عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 15 محرم 1439هـ/5-10-2017م, 12:24 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

أسباب جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن:

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أسباب جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن:
لما كثرت الفتوحات في زمن عمر ثم زمن عثمان واتّسعت بلاد المسلمين، وأقبل الناس على قراءة القرآن وحفظه ظهر الخلاف والتخاصم في القراءات؛ حتى اشتدّ الخلاف في بعض البلدان، وكفَّر بعض الجهّال بعض من قرأ غير قراءتهم، وكادت أن تكون بينهم فتنة بسبب ذلك.

فكان بعض الصحابة يلحظ ذلك وينكره، ويبلغ عثمان أنواع من الخلاف والتنازع؛ فلما تفاقم الأمر، وجاء حذيفة بخبر الفتنة التي حصلت بسبب هذا الاختلاف؛ خطب عثمان في الناس، واستشار فقهاء الصحابة وقراءهم، واجتمعت كلمتهم على جَمْعِ مصحفٍ إمامٍ تستنسخ منه المصاحف، ويلغى ما خالفه.

وقد روى أهل الحديث آثاراً كثيرة تدلّ على تعدّدِ الأسباب التي حملت عثمان رضي الله عنه على الأمر بجمع المصاحف، ومن ذلك:
1. خبر إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف قال: حدثنا ابن شهاب [الزهري] عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان - وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق - فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة؛ فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان؛ فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف). رواه البخاري والترمذي والنسائي في الكبرى.
- وروى يونس وابن وهب عن ابن شهاب أنه قال: (حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه اجتمع لغزوة أرمينية وأذربيجان أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة). رواه عمر بن شبة وابن أبي داوود.

2. وروى أبو إسحاق السبيعي عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: " أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون قراءة أبيّ وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك فأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به...) رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة وابن أبي داوود في كتاب المصاحف.

3. وروى علقمة بن مرثد الحضرمي، عن العيزار بن جرول الحضرمي عن سويد بن غفلة الجعفي قال: والله لا أحدثكم إلا بشيء سمعته من علي: سمعته يقول: " اتقوا الله في عثمان ولا تغلوا فيه، ولا تقولوا حراق المصاحف، فوالله ما فعل إلا عن ملأ منا أصحاب محمد، دعانا فقال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضكم يقول: قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرا، وإنكم إن اختلفتم اليوم كان لمن بعدكم أشد اختلافا "،
قلنا: فما ترى؟ قال: «أن أجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف» ، قلنا: فنعم ما رأيت، قال: «فأي الناس أقرأ؟» قالوا: زيد بن ثابت،
قال: «فأي الناس أفصح وأعرب؟»
قالوا: سعيد بن العاص، قال: «فليكتب سعيد وليمل زيد» ، قال: فكانت مصاحف بعث بها إلى الأمصار، قال علي: «والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل» رواه عمر بن شبة.

4. وقال يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي: حدثني عبد الله بن عبد الملك الحر، عن إياد بن لقيط، عن يزيد بن معاوية النخعي قال: إني لفي المسجد زمن الوليد بن عقبة في حلقة فيها حذيفة قال: وليس إذ ذاك حَجَزَةٌ ولا جَلاوزة، إذ هتف هاتف: من كان يقرأ على قراءة أبي موسى؛ فليأت الزاوية التي عند أبواب كندة، ومن كان يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود فليأت هذه الزاوية التي عند دار عبد الله، واختلفا في آية من سورة البقرة قرأ هذا (وأتموا الحج والعمرة للبيت) وقرأ هذا: {وأتموا الحج والعمرة لله}
فغضب حذيفة واحمرَّت عيناه، ثم قام ففزر قميصه في حجزته وهو في المسجد وذاك في زمن عثمان فقال: إما أن يركب إليَّ أمير المؤمنين وإما أن أركب، فهكذا كان من قبلكم، ثم أقبل فجلس فقال: «إن الله بعث محمدا فقاتل بمن أقبل من أدبر حتى أظهر دينه، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد ثم إن الله استخلف أبا بكر فكان ما شاء الله، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم إن الله استخلف عمر فنزل وسط الإسلام، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواد، ثم إن الله استخلف عثمان وايم الله ليوشكن أن يطعنوا فيه طعنة تخلفونه كله» رواه ابن أبي داوود.

5. وقال حفص بن عمر الدوري المقرئ: حدثنا إسماعيل بن جعفر أبو إبراهيم المديني، عن عمارة بن غزية، عن ابن شهاب الزهري، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت: أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدم من غزوة غزاها بفرج أرمينية فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل العراق يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، ويأتون بما لم يسمع أهل الشام، ويقرأ أهل الشام، بقراءة أبي بن كعب، ويأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق، قال: «فأمرني عثمان رضي الله عنه أن أكتب له مصحفا» فكتبته، فلما فرغت منه عرضه). رواه عمر بن شبة.

6. وقال عبد الله بن وهب: حدثني عمرو بن الحارث أن بكيرا، حدثه: (أن ناساً كانوا بالعراق يسأل أحدهم عن الآية، فإذا قرأها قال: "فإني أكفر بهذه"، ففشا ذلك في الناس، واختلفوا في القراءة، فكُلِّمَ عثمانُ بن عفان رضي الله عنه في ذلك، فأمر بجمع المصاحف فأحرقها، وكتب مصاحف ثم بثَّها في الأجناد). رواه عمر بن شبة وابن أبي داوود.

7. وروى هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أنه قال: (كان الرجل يقرأ فيقول له صاحبه: "كفرت بما تقول"، فرُفِعَ ذلك إلى ابن عفان فتعاظم في نفسه، فجمع اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، منهم أبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأرسل إلى الرَّبْعَةِ التي كانت في بيت عمر رضي الله عنه، فيها القرآن "
قال: «وكان يتعاهدهم».

قال ابن سيرين: فحدثني كثير بن أفلح: أنه كان فيمن يكتب لهم، فكانوا كلما اختلفوا في شيء أخَّرُوه.
قلت: لم أخَّرُوه؟
قال: لا أدري
قال محمد: فظننت أنا فيه ظنا، ولا تجعلوه أنتم يقينا، ظننت أنهم كانوا إذا اختلفوا في الشيء أخروه حتى ينظروا آخرهم عهدا بالعرضة الأخيرة فكتبوه على قوله). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة وابن أبي داوود في كتاب المصاحف.
تصحفت "الرَّبعة" في المطبوع من تاريخ المدينة لابن شبة إلى (الرقعة)، و"الربعة" الصندوق الذي توضع فيه أجزاء المصحف.

8: وقال يحيى بن آدم: حدثنا عمرو بن ثابت قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الشعثاء قال: (كنا جلوسا في المسجد وعبد الله يقرأ فجاء حذيفة فقال: " قراءة ابن أم عبد وقراءة أبي موسى الأشعري، والله إن بقيت حتى آتي أمير المؤمنين، يعني عثمان، لأمرته بجعلها قراءة واحدة قال: فغضب عبد الله فقال لحذيفة كلمة شديدة قال فسكت حذيفة). رواه عمر بن شبة.
وهذا مما يدلّ على أنَّ حذيفة كان يكره هذا الاختلاف من قبل لكنَّه لم يكلّم فيه عثمان حتى رأى بوادر الفتنة.


9. وقال إسماعيل بن عليّة: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة قال: لما كان في خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين.
قال أيوب: لا أعلمه إلا قال: حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبا فقال: «أنتم عندي تختلفون فيه فتلحنون، فمن نأى عني من الأمصار أشد فيه اختلافاً، وأشد لحناً، اجتمعوا يا أصحاب محمد واكتبوا للناس إماماً» رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف، وهو منقطع.

وهذه الآثار تدلّ على أن هذه الأسباب اجتمعت وتظافرت؛ وأنَّ جمع القرآن كان عن إجماع من الصحابة رضي الله عنهم لما رأوه من الاختلاف فجمعوا الناس على مصحف واحد نصحاً للأمّة ودرءا للاختلاف والتنازع في كتاب الله تعالى، وما كان من خلاف ابن مسعود في أوّل الأمر فإنّه رجع عنه، وسيأتي بيانه إن شاء الله.

قال البغوي في شرح السنة: (إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرءون القرآن بعده على الأحرف السبعة التي أقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله عز وجل، إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في زمن عثمان، وعظم الأمر فيه، وكتب الناس بذلك من الأمصار إلى عثمان، وناشدوه الله تعالى في جمع الكلمة، وتدارك الناس قبل تفاقم الأمر، وقدم حذيفة بن اليمان من غزوة أرمينية، فشافهه بذلك، فجمع عثمان عند ذلك المهاجرين والأنصار، وشاورهم في جمع القرآن في المصاحف على حرف واحد، ليزول بذلك الخلاف، وتتفق الكلمة، واستصوبوا رأيه، وحضوه عليه، ورأوا أنه من أحوط الأمور للقرآن، فحينئذ أرسل عثمان إلى حفصة، أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، فأرسلت إليه، فأمر زيد بن ثابت، والرهط القرشيين الثلاثة فنسخوها في المصاحف، وبعث بها إلى الأمصار)ا.هـ


تنبيه:
- قال إسماعيل بن عياش الحمصي: حدثنا حبان بن يحيى البهراني، عن أبي محمد القرشي: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب إلى الأمصار: (أما بعد، فإن نفراً من أهل الأمصار اجتمعوا عندي فتدارسوا القرآن، فاختلفوا اختلافا شديدا، فقال بعضهم: قرأت على أبي الدرداء، وقال بعضهم: قرأت على حرف عبد الله بن مسعود، وقال بعضهم: قرأت على حرف عبد الله بن قيس، فلما سمعت اختلافهم في القرآن - والعهد برسول الله صلى الله عليه وسلم حديث - ورأيت أمرا منكراً فأشفقت على هذه الأمة من اختلافهم في القرآن، وخشيت أن يختلفوا في دينهم بعد ذهاب من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قرأوا القرآن على عهده وسمعوه من فيه، كما اختلفت النصارى في الإنجيل بعد ذهاب عيسى ابن مريم، وأحببت أن ندارك من ذلك، فأرسلت إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن ترسل إلي بالأُدُم الذي فيه القرآن، الذي كُتب عن فَمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوحاه الله إلى جبريل، وأوحاه جبريل إلى محمد، وأنزله عليه، وإذ القرآن غض، فأمرت زيد بن ثابت أن يقوم على ذلك، ولم أفرغ لذلك من أجل أمور الناس والقضاء بين الناس، وكان زيد بن ثابت أحفظنا للقرآن، ثم دعوت نفرا من كُتَّاب أهل المدينة وذوي عقولهم، منهم نافع بن طريف، وعبد الله بن الوليد الخزاعي، وعبد الرحمن بن أبي لبابة؛ فأمرتهم أن ينسخوا من ذلك الأُدُم أربعةَ مصاحفَ وأن يتحفظوا ). رواه عمر بن شبة، وهو خبر لا يصحّ، إسناده مظلم، ومتنه منكر، وإنما أوردته ليُعلم حاله، وليتبيّن ضعف الأقوال التي كان مستندها هذا الأثر). [جمع القرآن:
94 - 101]


رد مع اقتباس