق ظلم ما بالأبرياء; وذلك بترك التغيير ومداجنة أهل الظلم ومداومة جوارهم، و"الأجل المسمى" في هذه الآية هو بحسب شخص شخص، وفي معنى الآية ضمائر كثيرة تركتها اختصارا وإيجازا). [المحرر الوجيز: 5/374]

تفسير قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ما يكرهون} يريد البنات، و"ما" في هذا الموضع تقع لمن يعقل من حيث هو صنف، وقرأ الحسن: "ألسنتهم الكذب" بسكون النون خوفا من توالي الحركات. وقرأ الجمهور: "الكذب" بكسر الذال وفتح الباء، فـ "أن" بدل منه، وقرأ معاذ بن جبل رضي الله عنه وبعض أهل الشام بضم الكاف والذال والباء على صفة الألسنة، و"أن" مفعولة بـ "تصف"، و"الحسنى" قال مجاهد، وقتادة: يريد الذكور من الأولاد، وهو الأسبق من معنى الآية، وقالت فرقة: يريد الجنة، ويؤيد هذا قوله: {لا جرم أن لهم النار}، ومعنى الآية على هذا التأويل: يجعلون لله المكروه ويدعون مع ذلك أنهم يدخلون الجنة، كما تقول لرجل: أنت تعصي الله، وتقول -مع ذلك- إنك
[المحرر الوجيز: 5/374]
تنجو، أي: إن ذلك لبعيد مع هذا، ثم حكم عليهم بعد ذلك بالنار، وقد تقدم القول في "لا جرم"، وقرأ الجمهور: "أن لهم" بفتح الهمزة، وإعرابها بحسب تقدير "جرم"، فمن قدرها بـ "كسب فعلهم" فهو نصب، ومن قدرها بـ "وجب" فهو رفع، وقرأ الحسن، وعيسى بن عمر: "إن" بكسر الهمزة، وقرأ السبعة سوى نافع: "مفرطون" بفتح الراء وخفيفة، ومعناه: مقدمون إلى النار والعذاب، وهي قراءة الحسن، والأعرج، وأصحاب ابن عباس، وقد رويت عن نافع، وهو مأخوذ من "فرط الماء"، وهم القوم الذين يتقدمون إلى المياه لإصلاح الدلاء والأرشاء، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا فرطكم على الحوض"، ومنه قول القطامي:
واستعجلونا وكانوا من صحابتنا ... كما تعجل فراط لوراد
وقالت فرقة: "مفرطون" معناه: مخلفون متروكون في النار منسيون فيها، قاله سعيد بن جبير، ومجاهد، وابن هند، وقال آخرون: "مفرطون" معناه: مبعدون في النار، وهذا قريب من الذي قبله، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: "مفرطون" بكسر الراء وتشديدها وفتح الفاء، ومعناه: مقصرون في طاعة الله تبارك وتعالى، وقد روي عنه فتح الراء مع شدها، وقرأ نافع وحده: "مفرطون" بكسر الراء وخفتها، وهي قراءة ابن مسعود، وابن عباس، وأبي رجاء، وشيبة بن نصاح، وأكثر أهل المدينة، أي: متجاوزون للحد في معاصي الله). [المحرر الوجيز: 5/375]

تفسير قوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين}
هذه آية ضرب مثل لهم بمن تقدم، وفي ضمنها وعيد لهم وتأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: "اليوم" يحتمل أن يريد يوم الإخبار بهذه الآية، وهو بعد موت أولئك الأمم المذكورة، أي: لا ولي لهم مذ ماتوا واحتاجوا إلى الغوث إلا الشيطان، ويحتمل أن يريد يوم القيامة، والألف واللام فيه للعهد، أي: هو وليهم في اليوم المشهود، وهو وقت الحاجة والفصل، ويحتمل أن يريد: فهو وليهم مدة حياتهم ثم انقطعت ولايته بموتهم، وعبر عن ذلك بقوله: "اليوم" تمثيلا للمخاطبين بمدة حياتهم، كما تقول لرجل شاب تحضه على طلب العلم: يا فلان لا يدرس أحد من الناس إلا اليوم، تريد: في مثل سنك هذه، فكأنه قال لهؤلاء: فهو وليهم في مثل حياتكم هذه، وهي التي كانت لهم، وسائر الآية وعيد). [المحرر الوجيز: 5/376]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب} يريد القرآن، وقوله: {إلا لتبين} في موضع المفعول من أجله، وقوله: {وهدى ورحمة} عطف عليه، كأنه قال: إلا للبيان، أي لأجل البيان، وقوله: {الذي اختلفوا فيه} لفظ عام لأنواع كفر الكفرة من الجحد بالله تعالى، أو بالقيامة، أو بالنبوءات وغير ذلك، ولكن الإشارة في هذه الآية إنما هي لجحدهم الربوبية، وتشريكهم الأصنام في الإلهية، يدل على ذلك أخذه بعد هذا في إثبات العبر الدالة على أن الأنعام وسائر الأفعال إنما هي من الله تعالى لا من الأصنام). [المحرر الوجيز: 5/376]

رد مع اقتباس