عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 02:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان} الآية. "الإنسان" هنا للجنس، والمراد آدم عليه السلام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: سمي بذلك لأنه عهد إليه فنسي، ودخل من بعده في ذلك إذ هو من نسله. و"الصلصال" الطين الذي إذا جف صلصل، هذا قول فرقة، منها من قال: هو طين الخزف، ومنها قول الفراء: هو الطين الحر يخالطه رمل دقيق. وقال ابن عباس: خلق من ثلاثة: من طين لازب، وهو اللازق والجيد، ومن
[المحرر الوجيز: 5/286]
صلصال، وهو الأرض الطيبة يقع عليها الماء ثم ينحسر فتشقق وتصير مثل الخزف، ومن حمإ مسنون، وهو الطين في الحمأة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكان الوجه -على هذا المعنى- أن يقال: "صلال"، لكن ضوعف الفعل من فائه، وأبدلت إحدى اللامين من "صلال" صادا، وهذا مذهب الكوفيين، وقاله ابن جني والزبيدي، ونحوهما على نحو البصرة، ومذهب جمهور البصريين أنهما فعلان متباينان، وكذلك قالوا في ثرار وثرثارة، قال بعضهم: تقول: صل الخزف ونحوه إذا صوت بتمديد، فإذا كان في صوته ترجيع كالجرس ونحوه قلت: صلصل، ومنه قول الكميت:
فيها العناجيج تردي في أعنتها ... شعثا تصلصل في أشداقها اللجم
وقال مجاهد وغيره: "صلصال" هنا إنما هو من: "صل اللحم" إذا أنتن، فجعلوا معنى "صلصال" و"حمأ" في لزوم النتن شيئا واحدا.
و"المسنون" قال معمر: معناه: المنتن، وهو من "أسن الماء" إذا تغير، والتصريف يرد هذا القول، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المسنون: الرطب، وهذا تفسير لا يخص اللفظة، وقال الحسن: المعنى: سن ذريته على خلقه، الذي يترتب في "مسنون" إما أن يكون: محكوك محكم العمل أملس السطح، فيكون من معنى المسن والسنان، وقولهم: "سننت السكين، وسننت الحجر" إذا أحكمت ملسه، ومن ذلك قول الشاعر:
ثم دافعتها إلى القبة الخضـ ... ـراء تمشي في مرمر مسنون
[المحرر الوجيز: 5/287]
أي: محكم الإملاس، وإما أن يكون بمعنى المصبوب: تقول: "سننت التراب والماء" إذا صببته شيئا بعد شيء، ومنه قول عمرو بن العاص رضي الله عنه لمن حضر وفاته: "إذا أدخلتموني في قبري فسنوا علي التراب سنا"، ومن هذا سن الغارة. وقال الزجاج: هو مأخوذ من كونه على سنة الطريق، لأنه إنما يتغير إذا فارق الماء، فمعنى الآية على هذا: من حمأ مصبوب يوضع بعضه فوق بعض على مثال وصورة). [المحرر الوجيز: 5/288]

تفسير قوله تعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : ("والجان" يراد به جنس الشياطين، ويسمون جنة وجانا وجنا لاستتارهم عن العين، وسئل وهب بن منبه عنهم فقال: هم أجناس، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس تفعل هذا كله، منها السعالي والغول وأشباه ذلك. وقرأ الحسن بن أبي الحسن: "الجأن" بالهمز، والمراد بهذه الخلقة إبليس أبو الجن، وفي الحديث: "إن الله تعالى خلق آدم من جميع أنواع التراب، الطيب والخبيث، والأسود والأحمر"، وفي سورة البقرة إيعاب هذا. وقوله: "من قبل" لأن إبليس خلق قبل آدم بمدة، وخلق آدم آخر الخلق. و"السموم"
[المحرر الوجيز: 5/288]
في كلام العرب إفراط الحر حتى يقتل، من نار أو شمس أو ريح، وقالت فرقة: السموم بالليل، والحرور بالنهار، وأما إضافة النار إلى السموم في هذه الآية فيحتمل أن تكون النار أنواعا ويكون السموم أمرا يختص بنوع منها فتصح الإضافة حينئذ، وإن لم يكن هذا فيخرج هذا على قولهم: "مسجد الجامع" و"دار الآخرة" على حذف مضاف). [المحرر الوجيز: 5/289]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون}
"إذ" نصبت بإضمار فعل مقدر، تقديره: واذكر إذ قال ربك، و"البشر" ها هنا آدم، وهو مأخوذ من البشرة، وهي وجه الجلد في الأشهر من القول، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنقوا البشرة". وقيل: البشرة ما يلي اللحم، ومنه قولهم في المثل: "إنما يعاتب الأديم ذو البشرة"، لأن تلك الجهة هي التي تبشر، وأخبر الله تعالى الملائكة بعجب عندهم، وذلك أنهم كانوا مخلوقين من نور، فهي أجسام لطاف، فأخبرهم أنه لا يخلق جسما حيا ذا بشرة، وأنه يخلقه من صلصال، والبشر والبشارة أيضا أصلهما البشرة لأنهما فيها يظهران). [المحرر الوجيز: 5/289]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"سويته" معناه: كملته وأتقنته حتى إذا استوت أجزاؤه على ما يجب، وقوله: {من روحي} إضافة خلق وملك إلى خالق مالك، أي: من الروح الذي هو لي، ولفظة الروح هنا للجنس، وقوله: "فقعوا" من وقع يقع، وفتحت القاف لأجل حرف الحلق، وهذه اللفظة تقوي أن سجود الملائكة إنما كان على المعهود عندنا، لا أنه خضوع وتسليم وإشارة كما قال بعض الناس، وشبهوه بقول الشاعر:
[المحرر الوجيز: 5/289]
فكلتاهما خرت وأسجد رأسها ... كما سجدت نصرانة لم تحنف
وهذا البيت يشبه أن يكون السجود فيه كالمعهود عندنا، وحكى الطبري في تفسير هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "خلق الله ملائكة وأمرهم بالسجود لآدم فأبوا، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم، ثم خلق آخرين فكذلك، ثم خلق آخرين فأمرهم بالسجود فأطاعوا إلا إبليس فإنه كان من الأولين"، وقوله: "من الأولين" يحتمل أن يريد: من الأولين في حالهم وكفرهم، ويحتمل أن يريد في أنه بقي منهم). [المحرر الوجيز: 5/290]

تفسير قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {كلهم أجمعون} هو عند سيبويه تأكيد بعد تأكيد، يتضمن الآخر ما تضمن الأول، وقال غيره: "كلهم" لو وقف عليه لصلحت للاستثناء، وصلحت على معنى المبالغة مع أن يكون البعض لم يسجد، وهذا كما يقول القائل: "كل الناس يعرف كذا"، وهو يريد أن المذكور أمر مشتهر، فلما قال: "أجمعون" رفع الاحتمال في أن يبقى منهم أحد، واقتضى الكلام أن جميعهم سجد، وقال المبرد: لو وقف على" كلهم" لاحتمل أن يكون سجودهم في مواطن كثيرة، فلما قال: "أجمعون" دل على أنهم سجدوا في موطن واحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واعترض قول المبرد بأنه جعل قوله تعالى: "أجمعون" حالا. بمعنى "مجتمعين"، ويلزمه -على هذا- أن يكون "أجمعون" هنا على أن يقرب من التنكير إذ هو معرفة لكونه يلزم اتباع المعارف، والقراءة بالرفع تأبى قوله). [المحرر الوجيز: 5/290]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إلا إبليس}، قيل: إنه استثناء من الأول، وقيل: إنه ليس من
[المحرر الوجيز: 5/290]
الأول، وهذا متركب على الخلاف في إبليس، هل هو من الملائكة أم لا؟ والظاهر من كثير من الأحاديث ومن هذه الآية أنه من الملائكة، وذلك أن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود، ولو لم يكن إبليس من الملائكة لم يذنب في ترك السجود، وقد روي عن الحسن بن أبي الحسن أن إبليس إنما كان من قبيل الجن، ولم يكن قط ملكا، ونسب ابن فورك القول إلى المعتزلة، وتعلق من قال هذا بقوله تعالى في صفته: " كان من الجن "، وقالت الفرقة الأخرى: لا حجة في هذا لأن الملائكة قد تسمى جنا لاستتارها وقد قال تعالى: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} ). [المحرر الوجيز: 5/291]

رد مع اقتباس