عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 15 جمادى الأولى 1434هـ/26-03-2013م, 12:54 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالت هيت لك...}
قرأها عبد الله بن مسعود وأصحابه...
- حدثني بن أبي يحيى عن أبي حبيب عن الشّعبيّ عن عبد الله ابن مسعود أنه قال: أقرأني رسول الله صلى عليه وسلم (هيت) ويقال: إنها لغة لأهل حوران سقطت إلى مكّة فتكلّموا بها. وأهل المدينة يقرءون هيت لك بكسر الهاء ولا يهمزون وذكر عن علي بن أبي طالب وابن عبّاس أنهما قرءا (هئت لك) يراد بها: تهيّأت لك وقد قال الشاعر:
أنّ العراق وأهله=سلمٌ عليك فهيت هيتا
أي هلمّ.
وقوله: {إنّه ربّي} يعني مولاه الذي اشتراه. يقول: قد أحسن إليّ فلا أخونه). [معاني القرآن: 2/40]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {وقالت هيت لك} أي هلمّ لك،
أنشدني أبو عمرو بن العلاء:

أبلغ أمير المؤمن=ين أخا العراق إذا أتيتا
أنّ العراق وأهله= عنقٌ إليك فهيت هيتا
يريد عليّ بن أبي طالب رحمه الله، أي تعالى وتقرب وادته، وكذلك لفظ هيت للاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء إلا أن العدد فيما بعدها تقول: هيت لكما وهيت لكن، وشهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد أو أحمد وكان عالماً بالقرآن وكان لألأً ثم كبر فقعد في بيته فكان يؤخذ عنه القرآن ويكون مع القضّاة، فسأله عن قول من قال: هئت فكسر الهاء وهمز الياء، فقال أبو عمرو: نبسى أي باطل جعلها قلت من تهيأت؛ فهذا الخندق، واستعرض العرب حتى تنتهى إلى اليمن هل يعرف أحد هئت لك؛ كان خندق كسرى إلى هيت حين بلغه أن النبي صلى الله عليه يخرج وخاف العرب فوضع عليه المراصد وصوامع وحرساً ودون ذلك مناظر ثم لما كانت فتنة ابن الأشعث حفره عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، وكان أعور،
فقال له حميد الأرقط:
يا أعور العين فديت العورا= لا تحسبنّ الخندق المحفورا
يردّ عنك القدر المقدورا
وذلك أنه لما انهزم ابن الأشعث من الزاوية قام هو بأمر أهل البصرة فناصب الحجاج، ثم لما هرب يزيد بن المهلب من سجن عمر بن عبد العزيز حفره عدى بن أرطاة عامل البصرة، لئلا يدخل يزيد البصرة ثم حفره المنصور وجعل عليه حائطاً مما يلي الباب فحصنه أشد من تحصين الأولين للحائط ولم يكن له حائط قبل ذلك). [مجاز القرآن: 1/307-305]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وراودته الّتي هو في بيتها عن نّفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ اللّه إنّه ربّي أحسن مثواي إنّه لا يفلح الظّالمون}
وقال: {معاذ اللّه إنّه ربّي} أي: أعوذ بالله معاذا. جعله بدلا من اللفظ بالفعل لأنه مصدر وإن كان غير مستعمل مثل "سبحان" وبعضهم يقول "معاذة الله" ويقول "ما أحسن معناة هذا الكلام" يريد المعنى). [معاني القرآن: 2/51]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ابن مسعود قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {هيت لك} بالفتح، وهي قراءة الحسن وأبي عمرو.
وقراءة عثمان بن عفان رحمه الله وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه {هيت لك} بكسر الهاء بغير همز.
ابن عباس رحمه الله ومجاهد ويحيى بن وثاب {هئت لك} مضمومة التاء مكسورة الهاء مهموزة.
قال أبو علي: ومعنى {هيت لك}؛ أي أقبل؛ وهو قول ابن عباس.
قال الشاعر:
أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا
أن العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا
قال أبو علي أنشدني بعض أهل الحجاز لطرفة:
ليس قومي بالأبعدين إذا ما = قال داع من العشيرة هيت
هم يجيبون ذا هلم سراعا = كالأبابيل لا يغادر بيت
قال أبو علي أنشدنيه مرفوعًا.
ومن همز فهو من "هئت" للأمر، فأنا أهيء له، هيئة؛ أي تهيأت من التهيء.
[معاني القرآن لقطرب: 732]
[وزاد محمد بن صالح]:
وقراءة ابن أبي إسحاق "هيت لك" بنصب الهاء وكسر التاء.
وقرأ ابن كثير {هيت لك} بنصب الهاء ورفع التاء). [معاني القرآن لقطرب: 733]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {معاذ الله إنه ربي} فإنهم يقولون أيضًا: معاذ لله، باللام بغير تنوين؛ وقالوا أيضًا: معاذة الله وعياذ الله وعوذ الله؛ وهو من عاذ به يعوذ به). [معاني القرآن لقطرب: 741]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {هيت لك}: بلغة أهل حوران تعال.
ومن قال هئت لك فمعناه تهيأت لك بالهمز). [غريب القرآن وتفسيره: 182-181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقالت هيت لك} أي هلمّ لك. يقال: هيّت فلان لفلان، إذا دعاه وصاح به. قال الشاعر:
قد رابني أنّ الكريّ أسكتا لو كان معنيا بها لهتّا). [تفسير غريب القرآن: 215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وراودته الّتي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ اللّه إنّه ربّي أحسن مثواي إنّه لا يفلح الظّالمون}
المعنى أنها راودته عما أرادته مما يريد النساء من الرجال، فعلم بتركه ذكر الفاحشة نفسها ما راودته عليه.
{وقالت هيت لك} المعنى هلمّ لك، أي أقبل إلى ما أدعوك إليه.
وفي {هيت لك} لغات: يجوز هيت لك، وهيت. وأجودها وأكثرها هيت - بفتح التاء - ورويت عن علي صلوات اللّه عليه: هيت لك فأمّا الفتح مع فتح التاء والهاء، فهو أكثر كلام العرب.
قال الشاعر:

أبلغ أمير المؤمنين= أخا العراق إذا أتيتا
أنّ العراق وأهله= عنق إليك فهيت هيتا
أي فأقبل وتعال.
وحكى قطرب أنه أنشده بعض أهل الحجاز لطرفة بن العبد:

ليس قومي بالأبعدين إذا ما= قال داع من العشيرة هيت
هم يجيبون ذا هلمّ سراعا= كالأبابيل لا يغادر بيت
رويت عن ابن عباس هئت لك مهموزة مكسورة الهاء، من الهيئة كأنها قالت تهيأت لك، فأما الفتح في (هيت) فلأنها بمنزلة الأصوات، ليس منها فعل يتصرّف ففتحت التاء لسكونها وسكون الياء، واختير الفتح لأن قبل التاء ياء كما قالوا: كيف وأين، ومن قال هيت لك - بكسر التاء، فلأن أصل التقاء السّاكنين حركة الكسر، ومن قال: هيت ضمها لأنها في معنى الغايات، كأنها قالت: دعائي لك، ولما حذفت الإضافة وتضمنت معناها بنيت على الضم كما بنيت حيث ومنذ يا هذا.
وقراءة عليّ " هئت لك " بمنزلة هيت والحجة فيها كالحجة فيها مفتوحة.
ثم قال: {معاذ اللّه}.
مصدر، المعنى أعوذ باللّه أن أفعل هذا، تقول: عذت عياذا ومعاذا.
{إنّه ربّي} أي إن العزيز صاحبي
{أحسن مثواي} أي تولّاني في طول مقامي
{إنّه لا يفلح الظّالمون}أي: إن فعلت هذا فخنته في أهله بعدما أكرمني فأنا ظالم.
[ويجوز أن يكون «إنه ربي» يعني الله عز وجل «أحسن مثواي» أي: تولّاني في طول مقامي] ). [معاني القرآن: 3/101-99]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه}
معنى راود فلان فلانة طالبها على الفاحشة وترك ذكر الفاحشة لعلم السامع
وقوله جل وعز: {وقالت هيت لك}
قال سعيد بن جبير أي تعاله
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال لا تنطعوا في القرآن فإنما هو مثل قول أحدكم هلم وتعال ثم قرأ عبد الله وقالت هيت لك بفتح الهاء والتاء
وروي عن مجاهد وعكرمة أنهما قرءا وقالت هئت لك بالهمز
قال قتادة قرأ ابن عباس هئت لك
قال عكرمة أي تهيأت لك
وأنكر الكسائي هذه القراءة وقال لا أعرف هئت لك بمعنى تهيأت وهي عند البصريين جيدة لأنه يقال هاء الرجل يهاء ويهييء هيأة فهاء يهيء مثل جاء يجيء وهئت مثل جئت
ثم قال جل وعز: {معاذ الله إنه ربي}
يجوز أن يكون المعنى إن الله ربي فلا أعصيه
ويجوز أن يكون المعنى إن الملك ربي أي مولاي). [معاني القرآن: 3/411-409]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ) : ( {هيت لك} أي: تعال وأقبل). [ياقوتة الصراط: 273]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {هيت لك} أي هلم لك، أي تعال. ومن قرأ (هئت لك) فمعناه: تهيأت لك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 113]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {هَيْتَ لَكَ}: تعال
{هيتُ لك}: تهييت لك). [العمدة في غريب القرآن: 160]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أن رّأى برهان ربّه...}
ذكروا أنه رأى صورة يعقوب عليه السلام). [معاني القرآن: 2/40]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رّأى برهان ربّه كذلك لنصرف عنه السّوء والفحشاء إنّه من عبادنا المخلصين}
وقال: {وهمّ بها} فلم يكن همّ بالفاحشة ولكن دون ذلك مما لا يقطع الولاية). [معاني القرآن: 2/51]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : ( {لولا أن رأى برهان ربه كذلك} يجوز أن يكون "برهان ربه" على شيء أراده، وكذلك {لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} أي كذلك نزل جملة واحدة من القرآن.
[معاني القرآن لقطرب: 756]
وقوله {مختلف ألوانه كذلك} يجوز أن يكون على كذلك؛ أو مثل ذلك؛ كأنه قال: مثل ذلك؛ أي مثل الذي ذكرنا من الجبال، ثم قال مبتدئًا {إنما يخشى الله}.
وقوله عز وجل {كذلك العذاب} يكون على قوله عز وجل {فأصبحت كالصريم} كذلك العذاب؛ أي مثل إصباحها كالصريم، مثل ذلك العذاب.
و{كذلك وأورثناها} وقال {كم تركوا من جنات وعيون كذلك} أي مثل ذلك وأورثناها قومًا آخرين.
وقوله عز وجل {كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا} يريد فعلنا كذا لعلمنا وإحاطتنا بالأشياء كذلك؛ أي مثل ذلك أحطنا بما لديه خبرا.
ووجه آخر: قال أبو علي قال أعرابي: كيف تصنعون الأقط قال: كهين؛ فأدخل الكاف؛ كأنه قال: هين، واراد كشيء هين جاز؛ وحكي عنهم أيضًا: كمذ ذاك؛ فأدخلوا الكاف على مذ.
وقال الراجز:
................. = وصاليات ككما يؤثفين
كأنه قال: كما؛ فيجوز أن يكون على كمثل، فتصير الكاف الآخرة اسما دخلت عليه الأولى؛ وعلى هذا قال يونس: مررت بكالحمار أي بمثل الحمار.
وقال الشاعر مثل ذلك:
قليل غرار النوم حتى تحملوا = على كالقطا الجوني أفزعه القطر
وقال الراجز:
[معاني القرآن لقطرب: 757]
ينفي الغياديق عن الطريق = قلص عن كبيضة في نيق
غيداق: ضب؛ وسنة غيداق، وغيدق الرجل: كثر بزاقه؛ والسنة الغيداق: الكثيرة الندى والأمطار؛ فأدخل "عن" عليها؛ كأنه قال: مثل بيضة.
وقال الآخر:
وزعت بكالهراوة أعوجي = إذا ونت الجياد جرى وثابا
قال أبو علي: وإن كانت الكاف في: "مذ ذاك"، و"كهين" توكيدًا فقلت أصبر {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا} وما أشبهها على ذلك كان مذهبًا؛ وأن تكون اسمًا بمنزلة المثل أحسن؛ وهي في هذا الوجه كأنك قلت: ذلك وأورثناها؛ أي ذلك، فأضمرت الخبر.
ومثل ذلك قول الشاعر:
إني إذا خفيت نار مرملة = ألفى بأرفع تل رافعًا ناري
[وروى محمد بن صالح]: مزملة بالزاي.
ذاك وإني على جاري لذو حدب = أحنو عليه بما يحنى على الجار
كأنه قال: ذاك ذاك أو ذاك شأني؛ فأضمر الخبر لـ"ذاك"؛ لأنه معلق بغير خبر؛ ومثل ذلك قول الله عز وجل {ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين} كأنه قال: ذلكم ذلكم، أو ذلكم الحديث، وما أشبه ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 758]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لولا أن رأى برهان ربّه} أي حجّته عليه). [تفسير غريب القرآن: 215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (يستوحش كثير من الناس من أن يلحقوا بالأنبياء ذنوبا، ويحملهم التنزيه لهم، صلوات الله عليهم، على مخالفة كتاب الله جلّ ذكره، واستكراه التأويل، وعلى أن يلتمسوا لألفاظه المخارج البعيدة بالحيل الضعيفة التي لا تخيل عليهم، أو على من علم منهم- أنّها ليست لتلك الألفاظ بشكل، ولا لتلك المعاني بلفق.
...
وكتأولهم في قوله سبحانه: ولقد همّت به وهمّ بها أنها همّت بالمعصية، وهمّ بالفرار منها! وقال (بعضهم): وهمّ بضربها! والله تعالى يقول: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}. أفتراه أراد الفرار منها. أو الضرب لها، فلما رأى البرهان أقام عندها وأمسك عن ضربها؟! هذا ما ليس به خفاء ولا يغلط متأوّله.
ولكنها همّت منه بالمعصية همّ نيّة واعتقاد، وهمّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم، همّا عارضا بعد طول المراودة، وعند حدوث الشهوة التي أتي أكثر الأنبياء في هفواتهم منها.
وقد روي في الحديث: أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا، عليهما السلام، لأنّه كان حصورا لا يأتي النساء ولا يريدهنّ. فهذا يدلّك على أنّ أكثر زلّات الأنبياء من هذه الجهة، وإن كانوا لم يأتوا في شيء منها فاحشة، بنعم الله عليهم ومنّه، فإن الصغير منهم كبير لما آتاهم الله من المعرفة، واصطفاهم له من الرسالة، وأقام عليهم من الحجّة. ولذلك قال يوسف، صلّى الله عليه وسلم: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} يريد ما أضمره وحدّث به نفسه عند حدوث الشّهوة.
وقد وضع الله تعالى الحرج عمّن همّ بخطيئة ولم يعملها). [تأويل مشكل القرآن: 405-403] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأراد بالفصيل: السّهم. يقول: ليس يرزؤها درّا، ولا يموت بشما، ولو وجد أيضا في (عصى) مثل هذا السّنن لركبوه، وليس في (غوى) شيء إلا ما في (عصى) من معنى الذّنب، لأن العاصي لله التّارك لأمره غاو في حاله تلك، والغاوي عاص. والغيّ ضدّ الرّشد، كما أن المعصية ضد الطاعة.
وقد أكل آدم، صلّى الله عليه وسلم، من الشجرة التي نهي عنها باستزلال إبليس وخدائعه إيّاه بالله والقسم به إنه لمن الناصحين، حتى دلّاه بغرور. ولم يكن ذنبه عن إرصاد وعداوة وإرهاص كذنوب أعداء الله. فنحن نقول: (عصى وغوى)، كما قال الله تعالى، ولا نقول: آدم (عاص ولا غاو)، لأن ذلك لم يكن عن اعتقاد متقدّم ولا نيّة صحيحة، كما تقول لرجل قطع ثوبا وخاطه: قد قطعه وخاطه، ولا تقل: خائط ولا خيّاط حتى يكون معاودا لذلك الفعل، معروفا به.
وكتأولهم في قوله سبحانه: ولقد همّت به وهمّ بها أنها همّت بالمعصية، وهمّ بالفرار منها!
وقال (بعضهم): وهمّ بضربها! والله تعالى يقول: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} أفتراه أراد الفرار منها. أو الضرب لها، فلما رأى البرهان أقام عندها وأمسك عن ضربها؟!
هذا ما ليس به خفاء ولا يغلط متأوّله.
ولكنها همّت منه بالمعصية همّ نيّة واعتقاد، وهمّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم، همّا عارضا بعد طول المراودة، وعند حدوث الشهوة التي أتي أكثر الأنبياء في هفواتهم منها.
وقد روي في الحديث: أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا، عليهما السلام، لأنّه كان حصورا لا يأتي النساء ولا يريدهنّ. فهذا يدلّك على أنّ أكثر زلّات الأنبياء من هذه الجهة، وإن كانوا لم يأتوا في شيء منها فاحشة، بنعم الله عليهم ومنّه، فإن الصغير منهم كبير لما آتاهم الله من المعرفة، واصطفاهم له من الرسالة، وأقام عليهم من الحجّة. ولذلك قال يوسف، صلّى الله عليه وسلم: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} يريد ما أضمره وحدّث به نفسه عند حدوث الشّهوة.
وقد وضع الله تعالى الحرج عمّن همّ بخطيئة ولم يعملها). [تأويل مشكل القرآن: 405-403] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه كذلك لنصرف عنه السّوء والفحشاء إنّه من عبادنا المخلصين}
أكثر المفسّرين أنه همّ بها حتى رأى صورة يعقوب عليه السلام، وهو يقول له: يا يوسف أتهمّ بفعل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء، وقيل إنه رأى في البيت مكتوبا:
{ولا تقربوا الزّنا إنّه كان فاحشة وساء سبيلا}.
وهذا مذهب أهل التفسير، ولسنا نشكّ أنه قد رأى برهانا قطعه عما همّ به.
وقال قوم: المعنى {ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه}.
وذهبوا إلى أن المعنى لولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها.
والذي عليه المفسرون أنه همّ بها وأنه جلس منها مجلس الرجل من المرأة إلا أن اللّه تفضل بأن أراه البرهان، ألا تراه قال: {وما أبرّئ نفسي إنّ النّفس لأمّارة بالسّوء}.
والمعنى لولا أن رأى برهان ربّه لأمضى ما همّ به.
وليس في الكلام بكثير أتى تقول: ضربتك لولا زيد، ولا هممت بك لولا زيد، إنما الكلام لولا زيد لهممت بك.
و (لولا) تجاب باللام، فلو كان: ولقد همّت به ولهمّ بها لولا أن رأى أي برهان ربّه لكان يجوز على بعد.
وقوله: {كذلك لنصرف عنه السّوء والفحشاء}.
أي كذلك أريناه البرهان لنصرف عنه السّوء والفحشاء، فالسوء – خيانة صاحبه، والفحشاء ركوب الفاحشة.
{إنه من عبادنا المخلصين} أي الذين أخلصوا، أخلصهم اللّه من الأسواء والفواحش، مثل المصطفين.
وقرئت من المخلصين بكسر اللام، أي الذين أخلصوا دينهم للّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 3/102-101]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه}
قال أبو جعفر الذي عليه أهل الحديث والمتقدمون أنه هم بها حتى مثل له يعقوب
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال نا داود بن عمرو الضبي عن نافع وهو ابن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة قال سئل ابن عباس رحمه الله ما بلغ من هموم يوسف فقال جلس يحل هميانا له فنودي يا يوسف لا تك كالطائر يزني وعليه الريش فيقعد بلا ريش فلم يتعظ على النداء فرأى برهان ربه ففر وفرق
وفي رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال سألت ابن عباس عما بلغ من هموم يوسف فذكر نحوه إلا أنه قال جلس بين رجليها ورأى يعقوب
وروى الأعمش عن مجاهد قال حل سراويله فتمثل له يعقوب فقال له يا يوسف فولى هاربا
وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله
وروى إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن قال رأى صورة يعقوب يقول له يوسف يوسف
قال أبو صالح رأى صورة يعقوب في سقف البيت يقول يا يوسف يا يوسف
وقال الضحاك نحوا من هذا قال أبو عبيد القاسم بن سلام وقد زعم بعض من يتكلم في القرآن برأيه أن يوسف لم يهم بها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله: {ولقد همت به}
قال ثم استأنف فقال وهم بها لولا أن رأى برهان ربه بمعنى لولا أن رأى برهان ربه لهم بها واحتج بقوله: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} وبقوله: {واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر} وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم
قال أبو جعفر وكلام أبي عبيد هذا كلام حسن بين لمن لم يمل إلى الهوى والذي ذكر من احتجاجهم بقول {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} لا يلزم لأنه لم يواقع المعصية
وأيضا فإنه قد صح في الحديث أن جبريل قال له حين قال ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ولا حين هممت فقال وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء وكذلك احتجاجهم بقوله: {واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر} لا يلزم لأنه يجوز أن يكون هذا بعد الهموم
وقال الحسن إن الله جل وعز لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها ولكنه ذكرها لئلا تيأسوا من التوبة
وقيل معنى وهم أنه شيء يخطر على القلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من هم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه فهذا مما يخطر بالقلب ولو هم بها على أنه يواقعها لكان ذلك عظيما وفي الحديث إني لأستغفر الله جل وعز في اليوم والليلة مائة مرة
قال أبو جعفر وقد بينا قول من يرجع إلى قوله من أهل الحديث والروايات
وأهل اللغة المحققون على قولهم
قال أبو إسحاق يبعد أن يقال ضربتك لولا زيد وهممت بك لولا زيد وإنما الكلام لولا زيد لهممت بك فلو كان ولقد همت به ولهم بها لولا أن رأى برهان ربه لجاز على بعد وإنما المعنى لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به
وقال بعض أهل اللغة المعنى وهم بدفها
وقوله جل جلاله: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء}
(السوء): خيانة صاحبه، و(الفحشاء): ركوب الفاحشة.
حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال: نا محمد بن إبراهيم بن جناد قال: نا الحسن بن عبد العزيز الجروي قال: حدثني أبو مروان وأثنى عليه خيرا، قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر في قول الله جل وعز: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء} قال: (السوء): الثناء القبيح و(الفحشاء): الزنا). [معاني القرآن: 3/416-411]


رد مع اقتباس