عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 12:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال}
هذه الآية بجملتها فيها وعيد للظالمين، وتسلية للمظلومين، والخطاب بقوله: "تحسبن" لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بالنهي غيره ممن يليق به أن يحسب مثل هذا، وقرأ طلحة بن مصرف: "ولا تحسب الله غافلا" بإسقاط النون، وكذلك: "فلا تحسب الله مخلف وعده"، وقرأ أبو حيوة، وعبد الرحمن، والحسن، والأعرج: "نؤخرهم" بنون العظمة، وقرأ الجمهور: "يؤخرهم" بالياء، أي الله تعالى. وتشخص معناه: تحد النظر لفزع، ولفرط ذلك بشخص المحتضر). [المحرر الوجيز: 5/258]

تفسير قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "المهطع": المسرع في مشيه، قاله ابن جبير، وقتادة، وذلك بذلة واستكانة، كإسراع الأسير الخائف ونحوه، وهذا هو أرجح الأقوال، وقد توصف الإبل بالإهطاع على معنى الإسراع، وقلما يكون إسراعها إلا خوف السوط ونحوه، فمن ذلك قول الشاعر:
وبمهطع سرح كأن عنانه ... في رأس جذع من أوال مشذب
[المحرر الوجيز: 5/258]
ومن ذلك قول عمران بن حطان:
إذا دعانا فأهطعنا لدعوته ... داع سميع فلفونا وساقونا
ومنه قول ابن مفرغ:
بدجلة دارهم ولقد أراهم ... بدجلة مهطعين إلى السماع
ومن ذلك قول الآخر:
بمستهطع رسل كأن جديله ... بقيدوم رعن من صوام ممنع
وقال ابن عباس، وأبو الضحى: الإهطاع: شدة النظر من غير أن يطرف، وقال ابن زيد: الذي لا يرفع رأسه، قال أبو عبيدة: وقد يكون الإهطاع للوجهين جميعا: الإسراع وإدامة النظر.
و "المقنع" هو الذي يرفع رأسه قدما بوجهه نحو الشيء، ومن ذلك قول الشاعر:
يباكرن العضاه بمقنعات ... نواجذهن كالحدأ الوقيع
[المحرر الوجيز: 5/259]
يصف الإبل بالإقناع عند رعيها أعالي الشجر. وقال الحسن في تفسير هذه الآية: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء، لا ينظر أحد إلى أحد، وذكر المبرد فيما حكي عن أن الإقناع يوجد في كلام العرب بمعنى خفض الرأس من الذلة، والأول أشهر.
وقوله: {لا يرتد إليهم طرفهم} أي: لا يطرفون من الحذر والجزع وشدة الحال.
وقوله: {وأفئدتهم هواء} تشبيه محض، لأنها ليست بهواء حقيقة، وجهة التشبيه يحتمل أن تكون في فراغ الأفئدة من الخير والرجاء والطمع في الرحمة، فهي منخرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه، ويحتمل أن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في صدورهم، وأنها تجيء وتذهب وتبلغ -على ما روي- حناجرهم، فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبدا في اضطراب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وعلى هاتين الجهتين يشبه قلب الجبان وقلب الرجل المضطرب في أموره بالهواء، فمن ذلك قول الشاعر:
ولا تك من أخدان كل يراعة ... هواء كسقب الناب جوفا مكاسره
ومن ذلك قول حسان:
ألا أبلغ أبا سفيان عني ... فأنت مجوف نخب هواء
[المحرر الوجيز: 5/260]
ومن ذلك قول زهير:
كأن الرحل منه فوق صعل ... من الظلمان جؤجؤه هواء
فالمعنى أنه في غاية الخفة في إجفاله). [المحرر الوجيز: 5/261]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وأنذر الناس} الآية. المراد باليوم يوم القيامة، ونصبه على أنه مفعول بـ "أنذر"، ولا يجوز أن يكون ظرفا لأن القيامة ليست بموطن إنذار. وقوله: "فيقول" رفع عطفا على قوله: "يأتيهم". وقوله: {أولم تكونوا} إلى آخر الآية معناه: يقال لهم، فحذف ذلك إيجازا إذ المعنى يدل عليه، وقوله: {ما لكم من زوال} هو المقسم عليه نقل المعنى، ومن زوال معناه: من الأرض بعد الموت، أي: لا بعث من القبور، وهذه الآية ناظرة إلى ما حكى عنهم في قوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت}). [المحرر الوجيز: 5/261]

تفسير قوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار}
يقول عز وجل: أيها المعرضون عن آيات الله من جميع العالم سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم بالكفر من الأمم السالفة فنزلت بهم المثلات، فكان قولكم الاعتبار والاتعاظ، وقرأ الجمهور: "وتبين" بتاء، وقرأ السلمي -فيما حكى المهدوي -:
[المحرر الوجيز: 5/261]
"ونبين" بنون عظمة مضمومة وجزم على معنى: أو لم نبين، عطف على أولم تكونوا، قال أبو عمرو: وقرأ أبو عبد الرحمن بضم النون ورفع النون الأخرة). [المحرر الوجيز: 5/262]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {وعند الله مكرهم} هو على حذف مضاف تقديره: وعند الله عقاب مكرهم، أو جزاء مكرهم، ويحتمل قوله تعالى: {وقد مكروا مكرهم} أن يكون خطابا لمحمد عليه الصلاة والسلام والضمير لمعاصريه، ويحتمل أن يكون مما يقال للظلمة يوم القيامة، والضمير للذين سكن في منازلهم.
وقرأ السبعة سوى الكسائي: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال بكسر اللام من لتزول وفتح الثانية، وهي قراءة علي بن أبي طالب وجماعة، وهذا على أن تكون "إن" نافية بمعنى "ما"، ومعنى الآية تحقير مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار الله بها التي هي كالجبال في ثبوتها وقوتها، وهذا تأويل الحسن وجماعة من المفسرين. وتحتمل عندي هذه القراءة أن تكون بمعنى تعظيم مكرهم، أي: وإن كان شديدا إنما يفعل لتذهب به عظام الأمور، وقرأ الكسائي: "لتزول" بفتح اللام الأولى ورفع الثانية، وهي قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن وثاب، وهذا على أن تكون "إن" مخففة من الثقيلة، ومعنى الآية تعظيم مكرهم وشدته، أي أنه مما يشقى به، ويزيل الجبال من مستقراتها بقوته، ولكن الله تعالى أبطله ونصر أولياءه، وهذا أشد في العبرة.
وقرأ علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وعمر بن الخطاب، وأبي بن كعب: "وإن كاد مكرهم"، ويترتب مع هذه القراءة في "لتزول" ما تقدم، وذكر أبو حاتم أن في قراءة أبي بن كعب: "ولولا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال"، وحكى الطبري عن بعض المفسرين أنهم جعلوا هذه الآية إشارة إلى ما فعل نمروذ، إذ علق التابوت بين الأنسر ورفع لها اللحم في أطراف الرماح بعد أن أجاعها، ودخل هو وحاجبه في
[المحرر الوجيز: 5/262]
التابوت فعلت بهما الأنسر حتى قال له النمرود: ماذا ترى؟ قال: أرى بحرا وجزيرة، يريد الدنيا المعمورة، ثم قال: ماذا ترى؟ قال: أرى غماما ولا أرى جبلا، فكأن الجبال زالت عن نظر العين بهذا المكر، وذكر ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك عندي لا يصح عن علي، وفي هذه القصة كلها ضعف من طريق المعنى، وذلك أنه غير ممكن أن تصعد الأنسر كما وصف، وبعيد أن يغرر أحد بنفسه في مثل هذا). [المحرر الوجيز: 5/263]

رد مع اقتباس